إن ظاهرة الخوف خلال فترة الامتحانات تكاد تكون عامة في صفوف التلاميذ، ولكن بنسب متفاوتة وذلك حسب طبيعة التكوين الذي خضع له كل منهم، وعلى قدر مستوى التربية الأسرية التي نشأ ضمنها.. ولكن جل الأسباب الداعية لوجود الخوف عند اقتراب فترة الامتحانات ناتجة عن عدم وجود استعداد كاف لاجتياز الامتحانات، سواء كان بالإهمال واللامبالاة، أو بعدم الانتباه والتركيز أثناء إلقاء الدروس وكتابتها أو بعدم القدرة على التركيز أثناء المراجعة، فيفقد التلميذ جزءا كبيرا من وقته في التنقل من درس إلى أخر ويجد نفسه يحاول مراجعة أشياء كثيرة في وقت واحد، وبذلك يشعر بالارتباك ولا يستطيع التركيز على عمل حتى ينتهي منه، مما يولد لديه نوعا من التخوف من النتائج المتوقعة في الفروض التي سيجتازها وهو فاقد للزاد الكافي لذلك.. إلا أن الحالة التي هي موضوع الرسالة المذكورة تصرح بشيء مغاير !.. فالتلميذة (ع.إ) تقول إنها ليست مهملة لدروسها وهي تبذل جهدها في التحضير(.. مع أنني أستعد للامتحان بشكل جيد، حيث أنجز عددا كبيرا من التمارين وأراجع دروسي جيدا..).. ومع ذلك فإنها أثناء الامتحان يمتلكها الخوف والارتباك وعدم القدرة على التركيز، لدرجة أنها تخطئ في إنجاز أسئلة سهلة كان بإمكانها الإجابة عنها مما يصيب نفسيتها بالتشاؤم والاكتئاب.. وهذا يبين أن حالة الفتاة (ع.إ) مرتبطة بالجانب النفسي أكثر منه بالجانب المادي الملموس.. بُنيَّتي.. عندما يشتد تأثر الشخص بضغوط الامتحانات ويتجاوز القدر الطبيعي يختل ميزان الاستقرار النفسي وتتأثر المعنويات النفسية والقدرات العقلية والحالة الجسدية، فيضعف تحمل الاجتهاد الذهني على التركيز والفهم والحفظ، ويزيد القلق والتوتر من خوف من الامتحانات ونتيجته وقد يصاحب ذلك توقع الفشل وخيبة الأمل والإخفاق، وتقل الدافعية والعزيمة والهمة، وقد يحصل ضجر وملل وكآبة واضطرابات متنوعة في الجهاز الهضمي، كما قد يضطرب النوم وتضعف شهية الأكل.. إن الامتحانات ترفع درجة الانزعاج النفسي ولكنها ليست العامل الوحيد المؤثر في حالتك - كما أشرت آنفا- ويبدو أن هناك عوامل أخرى يجدر بك الالتفات إليها لعل من أهمها: طبيعة شخصيتك وصفاتك النفسية، فثمة صلة وثيقة جدا بين صحة الشخصية وقدرتها على مواجهة الضغوط النفسية وقدرته على مواجهة الضغوط النفسية والتكيف معها بصورة صحيحة مما ينفع الشخص ويعينه على تخطي العقبات. وهذه الحالة التي تشتكين منها تكثر لدى أولئك الأشخاص الذي يتصفون بزيادة التحفز والقلق والحرص المبالغ فيه مع عدم الثقة في النفس وفي القدرات العقلية (من فهم وحفظ..) التوقعات المبالغ فيها والطموحات المتجاوزة حدّ القدرات الموجودة لديك.. فأنت تتوقعين الحصول على درجات عليا وتفوق كالذي اعتدت عليه قبل مرحلة الثانوية - وقد تكونين أهلا لذلك فعلا - لكن يبدو والله أعلم أن مهاراتك الدراسية (طريقة المذاكرة وإدارة الوقت وتوزيعه على المواد..) بحاجة إلى صقل ومراجعة وترشيد. الخلافات الأسرية وما فيها من مشادات متكررة وما يترتب عليها من إزعاجات (نفسية وذهنية) تستهلك قدرا من طاقتك وتربك استقرارك النفسي وتؤثر سلبا على إنجازك الدراسي. كما قد توجد عوامل أخرى مثل عدم الارتياح لبعض المواد أو بعض المدرسين أو المنافسة الشديدة لمن هم فوق مستواك ونحو ذلك.. والمهم في هذا أن لا تلقي اللوم كله على الامتحانات وحدها وراجعي نفسك وتأملي ذاتك وقدراتك ولا تقيسي مرحلة الدراسة في الثانوية على المراحل السابقة، فتفوقك السابق لا يعني بالضرورة كونك قادرة على التفوق دائما دون أن تطوري قدراتك ومهاراتك، وليس المراد هنا أن تقللي من شأن نفسك وأن ترضي بما أنت فيه، وإنما المراد معرفة نفسك وواقعك لتقليص الفجوة بين الحقيقة والخيال، كي ينخفض مستوى القلق المصاحب للامتحانات وما يترتب عليه من آثار نفسية.. إذ ليس من الحكمة أن تبقي حبيسة ذكريات التفوق في المراحل السابقة في حين لم تفلحي الآن في تخطي بعض حواجز العبور ولو بأدنى معدل... وفيما يلي تجدين بعض الحلول التي تساعدك إن شاء الله تعالى على تخطي الصعوبات التي تعترضك والخوف الذي يشوش عليك تركيزك خلال اجتياز الامتحان وبالله التوفيق: 1. تعرفي أولا على مشاكل ذاكرتك ثم خططي لها برنامجا يهدف إلى التخلص من تلك المشاكل.. والمقصود من كلامي هذا أن تكوني على علم بما يحول دون تركز المعلومات في الذاكرة، هل هي بسبب عدم التتبع أثناء إلقاء الدروس، أو الاستحياء من وضع السؤال للمدرس، أو بسبب أخر.. 2. التخلص من المشاكل غير المباشرة: شرود الذهن (ضعف التركيز الفكري). سرعة التأثر والانفعال.. تشاؤم عام، أو عدم حب الدراسة.. 3. خلق إحساس دافع: التفريق بين الدراسة والمشاكل الأخرى سواء كانت عائلية، اجتماعية أو مادية.. 4. إمكانية الإيحاء الذاتي والمقصود من ذلك مخاطبة النفس على أنها قادرة على تحقيق النتائج الحسنة والحصول على أعلى الدرجات.. وكذلك إيحاء للنفس أنها في أتم استعداد لاجتياز الامتحان، وطرح السؤال عليها: بماذا يختلف عني الأصدقاء الآخرين الذي يحصلون على أعلى النقط؟ هل هو الاستعداد للامتحان؟ فأنا مستعدة. هل هو الصحة والعافية؟ فأنا معافاة والحمد لله. هل بالحضور والمواظبة؟ فأنا أحضر لدروسي وأكتبها أولا بأول...إذن ما الذي يحول دون تحقيق ما أريد؟ وما هو سبب الخوف الذي يتمالكني أثناءه؟.. إنه بلا شك الوهم مسيطر، والخيالات التي لا حقيقة لها.. كرري كثيرا في حديث فكرك إيحاء يوحي التطور. حدثي نفسك يقينا بأنكِ ستطورين ذاكرتكِ. كرري شعورك هذا عدة مرات إلى أن يصبح معناه حقيقة فعلية.. وتجنبي إيحاء يوحي العكس. احرصي على أن لا تكوني من الذين يوجهون الاتهامات السلبية للذات، تلك الاتهامات الرخيصة التي تنسب للذاكرة : الخيانة، التعطيل، المرض... ابدي إعجابك بها، واقتناعك بوظيفتها وبمستقبلها الزاهر وركزي اهتمامك لإزالة كل ضعف أو داء سبق لك أن نسبته لها من قبل.. كل هذا وأنتِ تخلقين إحساسا حقيقيا لتسيطرين عليها.. 5. دعم الذاكرة: أقنعي نفسك بهذه الحقائق الثابتة، غيري رأيك اتجاه المواد التي لا (تحبينها) أو لا تحسنيها..