أريد الانطلاق من فكرة هامة وردت في مؤلف المرحوم عبد السلام حيمر " في سوسيولوجيا الثقافة والمثقفين " (1) ، ومفادها أن نمط الدولة الديموقراطية الحديثة أصبح يشكل في عالم اليوم ، مطلبا تاريخيا وأفقا مستقبليا في المجتمعات التقليدية التي لم تعرف دينامية داخلية تنحو بها نحو الحداثة ، حيث واجهت هذه المجتمعات معضلات التأخر والتخلف ، إثر صدمات الحداثة الغربية وظلت متأرجحة بين مطالب التحديث وإكراهاته الداخلية والدولية ومقاومة التقليد وكوابحه الثقيلة المضنية. وهذه حال مجتمعاتنا العربية الإسلامية ومن بينها المغرب. (2) فإذا كان التحديث كمعطى مادي قد ارتبط في الغرب بالحداثة الفكرية والثقافية ، حيث حصل التوافق بين منتوجات العلم والتكنولوجيا والإدارة وبين التصورات العقلية المتجلية في ميادين السياسة والأدب والفن والعلم والفلسفة الخ.. فإن الأمر على خلاف ذلك في المجتمعات العربية الإسلامية عموما ، ومجتمعنا المغربي على وجه التحديد . فالتحديث في هذه المجتمعات شكلي وخارجي ، مقترن أساسا بحاجات الاستهلاك ، ولا يرافقه أي تغيير على مستوى التصورات والمواقف من الكون والعلاقات الإنسانية . هكذا ، يمكن أن نشهد داخل مجتمعنا أرقى أنواع الحداثة المادية ( كالأجهزة المعلوماتية مثلا ) في حين أن الحداثة العقلية تكون شبه منعدمة على مستوى المعيش اليومي وتدبير الشأن العمومي والتصورات الخاصة بالوجود والإنسان . وهنا يواجهنا السؤال التالي : أي مسار يمكن أن تتخذه الحداثة داخل مجتمع موسوم بعوامل التقليد ، مثل مجتمعنا المغربي ؟