فيضانات إسبانيا.. سفيرة المغرب في مدريد: تضامن المغرب يعكس روح التعاون التي تميز العلاقات بين البلدين    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    أسطول "لارام" يتعزز بطائرة جديدة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    الزمامرة والسوالم يكتفيان بالتعادل    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    الهذيان العصابي لتبون وعقدة الملكية والمغرب لدى حاكم الجزائر    إعطاء انطلاقة خدمات 5 مراكز صحية بجهة الداخلة وادي الذهب    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدروس الخصوصية من المجانية إلى المساومة والابتزاز...!

الدروس الخصوصية ظاهرة تقض مضاجع الأسر وتثقل كاهلها وتزيدها عبئا ماديا يستنزف ميزانيتها كلما تعدد عدد الأبناء المتمدرسين لديها، خصوصا أن هذه الدروس أصبحت إلزامية بالنسبة لكل التلاميذ وليست اختيارية خاضعة لمستوى التلميذ وضعفه في إحدى المواد، بل أصبحت وسيلة للتمييز بين التلاميذ وإصلاح أو إفساد العلاقة بين التلميذ وبين أساتذته وأداة حاسمة لرسم مستقبله الدراسي، بدونها لا يساوي التلميذ نقطة مهمة!...
كانت الملاحظة العامة، سواء في القطاع العمومي أو الخصوصي، أن القطاعين يفسحان المجال للتلاميذ خصوصا الذين يعانون من ضعف في بعض المواد لتحسين مستواهم فيها. في البداية، كان ذلك عبارة عن دروس للتقوية أو الدعم وكان المبدأ أن تكون بالمجان. الفكرة في حد ذاتها معقولة، خاصة أن هناك عاملان مهمان يدفعان المؤسسة التعليمية إلى إدراج حصص الدعم والتقوية ضمن برامجها التعليمية منها بالنسبة للقطاع الخصوصي سمعة المدرسة عند ضمان نسبة نجاح كبيرة في الامتحانات الموحدة؛ ثم الجانب التجاري، حيث ترتفع نسبة توافد التلاميذ الجدد بالمؤسسة نتيجة هذه السمعة. لكن الفكرة انحرفت، في السنوات الأخيرة، وزاغت عن هدفها وتحولت من المجانية إلى المساومة والابتزاز، حيث أصبحت ظاهرة الدروس الخصوصية، الآن، آفة ابتليت بها جل مؤسساتنا التعليمية بجميع مستوياتها.
يؤكد بعض المتتبعين والمهتمين بالشأن التعليمي أن لهذه المعضلة الكبرى أسباب عديدة ساعدت على انتشارها، أغلب هذه الأسباب يعود إلى الأستاذ والبعض الآخر يعود إلى التلميذ والأسرة... بل حتى نظامنا التعليمي يساعد على انتشار الظاهرة، خصوصا نظام الامتحانات، الذي يرتكز في جل مراحل التعليم على ما يسمى بالمراقبة المستمرة. وتبقى الامتحانات الموحدة المحلية والإقليمية أو الوطنية، في نهاية كل مرحلة من مراحل التعليم (من الابتدائي والإعدادي إلى الثانوي التأهيلي) والفرض الكتابي، مجرد جزء من المراقبة المستمرة. كما هو الشأن بالنسبة للفرض الشفوي، ثم السلوك والأخلاق.
ومادام المتحكم الأول والأخير في المراقبة المستمرة هو الأستاذ، وبما أنه هو المتحكم في عملية النجاح والرسوب، انطلاقا من المستوى الابتدائي، فإن بعض الأساتذة استغلوا هذا الوضع - للأسف - كورقة ضغط يلوحون بها في وجه الآباء، حيث أصبحوا يميزون في التنقيط بين من انخرط في الساعات الإضافية ومن لم ينخرط، حيث يمنح الأول نقطا مرتفعة تخول له النجاح. وإذا حدث وتمرد أحد التلاميذ يكون مصيره الإهمال، الشيء الذي يتسبب له في الحصول على نقط هزيلة؛ وبالتالي الرسوب. ويكون عبرة للآخرين.