قولي في حديثك اليومي وأنتِ تتصورين معنى ما تقولينه بمخيلتك: >إني أتوفر على الجهود.. كل الجهود.. لكي أتقن كل المواد المبرمجة دون استثناء. نعم ! إني لا أرضى الفشل لنفسي بسبب مادة لا أحسنها، فأنا أحب جميع موادي الدراسية، ولا تخيفني الأسئلة المطروحة في الامتحان مهما كانت لأني مستعدة لها ولي جميع المؤهلات للإجابة عليها بكل سهولة...< 6. خضوع ذاكرتك لإرادتك: إن تطوير ذاكرتك والتخلص من الارتباك المصاحب لحالة الخوف والذعر أثناء الامتحانات، هو في حد ذاته نوع من فرض إرادتك وسيطرتك عليها.. ولكن كيف ذلك؟.. إن ذاكرتكِ هي إحدى وظائف عقلكِ الكامن، فهي تخضع مسبقا لإرادتك شرط أن تدربي هذه الأخيرة على الخضوع، وكذلك باحترام قوانين الذاكرة وبمتطلباتها، فحينما تسلطي إرادتك على ذاكرتك، فإن هذه الأخيرة تقف وقفة مؤقتة لتخضع لحدة إرادتك طوال الوقت الذي تستمرين فيه.. إن التعود على التذكر الإرادي والاتصاف بالشجاعة وقوة الشخصية يدرب خلاياكِ الفكرية كلها، ويُمكِّنك تدريجيا من التحكم في ذاكرتك أكثر.. 7. المنافسة مع الزملاء في وقت الفراغ ذات قيمة كبرى في مساعدة العقل على التذكر الكامل، ومساعدة لشخصيتك على اكتساب الثقة بالنفس والاعتماد على القدرات الذاتية دون خوف من الفشل أو شك في تحقيق الهدف المطلوب.. 8. التدريب على قوة الملاحظة: ويمكنكِ تنمية القدرة على الملاحظة بالتعود على مراقبة الأشياء بذهن نشط مستفسر... 9. اعتمدي الوسائل التي توفر وقاية لذهنك ولذاكرتك وتجعل جهازك العصبي في حالة حسنة ومن ذلك ما يلي: النوم الكافي المريح، وتذكري أنه >من لا يحسن الراحة لا يحسن العمل< وقاية الجسم من التسمم.. الرياضة البدنية والهواء النقي..>العقل السليم في الجسم السليم< الاسترخاء والمرح المفيد لغرض تجديد القوة والنشاط.. فحسن استغلال وقت فراغك في اللهو النافع يعينك على الاستيعاب.. يقول رسول الله (ص): >نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ< الحالة النفسية المتفائلة.. لقول الرسول الكريم(ص): >احرص على ما ينفعك ولا تعجز..< 10. وفي الأخير: تذكري أن حسن علاقتكِ مع الله، أكبر عوامل نجاحك، فالرسول الكريم(ص) يقول:{>احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله..<، كما أن إسراعكِ في أداء الصلاة يُعوِّدك على الإسراع في أداء واجباتك.. وما دمت متصلة بالله تعالى فاعلمي أن الله سيعينك على تحقيق أمانيك وسيوفقك، وسيجعل لك من كل ضيق مخرجا، وفي كل كرب فرجا.. والدعاء هو ملاك هذا كله سواء في الصلاة أو في غيرها.. "اللهم لا سهل إلا ما سهلته، إنك تجعل العسير إن شئت سهلا".. زيدي توكلك على الله تعالى باعتماد القلب عليه لا على جهدك أو طموحك ابذلي الأسباب الموصلة للتفوق وآتي بيوت الدروس من أبوابها فلعل ذلك يخفض من توتراتك المصاحبة للامتحانات ويعينك على الهدوء والتركيز وحسن الاستيعاب. وفقك الله وأعانك. *جوابا على رسالة التلميذة (ع.إ) تحت عنوان: "كيف أتخلص من الخوف خلال فترة الامتحان؟ (التجديد عدد 563)" كتبها الأستاذ محمد بوهو- آزرو