احضروا للطفل الكرسي والمنضدة ووضعوا فوقها الكتب والأقلام، وذكروه بموعد المدرس الذي سيراجع له المواد الدراسية قبل الامتحان، لكنهم نسوا أن يخفضوا صوتهم أو أن يغيبوه عن مسامعهم فمشاحناتهم التي ينقلها له الهواء من الغرفة المجاورة تبعده أميالا عن التركيز، وتأخذه بعيدا عن تحقيق حلم النجاح في امتحانات هذه السنة. قد يعتقد البعض أن اهتمام الوالدين بتدريس أبنائهم من المفترض أن يجعلهم في صفوف متقدمة، إلا أن الحالة النفسية التي يعيشها الطفل في المنزل تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على أدائه المدرسي، لأن الطفل ليس كالبالغ بإمكانه أن يفصل بين دراسته وهمومه المنزلية خاصة في مرحلة تكوينه النفسي والاجتماعي. والتجارب أثبتت أن للمشكلات الأسرية تأثيراً كبيراً على التحصيل الدراسي لأبنائنا؛ إذ أظهرت دراسة متخصصة ان نسبة التعثر الدراسي لدى الأطفال في المدارس تزيد كثيرا نتيجة للعديد من الأسباب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية. وقالت الدراسة إن التعثر التعليمي يعد إحدى المشكلات التي تمس العديد من الأسر. وذكرت الدراسة ان ظاهرة التعثر الدراسي تعد ظاهرة مرضية وأحد أهم الاضطرابات التي تؤدي الى إصابة الطفل بعدم المقدرة على ترجمة ما يراه أو يسمعه أو عدم قدرة الطفل على ربط المعلومات في ذهنه. وقالت إن لهذه الظاهرة اسبابا نفسية واجتماعية على الطفل تظهر في المشاكل الأسرية مثل الطلاق والتفكك الأسري وما يتبعها من اضطرابات نفسية للأبناء. كما أظهرت الدراسة أن مشكلات سوء التغذية لدى الأطفال تؤثر سلبا على كيفية استيعاب الطفل للتعليم مضيفة أن ظاهرة التعثر الدراسي تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بالنمط الغذائي للطفل والأسرة. ودعت الدراسة كل الأمهات والأسر إلى الاهتمام بأطفالهم سواء نفسيا أو اجتماعيا أو غذائيا وذلك حتى يساعدوا أبناءهم في التركيز على التعليم لابعادهم عن مشاكل التعثر الدراسي العديدة. وهكذا تعتبر الخلافات الزوجية من أبرز الأشياء التي تؤثر نفسيا على الأبناء، إذ إن هذه الخلافات تزرع الخوف داخل الأبناء والشعور بفقد الاستقرار والأمان، فالأبناء هم أول من يحصدون النتائج السلبية المترتبة على المشكلات الزوجية. إذ هناك العديد من المضاعفات النفسية والجسمانية التي تلازم الأولاد الذين يعيشون في ظل أجواء عنيفة داخل الأسرة، فحالة التوتر التي يعيش فيها الطفل توقعه في أزمات تجعله يفقد القدرة على السيطرة الذاتية والتأقلم وبالتالي تؤدي الى خطر الفشل المدرسي خاصة والفشل في الحياة عموما. ويزيد الأمر سوءا في حالة الطلاق بين الوالدين حيث يتولد لدى الأبناء شعور بفقدان شيء ما وهذا الشعور ينعكس على تحصيلهم المدرسي وعلى أمنهم العاطفي وعلى القدرة في الاستمرارية بإقامة علاقات اجتماعية خالية من التوتر والخوف والقلق. ومن المشكلات الأسرية التي لها تأثير كبير على تحصيل الأبناء الدراسي تمييز أحد الوالدين لأحد الأولاد وهو ما يحدث عند الوالدين في اللاوعي داخلهم، الأمر الذي يجعلهم على سبيل المثال يفضلون أحد الأولاد الذي يشبههم كثيرا ويذكرهم بحالهم ويجعلونه حليفا لهم وينفرون من الطفل الذي يشبه الشريك الآخر. هذا التمييز من شأنه أن يؤثر على دراسة الأبناء فيجعلهم غير قادرين على التأقلم في مدرستهم ودروسهم. حتى وإن كانوا أطفالا أذكياء لان شعور الاحباط الذي زرع داخلهم جعلهم يشعرون بأنه لايمكن لهم أن يكونوا ذوي فائدة وقدرة على أداء أي فعل كان وذلك بسبب شعورهم بأنهم مهملون مقارنة بإخوتهم المميزين والمحبوبين لأهلهم. فكيف نتصرف؟ تعتبر الأسرة واحدة من المؤسسات الاجتماعية الرئيسية لديها وظائف هامة في ما يتعلق بالأطفال، وهذه المهام والوظائف هي التعليم غير الرسمي والتدريب ونقل ثقافة الوالدين والمعرفة العمية والزمالة وممارسة السيطرة والحماية وتحقيق الأمان النفسي. ويتضح أنه في حالة حدوث اضطراب في العلاقات بين الزوجين فإن تأثيره لايقتصر على الوالدين فقط وإنما يمتد الى الأبناء، ويظهر هذا التأثر على شكل اضطرابات نفسية وانحرافات سلوكية وتعرف منظمة الصحة العالمية (الصحة) بأنها حالة من اكتمال السلامة البدنية والعقلية النفسية والاجتماعية وليست مجرد خلو الجسم من المرض والعجز وهذا مما يؤكد ارتباط النواحي البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية في آن واحد. وكذلك تأثر كل جانب بالآخر واضطراب أي جانب ينعكس على حالة الفرد العامة. لذا لابد لنا من وقفة مع أنفسنا ومراقبة دقيقة لردود أفعالنا إزاء تربيتنا لأبنائنا والأخذ بالحسبان الأطفال والامتناع عن النقاش والجدال أمامهم وضرورة بقاء هيبة الوالدين في نفوسهم ودوام محبتهم. وتقع على عاتق الأهل مسؤولية توفير الجو الأسري الآمن الخالي من المشاحنات والتوتر وأخذ هدنة... ليست فقط في أيام الامتحانات بل يجب أن تكون دائمة بحيث يجب ألا يعرف الطفل أو يشعر بالخلافات الزوجية، وإذا كان من الطبيعي أنه لايخلو بيت من المشكلات الزوجية لكن على الأب والأم أن يخفياها بعيدا عن مسامع أولادهم وألا ينشرا جو التوتر داخل المنزل لأن ذلك ينعكس سلبا على نفسية الأطفال وبالتالي على أدائهم الدراسي والحيوي أيضا.