بعد كل العبارات التقليدية التي تتمنى سنة سعيدة والتي لم يعد لها ذلك البريق الذي كان لها ذات زمان وأصبحت من باب القيام بالواجب وإسقاط العتب، فضلت في بداية السنة الجديدة أن أتحدث عن تجربة «مع الناس» التي نطوي اليوم شهرها الثالث كعمود يومي، مرد ذلك إلى الاحتضان الذي وجده لدى القراء منذ اليوم الأول، وسيل المكالمات الهاتفية والرسائل الإلكترونية والاتصالات المباشرة التي تتابع العمود بشكل يومي وتقدم لي ملاحظات كثيرة ومقترحات مواضيع متعددة، هذه العملية أصبحت عبارة عن تعاقد مع القراء رغم ما تطرحه الكتابة اليومية من صعوبات ، خاصة عندما يُصر الكاتب أن يكون متابعا للأحداث اليومية، لا أن يقدم وجبات «بَايْتة» ومجمدة وكتابات جاهزة تحت الطلب،لا يضيف إليها سوى توقيعه كما يفعل البعض...إضافة إلى تلك الصعوبات هناك عائق لا يخلوا من أهمية، فصاحبكم ليس متفرغا للكتابة أو صحفي بالجريدة إنما هو عمل يومي إضافي لعملي الأصلي..البعض ربط في البداية بين «مع الناس» وعمود أستاذ الأجيال المجاهد عبد الكريم غلاب «مع الشعب» ..هذا الربط أشعرني بكثير من الاعتزاز والفخر ولو أنني على يقين أن العبد لله ليس في مستوى المقارنة مع جبل شامخ في ساحة الكتابة وقلم خصب عز نظيره في الساحة الصحافية والأدبية والثقافية في بلادنا، مع أن هذا لا ينفي أن «مع الناس» يريد أن يقتفي نجاح وإشعاع «مع الشعب» الذي لوحده كعمود يعتبر مدرسة في الصحافة المغربية. كثير من الأصدقاء والقراء كانوا يبادرونني بالقول لماذا لم تكتب قبل اليوم وحرمتنا من متعة قراءة كتاباتك، كان جوابي دائما أن إنشغالي بمجال البحث العلمي والأكاديمي وترددي في الكتابة اليومية هما السبب، وهنا لا بد أن أذكر فضل شخصين كان لهما فضل كبير في خروج هذا العمود للقراء، الأول هو أستاذ الجيل الكبير عبد الجبار السحيمي شفاه الله.. أستاذي عبد الجبار كان يناديني ب « السمية لعزيزة « في إحالة على اسم نجله الأكبر «عادل»، وكان يحتضن كتاباتي بالكثير من الاهتمام والعناية وكان غالبا ما يحرص بشكل شخصي على توضيبها وإخراجها بعناية فائقة، بل حتى اختيار العناوين الفرعية لمقالاتي ودراساتي التي نشرت على صفحات «العلم» كانت له فيها آراء واجتهادات ، وكم كنت سعيدا بتلك العناية وأنا لا زلت في بداية الطريق سواء على مستوى البحث العلمي والأكاديمي أو في سلم النضال والمواقع التنظيمية في الحزب ..عندما كنت أزور الأستاذ عبد الجبار في مكتبه ، كنت أعرف أنني سأغادره وكأنني قرأت مئات الكتب، عبد الجبار قوته هي أن يدفعك للإيمان بأنك على مشارف النجاح، فقط يجب مواصلة العمل وذلك ما فعلت، رغم أنني لم أحقق رغبته في الكتابة بانتظام على صفحات « العلم « في فترة سابقة على تجربة «مع الناس» ..الشخص الثاني هو الزميل والأخ الأستاذ عبد الله البقالي، الذي ومنذ تجربة جريدة الشبيبة الاستقلالية «الاختيار» وهو يلح علي في الكتابة المنتظمة على صفحات «العلم»، ورحب منذ اليوم الأول بفكرة عمود يومي رغم المخاوف التي كانت بادية عليه من عدم إلتزامي بالمواظبة ..أتمنى أن أكون قد بددت بعضا من مخاوفه المشروعة كرئيس تحرير للجريدة. اليوم هو بداية سنة جديدة أتمنى فعلا أن تتجاوز فيه بلادنا المنطقة الرمادية، نحو مزيد من الوضوح ومزيد من الارتباط الحقيقي «مع الناس». إلى لقاء [email protected]