ومن خلال تصريحات أولياء التلاميذ الذين تم استجوابهم تبين أن بعض الأساتذة يلجأون إلى هذه السلوكات اللاتربوية في أربع أو خمس مستويات بالابتدائي... يقول أحد الآباء: «.. حتى بعض أساتذة القسم الثاني ابتدائي يلحون على تلامذتهم للانخراط في الدروس الخصوصية، وهو ما ترك استياءا كبيرا لدى عدة أسر، خصوصا التي تعاني من وضع اجتماعي متدهور. أما على مستوى القسم السادس ابتدائي، فحدث ولا حرج، ويكون إقبال التلاميذ، أو بالأحرى الآباء على هذه الدروس مكرهين، وبشكل أكبر، خوفا من الرسوب وعدم الالتحاق بالتعليم الثانوي الإعدادي، الشيء الذي يجعل الأسر، رغم معاناتها المادية، تضحي مع ابنها أو ابنتها ليس لأنها غير متيقنة من قدراتهما، ولكن خوفا من رد فعل طائش غير إنساني لا تربوي من الأستاذ. أما التعليم الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي، فهما المجال الأوسع لانتشار الظاهرة لعدة أسباب أهمها: كثرة المواد، والنقص في عدد الأساتذة، الشيء الذي يصعب معه تلبية رغبة الجميع، خصوصا أن المواد العلمية أو اللغوية عديدة».
ويضيف (م. س) أب لتلميذين منخرطين رغما عنه في الدروس الخصوصية: «الغريب في ظاهرة الدروس الخصوصية أنها في الغالب للتلاميذ من طرف أستاذهم أو أساتذتهم، وهذا ممنوع قانونا إلا بترخيص خاص من الجهات المسؤولة وبشروط وضمانات خاصة، وصدرت في هذا الشأن مذكرة وزارية تحمل رقم 9 بتاريخ 12 يناير 1981. ومع ذلك يلجأ بعض المدمنين على هذه الدروس من الأساتذة إلى استعمال جميع أنواع الضغط والشطط مع التلاميذ حتى يستجيبوا ويخضعوا، ويضغطوا هم بدورهم على آبائهم أو أولياء أمورهم، حتى يستجيبوا هم أيضا ويحضروا المبلغ المطلوب للأستاذ، متجنبين عواقب غضبه وشح قلمه الأحمر! زيادة على سوء المعاملة والتصرف مع كل من امتنع أو رفض».
ويوضح آب آخر: «بعض التلاميذ يدفعون للأستاذ المبلغ المطلوب دون أن يحضر للدروس الخصوصية، ويتكتم التلميذ أو التلميذة على ذلك ولا يبلغ الأستاذ الأسرة، وتزداد خطورة الأمر عندما يتعلق الأمر بتلميذة، حيث يجهل أين تقضي تلك المدة ومع من تقضيها وفيم تقضيها؟ بينما تعتقد الأسرة أنها تتلقى خلالها دروسها الخصوصية. لكن أستاذها، بصمته وتغاضيه، يساعدها ويعرضها للخطر بطريقة غير مباشرة».
وتقول إحدى الأمهات عن أسباب الإقبال على الدروس الخصوصية: «يقوم بعض الأساتذة صباح يوم الأحد بإعطاء دروس أو شرح وإنجاز الفرض الذي سيطالب به تلامذته خلال الأسبوع الموالي. وفي هذه الحالة، يضطر باقي التلاميذ إلى الإلحاح على أسرهم لكي يستفيدوا هم أيضا من هذا التصرف غير التربوي. مما يجعلهم يتهافتون على الاستفادة من دروسه الخصوصية؛ وبالتالي يكون الإقبال كبيرا جدا ويزداد المدخول المالي للأستاذ، وهو الهدف المقصود. لكن كم من تلميذ مجد ذهب ضحية فقره ووضعه الاجتماعي... وكان ضحية أستاذ بلا ضمير، لا يعرف سوى جمع العدد الكبير من الأموال هو في أمس الحاجة إليها حسب اعتقاده، لأن راتبه الشهري غير كاف لتغيير سيارته العادية بسيارة أفضل، أو لأنه متبوع بأداء عدد كبير من الكمبيالات التي على ذمته من جراء اقتناء شقة فخمة أو تغيير أثاث، لكن الضحايا هم التلاميذ الذين ينتمون لعائلات متوسطة أو محدودة الدخل أو التي لا دخل لها. وكم من تلميذ متهور غبي أو بليد حصل على نقط جيدة وحسنة، رغم قلة حضوره وعدم انتباهه، امتيازه الوحيد هو دفعه للمبلغ المطلوب من طرف أستاذه أو أساتذته الذين باعوا له نقطه وغيروها من رقم مالي إلى رقم وضع في دفتر تنقيطهم وفي ورقة فروض التلميذ».
