في إطار قراءتنا لمشروع القانون رقم 09. 02 المتعلق بالملاك الجماعية نسجل ? ضمن هذا الجزء الثالث- أن المشرع الجديد جاء بمستجدات فيما يخص سجل محتويات الأملاك الجماعية، إذ نصت المادة 5 منه على أن رئيس المجلس الجماعي ملزم بمسك سجل المحتويات وتحيينه وعرضه خلال الدورة العادية لشهر فبراير من كل سنة على أنظار المجلس الجماعي قصد المصادقة عليه، وفي نفس الوقت يتعين عليه أن يحيل هذا السجل على عامل العمالة أو الإقليم للتأشير عليه مشفوعا بمحضر مداولات المجلس الجماعي، وذلك داخل ثلاثين يوما الموالية تبتدئ من تاريخ إختتام الدورة العادية المشار إليها أعلاه. يتضح جيدا أن واضع المشروع من خلال الإجراءات المسطرية المنصوص عليها في المادة 5 قد حرص على إعطاء أهمية بالغة وعناية فائقة لمسك سجل المحتويات بشكل سليم ومضبوط. ولتحقيق هذه الغاية، فقد نص المشروع الجديد لأول مرة على أنه سيتم تنظيم سجل المحتويات بواسطة مرسوم الذي سيحدد شكل هذا السجل وكيفية فحصه ومراقبته و البيانات التي يجب أن يتضمنها وكذا تصنيف الأملاك الجماعية بعدما كان تنظيم سجلالمحتويات يتم فقط بواسطة دوريات ومناشير (1) تصدر عن الوزارة الوصية. وبدون أدنى شك أن هاته الإجراءات المسطرية إلى جانب المعيار التخصيصي الذي تبناه المشروع الجديد لتمييز الملك العام الجماعي عن الملك الخاص الجماعي وتبسيط مسطرة المصادقة بشأن تدبير الملك العام الجماعي كما أوضحنا سابقا ثم إضافة إلى تبسيط مسطرة المصادقة بشأن تدبير الملك الخاص الجماعي ، كما سنرى لاحقا في القسم الثالث من المشروع الجديد، ستفضي لا محالة إلى دعم وتعزيز مكانة سجل المحتويات في حسن تدبير الأملاك الجماعية والمحافظة عليها. وغني عن البيان أن سجل المحتويات هو بمثابة المرآة التي تعكس حقيقة الأملاك الجماعية التي تمتلكها الجماعة من الناحية الكمية و النوعية، إذ يبين بشكل مفصل و مدقق لعددها ومحتوياتها واستعمالاتها و توزيعها . ومن أجل اعتمادها لسجل المحتويات كمصدر من المصادر الموثوق بها يتعين على الجماعات المحلية القيام بالتسوية القانونية لجميع ممتلكاتها حتى تنتقل من مرحلة الاستغلال إلى مرحلة الإستملاك، وفي نفس الوقت يتوجب عليها تحيين البيانات المضمنة بسجل المحتويات بكيفية منتظمة ومستمرة لتعكس حقيقة وواقع العمليات العقارية التي تنجزها . ومن جهة أخرى نسجل أنه من أهم مستجدات مشروع قانون رقم 09 / 02 هو تنظيمه لمسطرة التحديد الإداري للملك العام الجماعي من خلال مواده 12 إلى 17 وبذلك تم تسديد الفراغ القانوني الذي كان يعتري القوانين المنظمة للأملاك الجماعية . والجدير بالذكر في هذا المضمار أن الإجراءات المسطرية لتحديد الأملاك الجماعية في إطار ظهير 19 أكتوبر 1921 المتعلق بأملاك البلديات وظهير 28 يونيو 1954 المتعلق بأملاك الجماعات القروية غير واضحة لكونها تأسست على أحكام الفصل 7 من ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالملك العام للدولة التي جاء تحديدها كذلك مجملة غير موضحة بما فيه الكفاية . ومعلوم أن التحديد الإداري هو إجراء قانوني يتم بمقتضاه ضبط حدود الملك العام الجماعي ومشتملاته بكيفية مدققة بهدف حمايته من كل ترام عليه من طرف الغير درءا لأي نزاع أو إدعاء يمكن أن يثار بشأنه . (2) و على هذا الأساس فإن التحديد الإداري يعتبر وسيلة من الوسائل التي يتم بواسطتها التصفية القانونية للعقار الجماعي و تقييده في اسم الجماعة المعنية شأنه شأن التحفيظ العقاري . وفضلا عن ذلك فإن عملية التحديد تعطي للجماعة حق ملكية العقارات التي وقع تحديدها بعد انصرام أجل التعرضات عليها و هذا ما يستفاد من قرار رقم 3277 الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 20 / 06 / 1995 في الملف المدني رقم 1803 / 90 . (3) وحسب المادة 12 من المشروع الجديد فإن مسطرة تحديد الملك العام الجماعي تتم بموجب قرار رئيس المجلس الجماعي بناء على مقرر المجلس الجماعي في الموضوع وذلك بعد إجراء بحث علني مدته شهرين تبتدئ من تاريخ نشر مشروع قرار التحديد في الجريدة الرسمية. لكن يلاحظ أن هذه المادة لم تنص على ما يفيد أن إجراء البحث العلني جاء على صيغة الوجوب واللزوم كما أن الفقرة الأولى من المادة 13 لم تحدد بدقة مقر الجماعة التي سيودع فيها سجل لتلقي ملاحظات وتصريحات المعنيين بالأمر، حيث ورد صيغتها على الإطلاق والعموم مما يصعب معه تحديد الجماعة المعنية بإجراء البحث العلني، وبالتالي يبقى التساؤل مطروحا : من هي الجماعة المختصة ؟ من ناحية الممارسة العملية فإن الجماعة التي تقع في دائرة نفوذها الترابي الأملاك العامة المراد تحديدها هي التي تتولى إجراء البحث العلني، لكن لو افترضنا أن العقار المراد تحديده له حدود مع جماعات محلية أخرى فهل من حقها كذلك أن تفتح هذا البحث العلني ؟ أما فيما يخص إشهار عملية التحديد ن الفقرة الثانية والثالثة من المادة 13 تلزم رئيس المجلس الجماعي بنشر إعلان في جريدة يومية مأذون لها في تلقي الإعلانات القانونية يتضمن تاريخ افتتاح واختتام البحث العلني وكذلك نشر الإعلان بالايداع ومشروع القرار في الجريدة الرسمية وتعليق مشروع قرار التحديد بمقر الجماعة مشفوعا بالتصاميم المتعلقة به. ومما تجب الإشارة إليه في هذا السياق أن الغاية من إشهار أعمال التحديد وإعلانها للعموم بكل وسائل الإشهار الملائمة هو إحاطة العموم علما بعمليات التحديد، وبالتالي فهي قرينة على علمهم بعملية التحديد يحق للجماعة الاحتجاج بها أمام القضاء. بيد أنه يلاحظ أن نشر ملف البحث العلني في الجريدة الرسمية وجريدة وطنية واحدة غير كاف بالمرة وعلى الخصوص إذا علمنا أن الجرائد الرسمية لا تصل إلى الجماعات الحضرية بالأحرى الجماعات القروية، فكيف والحالة هذه أن يتسنى للعموم الإطلاع عليها أضف إلى ذلك أن المواطنين لا يكترثون كثيرا بما ينشر في الجريدة الرسمية عكس الجرائد الوطنية فّإن ما ينشر فيها يشغل بال و اهتمام المواطنين وما يستتبع ذلك من احتكاك يومي بها، لهذا حبذا لو نص المشروع على وجوب نشر البحث العلني على الأقل في جريدتين وطنيتين مأذون لهما بتلقي الإعلانات القانونية بالإضافة إلى إشهاره بأية وسيلة من وسائل الإشهار الملائمة كما تشير إلى ذلك المادة 13 من المشروع كتعليقه بمقار الإدارات العمومية والمنادات في الأسواق الأسبوعية القروية عن طريق ما يعرف ب «البرّاح». واستنادا إلى المادة 15 من المشروع الجديد فإن قرار التحديد يصبح نهائيا و لا يجوز لأي كان التعرض على محتوى هذا القرار بعد انصرام أجل 6 أشهر يبتدئ من تاريخ نشر القرار في الجريدة الرسمية .على ضوء هذا النص تسجل نفس الملاحظة التي أبديناها فيما يخص نشر مشروع قرار التحديد في الجريدة الرسمية ولذلك نعتقد أن اعتماد المشروع على الجريدة الرسمية كوسيلة وحيدة للإشهار غير كافي لإطلاع العموم على محتوى القرار النهائي، لا سيما أن مدة التعرض على القرار حددها المشروع في 6 أشهر وهي بمثابة تقرير مصير لحقوق المعنيين بالأمر إذ بانقضائها تصبح حقوقهم في مهب الريح . هذا وإعمالا لقواعد العدل و الإنصاف لأجل المحافظة على حقوق المعنيين بالأمر يستحسن نشر قرار التحديد على نطاق واسع وهذا لن يتحقق إلا إذا تم نشر القرار السالف الذكر في الجريدة الرسمية ثم نشر إعلان بشأنه في جريدة أو عدة جرائد مأذون لها في نشر الإعلانات القانونية، مع الإشارة إلى الجريدة الرسمية التي وقع نشره بها وتعليق نصه الكامل بمقر الجماعة أو الجماعات المعنية ومقار الإدارات العمومية، وذلك على غرار إشهار المقرر القاضي بإعلان المنفعة العامة المنصوص عليه في الفصل 8 من قانون رقم 81 7 المتعلق بنزع الملكية . إذا كانت الغاية المعلنة من هذا المشروع هو تجميع النصوص المنظمة للأملاك الجماعية في نص واحد فإنه يلاحظ مع كامل الأسف أن أحكام المادة 16 من المشروع الجديد تتعارض مع هذا المبدأ، إذ تخضع مسطرة تخطيط الطرق العامة و مسطرة تأكيد طابع الملكية العامة التي تكتسيها الطرق والمسالك و الممرات و الأزقة المستعملة إلى النصوص الواردة في قانون رقم 90 . 12 المتعلق بالتعمير . ولذا نرى من الضروري أن يتم التنصيص على أحكام المسطرتين معا ضمن مشروع قانون رقم 09 / 02 تفاديا من جهة لتشتيت النصوص المنظمة للأملاك الجماعية ومن جهة أخرى ليصبح هذا المشروع الجديد المرجع القانوني الوحيد المنظم للأملاك الجماعية. ( يتبع ) هوامش: 1 ) منشور عدد 125 بتاريخ 26 ماي 1981 حول مراقبة سجل محتويات الأملاك الجماعية، وكذا دورية رقم 248 بتاريخ 20 أبريل 1993 حول تدبير الممتلكات الجماعية . 2) راجع مؤلفنا «المساطر القانونية لتدبير أملاك الجماعات الحضرية و القروية» الطبعة الأولى 2008، بالصفحة 35. 3) ذ .عبد العزيز توفيق : قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ خلال أربعين سنة،الطبعة الأولى 1999، بالصفحة 286.