إن تقديم صورة حقيقية للمرأة في المجتمعات العربية في الوقت الراهن، أمر في غاية الصعوبة والتعقيد، على اعتبار أن المرأة أصبح لها تواجد وارتباط مباشر بكل القطاعات والمجالات الحياتية، ويلزم من أجل تقديم واقعها بكل أمانة التطرق لوضعية المرأة في كل هذه المجالات، لكن رغم ذلك تبقى صورتها في الإعلام ودرجة انخراطها في العمل السياسي ومستوى عيش المرأة العربية في القرى من المقومات الأساسية لتحديد مستوى انخراط المرأة العربية في الحياة العامة. أولا: صورة المرأة في الإعلام يعتبر الإعلام من أهم الوسائل وأكثرها نفوذا في بناء مجتمعات العلم والمعرفة، وفي الدفاع عن النوع الاجتماعي من خلال تكريس ودعم تواجد المرأة في مختلف المسؤوليات الاعلامية بكل المنابر بجميع المجتمعات، حيث يمثل موضوع مساواة المرأة ودعم دورها الاجتماعي والاقتصادي أهمية بالغة لأجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في عام 2015، ويبقى هذا الموضوع محددا أساسيا لنجاح جميع هذه الأهداف. إن إدماج موضوع النوع الاجتماعي في الإعلام العربي، يتماشى مع توجه المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، الذي أكد سنة 1997، على أن “الاهتمام بالنوع الاجتماعي يقوم على أساس مدى إشراك كل من النساء والرجال في كل عمل تخطيطي يهم التشريع والمساطر أو البرامج في جميع الميادين وعلى كافة الأصعدة وتتيح هذه العملية إمكانية إدماج انشغالات وكفاءات كل من المرأة والرجل في التصور والتنفيذ والمراقبة وتقييم المساطر والبرامج على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى تكون الاستفادة متساوية بالنسبة اليهما معا، حتى لا تستمر اللامساواة الراهنة”. إن الوضعية الحالية للمرأة الإعلامية بالدول العربية لازالت تتطلب بذل الكثير من الجهود بالرغم من التطور الهام الذي شهدته خلال السنوات الأخيرة في عدد من المنابر الإعلامية، التي عملت على منح النساء الإعلاميات الاهتمام اللازم في مقرات العمل، وذلك لضمان المساواة في الحقوق والواجبات بين الاعلاميين وتوفير مبدأ التكافؤ المهني الذي يعتبر أمرا محوريا في مسلسل التنمية عموما، والتنمية البشرية على وجه الخصوص. فمع تزايد عدد النساء الاعلاميات الذي رافقه تراجع كبير في عدد الاعلاميين، لم يترتب عنه تغييرات تذكر في تبادل الأدوار بين المرأة والرجل في جل مراحل إنتاج المادة الإعلامية، كما أن طريقة تناول مواضيع المرأة وقضاياها في وسائل الاعلام حافظت على توجهاتها الكبرى في المعالجة والتحليل، رغم أن أخلاقيات مهنة الصحافة بعدد من الدول العربية تنص على ضرورة تفادي عرض المواضيع النسائية كمادة استهلاكية مبنية على الإثارة فقط. فعلى صعيد وصول المرأة الاعلامية لمناصب القرار فإنه لا يزال محفوفا بالكثير من الأشواك في جل المنابر الاعلامية العمومية والخاصة، بحيث أن عدد النساء الاعلاميات يبقى محدودا مقارنة مع نظيره من الرجال، كما أن الإمكانيات الفعلية أمامهن لاتخاذ القرار لا تزال محدودة حتى حين يكن في موقع مسؤولية، بشكل يجعل من مسألة تمكين النساء من اتخاذ القرار الفعلي واليومي في المؤسسات الاعلامية أمرا مؤجلا في جل الأحيان ويظل السقف الزجاجي عندهن حدا ترتطم فيه طموحاتهن لتبقى مراكز القرار حكرا على عدد محدود منهن. إن الحديث عن وصول النساء الاعلاميات إلى مراكز القرار ليس مطلبا مجانيا أو دعوة تنشد تلميع صورة الاعلام داخليا أو خارجيا، بل هو مطلب ينبني أساسا على حق المرأة الاعلامية في الوصول إلى مراكز القرار باعتبارها مواطنة لا تقبل مواطنتها الجزيء، ولا التراتبية المبنية على الجنس، وباعتبارها أيضا تحقق في مثل تلك المراكز نفس ما يحققه الرجال وربما أكثر، وهو أيضا مطلب يعتمد على الكفاءة من خلال العمل على تمكين الجميع من إثبات القدرات ومن اكتساب التجربة التي لا يمكنها أن تأتي بالإقصاء والتهميش وإنما بالممارسة التي تعتبر محكها الأساسي. إن التوازن بين النساء والرجال في الجسم الإعلامي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال المشاركة الفعلية في مسار صنع القرار داخل المؤسسات الاعلامية التي تتمثل في الإدارة والتسيير، وكذا التواجد في مختلف الخطط الوظيفية الاعلامية من تحرير وإعداد وتقديم وإنتاج وإخراج…، والمساهمة في تغيير المضامين الاعلامية تجاه قضايا النوع الاجتماعي. ومع أنه لا يمكن تجاهل ما وصلت إليه المرأة في بعض المؤسسات الاعلامية العربية، حيث تقلدت أعلى المناصب والمسؤوليات، فإن