الأكيد أن بلادنا تعرف تحولات سياسية مهمة، والمؤكد أن هذه التحولات تفرضها طبيعة الأشياء، والصيرورة المجتمعية، وقد يكون تاريخ 20 فبراير جزءا في هذا المسار وليس كل المسار، وإلا فإننا سنكون أمام إنتاج تجني حقيقي على التاريخ بكل وقائعه المدونة، ذلك التاريخ الذي انطلق منذ فجر الاستقلال بنقاش فكري وجوهري حول الدستور كإطار قانوني، وكجوهر يضع بلادنا على السكة الصحيحة، ويذكر التاريخ أن الزعيم علال الفاسي رحمه الله كان من أشد المدافعين عن خروج الدستور كمرحلة أساسية، لإخراج البلاد من حالة اللامؤسسات إلى تركيز وترسيخ المؤسسات، وفعلا كانت هذه المرحلة حاسمة كمدخل لما سيعرف بالبناء الديمقراطي، الذي ظل يعرف مدا وجزرا بين الأحزاب الحية فعليا، والإدارة ممثلة في أجهزة الداخلية، ومن يقف وراء الستار لتوجيه الضربات للمسار الديمقراطي، وهو الصراع الذي فجر الكثير من الأحداث المؤسفة التي ضيعت على بلادنا سنوات لتحقيق تطور نوعي ،كانت مؤهلة له أكثر من غيرها من البلدان التي كانت في بداية استقلالها آنذاك. إن التجاذبات التي تتواصل داخل الشارع المغربي اليوم تطرح أسئلة جوهرية لصناع القرار السياسي في هذا الوطن، ومن ضمن هذه الأسئلة: هل سيصبح وطننا رهينة في يد أقلية يمكن أن نحترم رأيها،الذي نملك حق الاختلاف معه شكلا ومضمونا، وهل القوى الحقيقية في هذا الوطن ستؤدي ثمن التزامها بالدفاع عن توجهاتها المجتمعية في إطار دولة المؤسسات، لفائدة فئة ظلت على الدوام خارج الشرعية القانونية، وهل مخطط إضعاف الأحزاب الحقيقية ومحاولة تركيعها بكل الوسائل هو تحصيل حاصل لما يقع اليوم في بلادنا باسم الشباب وطموحاته، التي لا يمكن الاختلاف حول مشروعيتها في جوانب محددة كسقف لا يمكن تجاوزه، لأنه قد يؤدي إلى نتائج لا يمكن التكهن بأبعادها، في ظل تداخل العديد من المعطيات والإشكاليات سواء الداخلية أو الخارجية المؤثرة في مجريات الأمور اليوم، وهل الشباب المغربي على امتداد تاريخ هذا الوطن كان سلبيا إلى أن جاءت»قومة» 20 فبراير، والتي عشنا جميعا فصولا تستحق الدراسة بهدوء وعمق بعيدا عن منطق المنتصر والمنهزم لأن الأهم في بداية الأمر ونهايته هو انتصار الوطن. ولن نغالي إذا قلنا أن شباب هذه الأمة قدم الكثير من المؤشرات في محطات تاريخية متميزة في المسار التاريخي لبلادنا، ومن ضمن هذا الشباب شبيبة حزب الاستقلال التي قدمت مبادرات ذات قيمة مضافة في مسارات البناء الديمقراطي المؤسس لفكر مبني على الحوار المسؤول، والنقاش المجتمعي الهادف لتطوير الرؤية المجتمعية وفق معيار الاختلاف المشروع في ظل الاحترام الضروري لمكتسبات البلاد، ولاشك أن الدارسون لهذا المسار سيجدون في وثيقة المطالبة بتحرير الصحراء المغربية التي قدمها شباب الحزب، بعد ندوة دار مارسة في بداية السبعينات إحدى مظاهر الحوار الفكري الهام الذي قاده شباب هذا الوطن مع إخوانهم في الجنوب المغربي، وبحضور الكثير من القادة المؤسسين فيما بعد لما يعرف بالبوليساريو نتيجة أخطاء قاتلة لبعض أجهزة الدولة التي لم تتفاعل إيجابا مع خلاصات تلك الندوة، ومدلول تلك الوثيقة التي لا تزال شاهدة على شكل من أشكال المبادرات الوطنية المسؤولة،كما أن الشبيبة الاستقلالية كانت أول تنظيم مغربي يفتح في الثمانينات ملف واقع السجون بالمغرب في ندوة مهمة احتضنها مجمع القدس بفاس،وحضرها معتقلون سياسيون من مختلف الأطياف وباحثون