على بعد أيام فقط من دخول التلاميذ إلى قاعات الامتحانات، تنتعش ظاهرة الدروس الخصوصية، أو ما يسمى لدى البعض بالساعات الإضافية. أساتذة كثر يستغلون المناسبة من أجل البحث عن موارد إضافية تساعدهم على تحمل أتعاب الحياة الصعبة حسب تبريراتهم، لكن يتناسون أن هذه الممارسات تتعارض مع القوانين المنظمة لمهنة التعليم، وأيضا مع الأخلاق والأعراف الجاري بها العمل في المجال التربوي، بل إن من الأساتذة من اعتبرها فرصة للاغتناء السريع وتحقيق المكاسب المادية على حساب مصلحة التلاميذ. الساعة تشير إلى الثامنة مساء، حي السلام بأكادير. على بعد أمتار من مسجد الحي التقيت شيماء، تسع سنوات، وهي برفقة أخيها أكرم ذي الإثني عشر ربيعا. أيادٍ متشابكة، محافظٌ على الظهر وخطوات غير منسجمة. «أكرهها، لكن أمي تجبرني على الذهاب كل يوم»، هكذا رد أكرم، والحديث هنا ليس عن أخته، بل ردا على سؤالي إن كان يُقْبِل عن طواعية وحب على حصص الدروس الخصوصية التي يتلقاها كل مساء. «أنا من طلبتُ من أمي تسجيلي لأن صديقتي الوفيتين تدرسان هناك»، ترد شيماء بابتسامة خجولة قبل أن يقاطعها أكرم موجها الكلام إلي وسبابته إلى مستوى كتف أخته: «هي السبب في كل ما يحدث، كنت بألف سلام أتابع الأفلام وألعب البلايستايشن كل مساء، حتى اليوم الذي طلبت فيه من أمي أن تسجلها في «السوايع»، وحينما تساءل أبي عمن سيرافقها في الظلام كل يوم، وجدت أمي الحل بسرعة!!». كم كان معدلك السنة الفارطة؟ سبعة. وهذه السنة؟ لا أعرف حتى الآن، لكني متأكد أني سأحصل على خمسة أو أقل، وسترى ذلك بنفسك. أردت أن أطرح أسئلة أخرى على الطفلين، لكن أمهما أطلت من النافذة وطلبت مني بأدب أن أتركهما ينصرفان كي لا يتأخرا عن الدرس، وقبل أن أرفع رأسي من جديد لأسأل السيدة، فوجئت بنافذة مقفلة. بسرعة قررت ملاحقة الطفلين لاكتشاف المكان وملاقاة تلاميذ آخرين. هنا نتعلم أقل وأحسن عشرات التلاميذ ينتظرون أمام مرآب بيت جميل بنوافذ متميزة تخفي ما وراءها ستائر أنيقة. هنا يسكن الأستاذ، أخبرني تلميذ من إحدى المجموعات التي تجاذبت معها أطراف الحديث، والتي تتراوح أعمار أعضائها ما بين السابعة والخامسة عشرة. أسئلتهم كانت أكثر غزارة وصعوبة من أسئلتي. هل تسكن هنا؟ من تكون؟ هل أنت شرطي؟ هل لديك ابن أو أخ تود تسجيله؟ بعدما وضحت لهم كل شيء انضم الآخرون إلى المجموعة والتف الجميع حولي. الكل رفع أصبعه بإلحاح طلبا للكلام وبعضهم طلبا لالتقاط صورة، أما قصار القامة فقد كانوا يكتفون بالقفز لفهم مايحدث بالداخل. « سأقول لك شيئا لكن أخشى أن يشي بي هؤلاء.. نحن لا نستفيد شيئا ولتتأكد اسأل كل هؤلاء الكسالى..» دفعه اثنان من زملائه وأخرجوه من الحلقة فانفجر ضاحكا وابتعد قبل أن يعود مكتفيا بالمشاهدة. يتحدث آدم: «إنه ليس جادا، إنه يدرس معي في الإعدادية، وهو هكذا دائما حتى في الفصل، المعجون ربما هو السبب (يضحك الجميع).. في القسم لا نفهم كثيرا في حصة الرياضيات نظرا لكثرة المشاغبين، وفي كل حصة يغضب الأستاذ لأنه مريض بالأعصاب فيتوقف عن شرح الدرس، ولولا «السي حسن» لكانت نتائجنا كارثية». تضيف منى: « هذا صحيح، لا يمكن أن تفهم في القسم والأستاذ يشرح بسرعة وعدد التلاميذ يتجاوز الأربعين، وعندما لا أفهم كنت أحس برغبة في البكاء، وأحيانا أبكي لأني أعمل بجد وأحاول إنجاز التمارين لكنني لا أنجح، إلى أن سجلني والدي هنا فأصبحت نقطتي لا تنزل عن 17 في الرياضيات». بدون سابق إنذار انسحب الجميع من حولي، لقد حضر الأستاذ. السي حسن رجل في العقد الرابع بلباس رياضي والإبتسامة هي عنوانه. حييته بيدي فرد التحية وأعطى المفتاح لأكبر التلاميذ ثم اتجه نحوي. قدمت إليه نفسي فلم يمانع في الإجابة عن تساؤلاتي شريطة أن أنتظر انتهاء حصته المسائية.. في النهاية اتفقنا على اللقاء صباح الغد مادام يوم عطلة. موارد إضافية لدعم الجيب حوالي الساعة العاشرة والنصف صباحا من اليوم الموالي، كنت أحتسي القهوة رفقة السي حسن، وتحدثنا في مواضيع مختلفة. اكتشفت، بالإضافة إلى كونه أستاذا للرياضيات، انه عاشق كبير للأدب الفرنسي وزبون وَفِيُُّ لأكبر مكتبة في المدينة.. لا غرابة في ذلك فهو يحضر دبلوما ثانيا في لغة موليير. أب لطفل وطفلة، زوجته أستاذة للغة الإنجليزية، وعكسه ترفض فكرة الدروس الخصوصية، وتفضل قضاء وقت فراغها في الإعتناء بابنيهما. البنت تبلغ 4 سنوات والإبن التحق هذه السنة بمدرسة خصوصية، ويكلف الأسرة حوالي 1000 درهم شهريا. «لم أكن أعتقد يوما أنني سأعطي دروسا خصوصية لأحد، إلى أن جاءني جاري وهوأحد أصدقائي المقربين ويشتغل موظفا، يطلب مني أن أساعد ابنه على تجاوز تعثراته. بعد بضعة أيام جاء صديق آخر، ثم صديق صديق وهكذا في كل مرة أخجل من رفض الطلبات إلى أن اشتكت زوجتي من صعود ونزول الأطفال في الدرج وطرقهم الباب بقوة وأحيانا دخولهم بدون استئذان. تحدثنا معا في الموضوع فاقترحت علي وضع سبورة وبضع طاولات في المرآب طالما لا نمتلك سيارة بعد كما كنا نحلم ونخطط خلال أشهر خطوبتنا (يضحك). وهكذا جهزت المحل». هكذا يمكنكم شراء السيارة ثم ايقاف المشروع؟ سألته مازحا. (يضحك). لا صدقني المال ليس هو الهدف الأول، لم أكن جشعا حتى في أصعب أيام حياتي. كما حكيت لك، الأمور جرت هكذا وأنا اليوم سعيد لأن الجميع يشكرني والنتائج فعلا مهمة ويمكنك التأكد من ذلك. سُمعتي تهمني أكثر من أي شيء، أنا معروف في الحي، لأني ابن الحي، وجل آباء الأطفال الذين أدرسهم من أصدقاء مرحلة الشباب وبعضهم لعبت معه في الطفولة. كم عدد التلاميذ؟ حوالي خمسة وعشرين تلميذا، والعدد كان ليكون الضعف، لكن أوقفت التسجيل منذ مدة. الطلبات في تزايد مستمر، وأحيانا أفاجأ بتلاميذ من أحياء مجاورة. وما السبب؟ ضيق المساحة؟ بالعكس لدي مساحة تكفي لخمسين تلميذا، فالمرآب واسع كما رأيت. أرفض زيادة التلاميذ، لأن الإكتظاظ لا يتماشى مع المردودية. والدعم يتطلب مني مجهودا كبيرا. هل أنت سعيد بعملك؟ يكون ضميري مرتاحا وأكون سعيدا حينما أوفق في أداء رسالتي سواء في التعليم العمومي أو الدروس الخصوصية التي أشرف عليها. يمكنك أن تقول إن علاج مشاكل التلاميذ التعلمية أصبحت هوايتي. كان لدي تلميذ يدرس بالسنة الرابعة ابتدائي لا يستطيع قراءة سطر باللغة الفرنسية، هذه السنة يدرس بالسنة السادسة ويفهم النصوص جيدا ويعبر بشكل جيد ويحصل على معدلات عالية. طيب، ماذا عن الأثمنة؟ لم يسبق لي أن حددت ثمنا، لكن الناس يسألون الأوائل الذين سجلوا ابناءهم فحددوا السعر لأنفسهم. كم ثمن الساعة؟ 