د. العربي مياد بداية أرى من الفائدة القول بأن الديمقراطية المحلية لم تقم في المغرب ابتداء من الميثاق الجماعي الصادر في 23 يونيو 1960 وإنما معروفة قبل مجيء الحماية بسنوات كثيرة، ذلك أن تاريخ الجماعة يعود في أصله إلى القبائل البربرية الأولى التي عملت على تسيير شؤونها المحلية عن طريق بعض أعيانها ومشايخها الذين ينتظمون فيما يسمى بالجماعة، إلا أن اجتماعاتها لم تكن دورية وإنما حسب الأحوال والظروف والمستجدات وتعقد إما بالسوق أو بمسكن أحد الأعضاء، واستثناء قد تعقد الاجتماعات بمنزل «الامغار» الذي يترأس المجلس الجماعي لمدة سنة. والجدير بالنسبة أن اختصاصات الجماعة آنذاك لم تكن واردة على سبيل الحصر وإنما كانت عامة إلا أن لها ارتباط بهموم السكان اليومية لتصل إلى فض النزاعات التي قد تنشأ بين الخواص والقبائل المجاورة. ويعتبر ظهير 8 أبريل 1917 أول نص مكتوب اهتم بتنظيم الجماعات المحلية وفق المنظور الغربي بحيث خول هذا القانون الجماعات المحلية الحضرية نوعا من الشخصية المعنوية والاستقلال المالي. وتتكون هذه الجماعات من جهاز إداري محض وجهاز استشاري يضم أشخاصا معنيين من طرف الإدارة المركزية. ويسير الجماعة من الناحية الفعلية موظف فرنسي يدعى رئيس المصالح البلدية. وفي فاتح دجنبر 1934 تقدمت كتلة العمل الوطني بمطلب لكل من الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب والسلطة الفرنسية بفرنسا تدعو الى احداث مجالس بلدية وإقليمية وغرف تجارية ومجلس وطني مكونة من مغاربة (2) توج بصدور ظهير 6 يوليوز 1956 ثم ظهير فاتح شتنبر 1959 المنظم للانتخابات وبعده ظهير 2 دجنبر 1959 المتعلق بالتقسيم الإداري للمملكة. ورغبة من الدولة في إرساء القواعد الصحيحة للديمقراطية المحلية صدر ظهير 23 يونيو 1960 بمثابة التنظيم الجماعي. إلا أن ما يلاحظ رغم تنازل الإدارة المركزية عند بعض اختصاصاتها للسلطة المنتخبة تحت الإشراف المباشر للسلطة المحلية، فإن ذلك لم يواكبه خلق إدارة جماعية قادرة على ممارسة اختصاصاتها على قلتها. وفي اعتقادنا فإن أول نواة علمية للإدارة المحلية تبقى هي ظهير 30 شتنبر 1976 الذي خول اختصاصات واضحة لرؤساء المجالس الجماعية في مقابل سلطة الوصاية ، وجعل التنمية الاقتصادية والاجتماعية موكولا للمجالس المنتخبة بالإضافة الى الشرطة الإدارية ومهام الحالة المدنية وتم الاعتراف بمقتضى مرسوم 738.77.2 بتاريخ 27 شتنبر 1977 بما يعرف بالنظام الأساسي لموظفي الجماعات. وهنا اكتملت موارد الجماعات البشرية والمادية بعد صدور ظهير 19 أكتوبر 1921 المتعلق بالممتلكات البلدية وظهير 28 يونيو 1954 المتعلق بممتلكات الجماعات القروية كما وقع تعديلهما وتغييرهما بالإضافة الى القوانين المنظمة لممتلكات باقي الوحدات الترابية. وقد تلى هذه الترسانة القانونية صدور القانون رقم 00.78 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 297.02.1 بتاريخ 3 أكتوبر 2002 ثم القانون 08.17 بتاريخ 18 فبراير 2009 المغير والمتمم للقانون رقم 00.78 السالف الذكر. ويستخلص مما سبق أن الجماعات المحلية كما نراها اليوم ليست وليدة نصف قرن كما يدعي البعض