ومهتمون،وهي المبادرة التي شكلت تحولا نوعيا في مسار نقاش متجدد حول قضايا كانت تعتبر من المحرمات،كما أن اللقاءات الفكرية المفتوحة مع الشباب المغربي، و التي نظمتها آنذاك الشبيبة الاستقلالية في مختلف ربوع المملكة،وانطلقت بندوة فكرية هامة بمكناس حول محددات التأهيل السياسي بمشاركة كل الفعاليات الشبابية المغربية وبدون إسثتناء ومن ضمنها شباب العدل و الإحسان،إلى ندوة مدينة طنطان التي حضرها قياديون في اليسار الاشتراكي آنذاك،كانت بمثابة رسالة حول أسس التأسيس لقاعدة تبادل الرأي و الفكر بعيدا عن الحجر و التحجر،وإذا كان تأسيس لجنة التنسيق الشبابية للمنظمات الديمقراطية (لتشدو) معطى جوهريا في تجسيد مطالب الشباب المغربي، في لحظة كان فيها الصراع الحزبي في أوجه،قد مكن من التحضير لوثائق مهمة في مسارات الإصلاح السياسي و الدستوري في مرحلة تأسيس الكتلة الديمقراطية،فإن هذا المسار واصل مشواره بعد النداء الهام للأستاذ محمد بوستة الأمين العام للحزب في 7نونبر1987 خلال دورة المجلس الوطني للشباب الاستقلالي لتحمل مسؤوليته المجتمعية،وصناعة المستقبل من خلال الالتصاق بهموم الجماهير وحسن الإصغاء لمطالبها،وهو النداء الذي شكل دفعة قوية لتنسج الشبيبة الاستقلالية مسارات جديدة توجت بحضور دولي وازن مكن من تطهير العديد من المؤسسات الشبابية العربية و الإفريقية و الدولية من مرتزقة الوهم،وكان من أبرز الإنتاجات الفكرية المتقدمة في هذه الفترة وثيقة الإصلاح الدستوري المعروفة بإعلان المحمدية،والتي كانت ورشا فكريا متطورا ومهما منذ سنة 2003،وبمساهمة العديد من الفعاليات الحزبية و الشبابية و النقابية آنذاك،وتم ترسيخها بإعلان وجدة الذي طور مضمون هذه الوثيقة التاريخية،ليؤكدها مجددا المؤتمر الوطني الأخير لمنظمة الشبيبة الاستقلالية. إن ما أوردناه هو جزء يسير من مبادرات الشبيبة الاستقلالية رفقة المنظمات الشبابية المغربية الأخرى التي آمن الشباب الاستقلالي دوما أن الفكر الهادئ و المسؤول المبني على مبادرات تمكن من خلق نقاش حول مضامين مكتوبة ويمكن الإطلاع عليها ومناقشتها هو الطريق الأسلم،عوض الارتكاز على شعارات فضفاضة تبقى مجرد عناوين بدون روح، أو يمكن تأويلها كل من الزاوية التي يرى منها الأشياء. وطننا اليوم يحتاج خاصة بعد الخطاب الملكي السامي ليوم 9 مارس 2011 إلى مبادرات موثقة وواضحة حتى يكون النقاش حولها نقاشا جوهريا، ولذلك نعتقد أن الحاملين لمطالب سياسية معينة عليهم أن يقدموا نصوصا واضحة لمفهومهم لهذه المطالب، حتى تتمكن الأغلبية المطلقة من الشعب المغربي التي لازالت تجهل التصور الكامل لكيفية تنزيل تلك المطالب، وهل فعلا تخدم المجتمع وقيمه وثقافته وتوابثه أن أن هناك أهدافا أخرى غير معلنة هي التي تحركها. الديمقراطية واضحة ولاغموض في تفسيرها اليوم، على الأقلية أن تحترم رأي الأغلبية،وعلى الأغلبية ألا تغبن حق الأقلية في كل ما يمكن أن يكون مفيدا لتمنيع وتحصين مكتسبات البلاد، وما دون ذلك فهو إنتاج لديكتاتورية جديدة قائمة على الفكر الوحيد، والتوجه الوحيد. بلادنا اليوم محتاجة إلى منظومات فكرية واضحة للنقاش، وليعطي كل ذي حق حقه بالحجم المجتمعي الذي يمثله واقعيا وميدانيا وليس عبر أسليب ملتوية تقلب موازين الطبيعة . الفكر الديمقراطي الحقيقي هو الفكر المؤسس لنقاش متزن ومسؤول وبعيد كل البعد عن الديكتاتورية المغلفة بالحرية الملغومة.