كثير من الفتيات اللواتي اغتصبن في لحظة قهر وذل، دفعهن الخوف على سمعة الأهل ووصمة العار والفضيحة إلى طأطأة الرأس والانحناء والقبول بالزواج ممن دنس أرواحهن، أسر الضحية والجاني من جانبهما يضغطان بقوة في اتجاه إبرام عقد الزواج لأن في ذلك مصلحة للطرفين : إنقاذا سمعة وشرف الأسرة حتى لا تلوكه ألسنة الجيران ، وأسرة الجاني ترى في هذا الحل إنقاذا لابنها من غياهب السجن. وقصة أمينة الفيلالي بنت العرائش لفتت المجتمع إلى الفصل 475 من القانون الجنائي والذي ينص على أنه من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنه عن 18 سنة بدون استعمال عنف ولا تهديد ولا تدليس أو حاول ذلك يعاقب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات وغرامة من 200 إلى 500 درهم ومع ذلك فإن القاصر التي اختطفت أو غرر بها إذا كانت بالغة وتزوجت من اختطفها أو غرر بها فإنه لا يمكن متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان فعلا. النقاش الذي كان في البداية يتحدث عن المغتصبات وعن الفصل 475 من القانون الجنائي الذي يسمح بهذا النوع من الزيجات، تطور ليشمل مطالبة بعض الجمعيات النسائية بتعديل مدونة الأسرة وإلغاء المادة 20 منها والمتعلقة بزواج الفتيات قبل بلوغ سن 18 سنة، هذا التحوير للنقاش انتقده الدكتور مصطفى بنحمزة عضو المجلس العلمي الأعلى إذ اعتبره أن هذه الجمعيات تستغل حادث بنت العرائش من أجل تجديد مطالبها بإلغاء المادة 20 من مدونة الأسرة رغم ان العلاقة بين الموضوعين غير ثابتة، فهو يرى في حديث مع «التجديد» ان الغاء هذه المادة سيخلق معاناة أخرى، مشيرا إلى ان عددا من الفتيات يتزوجن بدون عقود زواج وبدون أية ضمانة، مما يحرم المراة من حقوقها ويبقيها تحت رحمة الزواج ان شاء وثق الزواج بعد سن 18 وإلا لم يفعل. الدكتور مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة:لا ينبغي مكافأة المغتصب بالزواج من ضحيته بل تشديد العقوبة في حقه قال الدكتور مصطفى بنحمزة إن المشرع لا ينبغي أن يمضي في اتجاه تسهيل زواج المغتصب أو الزاني بل ينبغي معاقبتهما، وأكد بنحمزة ل»التجديد» أن زواج المغتصب بضحيته من أجل إلغاء العقوبة في حقه «غير شرعي» لأن الجاني يعتبر زانيا ويسري عليه حكم مرتكب هذه الكبيرة ويعاقب بموجبها، أما الفتاة فإنها تبقى ضحية وينبغي حمايتها ورعايتها، ويضيف بنحمزة « أما مكافأته بالزواج منها فإننا وكأننا نقول له اغتصب أي فتاة وبعد ذلك تزوجها».وأكد بنحمزة أن المغتصبة تكون في مثل هذه الواقعة مظلومة وضحية، كما أن المجتمع ينبغي أن يراعي وضعيتها ويساندها. وقال بنحمزة إن السياسة الجنائية بالمغرب أصبحت تشجع على انتشار الاغتصاب والاعتداء على النساء بتشويههن، واصفا المادة 475 من القانون الجنائي التي تلغي عقوبة المغتصب في حالة الزواج بأنه «من أخطاء القوانين». ودعا رجال القانون إلى التفكير فيما يمكنه أن يمنع وقوع هذه الظواهر وعدم الاقتصار على فتح نقاش عمومي حولها دون نتائج بل ينبغي «إعادة النظر في السياسة الجنائية ومراجعة النصوص القانونية بتشديد العقوبة». ودعا بنحمزة إلى