زاد للتلاميذ لتجاوز توتر الامتحانات:ثقة بالنفس وتغذية السليمة وتعامل حسن طرحت إحدى الأمهات في عدد سابق ل التجديد موضوع التعامل مع ابنها إزاء الامتحانات، ونظرا لكون الموضوع يهم كل الأسر تقريبا، يفرده الدكتور بمقال مفصل لتعم الاستفادة، خاصة وأن الأسر هذه الايام تعيش فترة امتحانات أبنائها. الإحساس بالتوتر في فترة الامتحانات شيء طبيعي مادام يلعب دور المنشط، بحيث يدفع التلميذ إلى الاهتمام والاجتهاد من أجل توفير القدرات اللازمة للتعامل مع الامتحانات. لكن قد يتجاوز التوتر هذه الحالة الطبيعية فيصبح عائقا نفسيا للاجتهاد حيث يثير حالة من الخوف والقلق إزاء المجهول. إن التوتر المرضي يؤثر على الحالة الفيزيولوجية للجسم وذلك بإفراز عدة مواد كيميائية في المخ تؤتر على ما يلي: - مركز المناعة، مما يجعل التلميذ قابلا للتعرض لأي مرض عضوي، الشيء الذي يزيد من حدة التوتر، فالإحساس بالمرض هو في الوقت نفسه الإحساس بالعجز، وهذا يبعث على حالة من الخوف بعدم القيام بالواجب. - إجهاد جسدي كبير، بحيث لا يستطيع التلميذ ملازمة كراسة لمدة طويلة، فهو في حالة تنقل بين الدفاتر والتلفاز...، مما يقلص مدة المطالعة، وهذا أيضا يؤدي إلى الإحساس بالعجز الذي يزيد من حالة التوتر. - انخفاض قوة التركيز والذاكرة: عنصران نفسيان يؤثران حتما على الاكتساب والاستيعاب، والتلميذ لا يستطيع أي شيء في غياب هذين العنصرين الأساسين للذكاء، ويبدأ التلميذ هكذا يحس بالنقص، ويصبح غير قادر على مسايرة التمارين بسبب الإجهاد النفسي المرتبط بحالة التوتر. أسباب توتر الامتحانات يمكن تلخيص أسباب توتر الامتحانات في: خوف الكفايات أسباب تعود إلى الثقة في النفس أسباب أسرية خوف الكفايات نعني بخوف الكفايات إحساس التلميذ بأنه ليست له كفايات عقلية يستطيع بها ومن خلالها استيعاب المقرر المطلوب لتجاوز الامتحانات. وهذا الخوف هو نتيجة للإجهاد الفكري وانخفاض التركيز وضعف الذاكرة. التدبير الخاطئ للمقرر، إذ أن العديد من التلاميذ يستصغرون أهمية الوقت في التحصيل، بحيث لا يستوعبون فرق المقرر الدراسي بين السنوات المتتالية، فهم يميلون إلى التعامل مع مقرر هذه السنة بالوتيرة نفسها التي كانوا يتعاملون بها في السنة الماضية، مما يؤدي إلى تقدير خاطئ للزمن. إن هذا الوضع يسبب لهم الإحساس بعدم وجود كفايات كافية لاستيعاب الدروس، فالمقرر الذي يدرس لمدة ثمانية أشهر يستحيل استيعابه في شهر واحد. وهذا يدفع إلى الإحساس بالتوتر الذي بدوره يؤثر سلبا على الكفايات والقدرات. وهنا تلعب الأسرة دورا مهما في توجيه التلميذ وإثارة انتباهه إلى أهمية التدريب المتدرج في استيعاب المقرر حتى لا يقع في حالة عجز الكفايات في اللحظة الأخيرة. الثقة بالنفس ضربة قاضية للعجز سأتطرق لهذا المفهوم من باب التوازن بين صورة الأنا وبين الرغبة التي أود أن كون عليها، فالثقة بالنفس تأتي بالدرجة الأولى من التوازن