وبخصوص مداخيل الساعات الإضافية، يلاحظ أنها تفوق الدخل الشهري للأستاذ كما أنها لا تخضع للضريبة. ولتحسين الوضعية المادية، أصبح العديد من الأساتذة يتهافتون على الدروس الخصوصية، حيث أصبح التلاميذ عبارة عن ورقة ضغط على الآباء من طرف الأساتذة وأصبح مستقبلهم الدراسي ونجاحهم موضوع مساومة.. فمن أدى واجب الدروس الخصوصية يقرأ وينجح، ومن لم يؤد يهمل ويرسب. الغريب أن نفس الدرس الذي يتم تلقينه للتلاميذ في المدرسة لا يتم شرحه في القسم؛ وبالتالي لا يفهم ولا يستوعب جيدا من طرف التلاميذ، لكنه يكون مفهوما ومستوعبا في حصص الدروس الخصوصية، لأنه يشرح بشكل جيد! بل تحولت الدروس الخصوصية، في حالات عديدة، إلى حصص لحل الفروض المخصصة للقسم بهدف تحضير المستفيدين منها لاجتياز المراقبة المستمرة أو الامتحان الموحد؛ و بالتالي الحصول على أعلى نقطة..
المؤسف أن هذه الدروس أصبحت إلزامية في القطاع العمومي كما أصبحت جارية بالقطاع الخصوصي أيضا، خاصة أن مجموعة كبيرة من المؤسسات تعاني من نقص في الأساتذة. كما أن ظاهرة الغياب أصبحت واردة سواء لدى الأساتذة أو التلاميذ.. فنسبة غياب التلاميذ أصبحت مرتفعة، بل أصبح التشجيع على الغياب هو النهج المعتمد في أغلب المؤسسات بدل التشجيع على الدراسة. وللتخلص من التلاميذ المشاغبين أو المتأخرين عن موعد الدخول أو الذين لم ينجزوا الفروض، يتم إخراجهم من القسم.
وأحيانا عند عجز الأستاذ عن التوصل إلى التلميذ المذنب ومعاقبته يتم اللجوء إلى العقاب الجماعي بتوقيف كل القسم عن الدراسة؛ وبذلك تنعدم الرؤيا البيداغوجية لتشجيع التلاميذ على الدخول إلى القسم والركوب على أي خطإ مهما كان بسيطا لمعاقبة التلميذ.
وأمام كل هذه الأوضاع، يجد الآباء أنفسهم ملزمين لحماية أبنائهم وحماية مستقبلهم الدراسي، فلا يجدون من وسيلة لضمان تلك الحماية أحسن من الدروس الخصوصية! ويمكن للآباء المثقفين والمتفرغين تجاوز الأمر، فلديهم المستوى الثقافي والمؤهلات الفكرية وكذا الإمكانيات الزمانية لتتبع أبنائهم ومراجعة الدروس معهم، لكن الآباء المثقفين غير المتفرغين بسبب ظروف العمل أو الآباء الأميين يعانون كثيرا ويجدون أنفسهم خاضعين لابتزاز بعض الزساتذة..
كما أن المؤسسة العمومية أصبحت تفتقر للحدود الدنيا للتحفيز على متابعة الدراسة في شروط تربوية سواء تعلق الأمر بالأساتذة أو الطاقم الإداري.. ففي بعض الحالات تكون هناك انتهازية وتواطؤ بين الأساتذة والطاقم الإداري وأحيانا يتواطؤ حتى التلاميذ عندما يؤدي أولياؤهم واجب الدروس الخصوصية، لكنهم لا يدخلونها ولا يخبر الأستاذ الأولياء بغياب أبنائهم، فهو لا يهمه الأمر مادام يتقاضى أجره. وبدل أن تكون المدرسة والأسرة، أي الأساتذة وأولياء الأمور، شريكان أساسيان في تربية وتكوين التلميذ، يصبح التلميذ ومستقبله الدراسي رهينتين بين يدي الأستاذ الذي يتحول إلى مصاص دماء يبتز أولياء الأمور المنشغلين بمستقبل أبنائهم.. يقول السيد (ن. ش): «إننا أمام ظاهرة بيع وشراء، وليست ظاهرة دروس تقوية أودعم، كما يدعي جل المدمنين على الظاهرة من الأساتذة. وقانون البيع والشراء يرتكز على مكونات أهمها: البائع والمشتري، أي الزبون، وهو التلميذ أو العائلة. والبضاعة هنا هي النقط. أما ثمن هذه البضاعة، فيتراوح بين 50 إلى 70 ده بالابتدائي، وبين 100 إلى 150 درهما للمادة الواحدة بالثانوي الإعدادي والتأهيلي وقد يتجاوز المبلغ 500 ده للتلميذ حسب عدد المواد».
ومن أغرب الأمور في مجال الدروس الخصوصية، يحكي (ك. م) هو أن «بعض أصحاب المدارس الصغيرة الخصوصية التي تحتضن هذه الدروس يتفقون، أحيانا، مع الأساتذة الذين يعطون الدروس الخصوصية على مبلغ محدد لكل رأس، أي تلميذ، ويتحدثون عن المستفيدين من الدروس الخصوصية كما يتحدثون عن رؤوس الأبقار أو الأغنام!».
جميع الآباء والأمهات والأولياء الذين استقينا آراءهم في هذه الظاهرة أجمعوا على أنها عملية ابتزازية غير تربوية. ولا تحترم مبدأ تكافؤ الفرص؛ وبالتالي سلبياتها أكثر بكثير من إيجابياتها، خصوصا لما تستعمل فيها وسائل الضغط لحمل التلاميذ على الانخراط فيها. وقد أدلى العديد منهم بوقائع مثيرة للاستغراب! من ذلك ما جاء على لسان السيد (عمر. ش): «استدعتني مُدَرِّسة ابني الذي يدرس في القسم الأول من التعليم الابتدائي. وعندما حضرت إلى المدرسة وقابلت المُدَرِّسة، فوجئت بقولها إنها تقدم لابني دروسا إضافية. استغربت! وقلت لها إن ابني لا يغادر البيت إلا إلى المدرسة ولا يغادر المدرسة إلا إلى البيت... فمتى وأين وكيف يتلقى دروسا إضافية؟! فشرحت لي أنها تقوم بذلك داخل حجرة الدرس وفي الساعات العادية، حيث تقف بالقرب من ابني وتمسك بيده حتى يحسن الكتابة، وتفعل نفس الشيء كذلك عند القراءة. وطالبتني بدفع 60 ده شهريا مقابل هذا «العمل»!...
وتحكي رشيدة أن أستاذ ابنتها يختار التلميذات والتلاميذ من خلال هندامهن.. فمن تبدو عليها الأناقة ومظاهر الرفاه، يفرض عليها الاستفادة من دروسه الخصوصية!