200 درهم في الشهر عن كل تلميذ، ومن لديه أكثر من طفل يدفع 150 درهما. هل من بين المقبلين على الدروس الخصوصية تلاميذ تدرسهم في عملك الرسمي؟ لا، لأني أولا أستقل الحافلة كل يوم للذهاب لعملي، وثانيا لأني أرفض الأمر، لأني لو قبلت سأقع في إشكالية خطيرة، إذ كيف للأستاذ أن يكون نزيها وهو يضع النقطة لتلميذ يعطيه دروسا إضافية كل مساء بالمقابل، إنه أمر شبه مستحيل لأن النقطة في نظر الأب وحتى الإبن تعتبر تقويما مباشرا لمردودية الأستاذ خلال الدروس الخصوصية، وهذا صحيح. كما أنه لاوجود لأستاذ يقبل أن يكون فاشلا، ولا لأب يقبل بأن يخسر الآلاف في مقابل حصول ابنه على نقطة كارثية. انتهى اللقاء مع حسن دون أن أطرح عليه سؤالا مهما: هل كل الأساتذة يمتنعون عن إعطاء دروس خصوصية لتلاميذهم في الفصول العمومية؟ أم أن «العرف» يقتضي عملية تبادل للتلاميذ حينما يتعلق الأمر بدروس خصوصية مؤدى عنها؟ طرحنا السؤال على أحد المدراء فكان رده: «لا هذا ولا ذاك، الصنفان لا أقبلهما من باب الأخلاقيات حتى، والقانون واضح في هذا الباب، الأستاذ الذي يشتغل لدى الدولة يجب أن يلتزم معها، وأن يستغل أوقات فراغه في إعداد الدروس، أو في التكوين المستمر وأيضا للراحة، لا أن يرهق نفسه ليل نهار. من كان همه فعلا الرقي بجودة التعليم فالباب مفتوح من خلال مايسمى بأنشطة الدعم والتقوية والتي تعطى مجانا للراغبين فيها داخل فصول المؤسسات التعليمية، ويوقع عليها في جداول حصص الأستاذ من طرف الإدارة والنيابة ومفتش المادة، أما من كان همه الإغتناء على حساب أبناء الطبقة الفقيرة فذلك شيء آخر». لكن لماذا لا نسمع عن هذه الدروس المجانية القانونية؟ وإن كانت موجودة فما سر وجود دروس خصوصية؟ من جهة أخرى هل يمنع القانون بوضوح إعطاء دروس خصوصية للراغبين فيها؟ هل بات بيع المعرفة ممنوعا؟ مصدر مطلع من أكاديمية سوس ماسة درعة أكد لنا أنه لا يمكن إجبار الأستاذ على القيام بساعات إضافية مجانية للتلميذ إلا في إطار استكمال الساعات القانونية، وهذا أيضا لا يتم إلا نادرا، ويتعلق الأمر بأساتذة يقبلون على العملية عن طواعية لا عن تنفيذ توجيهات. من جهة أخرى يضيف مصدرنا لا يوجد نص صريح يمنع ظاهرة الساعات الخصوصية المؤدى عنها، هناك فقط مذكرات تنبه إلى خطورة ابتزاز التلاميذ وإجبارهم بشكل من الأشكال على تلقيها. شراكة على الطريقة المغربية الابتزاز من أجل الدروس الخصوصية، تلك وجهتنا بعدما تلقينا معلومات من أبٍ تفيدُ بأن ابنه تعرض منذ أشهر رفقة زملائه لإبتزاز واضحٍ من طرف أحد أساتذته. الأب أنهى معاناة ابنه عن طريق تغيير قسمه. الأستاذ، مدرس الفيزياء، لا زال يزاول عادته أمام صمت الإدارة وتواطؤ جمعية آباء وأولياء التلاميذ، يضيف نفس المصدر. معلومةُ وجبَ علينا التأكد منها. المدير ينفي وقوع أحداث من هذا النوع، مؤكدا أنه لو توصل بشكاية واحدة من أب أو أم أو حتى من تلميذ لتتبع القضية ولجعل الأمور تأخذ مجراها القانوني. عُدتٌ إلى الأعداد الأربعة الأخيرة من «المرشد التضامني» الذي يصدره «التضامن الجامعي» كل سنة. لم يتطرق سوى مرة واحدة لثلاث حالات إكراه على تلقي دروس خصوصية