أشهرت العديد من الهيئات والمنظمات السياسية والثقافية الورقة الحمراء في وجه نور الدين عيوش رئيس مؤسسة زاكورة على إثر المذكرة التي وجهها إلى الديوان الملكي والتي تتضمن توصيات في إصلاح التعليم بالمغرب دعا فيها عيوش إلى اعتماد الدارجة في المدرسة الوطنية. وفي رده على توصية عيوش استنكر مولاي امحمد الخليفة العضو البارز في حزب الاستقلال ما ذهب إليه عيوش بخصوص تدريس الدارجة واعتبره وجها آخر للاستعمار اللغوي، وقال الخليفة في مقال نشرته جريدة »العلم« إن موقف عيوش لا أخلاقي ولا وطني يستهدف الأمة في أحد أعز مقدساتها ويحتقر الشعب المغربي في اختياره الثابت وتصويته على الدساتير المتوالية بخصوص الهوية واللغة. وفي هذا الإطار اعتبر موسى الشامي رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية وصية عيوش تلاعبا بالثوابت الوطنية، وأوضح في تصريح لجريدة »العلم« أن عيوش اعتدى على عدد كبير من المغاربة خاصة الذين لا يتكلمون العربية. وأكد الشامي أنه بدلا من الاهتمام بالدارجة يجب الدعوة إلى التعليم بالأمازيغية بفروعها الثلاثة، موضحا أن هناك الكثير من الأطفال المغاربة لا يتكلمون الدارجة ولا يفهمونها. وأضاف أن الدستور المغربي يقر على أن العربية هي اللغة الرسمية إلى جانب الأمازيغية، وقال إن هذه الدارجة التي يريد عيوش إدخالها إلى المدرسة، فإن أردنا تطويرها فلابد من اللجوء إلى العربية التي هي لغة الدستور، وذكر الشامي أن الدارجة تتوفر على مؤلفات يمكن الاعتماد عليها في التعليم الابتدائي، وقال إن تدريس الدارجة غير مقبول وغير منطقي، معتبرا اللغة العربية هي اللغة الأم للمغاربة لأنها تتضمن الدارجة وأيضا اللغة العالمة واللغة العالمة هي التي يجب تدريسها لأنها تتوفر على الملايين من المؤلفات في جميع ميادين المعرفة. وأكد أن توصية عيوش مصدرها مغاربة فرنكفونيين يجهلون العربية، وفرنسا هي التي من وراء هؤلاء، وقال إنه له إثبات ومعلومات حول بعض الأساتذة الفرنسيين ومنهم »مدام كوبي Mme Coby« وبن صليلة وكلود حزيس، وقال إن هؤلاء كانوا يأتون إلى المغرب وفي كثير من الأحيان كان عيوش هو من يهتم بهم. ولام الفرنسيون أصحاب هذا التوجه وقال إن فرنسا لا تدرس دارجتها "Lalangue familière" وهي اللغة التي يتكلمها الطفل الفرنسي في منزله. وفي نفس السياق اعتبر فؤاد أبو علي رئيس الائتلاف الوطني من أجل الدفاع عن اللغة العربية أن اعتماد الدارجة في التعليم لا يروم المساهمة في التنمية أو تقريب المعلومة من المواطن كما يشاع، بل هي محاولة لتسطيع الوعي وربطه بالمركز الفرنكفوني، فلن تستطيع أي قوة أن تنقل اللهجة العامية لكي تغذو لغة عالمة لأن وظيفتها في المجتمع غير موسومة بالرسمية بل خصص لها حيز في الإبداع الشعبي والتواصل الشفوي. وأضاف أبو علي في تصريح لجريدة »العلم« أن الدفاع عن الدارجة أو اللهجة المغربية ليس إلا جبل الجليد الذي يخفي الحقيقة، حقيقة محاولات التجزيء والتجهيل وسحق السواد الأعظم من المغاربة وتجهيلهم أكثر حتى يبقى لنخبة البعثات الأجنبية ذات الحظوة ونفس الامتيازات. واعتبر ذلك حملة على العربية واستبدالها باللهجة ويراد بذلك استبدال القيم المرتبطة بها من دين وعقيدة وكل عناصر المشترك الجمعي. وقال أبو علي إن من يتأمل مذكرة السيد عيوش سيجد هذا التلازم حاضرا بين اللغة والقيم المحيلة عليها، فالحرب على العربية ليست إلا مظهرا للحرب على الإسلام تحت عنوان التعليم الديني، وعليه فلا ينبغي حصر النقاش في بعده اللغوي بل هو تجاذب بين منظومتين قيمتين واللغة ليست إلا وسيلة لمحاولة تفتيت هوية الأمة. وأضاف أن مدخل التحرر على الدوام هو الحفاظ على العربية باعتبارها ثابتا من ثوابت الهوية الحضارية للأمة لأن »الأمة التي تتعلم بلغة غير لغتها لا يمكن أن تفكر إلا بفكر أجنبي عنها، كما قال الزعيم علال الفاسي. وأكد أن الإصلاح اللغوي مقدمة ضرورية للتحرر من الهيمنة الثقافية الاستعمارية، موضحا أنه ليست هناك دولة متقدمة واحدة تدرس بلغة أجنبية، وخلص إلى أن هذه الدعوة ليست جديدة بل نجدها حاضرة في الفضاء الثقافي بالمشرق العربي وبنفس المزاعم والمبررات منذ أواخر القرن التاسع عشر وفشلت في طرح البدائل الحقيقية لذا بقيت خارج دائرة الاهتمام، وقال إن دعاة الدارجة المغاربة يحاولون إسقاط هذا النقاش على الفضاء المغربي بمساره السالف ويكررون نفس مسار الفشل مما سيضيع على المغرب جهودا وسنوات عديدة في ترهات الخصوصية الضيقة.