أما عبد العزيز الشرقي، فيقول إن ابنته حصلت على نقطة 03 في أول فرض لها، وكان ذلك قبل انخراطها في الدروس الإضافية عند أستاذ الرياضيات سنة أولى علوم تجريبية خلال السنة الماضية، لكنها حصلت في الفرض الثاني على 14 نقطة، بعد انخراطها في تلك «الدروس». ويؤكد عبد العزيز أن ابنته حكت له أن العكس يقع في النقط عندما ينقطع تلميذ أو تلميذة عن هذه الدروس. أما الأستاذة (أ. خ) وهي مفتشة اللغة العربية، فقد أكدت أن لكل أستاذ الحق في الاستفادة من 6 ساعات ترخصها له النيابة التي ينتمي إليها بعد طلب يتقدم به عن طريق إدارة المؤسسة التي يشتغل بها، هذه الرخصة تخول له العمل داخل إحدى المؤسسات الخصوصية. لكنها مقرونة بشروط، أهمها شرط يمنعه منعا كليا من القيام بها، أي الدروس الإضافية، لصالح تلامذته الذين يدرسون عنده، وتضيف الأستاذة أن المؤسسات الخاصة بالتعليم العالي تطلب معدلا مرتفعا لولوج أقسامها... لهذا نجد تلاميذ السنة الثانية باكالوريا، بجميع شعبها، يلجأون إلى الدروس الإضافية طمعا في الحصول على نقط جيدة في المراقبة المستمرة، الشيء الذي يضمن لهم معدلات مرتفعة تخول لهم ولوج تلك المؤسسات السابقة الذكر، سالكين جميع الطرق. فزيادة على دروس التقوية الليلية ودروس عطلة نهاية الأسبوع. والمراجعة مع الأصدقاء والتمارين داخل البيت، الشيء الذي يسبب إرهاقا وتعبا للتلميذ، والذي لا يعود بالمنفعة دائما. وحذرت الأستاذة/المفتشة من الانزلاق نحو السعي إلى الثراء على حساب وضعية مزرية لجل الآباء. وحثت على ضرورة التفكير في التلميذ ومراعاة جميع الجوانب التي تضمن له دراسة كاملة مع تمتيعه بوقته وراحته، فحتى الامتحانات أصبحت تراعى فيها عدة جوانب، حيث أصبحت تعتمد على الكفايات وبكيفية جد مقننة، كما توضح المذكرة 47.
أما الأستاذة (م. غ) مفتشة الفلسفة، فقد جاء رأيها جد مختصر، حيث قالت: «إن الدروس الإضافية المؤدى عنها لا تترك للتلميذ فرصة للتعبير والتفكير. فقد لا يعطي لحصة الدرس العادية أهمية ويقول ستشرح لي الأستاذة في حصة الدروس الإضافية ولما يحضر هذه الأخيرة قد يستهين بها أيضا وتضيع أوقاته ومصلحته بين هذه وتلك»
تعددت شكايات الآباء والأمهات والأولياء بسبب فرض بعض الأساتذة الانخراط في الدروس الخصوصية على التلاميذ. وأحيانا وصلت هذه الشكايات إلى بعض النيابات، خصوصا أنها أصبحت إلزامية وليس اختيارية عند الضرورة، لكن هناك تقصير ملحوظ في الرد والتصدي للحد من انتشارها، خصوصا أن ما يجري في أغلب الحالات هو تكليف مفتش المادة من طرف النيابة للبحث في النازلة. لكن ما يقوم به هذا المفتش هو زيارة عادية للأستاذ يراقب من خلالها عمله داخل الفصل، كما يراقب بعض دفاتر التلاميذ ودفتر النصوص. وأحيانا أو غالبا ما يخرج الأستاذ منتصرا وحاصلا على نقطة جيدة من تلك الزيارة. ويترك موضوع الزيارة أو سببها جانبا. حتى استفحل الأمر، وانتشر الداء في غياب الدواء المعالج والمناسب.
