عادة ما يشتد القلق أثناء فترة الامتحانات بين التلاميذ، وتسود حالة من الطوارئ داخل بعض البيوت، يعكسها تخوف الآباء والأمهات على النتائج النهائية لأبنائهم حيث يتغير نمط الحياة الاعتيادي، يمنع التفرج على التلفاز، يمنع اللعب، أوأي وقت للراحة أحيانا، فجميعنا يعلم بأن فترة الامتحانات، فترة حساسة ولها خصوصيتها، وجميعنا يعلم أن مسألة الخوف شيء عادي، وعامل نفسي يتعلق بالمجهول الذي ليس إلا أسئلة الامتحان، إلا أن الاضطراب الذي يحصل لدى معظم الأسر التي يجتاز أبناؤها الامتحانات قد يؤثر سلبا على هؤلاء عوض مساعدتهم على التهيئ، والتركيز فيتحول القلق إلى مرض نفسي، وخوف دائم جراء سيطرة هاجس الفشل الدراسي. ضغط ورهبة ترى الأستاذ شادية العوماني، حارسة عامة بإحدى المؤسسات التعليمية، أن فترة الامتحانات تحول حياة بعض البيوت إلى جحيم، وانطلاقا من كونها مربية وأما لثلاثة أولاد، تؤكد أن الضغط على الأبناء في هذه الفترة بالذات خطأ كبير، على اعتبار أن حالة الطوارئ هاته يجب أن تظل في البيت طيلة السنة الدراسية، لتحفيز الأبناء على المراجعة، والانتباه إلى دروسهم بشكل متواصل. وتضيف العوماني في تصريح لـالتجديد، أن المؤسسات التعليمية تعج بأولياء الأمور خلال الشهر الأخير من الدراسة للسؤال على أبنائهم، وبالتالي يصير هؤلاء مصدرا إضافيا لقلق الأبناء الممتحنين، من خلال اهتمامهم الزائد، في وقت يحتاج هؤلاء إلى المزيد من العناية والتفهم لتخفيف حدة الخوف الذي ينتابهم؛ بمجرد التفكير في الامتحان والحراسة المشددة ... وبالتالي فتأجيل التلاميذ لمراجعة الدروس، إلى ما قبل الامتحانات بمدة قليلة، يتسبب في الضغط والخوف، الذي قد يصل إلى مرحلة الاكتئاب، حيث يجد الممتحن نفسه أمام كومة من الدروس لا يعرف كيف يتعامل معها في ظرف وجيز، ويزيده قلق الأسرة أوعتابها له انفعالا ورهبة. من جهة أخرى، تؤكد العوماني، أن الأبناء أثناء فترة الامتحان يحتاجون إلى الراحة لتجديد الطاقة، ولا مانع لو تفرجوا لبعض الوقت على التلفاز؛ لكن بشكل مقنن، بل المفروض -تستدرك- أن يكون جهاز التلفاز والأنترنيت مقننين من حيث التعامل معهما طول السنة، لكي لا يعتاد الأبناء على شيئ، وفي لحظة ننزعها منهم بشكل مبالغ فيه. وأكرر دوما-تضيف المتحدثة نفسها- أن الرقابة التي يجب أن تكون على الأبناء مسألة طبيعية، لكنها تنعكس سلبا في حالة الإفراط فيها، وما الامتحان إلا أداة لمعرفة مدى قدرة التلاميذ على الاستيعاب والتحصيل، وفرصة للآباء للتفهم أكثر، والسيطرة على قلقهم بشكل ناضج. خوف من الفشل أكد الأستاذ يوسف الصديق، أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن زهر بآكدير، أن عادة القلق في صفوف الآباء أثناء فترة الامتحانات، صارت ظاهرة متفشية، وعزا الصديق سبب ذلك إلى الخوف الذي ينتاب الآباء من تعثر الأبناء في الدراسة، حيث يعتبر المجتمع المغربي الفشل نهاية، في الوقت الذي تعتبره الدول الأخرى تجربة، ويتعاملون معها بشكل إيجابي. وعن انعكاسات التوتر الذي يعم البيوت في فترة الامتحان؛ التي تعكس علاقة تكونت بين الآباء والأبناء خلال مسارهم الدراسي، يقول الأستاذ الصديق إنه في الغالب سلبي، حيث يفرض الآباء طريقة المراجعة، وتوقيت ذلك، وذلك راجع إلى الثقافة التربوية المحدودة لدى الكثير منهم، حيث لا يتركون للأبناء هامشا للحرية، فيضيعون عليهم فرصة الإبداع وتحمل المسؤولية؛ التي من المفترض أن يتعلمها الابن منذ صغره؛ بعيدا عن المراقبة السلبية، والاهتمام المفرط . واعتبر أستاذ علم الاجتماع، أن هذا الخوف، وإعلان حالة الطوارئ داخل الأسر؛ مرتبط بطبيعة