تتبع كل المهتمين بالشأن الحقوقي في المغرب قضية ما يُعرف بالطفلة أمينة بمدينة العرائش، ولا يسعني إلا أن أتأسف للنهائية المؤسفة لهذه الضحية. غير أن هذا كله استتبعه بالضرورة جملة من الأسئلة، بعضها أجاب عنها القضاء، والبعض الآخر ظل غامضا، خاصة بالنسبة لمن لم يطلع على ملف القضية المدرجة أمام القضاء المختص ،لاسيما ما تعلق بالظروف المصاحبة لزواج الهالكة من الشخص الذي اغتصبها، وكذا الأسباب الداعية إلى انتحارها، إن صحَّت واقعة الانتحار. ويعيب كل من تدخل في هذا الملف سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عبر التعليق والتحليل وفي كثير من الأحيان التنديد والوعيد وتحميل المسؤولية إلى السلطات العمومية، خاصة أن هناك فصلا في القانون الجنائي اتخذ كإدانة ضد المشرع المغربي، وأخص بالذكر هنا الفصل 475 من القانون الجنائي الذي ينص على ما يلي: (من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنه عن ثمان عشرة سنة بدون استعمال عنف ولا تهديد ولا تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم). ومع ذلك فإن القاصرة التي اختطفت أو غرر بها، إذا كانت بالغة وتزوجت من اختطفها أو غرر بها فإنه لا يمكن متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان فعلا: لكن التحليل القانوني لهذا الفصل يجعلنا نميز بين ثلاث حالات: الحالة الأولى وهي الاختطاف أو التَّغرير بقاصر بدون استعمال العنف أو التهديد أو التدليس: الحالة الثانية وهي الاختطاف أو التَّغرير المصاحب للعنف أو التهديد أو التدليس. الحالة الثالثة: ربط علاقة زوجية بين مقترف الاختطاف أو التَّغرير بالقاصرة التي وصلت سن البلوغ. وعليه سوف نفصل كل حالة على حدة من خلال الفقرات التالية: حالة الاختطاف أو التَّغرير بقاصر بدون استعمال العنف أو التهديد أو التدليس: يقصد بالاختطاف لغة الأخذ بسرعة حسب لسان العرب أما اصطلاحا فهو الاختلاس وهو على عكس الانتهاب الذي يتم فيه أخذ الشيء علانية وعلى وجه المغالبة والقهر، إلاَّ أنه في مجال الجريمة، فإن الفقه استنكف عن إعطاء تعريف بينما عرفته المادة 187 من قانون العقوبات القطري بأنه يقال عن الشخص أنه خطف آخر إذا أخذه من المكان الذي يوجد فيه رغم إرادته، أو بغير رضاء وَلِيِّه الشرعي، أو أرغمه بالقوة أو التهديد أو الإغراء بأي وسيلة من وسائل الخداع على أن يغادر مكان ما. وفي اعتقادنا يكون الاختطاف حينما ينزع القاصر المخطوف في بيئته بدون رضاه، أو يحول عن خط سيره نحو هذا المكان كيفما كان غرض الخاطف. أما التَّغرير فهو استعمال وسائل احتيالية عن طريق الحيلة من أجل استدراج القاصر لما قد يكون مسرحا للجريمة. وتقوم الجريمة في هذه الحالة حتى لو لم يستعمل الخاطف وسائل العنف أو التهديد أو التدليس. والوضعية هنا تتطلب التمييز بين حالتين، الحالة التي يتم فيها الاختطاف أو التغرير مع ارتكاب هتك العرض، فهنا العقوبة تكون من سنتين إلى خمس سنوات حبسا. وتكون نفس العقوبة مع المحاولة. أما إذا كان التَّغرير أو الاختطاف غير مقرون بهتك العرض فتبقى العقوبة هي المنصوص عليها في الفصل 475 السالف الذكر، وصورته اختطاف الرضيع من المستشفى، سواء من أجل الابتزاز المالي أو المساومة. ويرى بعض الفقه الإسلامي أمثال عبد الوهاب المعمري من مؤلفه: ( جرائم الاختطاف) أن عقوبة المختطف في هذه الحالة يجب أن تكون عقوبة الحِرَابة . حالة الاختطاف أو التَّغرير بقاصر مع استعمال العنف أو التهديد أو التدليس: هنا كذلك نميز بين الحالة التي يقع فيها الاختطاف أو التَّغرير مع استعمال العنف أو التهديد أو التَّدليس الناتج عنه هتك عرض القاصر، وبين الحالة التي ينعدم فيها هتك العرض. في الحالة الأولى تكون العقوبة هي السجن من خمس إلى عشر سنوات متى كان سن القاصر ثماني عشرة سنة، أما إذا كان سنه لا يتجاوز اثنى عشر عاما فإن العقوبة هي السجن من عشر إلى عشرين سنة. والاعدام في حالة الوفاة. أما إذا اقترن الاختطاف أو الاستدراج أو الإغراء بهتك العرض فتكون العقوبة هي السجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات غير أنه إذا كان القاصر تقل سنه عن ثمان عشرة سنة أو كان عاجزا أو معاقا أو مجنونا فإن العقوبة تتراوح بين عشرة إلى عشرين سنة سجنا. وهكذا نلاحظ أن المشرع يتشدد في العقوبة كما اقترن الاختطاف بالمواقعة الجنسية، بل إن الفصل 483 من القانون الجنائي يعاقب مُقترف الاخلال العلني بالحياء، وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الاشارات أو الأفعال بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم متى كان هذا الاخلال العلني بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة سنة. وهذا ما يفند مزاعم بعض الأصوات التي تحتمي بالمواثيق الدولية للقول بأن المغرب متأخر في حماية حقوق الطفل. مدى مشروعية ربط علاقة زوجية بين المختطف والقاصر المُغرَّر به؟