افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" 2 يونيو 2022 نسمع كثيراً ونقرأ من المداد غزيراً عن احتكار الثروات، حيثُ الأقلِّية تسْتأْثِر بعَرَق جبين أغلبية الفُقراء، لكن الأخْطر أن يَتغوَّل هذا الاحْتكار ويَشْمُل حتى الثقافات التي يتَّسِع بأفُقها المغرب، وما أكْثر اليوم من يدَّعون أنهم مُثقَّفون أو أدباء رغم أدائهم الرديء في توظيف تقنية المجاز ولو زحفاً بعكاز، والأفظع أنَّهم يقِفُون على أبواب دُور النَّشْر والصُّحف والمجلاَّت المحكومة وليس المُحكّمة ولِجَن الجوائز الأدبية والمِهْرجانات العربية والدولية، كأنَّهم جلاوزةٌ في المخافر أو حراسٌ ينوؤون كأولي العُصْبة بكل مفاتيح السِّجْن وخزائن الأموال، يُجيزون من يُطْبَع له مائة كتاب في سنة واحدة، ومَنْ نَظير ولائِه الأعمى يَسْتحِق التَّفْويز بجائزة مَشْبوهة، ومن يُشارك أكثر من مرَّة عدد أصابعه العشرة، في مهرجان ثقافي تمَّ تفويته اختلاساً للجيوب الخلْفية، رغم أنَّ تمويله أو ميزانيته من المال العام ! احتكار الثَّقافات أشبه بسرقة الأفْكار، أشْبه بِوضْعِ عدَّاد يُحْصي كِمِّية الهواء التي نتنفَّسُها لترتفع السَّوْمة بِعَملِيَّتيْ الشَّهيق والزفير، ومَنْ لم يُؤدِّ ثمن الفاتورة التي تأتي من أوّل الشَّهر إلى آخر العمر، يمُوت اختناقاً، عجبي مِن أين يسْتمدُّ السلطةَ هؤلاء الجلاوزةُ الأشْرار الذين يَعْرِفون أنفُسَهم ولا تسْتحِقُّ أسماؤهم خطابَ المُنَادى، من أيِّ قُمْقم أو برَّاد شايٍ مُنَعْنَع يسْتمِدُّون كل هذه السلطة المِغْناج اللَّعُوب التي جعلتهم يتحكَّمون في كل دواليب الثقافة في العالم العربي، وهي ليست فقط سُلطة المال رغم كثرة المُنْعشين الثقافيين العاقرين الذين يدفعون ثمن الصمتِ ذهباً.. الصمت عن كل القضايا الوطنية والعربية والإنسانية العادلة، الصمت عن الانتهاكات التي تجري مجزرتُها حاليا في القدس، الصمت عن التراجيديا الحقيقية التي يُسطِّرها كل يوم الشهداء..أليس الشهداء هُمُ الشعراء الحقيقيون الذين يؤرخون سطراً تلو قبر لملحمة فلسطين، هي حتماً ليست فقط سلطة المال التي تَحْسِم الموقف التاريخي للمثقف بمجرد تسلُّمه ثمن مشاركةٍ دون جمهور، يا للخِذْلان، بل أبْعد من ذلك سلطة رمزية تشتغل على أجندة سياسية حقيرةٍ لاحْتلال العقول، وما الثّقافة إلا ذريعة ناعمة لوضْع المستقبل الفكري المُعدَّل دماغياً للبلد، أمام الأمر الواقع أو المُوجِع ! أحترم القيادة بالمثقف الرَّصين الذي يغار على مبادئ الخُصوصية الفكرية المغربية، هذه الخصوصية التي تستمد نُبوغها وقوتها بإشراك كل الأطياف الفكرية في حرية التعبير، ولكن بنفس درجة احترامي لهذه القيادة الرمزية التي لا تهدف إلى الربح الوفير لحساب جيبها الخاص، أحْتقر القِوادة تحقيقاً لاختراق ثقافي يتجاوز في التطبيع الصهيوني السياسة إلى الأدب وباقي الفنون، ليس ثمة أخطر من أن نُطبِّع مع أفكار مسمومة تستفرغ المثقف من كل مواقفه الإنسانية النَّبيلة، ليس ثمة أخْطَر من أنْ نفقد ضميرنا لمجرد مشاركة بخْسة في مهرجان للكتاب أو الرقص أو الغناء أو الثغاء، ليس ثمَّة أخطر مِن أنْ نستسلم لِمن يحتكرون مشاعر النفس في زهرة النرجس الضيِّقة السوداء، وكل من يتَّصِف بهذه الاحتكارية الثقافية المقيتة العمياء، تسري عليه كل مظاهر الدِّكتاتور الذي ستُمزِّقه يوماً الكلاب على قارعة الطريق، أليس هو نفس البطريرك البئيس الذي تساقط مع آخر أوراق رواية لِغارسيا ماركيز في خريف العمر ! على كثْرة الكراسي في بعض الأنشطة الثقافية، ثمة من يحْتكرها جميعاً، لِتصْدُق عليه أغنية عبد الهادي بالخياط "أنا وحْدي نْضَوِّي لْبْلاد"، وكأنَّه المُتكلِّم الوحيد في العالم ومنْ تبقّى خُرْسٌ عُمْيٌ لا يفْقهون، أستطيع أن أتفهَّم سِعة البطن وجشعها النَّاتج عن جوع بالفِطرة والفطيرة وحتى الخميرة، ولكن ما لا أستطيع أن أفْهمه سِعة العجيزة التي تجلس على أكثر من كرسي، وليْت هذا الاحتلال الذي تجاوز ما هو إسرائيلي، كان في حفل إغْراء تُبْرِز فيه أثقل الأوزان مواهبها غير الرشيقة، ولكنَّه للأسف، يكون عادةً في كرنفال ثقافي الغاية منه اسْتِعراض مواهب البلد، ولنا أن نُمزِّق حبال الحنجرة بالسؤال، ما جدوى أنْ تحْتكِر العجيزة الواحدة أكثر من مقعد دون أنْ ينْتصِب الميكروفون ! حقاً لو أُقيمتْ عِوض بعض الأنشطة الثقافية ذات الخلْفية الفكرية، مُسابقةٌ كالتي تُنظِّمها بعض الدول لاختيار ملكة جمال أكبر رِدْف، لوجدْنا المُبرِّر المُقْنع والمعقول، حين لا يجد أحدُهم لِجلوسه مكاناً في كُرْسي أو حتّى رُف!