كثيرا ما يسعد المرء لما أضحت تعرفه ساحة الحرية بالمغرب من اتساع بفضل مجموعة من المبادرات و التشريعات التي ترمي إلى كسر قيود التضييق، وكبح جماح ممارسات الانتهاكات المجحفة لحق الإنسان المغربي . فالمضطلع على البنية التشريعية في المغرب و على ما أضحت تزخر به من قوانين يرى بالملموس أننا اليوم في بداية تأسيسنا لمغرب جديد قوامه الحرية و الانتصار للحق الإنساني. ومن بين القوانين التي أسست لمبادرات التنمية بكل أصنافها و شجعت على الإنتاج الفكري ، قانون تأسيس الجمعيات كما تم تعديله ، و الذي أصبح يتضمن أحكاما تقدمية تتبنى «نظاما تصريحيا» للجمعيات ، أي أن هذه الأخيرة لم تعد في حاجة إلى الحصول على إذن مسبق لتكون قانونية وصار عليها أن تصرح للسلطات بإنشائها لتمارس فيما بعد نشاطها بكل حرية . فقانون الجمعيات المعمول به اليوم تؤكد نصوصه على أنه بمجرد «التصريح» قانوناً بجمعية معينة ، فإن المحاكم وحدها تملك سلطة حلها، وهذه الأحكام مناسبة لممارسة الحق في حرية تكوين الجمعيات. غير أنه و بالرغم من هذا القانون الذي ينسجم في مجمله مع التشريعات والمواثيق الدولية فإن هناك بعض الممارسات التي تعرقل أجرأته من قبل السلطات المحلية و التي تنهج في العديد من المدن المغربية أساليب و ممارسة لا تزال بعيدة عن الدور المنوط بها في نص القانون. فالسلطات المحلية المسؤولة عن التعامل مع التصاريح التي أودعتها الجمعيات تتجاهل وتفسد الإجراءات المنصوص عليها في القانون، بصورة روتينية،و تنتهك بذلك الحق في حرية تكوين الجمعيات عبر حرمان الجمعيات وأعضائها، تعسفاً، من الحماية القانونية التي تسمح لهم بالحرية في العمل الجمعوي . وتستند السلطات المحلية في تعاطيها مع قضايا تأسيس الجمعيات على مجموعة من الاجتهادات السلطوية المحلية التي تخدم في غالب الأحيان حساباتها الساعية إلى تغليب كفة جهة سياسية على حساب جهة أخرى أو للتضييق على أفراد جمعويين كرسوا حياتهم للترافع على قضايا المواطنين و الدفاع عن مصالح عبر إطارات جمعوية . كما تعمل هذه السلوكات السلطوية اللاقانونية على الدفع ب»المبادرين الجمعويين « إلى تعليق أنشطتهم، وثني بعض الأعضاء المحتملين عن الانضمام إلى ورش التنمية و التقدم الذي تقوده العديد من الجمعيات المغربية عبر ربوع الوطن ، فتفرض الإدارة المعنية بعملية إيداع التصاريح قوانين محلية متناقضة مع مضمون قانون الجمعيات وخاصة ما يتضمنه الفصل 5 الذي يؤكد على أنه « يجب أن تقدم كل جمعية تصريحا إلى مقر السلطة الإدارية المحلية الكائن به مقر الجمعية مباشرة أو بواسطة عون قضائي يسلم عنه وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال وتوجه السلطة المحلية المذكورة إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة نسخة من التصريح المذكور وكذا نسخا من الوثائق المرفقة به المشار إليها في الفقرة الثالثة بعده، وذلك قصد تمكينها من إبداء رأيها في الطلب عند الاقتضاء... وعند استيفاء التصريح للإجراءات المنصوص عليها في الفقرة اللاحقة يسلم الوصل النهائي وجوبا داخل أجل أقصاه 60 يوما وفي « حالة عدم تسليمه داخل هذا الأجل جاز للجمعية أن تمارس نشاطها وفق الأهداف المسطرة في قوانينها «. ولوضع حد لانتهاكات حق المغاربة في حرية تكوين الجمعيات،فإنه من الواجب اليوم على كافة المعنيين بضمان الحق في ممارسة الحرية ، تذليل العقبات التي تضعها السلطات المحلية في طريق الجمعيات التي تتبع الإجراءات القانونية للتصريح بنفسها، ومساءلة المسؤولين المحليين الذين يعملون على تقويض سيادة القانون عن طريق عرقلة حقوق الجمعيات بشكل تعسفي و التأكيد علناً على حق المغاربة في ممارسة حقهم في حرية تكوين الجمعيات على النحو المنصوص عليه في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وأن تُبلغ المسؤولين المحليين بأن عليهم الوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون المغربي ذات الصلة بتسجيل الجمعيات، وأنهم سيكونون مسؤولين عن الانحراف عن أحكام القانون. [email protected]