وإنما هي مرتبطة بالمجتمع المغربي منذ قرون وبالتالي فإن مرحلة التجربة قد انتهت إلا أن التسيير يبقى في معظم الأحوال تسيير هواة وليس محترفين ويظهر ذلك بجلاء في الواقع المعاشي نذكر منها على الخصوص توزيع المهام بين رؤساء الجماعات المحلية. ومما ينبغي التذكير به أن تسليم المهام داخل الجماعات المحلية ليس محصورا فقط عند انتخاب رئيس مجلس جديد عند طريق الانتخابات الدورية وإنما يحدث كذلك عند إقالة رئيس المجلس الجماعي أو بمناسبة إعادة التقسيم الإداري الذي ينجم عنه تقسيم الجماعة الى أكثر من وحدة ترابية، وكذا في حالة احداث مجالس المقاطعة، حيث يضع رئيس المجلس الجماعي رهن إشارة هذه الأخيرة ممتلكات منقولة أو عقارية الضرورية لمزاولة اختصاصاتها ويدون ذلك بمحضر واستنادا إلى القرار الوزيري المؤرخ في 31 دجنبر 1921 في كيفية تدبير الأملاك الخاصة بالبلديات (3) فإن أملاك هذه الأخيرة تقيد بسجل خاص يعرف بسجل محتويات الأملاك الخاصة بالبلديات يذكر فيه لكل ملك من هذه الأملاك (نوعه وأصله ورسم ملكيته وتاريخ دخوله في أملاك البلدية). ويقسم هذا السجل الى قسمين تقيد في أحدهما الأملاك العامة البلدية وفي الآخر الأملاك الخاصة. أما بالنسبة لكيفية تدبير أملاك الجماعات القروية فقد صدر مرسوم بتاريخ 4 فبراير 1959 (4) يحدد مسطرة تسيير وتدبير هذه الأملاك، لاسيما الفصل الأول منه الذي اقتبس المقتضيات الخاصة بتدبير الأملاك البلدية وتخضع هذه السجلات الى تأشيرة رئيس المجلس الجماعي وسلطة الوصاية. وفي هذا الصدد يمكن التذكير بدورية وزير الداخلية رقم 248 بتاريخ 20 أبريل 1993 حول تدبير الممتلكات الجماعية التي أكدت على أهمية تدخل السلطة الإقليمية في مراقبة مدى ملاءمة التقييدات الموجودة في السجلات وذلك مرتين في السنة الأولى شهر يناير والثانية في شهر يوليوز (5) . والحاصل أن الممتلكات الجماعية تحصر في كناش المحتويات الذي يخضع بصفة دورية الى التحيين تحت أعين المديرية العامة للجماعات المحلية، وممثل السلطة المكلفة بالمالية، ويصدق نفس الأمر على قوائم أطر وموظفي الجماعة المحلية، حيث يتم إعداد هذه القوائم من طرف الكاتب العام للجماعة ومصلحة الموظفين تحت الإشراف الفعلي لرئيس المجلس والمراقبة المباشرة لقسم الجماعات المحلية بالعمالة أو الإقليم، وكذا ممثل وزارة الاقتصاد والمالية على صعيد الخزينة الإقليمية أو القباضة. وفي هذا الإطار نص الفصل 56 من الميثاق الجماعي على أنه يضع الآمر بالصرف في شهر يناير من كل سنة بيانا بأسماء موظفي وأعوان المصلحة مع الإشارة إلى مبلغ مرتباتهم والأجور والتعويضات المرتبطة بها، إذ تسلم نسختان من البيان المذكور إلى القابض. وتخضع كل تصرفات القابض الى مراقبة الهيئات المختصة والمفتشية العامة للمالية. وصفوة القول فإن رئيس المجلس الجماعي يعتبر مسؤولا مباشرا على ممتلكات الجماعة البشرية والمادية ومن تم فلا مجال لتصور التنازل عليها كليا أو جزئيا دون أن يؤدي ذلك إلى إعداد محضر تحت إشراف السلطة المحلية وحضور الكاتب العام للجماعة وممثل الوصاية المالية وستتبع ذلك بالضرورة تحيين دفتر المحتويات وكذلك البيان باسم الموظفين