تعددت الكتابات والأبحاث التي اهتمت بإشكالية الحداثة، بين التفكير النظري والدلالات المعرفية والمجال التداولي، وبالتعدد اختلفت الدراسات وتزايد النقد لما يحمل مفهوم الحداثة من حمولات ثقافية وفكرية وسياسية، وباعتبار الحداثة مفهوم فلسفي وتصور عام لتراكمات تاريخية عرفتها القارة العجوز، فإن الوضع مختلف بالنسبة لدول تطمح للخروج من بوثقة الانتظارية ،وتصادم مفهومي التقليد والحداثة. من هذه المعطيات وغيرها قدم المشهد الفكري والفلسفي المغربي المعاصر، أبحات أكاديمية عالجت إشكالية الحداثة ومدى ارتباطها بالموروث الثقافي والفكري والسياسي،ورغم اختلاف مناهج البحت فإن مساهمة المفكرين المغاربة في تقديم أطروحات فلسفية تلامس المفهوم من كل جوانب تبقى لها أهمية كبرى ،من هنا نقدم للقراء ، كتاب “مسألة الحداثة في الفكر المغربي المعاصر لصاحبه محمد الشيخ ” مؤلف يلامس أهم أطروحات المفكرين المغاربة المعاصرين،حيث اعتبر محمد سبيلا ” أنه من المهام الأساسية للفلسفة المغربية التفكير في الحداثة وفي علاقتها مع التقليد،وذلك بالنظر إلى أن مجتمعنا وفكرنا منشدان،بل مشدودان وممزقان بين طرفي هذه التنائية”. المؤلف يسافر بنا في حوار تارة مع نفسه وأخرى مع غيره ،طارحا سؤال عريضا :أو ما تزال تؤمن بأمر الفكر الفلسفي المغربي المعاصر؟ ليجيب،الفكر الفلسفي المغربي المعاصر :ذلك حديث خرافة؟! إشكالية حضور الفيلسوف في الفكر المعاصر، تطرح من خلال علاقته بآليات البحت الفلسفي ومنطلقاته، بين الشرح والتقليد والترجمة والإبداع،”هكذا ألفيت المفكر المغربي المحدث طورا يتبدى لك شخصانيا،وطورا ماركسيا؟ وتارة ينجلي لك وجوديا،وتارة بنيويا،وردحا يعلن لك عن بنيويته، وردحا يريك انه ما عاد هو بنيويا وإنما صار تفكيكيا..فأي فكر هذا الذي شأنه التقلب الكثير في الظرف الوجيز،هذا ومازال هو يتقلب كل هذا التقلب حتى صار لكل عقد من الزمن المغربي مذهبه الفلسفي المخصوص،واستحال لكل أمد من عشر سنوات،أو تقل،دليل كتابته وقانون أساميه وسنة موضوعاته. اختلاف مواقع المفكرين نتج عنه تعدد الدراسات وتشعبها،لتبقى الذات المفكرة ممزقة بين الإبداع والإتباع،”إننا جلدنا أنفسنا بما يكفي،وانه أن الأوان لوضع المراهم على الندوب حتى نشفى من عقابيل جلد الذات التي اشتدت فألمت وأضرت... خصص المؤلف كتابه بالحديث عن ستة أيام من الحداثة ، حصر اليوم الأول: في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر بوجه عام ، واليوم الثاني في مسألة الحداثة بوجه خاص نموذج عبدالله العروي و الدعوة إلى الأخذ بأسباب الحداثة،واستشكل المؤلف مفهوم الحداثة عند عبد الكبير الخطيبي في اليوم الثالث،وخصص يومه الرابع للحديث عن الحداثة والتراث لدى محمد عابد الجابري ،بينما تطرق في اليوم الخامس لنقد الحداثة عند طه عبد الرحمان ،في إشكالية، الحداثة والتخلق، وختم محمد الشيخ يومه السادس بالحديث عن تعريب الحداثة وتقريبها،وتناقلات التقليد في افكار محمد سبيلا . وباعتبارالحداثة هي الأمر الذي حام عليه هؤلاء المفكرون وداروا حوله وتكلموا فيه،ومنهم من تطرف ومنهم من توسط، وأيا كان الأمر،فإن كل هؤلاء المفكرون المغاربة الذين عرضنا إليهم،يقول محمد الشيخ، أدركوا أهمية الدعوة إلى “الحداثة”،هذا وان هم ابدوا تبرمهم من قصور الجهد المبذول في مجال تحديث المجتمع والفكر المغربيين،وحتى أشدهم نقدا للحداثة الغربية ما وجدا بدا من القول”إن مجتمعاتنا العربية في واقعها الحالي،مقارنة بما كانت عليه في بداية القرن،قد