عدم استغلال حادثة اغتصاب أمينة الفيلالي وتزويجها بمغتصبها من أجل الحديث عن تعديل المادة 20 من مدونة الأسرة لأن هذه المادة لا تهم النساء المغتصبات بل تتعلق بالفتيات اللواتي يقل عمرهن عن 18 سنة ويثبت البحث الاجتماعي والخبرة الطبية التي يجرى تحت إشراف القاضي قدرتهن على الزواج ودعا بنحمزة إلى التحلي ب»الحكمة والانضباط» في معالجة قضايا المجتمع مؤكدا «لا ينبغي أن نحل مشكلة بخلق مشكلة أخرى». وقال بنحمزة إن إلغاء المادة 20 من قانون الأسرة سيخلق معاناة جديدة للنساء، لأن هذا الإجراء سيدفع النساء إلى الزواج دون توثيق العقد وبلا أية ضمانة، وأوضح قائلا «المجتمع الذي يزوج فتاة في سن 16 لا يوثق الزواج إلا في سن 18 وخلال سنتين تظل المرأة تحت رحمة الزوج إذا شاء وثق الزواج وإذا شاء أنكرها، وإذا لم يساعدها القانون على توثيق زواجها فإنها ستتزوج وبدون ضمانات، فالأولى أن يتم توثيق الزواج برعاية القضاء».وقال بنحمزة إن الاغتصاب لا يهم القاصرات فقط بل جميع النساء معرضات له وبالتالي دعا إلى تشديد العقوبات. بثينة قروري رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية:ينبغي مراجعة الفصل 475 مراجعة حقيقية قالت بثينة قروري رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، إن الإشكال الحقيقي في الفصل 475 من القانون الجنائي هو أن الزواج يكون فقط للهروب من العقوبة التي تترتب على فعل الاغتصاب أو التغرير بالقاصر وبالتالي لا تكون النية صادقة، وأضافت ان الفتاة القاصر حينما تتزوج بالشخص الذي اعتدى عليها تعيش مرحلة أخرى من العذاب وغير ذلك من الأمور التي تعيشها مع الزوج، وفي الغالب يتم تطليقها. ودعت قروري إلى مراجعة حقيقية لهذا الفصل، مؤكدة على أن هذه المراجعة ينبغي أن تكون في اتجاه رؤية متوازنة. خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: فلسفة القانون الجنائي لا تحمي ضحية الاغتصاب وصفت خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الفصل 475 من القانون الجنائي بأنه «فصل عار» خاصة وان المغرب وقع على اتفاقية حقوق الطفل وحقوق المرأة. واستنكرت الرياضي أن لا يتم فتح النقاش في قضايا طرحتها الحركات النسائية منذ سنوات إلا بعد وقوع مآسي وحوادث أليمة مثلما وقع عند انتحار أمينة الفيلالي بالعرائش. وقالت الرياضي ل»التجديد» إن القانون الجنائي الذي يتضمن مثل هذا الفصل يبين فلسفة هذا القانون فهو ليس لحماية ضحية الاغتصاب بل لحماية ما يسمى «شرف العائلة»، وأضافت « هذه الفلسفة ينبغي أن تتغير وأن يعاقب كل من ارتكب الجريمة ويتم حماية الضحية وإنصافها»، وأضافت الرياضي أن المجتمع يفضل أن تكون المرأة مطلقة على أن تكون مغتصبة لذلك تدفع الأسر بناتها المغتصبات إلى الزواج بالمغتصب، والخطير فيما يتعلق بالعنف ضد النساء والاغتصاب -تقول الرياضي- هو تساهل القضاء وعدم تشديد العقوبة مشيرة إلى عدد من الحالات تتابعها جمعيتها لأشخاص أصدرت المحكمة في حقهم عقوبات ولم يعتقلوا، ومغتصبوا أطفال خرجوا بعد مدة قصيرة، والعديد من الحالات تبقى في المحاكمة لسنوات. ودعت الرياضي القضاء إلى