: بداية لابد من الاشارة إلى أن الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي موضوع النقاش لا تلزم المختطفة بالزواج من خاطفها على عكس ما يدعي البعض، وإنما هي مقتضيات واضحة ومبنية على الحرية والتَّراضي. ذلك أن المشرع استهل الفقرة بالتنصيص على أن القاصرة المختطفة أو المغرر بها غير معنية إذا لم تصل سن البلوغ، والمقصود بالبلوغ هو الاحتلام والقدرة على الوطإ أي اكتمال القدرة العقلية والبدنية لدى المرأة دون بلوغها سن ثمانية عشر عاما، وهي في هذه الحالة تقع تحت طائلة المادة 20 من مدونة الأسرة التي تنص على أن قاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية بمقرر معلل يُبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي. وتضيف المادة 21 على أن زواج القاصر متوقف على موافقة النائب الشرعي، وفي حالة امتناع هذا الأخير يبت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع. وهنا في قضية الهالكة فإن الأمر لا يخرج عن موافقة النائب الشرعي أو رفضه، ففي حالة الموافقة فإن ذلك يعود إلى تقديره، أما في حالة الرفض فإن القاضي ملزم بتبرير مبررات موافقته على إبرام عقد الزواج. وفي جميع الأحوال فإن الزواج هو عقد يتطلب التراضي، ومن حق القاصرة أن ترفض بالقول الزواج، مما يجعل الزواج باطلا . والجدير بالتذكير أنه في جميع الأحوال فإن المختطف سواء كان قاصرا أو راشدا من حقه الاستفادة من رخصة الدفاع الشرعي متى دافع عن نفسه حتى بالقتل الشيء الذي يعتبر منعدما في النازلة. ومن باب الاشارة، فإن الفصل 475 من القانون الجنائي يقابله الفصل 326 من القانون الجنائي الجزائري الذي ينص في فقرته الثانية على أنه إذا تزوجت القاصرة المخطوفة أو المبعدة من خاطفها فلا تتخذ اجراءات المتابعة الجزائية ضد الأخير إلا بناء على شكوى الأشخاص الذين لهم صفة طلب ابطال الزواج ولايوجد الحكم عليه إلا بعد القضاء بابطاله. وهو الاتجاه الذي سارت فيه المادة 356 من القانون الجنائي الفرنسي عندما نصت الفقرة الثانية منه على أنه: (Lorsque une mineure ainsi enlevée ou détournée aura épousé son navisseur ; celui-ci ne pourna être poursuivi que sur la plainte des personnes qui ont qualité pour demander l›annulation du mariage et ne pourna être condanné qu›après que cette annulation aura été prononcée. وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 3 فبراير 1972 بأنه إذا رافقت القاصرة صورة عشيقها في نزهة نجم خلالها علاقة جنسيّة بين الطرفين لاتعتبر اختطافا، تماما كما لو أن طبيبا خلال معالجة لقاصرة بعيادته وربط علاقة جنسية معها (قرار بتاريخ 23 دجنبر 1968) كما نصت المادة 291 من القانون الجنائي المصري على أنه إذا تزوج الخاطف بمن خطفها زواجا شرعيا لايحكم عليه بعقوبة ما يستشف مما سلف أن الخلل إذا وجد فلا يجب أن ينسب إلى القضاء الذي يتعين عليه تطبيق القانون، ولا يحق له رفض تطبيق قاعدة قانونية صريحة بهدف تلبية رغبات هيئة أو أخرى أو بتأثير من الجمعيات الأجنبية. والأكيد كذلك أن باستطاعة أولئك الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها أن يلتجئوا إلى أحزابهم أو من يمثلهم من أجل وضع مقترح قانون بهدف تعديل هذا النص، لكن قبل ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أن مجتمعنا مجتمع محافظ بكل معنى الكلمة وكل مانراه في بعض الحواضر والمدن الكبرى ليس مقياسا للقول بأن مجتمعنا متفسخا أو منحلا، أو ما إلى ذلك، علما أن التزوج من الشخص الذي عاشر الفتاة البكر قبل الزواج قد يرغب في إصلاح هذه العلاقة وجعلها شرعية إما برغبة منه أو تحت تأثير الظروف الاجتماعية، مما يجب معه عدم اقبار هذه الرخصة التي ارتضاها الضمير الجماعي ثم إن هذه القضية التي نحن بصددها نجم عنها وفاة، وهناك من يقول بأن هناك انتحارا وهناك من يقول بأن هناك قتلا عمدا. واحتراما للمقتضيات الدستورية ولاسيما السلطة القضائية فيتعين على الجميع الصمت وترك هذه السلطة تقوم بعملها دون إكراه أو ضغط أو الرغبة من التأثير أو توجيه الملف نحو وجهة سياسية لا تليق بدولة المؤسسات ألم ينص الدستور الحالي في الفصل 109 على أنه يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط؟! وصفوة القول فإن ما وقع لقاصرة العرائش شيء مؤسف، ولكن يجب إلا أن تكون قضيتها تلك، مطية لتصفية الحسابات السياسية، فالملف بيد القضاء للتحقيق في سبب الوفاة، ولا نعتقد أن قضاءنا سيكون رحيما بالجاني إذا ما تأكد اقترافه للفعل الجرمي. ان هذه القضية الآن ليست قضية اختطاف وإنما إزهاق روح إنسان التي قد تكون بسبب الانتحار أو القتل العمد، وفي جميع الأحوال رحم الله الهالكة، والقانون يجب أن يأخد مجراه الطبيعي.