تحقق لها واقع احدث من سابقه دون أن تبلغ بعد أعتاب الحداثة المتوافقة مع روح الحداثة:أي لدينا بالفعل ضربا من التطبيق شبه الحداثي،أو تحديث شبيهي،ولكنه تطبيق كسيح،مقعد،عاجز عن تفعيل وتعقيل روح الحداثة والمضي في التطبيق قدما نحو تحقيقها. ويقدم لنا المشهد الفكري والثقافي المغربي صورا عن لا تجانس ولاحوار بين اغلب المفكرين،في أمر يثير الكثير من لحظات الإستغراب، أن غالبية مفكري المغرب هؤلاء،على تباين مشاربهم،”دعوا إلى إعمال مبدأ النقد المزدوج في شأن الذات وأمر الغير،بما صار معه هذا النقد،نقد الذات ونقد الغير،موضعا مشتركا لذاك الفكر،اجل قد يضعف نقد الذات حتى يكاد ينمحي- طه عبد الرحمان- او يشتد حتى يخشى ان يتضخم –عبدالله العروي- وقد يهم نقد الغير حتى يكاد يغيب –عبدالله العروي-او يشتد حتى يكاد يظلم ويعتم –طه عبد الرحمان-وقد يعتدل على الذات وعلى الغير فلا يؤلم – محمد عابد الجابري- محمد سبيلا- وقد يرمي بالذات والغير إلى مهواة العدم السحيقة – عبد الكبير الخطيبي- إلا أن لا أحد من هؤلاء المفكرين جادل في شرعيته وجدواه.بل تكاد هذه الخصيصة تصير للفكر الفلسفي المغربي سمته التي بها يعرف.مما هو وشى بالتلازم الذي شهد عليه العالم العربي بين وجهي الحداثة، الوجه الرحماني- التحديث- والوجه الشيطاني الاستعمار-” كل هؤلاء المفكرون في تصور المؤلف، نظروا،من حيث يشعرون أو لا يشعرون في سؤال الحداثة الأساسي،”ماذا يعني أن يكون المرء- المغربي هنا- حداثيا؟ وقد اجابوا إجابات مختلفة،إذا كاد أن يجمع الأساتذة، العروي والجابري وسبيلا على أن “معنى أن يكون الإنسان المغربي حداثيا،هو أن يكون عقلانيا مع تباين في تحديد المقصود بوسم العقلانية ودور التراث في إمكانية إحداث هذه العقلانية إيجابا أو سلبا،وانفرد الخطيبي بجواب مخصوص، أن تكون حداثيا هوان تبدع المستقبل،وتميز طه عبد الرحمان باستشكال أمر الحداثي نفسه:ان تكون حداثيا هوان تكف عن تقليد الحداثي. بهذا مال العقلانيون من مفكرينا إلى تحديد الحداثي بسمة العقل ومال العرفانيون منهم إلى تحديد من يكون الحداثي بميسم الإبداع. إلا أن المسألتين اللتين بقيتا موضع خلاف في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر هما مسالة الموقف من التراث والنظر في أسباب فشل الحداثة بالعالم العربي، فالموقف الأشد تفاؤلا من بين مواقف المفكرين المغاربة فيما تعلق بأمر معارضة الحداثة عندنا هو ما ذهب إليه العروي وسبيلا من أن ثمة تعالقا بين الحداثة وردة الفعل الرومانسية،ضدها لدى كل الشعوب.ففي العهد الذي كان فيه التحديث سائرا باوربا كانت الادلوجة السائدة هي الادلوجة الرومانسية بمعناها العام والذي قد يشمل عندنا حتى الادلوجة الأصولية،وهي الأدلوجة التي كانت تضع دائما نصب اعينها اما عصر وسيطا يحيا- الرومانسية الغربية- او عصرا ذهبيا يبعث الأصولية العربية وبناء عليه فان ما نشهده اليوم في مجتمعاتنا العربية والذي يمكن تأويله على انه رفض للحداثة او خوف منها،ما كان هو امر غير متوقع لدى مفكرينا وانا هو بالضد من ذلك،مطابق لتجارب امم اخرى سبقتنا،بل ان الاستاذ العروي يذهب الى حد استنباط قانون تاريخي لهذه الظاهرة :من شأن التعقيل على مستوى الاقتصاد ان يرفقه النداء الى اللاعقلانية على مستوى الأحاسيس والأفكار،وذلك مثلما ان العولمة لا تتقدم الا بتعميق الإحساس بأمر الاختلاف والاغتراب في ألان نفسه،حيث لا مكان لتجاوز مشروع الحداثة. * تنشر باتفاق مع الكاتب بعد أن نشرت في جريدة المنعطف