المجتمع المغربي، بل هي ظاهرة مرتبطة بسلوك مدني، أو ما أسماها بـهشاشة المجتمع؛ الذي يعتبر الفشل في مستوى معين؛ نهاية للحياة المستقبلية للشباب، وبالتالي يعاقبونه، مع أن الفشل ليس عائقا، وقد يكون بداية أو محطة لمرحلة مهمة ناجحة في حياة الإنسان. توازن نفسي من جانبه، أكد الدكتور كسرى حسن، اختصاصي نفساني، على مسؤولية الأسرة في تحقيق التوازن النفسي لأبنائها في فترة الامتحانات، مشيرا في حديثه لـالتجديد، أن الآباء يعيشون نفس الضغط والقلق الذي يعيشه الأبناء، ويكون الأمر مقبولا في الحدود الطبيعية خيضيف كسرى-، إلا أنه ينقلب إلى عكس ذلك إذا تجاوز العادي، ويصبح خطرا؛ لأنه قد يؤثر بشكل سلبي على قابلية الأبناء للمراجعة والتحصيل. وذكر الدكتور كسرى بمسؤولية الأهل تجاه الأبناء في الفترة القريبة من الامتحان، وذلك بتوفير ظروف جيدة تساعد على التهييء ومراجعة الدروس، والعمل على تحفيزهم؛ عوض التدخل في التفاصيل التي من شأنها أن تربكهم . ونبه كسرى، أن فترة الامتحان تذكر الآباء بمرحلة سابقة مروا منها أيضا، حيث يبقى هاجس الامتحان مقلقا في كل حياتهم، وبالتالي فعلى الآباء أن يستشعروا، حين تذكر ماضيهم مع الامتحان، حاجتهم إلى التشجيع ليقاوموا القلق، وبالتالي تحفيز أبنائهم على العطاء و بذل الجهد. حرص ومبالغة يشكو مروان، تلميذ في الباكالوريا من العصبية وحالات تقلب المزاج التي تصير عليها والدته؛ كلما بدأت فترة الامتحانات، ففي الوقت الذي يتحفه والده بجملة إنذارية واحدة، لن تسافر إذا رسبت هذه السنة، ولن نشتري لك شيئا كعقاب لك، تبادر والدته طيلة فترة الامتحان إلى حراسته؛ لكي لا يخرج أو يتفرج على التلفاز، وكأن الامتحان شبح مخيف يحول الحياة داخل البيت إلى حالة من الفزع والخوف الذي لا ينتهي إلا بظهور النتائج، وهو الشيء الذي يجعل مروان مرتبكا ولا يشجعه خحسب قوله- على التركيز، ومهما كان الأبناء مستعدين للامتحان خيضيف مروان- فإن تحذيرات آبائهم المستمرة؛ تفقدهم الثقة بأنفسهم، في الوقت الذي يحتاج هؤلاء إلى بعض من الحنان والانتباه بشكل إيجابي . وبابتسامة ماكرة، أردف مروان بالقول، إنه يتظاهر أحيانا بمراجعة الدروس، في حين يكون عقله غائبا تماما عن البيت؛ حيث يفكر في أصدقائه الذين قرروا لعب كرة القدم في الحي؛ لنسيان روتين الحفظ والتركيز، أوكلما بدأت والدته في سرد نصائحها، بشكل يستفزه، حيث يكره الدراسة والامتحان معا. ويرى مروان، وهو تلميذ مجتهد على كل حال، أنه كلما تقرب الآباء من الأبناء في هذه الفترة بالذات، وكلما تفهموا بعض مشاكلهم مع التحصيل والفهم، كلما مرت أمور الامتحان بسلام، و استطاع الأبناء التركيز أكثر . مستوى ضعيف لم تتمالك ربيعة، أستاذة مادة الفلسفة نفسها، فتحدتث إلينا بعصبية ظاهرة على محياها؛ وهي تتذكر بعض الآباء الذين لا يستيقظون من سباتهم إلا مع نهاية السنة الدراسية. تعترف ربيعة أن المستوى الدراسي للتلاميذ ضعيف، ولم تشأ أن تخوض في أسباب ذلك، لكنها أصرت على أن بعض الآباء يتهاونون في متابعة أمور أبنائهم الدراسية، في حين يحمل البعض منهم كل المسؤولية إلى الأساتذة، متناسين دورهم الرقابي؛ الذي يجب أن يفعل طول الوقت، و ليس أيام الامتحان فقط. وتتحفظ ربيعة على طريقة بعض الأسر في الضغط على الأبناء خلال فترة الامتحانات بالضبط، على اعتبار أن الامتحان في حد ذاته يشكل هاجسا لهؤلاء، والمفروض خحسب المتحدثة ذاتها- أن يتقرب الآباء من أبنائهم ويحيطونهم باهتمام أكبر، وأن يراعوا الفترة العصيبة التي يمرون منها، عوض التصرف بصفة الحارس، لأن النتيجة حتما ستكون عكس ما يفكر فيه الآباء .