بقلم عبد الله البقالي كل أجزاء الوطن مسقط رأسه، فلقد طاف الفقيد المجاهد جميع أرجاء الوطن يساهم من موقعه في التعبئة ويضخ كميات كثيرة من الزيت في توهج النضال الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وليس مثيرا أن تصادف سنة ميلاده 1912 تاريخ النكسة الكبيرة التي أصابت المغرب بالتوقيع على اتفاقية الحماية التي أدخلت البلاد مرحلة استعمار عنيف،إن ذلك كان يعني أن الهاشمي الفيلالي جاء إلى هذه الدنيا وتحديدا إلى هذا الوطن ليقوم برسالة التحرير الخالدة. كانت مدينة فاس مسقط رأسه، ولفاس في ذلك التاريخ معنى خاص جدا، فاس التي أنجبت العظام من أبناء هذا الشعب، وإذا صح القول على مدينة فاس إنها العاصمة العلمية للمغرب فإنه يصح القول أيضا أن نسميها عاصمة المغرب في الوطنية والكفاح والجهاد، والقراء ليسوا في حاجة لأسترسل أمامهم الآن لائحة طويلة من المجاهدين الخالدين الذين أنجبتهم هذه المدينة التي يخصص لها المغاربة موقعا خاصا بها في قلوبهم وعقولهم، ويكفي أن نعيد التذكير بأن وثيقة المطالبة بالاستقلال التي مثلت أهم منعطف في الحركة الاستقلالية المغربية، وكانت المسمار الأول الذي يدق في نعش الاستعمار قبل أن يدق فيه المسمار الكبير لحظة العودة المظفرة لرائد التحرير جلالة الملك محمد الخامس من المنفى، خرجت من مدينة فاس. المجاهد الهاشمي الفيلالي الذي ودعناه أمس كان أحد أهم الرجالات الذين أعطوا للنضال والجهاد هويته في هذه المدينة رفقة لا أقول ثلة بل حشد من المجاهدين الوطنيين، وحرصت أسرته على أن يغترف في تربيته من المنابع الصالحة، فكان أن تلقى تعليما عربيا إسلاميا قحا حيث أمضى أهم مراحل تعليمه الأولي بالمدرسة الحرة العربية الإسلامية، وما كاد ينهي تعليمه الأولي حتى انتقل إلى إحدى أهم الجامعات في العالم الإسلامي ويتعلق الأمر بجامع القرويين بفاس التي كانت ولاتزال تمثل معلمة من معالم العلم في العالم بأسره، حيث اصطف المجاهد الهاشمي الفيلالي إلى جانب ثلة من الشباب يغترفون من العلوم والآداب، ويمكن القول إن الفترة التي قضاها في هذه الجامع مثلت أهم منعطف وتحول في مسار حياته حيث التقى فيها مع مجموعة من الشباب المتشبع بقيم الوطنية والمغترف من ينابيع الإسلام، وجامع القرويين لم تكن تلقن العلم والفكر والثقافة والآداب بل كانت أيضا تغرس الوطنية في أعماق ذاك الشباب المقبل على الحياة، وكان من الطبيعي أن تمثل هذه المعلمة منطلقا نحو النضال والجهاد ضد المستعمر، وبذلك كانت بحق مدرسة التمرين على الجهاد في سبيل الله والوطن. ومن هنا انطلق المجاهد الهاشمي الفيلالي للعمل الجهادي الميداني، يترأس اجتماعات الخلايا السرية وينسق بين المجموعات، ويوجه العمل ويساهم في توفير ما يكفي من اللوجستيك والوسائل ليستمر الكفاح الوطني متوهجا. ومن المؤكد لا يمكن لهذا العمل الوطني الكبير أن يكتسب مصداقية إلا بدفع الثمن، بل درجة مصداقيته تقاس بحجم التضحيات التي قدمت، وهاهنا يعطي الهاشمي الفيلالي المثال والنموذج، إذ لم تبخل عليه مختلف أجهزة الاستعمار الفرنسي بشتى أنواع التنكيل والتعذيب والإذاية، بالسجن والتعنيف والملاحقات، كانت السلطات الاستعمارية تدرك أن الهاشمي الفيلالي يمثل رأس الحربة في المقاومة الوطنية ولابد من قطع هذه الرأس لكن الاستعمار الغاشم لم يكن يدرك يوما أن المقاومة الوطنية في المغرب تحديدا كانت تتوفر على رؤوس حربة. لم تقتصر حياة الرجل على المقاومة الوطنية بالعمل السياسي الميداني، بل كانت قدرته خارقة على تنويع نضالاته، وراح منذ السنين الأولى من شبابه يكتب وينشر المقالات في الداخل وفي الخارج خصوصا في الصحف التي كانت تصدر في الشرق العربي، وكان صاحب رأي ثاقب وقلم حاد، وفكر سديد. لقد كان من الحتمي أن تثمر المقاومة الوطنية الصادقة حصول المغرب على الاستقلال السياسي وبما أن الهاشمي الفيلالي اختار لنفسه دوما وطوال حياته التشبث بالموقف والثبات عليه، فقد آمن بعد الاستقلال بأن هذا البناء قد يكون أصعب من الحصول على الاستقلال، فواصل قيادة العمل السياسي في حزب الاستقلال، في لجنته التنفيذية، لكن أيضا في جميع أجهزته، وبما أن للرجل هوية وطنية، فلم يكن مثيرا أن يتولى مسؤولية مفتش حزب الاستقلال في أهم مدينة مغربية التي كانت تغلي بالنضال الجماهيري، الدارالبيضاء التي وشمها الفقيد المجاهد بنضالاته الكثيرة والعظيمة، وبقي في الحزب موجها ومنظراً وقائداً ورمزا من رموز العمل الوطني الذي اقتدت به أجيال وأجيال من المغاربة المناضلين، وبقي على هذه الحال إلى أن فارقنا إلى دار البقاء رحمه الله. لقد كان المجاهد الهاشمي الفيلالي بحق رجلا بصيغة الجمع، الذي مثل رحيله خسارة كبيرة ليس للعمل الحزبي الاستقلالي فحسب ولكن للوطن برمته.