الحاصل بين هاتين الصورتين، بمعنى أن الثقة في النفس لا تكون فقط عند المثقف أو الحاصل على الشواهد العليا، بل نجدها عند الرجل البسيط أيضا وعند الحرفي العادي. إن صورة الأنا هي ما أريده لنفسي، فإذا كانت الرغبة قريبة جدا من الصورة التي أكونها عن نفسي فهذه الأخيرة تزداد قوة مع مرور الأيام. ثم إن كوني أعرف مقدراتي العملية وأجتهد في هذا الاتجاه، وحينما تكون رغباتي أكثر من قدراتي بل أكثر من طموحاتي، فإني أصطدم بالواقع. يعني هذا أنني أهفو إلى مستوى لا يمكنني الوصول إليه إلا بالتدريب والجهد المتواصل. ولهذا يمكن أن أضيف إلى ما ذكرت آنفا بأن الثقة بالنفس تفتقد حينما لا أوازن بين الجهد والطموح وهكذا فإن قدرات الفرد تهتز من الداخل فيفقد ثقته بنفسه. ومن ثم يسقط في الإحباط أو في العجز المكتسب، فبدل أن يكتسب الفرد كفايات جديدة بالمجهود والعمل فإنه يكتسب عجزا دائما لأن طموحاته تفوق كفاياته العلمية. هناك عدة أسباب تؤدي إلى هذا الإحباط وإلى هذا العجز نذكر منها على سبيل المثال: تأثير الأفلام على هذا التوازن بين الكفايات والطموح، خاصة في سن المراهقة، إذ المراهق الذي يشاهد أفلاما تقدم النجاح السهل والحصول على المال بصورة أسهل يربط هذه المشاهد بذهنه ليقوم بعملية التقمص مما يجعله يسقط حالة الممثل في نجاحه على حالته الشخصية، فيربط ربطا شديدا بين طموحاته المثالية والواقع، ولكن دون أي اهتمام بعملية الجهد الذي يجب أن يكون مرتبطا وملتصقا بالطموح. كما أن المراهق في مشاهدته للأفلام يلغي أهمية الوقت التي استعمله الممثل للنجاح فهو حين يشاهد الفيلم في ساعة، يستيقظ من حلم اليقظة وهو غير مستوعب للوقت الواقعي الذي أخده المخرج للدفع بذلك الممثل إلى القمة. فإذا كان الطموح قطار الحياة فلا بد أن يمتطي الجهد. للأسرة الدور الكبير الأسرة لها دور كبير في تكريس توتر الامتحانات، وذلك راجع إلى سبب رئيسي وهو انتظار النجاح، فالعديد من الأسر لا تهتم مع تعليم أولادها إلا في آخر المطاف، أعني انتظار النجاح، وكلما كانت الأسرة بعيدة عن ظروف العمل المدرسي كلما كان انتظارها عنيفا، بحيث أنها لا تفهم حيثيات تجاوز الامتحانات. أشير هنا إلى الغياب الكامل للحوار بين التلميذ حول أهمية التعليم وأهمية النجاح، بل الأهم هو مسؤولية النجاح ومسؤولية الفشل. إن غياب مناقشة مسؤولية النجاح والفشل يركز درجات مرتفعة من التوتر عند التلميذ لأنه مطالب بالنجاح في أي ظروف وتحت أي تأثير، ومن الأفضل أن يحس التلميذ بأن أسرته تتحمل معه المسؤولية ومتفهمة لحدود هذه المسؤولية، وإلا فقد يدفعه هذا إلى الإحساس بوحدة موحشة أمام الامتحانات. كما أن هذا الغياب التواصلي يضاعف من الضغط النفسي فيؤثر سلبا على الكفايات التعليمية مما يؤدي إلى الفشل الدراسي. يعتقد العديد من الأسر أنه لا يجب فتح باب المسؤولية مع التلميذ لأن هذا قد يجعله يرمي بالمسؤولية على غيره وهو بذلك لن يستعد للامتحانات بالشكل الكافي، وقد يكون هذا واردا عند فئة محدودة من التلاميذ لأسباب نفسية/شخصية، ولكن السواد الأعظم منهم واعون بتحديد المسؤولية لأن السؤال المطروح يبقى حين نتكلم عن المسؤولية ماذا نقصد بها في حوارنا مع التلميذ/الابن؟ إن مسؤولية التلميذ في حوارنا مع أبنائنا تعني: توضيح الهدف من التعليم. لأجل من أدرس. أهمية المستقبل في تزكية الثقة بالنفس. علاقة الجهد بالنجاح. وللحوار الأسري أهميته ما يهمني في هذه الفقرة هو التركيز على أهمية الحوار بين العائلة والتلميذ/الابن، إذ أنني أريد أن أشير إلى أهمية المسؤولية ومن خلالها إلى أهمية العمل قبل النجاح. وأعني بهذا المفهوم أن على العائلة أن تتحاور مع التلميذ/الابن حول مسؤوليته. إذ تتجلى بالدرجة الأولى في الجهد والمجهود الذي يقوم به من أجل النجاح، أما النجاح كعملية ليست من مسؤوليته إذا عمل واستعد بما فيه الكفاية. تكمن أهمية هذه النقطة بالدرجة الأولى في التقليص من حدة التوتر الذي هو موضوع المقال، بمعنى أن التوتر وحِدّة الانفعالات تتقلص كيفا وكما عند التلميذ/الابن، لأننا نواجهه على مستوى مجهوده وقدراته الفعلية والعملية، ونضعه أمام الأسباب الداخلية للنجاح أي الجهد والاجتهاد. وهكذا فإن هذه العملية تتطلع بكونها تحد من التوتر الزائد وبهذه العملية نزيل التأثيرات السلبية للتوتر الذي يقلص من قدرة الذكاء (التركيز والذاكرة). هكذا فإن الأسرة التي تضع ابنها أمام مسؤوليته الحقيقية (الجهد والعمل) أمام المعلوم وتتفهم المجهود، بمعنى أن النجاح تتدخل فيه عناصر خارجية، يصبح التلميذ طليقا للتوتر قادرا على المواجهة والنجاح في الامتحانات القادمة. وحينما نشير إلى إيجابية التعامل والتفريق بين المعلوم والمجهول وكيف أن هذا المجهول قد يلعب في تغيير مسار النجاح، حيث تشير عدة بحوث أجريت حول موضوع تنقيط امتحانات الرياضيات مثلا أن نقطة الأساتذة لنفس التلميذ تأرجحت فكانت بين 4/20 و15/,20 وفي مادة الفرنسية تباينت النقطة للمصححين بين 4/20 و17/.20 إلا أن هذا التحليل التواصلي لا يمكن أن يعتمد عليه ذلك التلميذ الذي لم يجتهد ولم يعمل، وراح يتهم الأسباب الخارجية: الأستاذ والتصحيح والمؤسسة..الخ، في تغييب تام لمسؤوليته الفعلية مع ضعف كبير في المجهود الذي يقوم به. فالأسرة تتعامل مع الابن انطلاقا من مفهوم أعد واستعد، ومن مفهوم المعلوم حتى تفرز عنده الثقة بالنفس، لكي لا ينحرف ذلك التلميذ المكافح بسبب اتهام أسرته له بالفشل، الشيء الذي يؤدى به إلى الإحباط لدرجة الانزواء ومن ثم الخمور والحشيش، من أجل هدف خاطئ وهو تحقيق تجاوب عاطفي وهمي كان من اللازم إيجاده داخل الأسرة ضمن المعطيات التي ذكرتها سابقا. وفي هذا السياق نذكر تزكية هذا التحليل انطلاقا من التعاليم الربانية القرآنية، إذ أن الله عز وجل يطالبنا في كل المواقف أن نعمل ونجتهد ونجاهد، ولكن النتيجة تبقى موكولة له في الغيب، ويؤكد