العاملين بالجماعة لكي يتمكن القابض من صرف مستحقاتهم الشهرية وكذا العلاوات ان اقتضى الحال ومصاريف التنقل، ومن تم فإن المادة 47 من الميثاق الجماعي لسنة 2002 من فقرتها السادسة نصت على أن رئيس المجلس الجماعي يدير أملاك الجماعة ويحافظ عليها، ولهذه الغاية يسهر على تحيين سجل المحتويات ومسك جداول إحصاء الأملاك الجماعية وتسوية وضعيتها القانونية، ويتخذ كل الاعمال التحفظية المتعلقة بحقوق الجماعة. وعلى هذا الأساس فإن الدورية المتحدث عنها من طرف الأستاذ الملكي في مقاله موضوع التعقيب لم تأت بجديد وإنما حاولت أن تترجم مضمون مقتضيات قانونية آمرة إلا أنها اخطأت العنوان فعوض أن تذكر السلطة المنتخبة بالمقتضيات الواردة في المادة 47 المذكورة اعتبرت السلطة الاقليمية مختصة بالسهر على تنفيذ مسطرة توزيع المهام، والحال أن المادة 77 من الميثاق الجماعي صريحة في المسطرة الواجبة الاتباع عندما نصت على أنه إذا رفض رئيس المجلس الجماعي أو امتنع عن القيام بالأعمال الواجبة عليه بمقتضى القانون تعين ممارسة سلطة الحلول. ونحن نعلم بأن اعداد محضر تسليم المهام يتم بطريقة مسبقة من طرف السلطة المحلية وموظفي الجماعة المعنية ورئيس المجلس الجماعي الذي يكون له كامل الاختيار والأولوية في الابقاء على الصالح من الموارد البشرية والمعدات ويتخلص من الطالح خاصة إذا تعلق الأمر بتقسيم الأملاك بمناسبة تقسيم إداري جديد، ولنا أن نتصور الحالة التي لا يكون للمجلس الجماعي موارد مالية إلا ما يجنيه من السوق الأسبوعي، فهل يمكنه أن يتنازل عن هذا الملك أو موارده حتى لو كان للسلطة المحلية قبضة حديدية. وفي اعتقادنا فإن توزيع المهام يجب أن يتم من طرف لجنة خاصة يستحسن أن تكون مركزية ممثلة من سلطتي الوصاية الإدارية والمالية وكذا رئيس الجهة ورئيس المجلس الاقليمي أو مجلس العمالة. أما القول بضرورة إحالة محضر توزيع المهام على المجلس الأعلى للحسابات فلا يمكن قبوله لأن هذا المجلس ليس من اختصاصاته التدخل في السير اليومي للمجالس الجماعية الا ما تعلق بمراقبة مشروعية النفقات والمداخيل أما التفتيش والتدقيق فمن اختصاص هيئات أخرى ويمكن للمجلس الأعلى للحسابات الحصول على المحضر المذكور بمناسبة المراقبة السنوية. هوامش: 1) راجع سعيد بن البشير: «الإدارة المحلية بالمغرب»، المطبعة الملكية الدارالبيضاء، طبعة، 1969 ص 118 ، للمزيد من التعمق راجع محمد الانفاسي: «تقييم تجربة اللامركزية الجماعية بالمغرب» (1976 1983) رسالة لنيل دبلوم السلك العالي بالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية للرباط سنة 1984. 2) راجع المجاهد عبد الكريم غلاب «دفاع عن الديمقراطية» سلسلة الجهاد الأكبر عدد 2 السنة 1966 ص 102. 3) المنشور بالجريدة الرسمية عدد 455 بتاريخ 17 يناير 1922. 4) منشور بالجريدة الرسمية عدد 2417 بتاريخ 20 فبراير 1959. 5) راجع أعمال اليوم الدراسي الذي نظمه مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش وبلدية المنارة جليز يوم 9 فبراير 2002 لاسيما مداخلة الأستاذ الدكتور محمد نونيات موضوع الملكية العقارية الجماعية وطرق حمايتها ص 26 وما يليها.