أن يتحمل مسؤوليته إذ أن دوره يتجلى في تشديد العقوبة، كما طالبت بأن يكون الإعلام العمومي آلية لنشر حقوق الإنسان وتوسيع دائرة النقاش في المدارس والمؤسسات التعليمية حتى نعلم الأطفال قيمة الإنسان سواء كان امرأة أو رجلا. ودعت الرياضي إلى تغيير نظرة المجتمع للمرأة، فالمرأة التي تتعرض للاغتصاب هي ضحية ينبغي الوقوف إلى جانبها وتقديم الدعم لها ومساندتها ومؤازرتها ومعاقبة المسؤول عن ما تعرضت له، خاصة وأن كثيرا من ضحايا الاغتصاب يتعرضن له وهن في طريقهن إلى العمل أو وهن في منزلهن. مصطفى الرميد وزير العدل والحريات:إذا اقتضى الأمر مراجعة القانون الجنائي فلن نتوانى عن مراجعته قال مصطفى الرميد وزير العدل والحريات إن الأمر يتعلق بفتاة تم التغرير بها من طرف أحد جيرانها في إحدى البوادي، مضيفا أن القانون يعتبر التغرير بفتاة قاصر دون سن 18 سنة جريمة، لكن إذا ما وقع تنازل أو زواج أو توافق فإن هذه الجريمة لا يكون وراءها عقاب، وهذا ما تم في هذه القضية ذلك أن الفتاة وأهلها رغبوا في إبرام عقد الزواج وأضاف الرميد أن إرادة الأطراف انعقدت على إبرام الزواج تحت رقابة القاضي، لكن الذي حصل أنه بعد الزواج وقعت مشاكل بين الضحية والزوج والأسرة والفتاة لم تستطع أن تتحمل آثار الزواج ومشاكله فكانت النتيجة مأساوية. وأكد الرميد أن القضاء لم يزد عن تطبيق القانون، موضحا أن السؤال اليوم هل هذا القانون بإمكانه أن يصمد أمام الاحتجاجات الحقوقية، وزارة العدل والحريات ستنظر في الأمر وستراعي مصالح الفتيات وخاصة القاصرات وإذا اقتضى الامر مراجعته فلن نتوانى عن مراجعته. بسيمة حقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن:يجب فتح نقاش عمومي بجميع أبعاده التشريعي والنفسي والاجتماعي دعت بسيمة حقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن إلى فتح نقاش عمومي وشامل حول حادث انتحار الطفلة أمينة، وأكدت الوزيرة أن ما صعب إثارة الموضوع في السابق هو «أن الأمور تحسم سريا وبتواطؤ بين العائلتين». وأضافت «في الكتمان يصعب الوقوف على القهر النفسي والآثار النفسية على الفتاة». وقالت إن عائلات تتواطأ مفضلة حلولا «لشرفهم»، وأكدت بسيمة حقاوي «كحكومة يجب فتح نقاش عمومي بجميع أبعادها التشريعي والنفسي والاجتماعي، فالفتاة تم اغتصابها مرتين، اغتصبت في الأول ثم اغتصبت بإغصابها على أن تعيش مع جلادها في بيت واحد». مصطفى الخلفي وزير الاتصال:الحكومة تخطط لتغليظ عقوبة المغتصب وصف مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة حادث انتحار أمينة الفيلالي بأنه حادث مؤلم وقضية لا يمكن تجاهلها.وقال للصحفيين خلال ندوة صحفية التي تلت المجلس الحكومي يوم الخميس إن الفتاة اغتصبت مرتين مرة على يد الرجل الذي اغتصبها ومرة أخرى بالزواج منه، وأضاف أن الحكومة تخطط لتغليظ عقوبة المغتصب وستطلق نقاشا بشأن القانون رقم 475 لاصلاحه. وقال الخلفي إنه سيتم «فتح حوار حول المراجعة القانونية المطلوبة لهذا النص القانوني والاجراءات التي يجب ان تتبع لتشديد العقوبة بحق المغتصبين وعدم تمكينهم من النجاة من افعالهم».