عُرِضَ أصحابها على المجالس التأديبية الجهوية. بمساعدة التلاميذ اهتديت إلى مقر العمل غير الرسمي للأستاذ، ولم يكن مكاناً آخر غير مدرسة خصوصية، في شراكة فريدة من نوعها بين التعليم العمومي والخصوصي. المشرع يمنع على المؤسسات الخصوصية تغيير أهداف الحصص ونوعيتها، إذ وضع خطة مضبوطة يسهر عليها محلفون تعينهم الأكاديمية المعنية علاوة على ضباط الشرطة القضائية تجاه كل من يخالف مقتضيات القانون، وتتراوح العقوبة في هذه الحالة ما بين 1000 و5000 د (ص 187 من التشريع الإداري والتسيير التربوي). «أر ا الفلوس هاك النقطة» الأستاذ ادعى أنه مشغول وأن لا وقت لديه ليضيعه مع الصحافة لأن لديه التزامات أخرى أهم. الدروس مسائية ولا أحد في المكان باستثناء الحارس الليلي. على الجدار قرب مدخل المؤسسة ألصقت ورقة تضم إعلان الأستاذ المعني دون توقيع الإدارة، ومرقون عليها عبارة: «دروس الدعم والتقوية في المواد العلمية، لكافة المستويات.. يرجى الإتصال ب...». أحد التلاميذ قال إن «الحصول على نقطة في الفصل رهين بالإستفادة من هذه الدروس لأن الأستاذ لا يشرح كثيرا، وأحيانا يوجه كلامه فقط إلى المسجلين لديه، كأن يقول«كما رأينا بالأمس» وهذا يجعل غير المسجلين يتيهون ولا يسايرون فيلحون على آبائهم». إحدى التلميذات تضيف: «السنة الماضية أوقف أحد التلاميذ ومنعه من حضور الحصص الليلية بعدما اكتشف أنه سرب الإمتحان لإحدى صديقاتي»، وحينما طلبت بعض أوراق الفروض للتأكد من مدى تطابقها مع تمارين دفتر الدروس الخصوصية أجابت: «الأستاذ يطلب منا أن ننتبه ونضع الأقلام، وهذه هي الإشارة (تضحك) التي تجعلنا نفهم أن الأمور وصلت إلى المرحلة المهمة». لكن، هل وصلت الأمور فعلا إلى هذا الحد؟ مصدر مطلع من إحدى النيابات التعليمية أكد لنا أن المذكرة الوحيدة التي تنظم عمل أساتذة التعليم العمومي في المؤسسات الخصوصية، والتي تحدده في ست ساعات أسبوعية كحد أقصى مع ضرورة موافقة النائب مديره المباشر، لا تتعلق بدروس مسائية، بل بحصص رسمية. قررت الإتصال هاتفيا بالأستاذ ومواجهته بالمعلومات. على الجهة الأخرى من الخط: «ياسيدي ليس لدينا شيء آخر نبيعه غير العلم، ما نقدمه خدمة جليلة للتلاميذ الراغبين في التفوق.. الآباء راضون عن عملنا والتلاميذ يزدادون تفوقا، فأين هي المشكلة؟ الدولة عوض أن تصلح التعليم وتنهض بوضعية نساء ورجال التعليم تنشر عنهم الأكاذيب والإشاعات وتغرقهم بالديون..». وعن مدى صحه إرغامه للتلاميذ على الإستفادة من هذه الحصص الإضافية أجاب: «هذا غير صحيح، الدروس تتم عن طواعية والآباء هم من يأتون لتسجيل أبنائهم، أما الساعات الإضافية، إن كنت تبحث فعلا عن الحقائق، فهي تعطى حتى داخل المؤسسات العمومية!!». بدون تردد طلبت اسم المؤسسة كدليل على صحة ما يقول فلم يمانع.. تعليم خصوصي في قلب مؤسسات عمومية ! الثانوية الإعدادية سوس العالمة، هي أهم مؤسسة تعليمية في مدينة أكادير. ذهبت للقاء المدير، وبعدما طلبَ مني بطاقتي الصحفية، وسألني عن المنبر أو المنابر التي ستنشر مادتي، تردد للحظات بسبب موضوع التحقيق. . قبل أن يقرر الكلام. المدير يعترف بأن مؤسسته نظمت دروسا مسائية خصوصية بمقابل، أشرف عليها أساتذتها خارج أوقات العمل لفائدة التلاميذ، لكن يستدرك «كان هذا قبل سنتين وبثمن رمزي مقداره مائة درهم شهريا لكل تلميذ، مقابل ساعة ونصف من الدعم أسبوعيا يشمل ثلاث مواد». ولتبرير السلوك يضيف المدير: «نحن لا نشتغل على هوانا وبمعزل عن الشركاء.. لقد كان اجتهادا بالتنسيق مع جمعية آباء وأولياء التلاميذ». لكن ما الذي أوقف هذه الحصص إذا كانت تتم بالتنسيق مع الشركاء، وتصب في صالح تعليم التلميذ وجيب الآباء؟ وهل كل التلاميذ كان بمقدورهم دفع الثمن «الرمزي»؟ وقبل ذلك هل يجوز أن يكون التلميذ موردا ماليا ولو ضئيلا في مدرسة عمومية تتخذ من مجانية التعليم شعارا لها؟ وهل دور جمعية الآباء هو التصدي أو إضفاء الشرعية على اجتهادات الإدارات التعليمية؟ المادة 2 من الفصل الأول من قانون جمعيات الآباء وأولياء التلاميذ تنص على أن الإهتمام بمصالح التلميذ المادية يجب أن تعتبر أولوية في المدارس العمومية. انتقلنا إلى أكاديمية سوس ماسة درعة، والتقينا مصطفى مسرور، رئيس مصلحة التعليم الخصوصي بالأكاديمية: «هذا أمر مخالف للقانون، الحالة الوحيدة التي يمكن أن يتم فيها تنظيم دروس خصوصية مؤدى عنها داخل المؤسسات التعليمية هي عن طريق ما يسمى ب«خلايا اليقظة»، التي تشتغل بالتنسيق مع جمعيات محلية، هذه الأخيرة هي التي تعين الأساتذة أو الطلبة والناشطين الجمعويين لإعطاء الدروس، وحتى في هذه الحالة ليس الآباء من يدفع المقابل، بل الوزارة وذلك عن طريق النيابات والأكاديميات». لكن لماذا تبقى النيابات والأكاديميات صامتة أمام ما يقع؟ دروس خصوصية إجبارية في محلات غير مرخص لها، وأخرى من تنظيم مؤسسة عمومية؟ أليس هذا ضربا لمبدأ تكافؤ الفرص داخل مؤسسات يقال عنها إنها عمومية؟ والأهم أليس هذا تحايلا صريحا على القوانين؟ مصدر مطلع من الأكاديمية يفسر لنا أن الأكاديمية أو النيابة ليس من صلاحياتهما منع الأساتذة من القيام بدروس خصوصية مؤدى عنها، لسبب بسيط، وهو استحالة الفصل بين الساعات المجانية والأخرى المؤدى عنها. يقول المصدر «كيف يمكنك أن تبرهن على أن الدعم المدرسي الذي يتلقاه تلميذ من أستاذ مؤدى عنه وليس مجانيا؟ يصعب إثبات ذلك مادام هناك تراض بين الطرفين. إذا منعنا الدروس المؤدى عنها سنكون قد أعدمنا الدروس المجانية. أما الإبتزاز فهذا مرفوض ونحن نتحرك بناء على الشكايات، وهي شبه منعدمة لأن الآباء يخشون أن يتعرض أبناؤهم للإنتقام عن طريق النقطة أو التضامن مع الأستاذ من طرف زملائه، وهذا مجرد أوهام، ففي السنة الماضية فقط قام مجموعة من تلاميذ ثانوية ابن ماجة بحي الداخلة بتسجيل شريط مصور على قرص مدمج يتحدثون فيه عن محاولة ابتزاز تعرضوا لها من طرف أحد الأساتذة، وبمجرد ما توصلت الأكاديمية به قامت بالتدخل وحاسبت المتورطين». وبخصوص الدروس الخصوصية التي تتم في المحلات العشوائية يجيب نفس المصدر بأن «إيقاف هذا النوع من اختصاص وزارة الداخلية، ونحن بدورنا نتساءل كيف يشتغل هؤلاء بدون رخص؟!» لكن القضية ليست مسألة رخص فحسب فمرسوم الوزير الأول رقم 99/30 الصادر يوم 19 11 1999 يمنع على الموظف ممارسة أي نشاط تجاري، يدر عليه أرباحا، باستثناء المؤلفات والمقالات. الفرق السري الذي تصنعه الهجرة العلنية مسؤول نقابي