وفي هذا السياق، أكدت مديرة الأكاديمية الجهوية لجهة الدار البيضاء الكبرى المعينة مؤخرا أنها ضد كلمة دروس إضافية «إجبارية». إذ لم ترقها كلمة «إجبارية». وهي تعتبر هذه الدروس نقطة سوداء في المنظومة التعليمية الحالية فإجباريتها بالنسبة إليها مشترك فيها حتى من جانب الآباء والأمهات والأولياء. فإذا كانت مجموعة من الأساتذة تستخدم وسائل متعددة لاستقطاب التلاميذ كمنح كل مسجل في هذه الدروس نقطا جيدة في فروض المراقبة المستمرة، أو بوضع تمارين خلال تلك الدروس تكون مشابهة لما سيكون في الفروض، إن لم تكن هي بعينها أو بالمعاملة المتميزة، والتي تفرق ما بين تلميذ يشارك في الدروس الإضافية وتلميذ غير مشارك فيها. فهناك أيضا من جانب بعض الآباء أو الأمهات من يلح في استقدام أستاذ ليقدم لابنه أو ابنته دروسا خصوصية بالمنزل. وبأثمنة لا يمكن لمثل هذا الأستاذ أن يرفضها، بل يجد نفسه مجبرا للامتثال لمثل هذه العروض النادرة، لعدة اعتبارات يغلب عليها الوضع الاجتماعي.
أما من ناحية القانون، تضيف خديجة بن الشيخ، مديرة الأكاديمية الجهوية لجهة الدار البيضاء الكبرى، فهي محرمة شكلا ومضمونا، كما توضح المذكرة الوزارية رقم 9 الصادرة بتاريخ 12 يناير 1981. أكثر من هذا هناك مشروع جاء به المخطط الاستجالي سيظهر عما قريب ويفترض أن يشارك الجميع فيه لإنجاحه والحد بواسطته من هذه الظاهرة، لأنه جاء بعدة بدائل لذلك.
أما الوضعية الحالية، تضيف مديرة الأكاديمية، فهي نتيجة اعتبارات كثيرة منها على الخصوص نظام وطريقة الامتحانات التي تعتمد على المراقبة المستمرة، وامتحانات محلية وإقليمية، كما هو الشأن بالنسبة للسادس ابتدائي والثالث إعدادي، وامتحانات جهوية للسنة الأولى بكالوريا وامتحانات وطنية للسنة الثانية بكالوريا. كلها أمور ساعدت - إلى حد ما - في انتشار هذه الآفة الخطيرة التي غزت تعليمنا. وقد حان الوقت للتفكير في صيغ أخرى.
وعن سؤال حول الطرق الزجرية التي يمكن أن تسلكها النيابات والأكاديميات في حق كل مؤسسة تعليمية خاصة فتحت أبوابها في عطلة نهاية الأسبوع أو في أوقات خارج العمل، فقد أكدت مديرة الأكاديمية أن جميع رؤساء المؤسسات الخاصة يعرفون حق المعرفة أن مثل هذه الدروس محرمة وغير قانونية. لكن ما هو مسموح به هو إقدام المؤسسة الخاصة بإضافة دروس خاصة لتلاميذها وتلميذاتها، إن تأكد لها أن ذلك في صالحهم، لكن على أساس أن تكون مجانية على أنه لا وجود لمثل هذه الحالات.
وتوضح مديرة الأكاديمية أنه نظرا للخصاص الذي تعاني منه النيابات والأكاديميات في رجال التفتيش والمراقبة يصعب مراقبة جميع المؤسسات الخاصة. لكن تؤكد: «ليس معنى هذا أن زمام الأمور قد هرب منا. فإذا تظافرت الجهود بين جميع مكونات الأسرة التعليمية والشركاء الفاعلين نستطيع ساعتها ليس فقط الحد من هذه الظاهرة الخطيرة، بل القضاء عليها. فلا توجد مشكلة بدون حل ولا معضلة بدون مخرج«.
وعلى العموم، فإن الدروس الخصوصية في مجملها وبما يطبعها من شطط وإكراه، وفي غياب نص قانوني يرتفع بالظاهرة إلى مستوى التجريم إذا ما انتفت شروطها التربوية والتنظيمية في حال ضروريتها، وعدم صمود المجتمع المدني في وجه هذه الآفة، لا يمكن السيطرة عليها والحد منها رغم المذكرات الوزارية، لأنها تبقى في الغالب تدابير شكلية، لا يتم الامتثال لها، وتفتقر للمتابعة الحازمة والقرارات الإجرائية التأديبية الرادعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.