عز وجل هذا المفهوم في الآية وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ... (الأنفال،60)، ويعني هذا مطالبتنا بأن نعد المعلوم داخل الاستطاعة أي داخل القدرة والكفاية وقد كتب الله عز وجل ... لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (المجادلة،21). وإن المتتبع للفتوحات الإسلامية والمعارك التي قادها الرسول عليه الصلاة والسلام وكل قائد مسلم إلى حين سقوط الدولة العثمانية يجد أن المسلمين لم ينتصروا في أي معركة لأنهم كانوا أكثر عدة وعددا بل إن التاريخ يشهد بأن المسلمين انتصروا وهم قليلو العدة والعدد بل إن أهم الانتصارات الإسلامية كانت في رمضان أي أنهم كانوا صياما. انطلاقا من هذه التربية الاسلامية ونحن نواجه التحديات و الامتحانات وغيرها فإننا مطابون بالدرجة الأولى بالعمل وبذل الجهد. لهذا أدعوا الأسر إلى تقييم هذه المفاهيم في الحوارات التي تديرها مع التلميذ/الابن لتكون له نبراسا في تعامله مع الامتحانات المدرسية و الوظيفية والاجتماعية...الخ. خطوات عملية التركيز على مفهوم الاجتهاد والعمل وعلى إعداد داخل القدرة والاستطاعة. الاعتقاد في التغيير. إن أي اعتقاد أو فكرة يصبحان حتما سلوكا. معرفة الرغبات الحقيقية. استحسان القدرات الشخصية. استحسان الأسرة والأساتذة للقدرات الإيجابية عند التلميذ. الاعتقاد بأن الضعف مرتبط بالعمل وليس مرتبطا بالشخصية. التعامل مع أصدقاء ذوي حوافز عليا استعمال طرق التنفس التدريجي من أجل الاستراحة قبل وإبان تجاوز الامتحانات. تدبيرالحياة هناك بعض الأمور ترتبط بالحياة العامة ويمكن أن ينصح بها في عدة مواقف منها: الرياضة التخفيف من الإرهاق لأنه يؤثر على مستوى الذكاء أخد قسط مهم من الاستراحة والترفيه مشاهدة البرامج المسلية من أجل الترويح الصحة الغدائية الاستغناء عن الخبر الأبيض وتعويضه بخبر القمح استهلاك الفواكه والخضر أكل الحوت بدل اللحم الأحمر الابتعاد عن الشاي والقهوة وأخيرا لا يجوز، بل ولا يحق، للأسرة أن تجرم الفشل الدراسي في حالة حصوله، بل عليها أن تعتبره مرحلة انتقالية، أي أن لا ننظر إلى التلميذ العامل والمجاهد على أنه مجرم حين تتخلل مسيرة حياته محطة فشل ... فمن السهل تعويض الفشل الدراسي، ولكن قد يكون من الصعب تعويض اضطرابات نفسية تلحق بالتلميذ/الابن نتيجة انفعالات أبوية تتجاوز حدود المعقول. هذه الانفعالات تؤثر سلبا كما ذكرت على الصحة النفسية للابن، وقد عاينت العديد من الأسر في ممارستي العيادية تتحسر على الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الابن نتيجة التعامل الخاطئ مع عملية التمدرس/التعلم /النجاح. إن الطفل الذي يضطرب نفسيا يجد صعوبة في الالتحاق بالركب الدراسي على عكس الطفل السليم نفسيا، مع التعثر في بعض الأحيان، فهذا الأخير لا بد أن يلحق بالركب وقد يتجاوزه . إن التفاعل بالرفق يوازن بين مسؤولية العمل والنجاح. د.لطفي الحضري