يشرح لنا بالدليل نوعا من الممرات التي تتم هندستها من طرف الجهات المعنية لضمان هجرة مرنة وطواعية من التعليم العمومي نحو التعليم الخصوصي: «لو كان نظام البكالوريا لا يعتمد على نقط المراقبة المستمرة كما كان معمولا به في الماضي، لَما كان هناك وجود لظاهرة اسمها الساعات الخصوصية. فالآباء يسعون ليتفوق ابناؤهم لولوج مؤسسات مرموقة كالطب والهندسة التي تطلب معدلات تفوق 15/20، وهذا طموح مشروع، لكن احتدام المنافسة والبطالة أنتجت لنا ظاهرة خطيرة شبيهة بتكتيكات الحروب. فما إن يجتاز التلميذ السنة الأولى ثانوي ويمر إلى مستوى السنة الثانية حتى تقوم عائلته، إن كانت ميسورة، بتسجيله في مؤسسة خصوصية، لأن هذه الأخيرة ابتكرت منتوجا على المقاس، حيث تركز فقط على المواد الأساسية التي سيجتاز فيها التلميذ الإمتحان الوطني، ولا تعطي في المقابل أهمية تذكر للمواد الثانوية كالتربية الإسلامية. والأخطر من كل هذا يضيف مصدرنا تضمن المؤسسة للتلاميذ، في مقابل المال، نقطة عالية في المواد الثانوية، إذ تعمد إلى نفخ نقطه فيها خلال المراقبة المستمرة حيث نادرا ما تنزل عن 16/20». الضحية هنا هي الأسر الفقيرة التي يبقى أبناؤها بالأقسام العمومية، مادامت لا تستطيع أن توفر 2000 حتى 2500 درهم كل شهر. الإحصائيات تشير إلى أن 13 فقط من الأطفال المغاربة يحصلون على البكالوريا، وهو رقم مشؤوم مرتين، تاريخيا، وكمياً. أستاذ من سلك التعليم الثانوي التأهيلي أكد لنا أن عدد تلامذته هذه السنة عشرون تلميذا وكلهم من الذين عجزوا عن «الهجرة»، بعدما كانوا حوالي الضعف السنة الفارطة، وأضاف: «أبناء البسطاء يشتغلون ويعانون مع التصحيح النزيه والقاسي أحيانا، ويكون مصيرهم الجامعات والتكوين المهني، وفي أحسن الأحوال التعليم، أما أبناء الميسورين فالمال يرسم لهم الطريق نحو المعاهد والمدارس العليا والجامعات الأجنبية». في انتظار الأستاذ في انتظار موعدنا مع الأستاذ، تعالوا نتأمل على ضوء البساطة تساؤلات مترابطة تطرح نفسها ونبحث عن أرقام قد تجيب عنها: لماذا يقبل التلاميذ على الدروس الخصوصية؟ أكدت دراسة بعنوان «التعليم للجميع» أن أكثر من 80 % لا يفهمون ما يدرس لهم، وأن %16 فقط من تلاميذ الرابع الابتدائي يستوعبون المعارف الأولية لجميع المواد المقدمة لهم! وعندما لا يفهمون ماذا يحدث؟ حسب الإحصاءات الرسمية التي قدمها الوزير أمام برلمانيين ومختصين بالشأن التربوي فإن %40 من التلاميذ لا يكملون دراستهم، إذ غادر سنة 2006 مقاعد الدرس أكثر من 380 ألف طفل قبل بلوغهم 15 سنة. ماهو الحل الذي يُلجأ إليه؟ الدروس الخصوصية. ماهي المواد التي تعرف طلبا أكبر؟ اعتمادا على عدد الإعلانات التي صادفناها على أبواب المحلات والمكتبات وعلى مواقع الأنترنت تحتل المواد العلمية (الرياضيات والفيزياء خصوصاً) المرتبة الأولى، ثم تليها اللغات (الفرنسية ثم الإنجليزية) فمواد التفتح (الموسيقى)، ثم باقي المواد لكن بدرجات ضئيلة. وهل تلاميذنا متفوقون في باقي المواد؟ الجواب لا، فقد احتل تلاميذ الفصل الرابع ابتدائي المرتبة ال43 على 45، وربعهم فقط وصلوا للمستوى الأدنى المطلوب في دراسة للبرنامج الدولي للبحث حول القراءة أجريت عام 2006.