الصورة الغالبة التي يمكن استنتاجها من حضورها كمنتجة للمواد الاعلامية تظهر أنها تشغل في الغالب مواقع التنفيذ، حيث أنه عادة ما تتولى مناصب كرئاسة تحرير المجلات النسائية المختصة او مجلات الأطفال هذا في حد ذاته يعتبر نوع من الاجترار للصورة النمطية التي تختزل المرأة في عالم الموضة والأزياء والجمال…، واعتبارها أكثر معرفة بعالم الأطفال وخصوصياته، والأصلح لتولي القيادة والتحرير في المجلات النسائية ومجلات الأطفال ومجلات الطبخ…، فيما يتولى نظيرها الرجل مواقع التسيير والإدارة على اعتبار أنه أكثر إلمام ومعرفة بعالم السياسة والاقتصاد والرياضة… وغالبا ما تتكفل المرأة في الاعلام المسموع والمرئي بتقديم الفقرات التنشيطية والمنوعات الخفيفة وبرامج الأسرة والفن والجمال، بينما يحتكر الرجل أغلب البرامج الحوارية والجادة وخاصة السياسية والاقتصادية، وحتى عندما تتولى المرأة برامج جادة، فإنها تكون غالبا في المجالات الاجتماعية والثقافية، وتبقى مشاركة المرأة في البرامج الرياضية إعدادا وتقديما ضعيفة جدا أيضا، وتحيل هذه الصورة إلى الاستنقاص من قدرات المرأة وحصرها في مجالات بعينها. وعلاقة بالمشاكل والاكراهات التي تعاني منها المرأة الاعلامية في إطار عملها بالمنطقة العربية، فإن المثير للانتباه هو توجه جلهن نحو إنكار وجود مشاكل خاصة بهن، أو عل الاقل تجاهلها فعادة ما يكون الجواب المباشر عن سؤال ظروف الممارسة ومعيقاتها بالنسبة إليهن باعتبارهن نساء، هو أن الممارسة الاعلامية تعاني من مشاكل تمس النساء كما الرجال كونها مرتبطة بواقع حرية التعبير والظروف المادية للإعلاميين والإعلاميات معا. فرغم تقلد المرأة الاعلامية عددا من المناصب والمسؤوليات في وسائل الإعلام، تبقى نسبة تواجدها في مراكز القرار خجولة ومتواضعة لا تعكس الصورة الحقيقية التي تمثلها في هذا الميدان؛ بسبب الميز بينها وبين زميلها الرجل أو اعتبارا لخلفيات رجعية لا تحرم الاختلاف في المواقف في الفكر والثقافة والشكل، أو التشكيك في قدراتها المهنية خارج التبويب التحريري الذي خصص لها، المتعلق بكل ما هو ثقافي، اجتماعي أو يسبح في فلك نظرية مقاربة النوع. وعليه فإن عملية إنصاف المرأة الإعلامية تتطلب مجهودا كبيرا، وتوفر مجموعة من الإجراءات التي من خلالها يمكن الوصول إلى الارتقاء بدورها، ودعمها لمحو الصورة النمطية وضمان تواجدها المتوازن مع الرجل داخل الساحة الإعلامية، كما تتطلب بذل المزيد من الجهود من طرف مختلف المؤسسات الاعلامية العربية ومختلف المتدخلين في المجال، لتفعيل الحضور النوعي للصحفيات وتحسين وضعيتهن ومواقعهن داخل المؤسسة، وتمكينهن من الاشتغال في مختلف مجالات الإعلام، وجعل حضورهن الكمي المتزايد في وسائل الاعلام حضورا نوعيا أيضا، وتمكين النساء من الوصول إلى مراكز القرار لا كواجهات فقط وإنما كمسؤولات لهن سلطة القرار أيضا. ثانيا: المرأة العربية والعمل السياسي تمثل المشاركة السياسية المحرك الأساسي لعملية التنمية الشاملة والمستدامة عن طريق التركيز على العامل البشري وتنشيط دوره وتفعيله كحلقة أساسية مدعمة لحلقات التنمية، وتشكل أيضا أبسط حقوق المواطنة، بحيث تمنح للفرد فرصة القيام بدوره في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بقصد تحقيق أهداف التنمية الشاملة، وبالتالي تصبح مفتاحا للتعاون البناء بين المواطنين رجالا ونساء والمؤسسات الحكومية، وقناة اتصال تدعم التوجه الديمقراطي بما يتيح استتباب الأمن والسلم في داخل المجتمعات. إن الاحترام التام لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، يعد من جملة المؤشرات القوية الدالة على مستوى سريان الحداثة، ودرجة سيادة الديمقراطية في علاقة السلطة بالمجتمع في أي من البلدان المعاصرة ولعل هذه العلاقة الجدلية تزداد قوة كلما تعلق الأمر بحقوق المرأة السياسية على وجه التحديد. اليوم ورغم إجماع كل القوى الحية في البلدان العربية، على ضرورة إشراك المرأة في الحياة السياسية، ورغم أن جل هذه البلدان قد اعترفت للنساء بالحق في التصويت، حيث كانت لبنان الدولة العربية الأولى التي اعترفت للنساء بهذا الحق سنة 1952 ثم تلتها مصر سنة 1956 وتونس سنة 1957 والمغرب سنة 1960 والجزائر سنة 1962 وليبيا سنة 1964 والعراق سنة 1980 والأردن سنة 1982 وقطر سنة 1999 والبحرين سنة 2002 وسلطنة عمان سنة 2003 والكويت سنة 2005 والإمارات العربية المتحدة سنة 2006 والمملكة العربية السعودية سنة 2015، فإن هذه البلدان لم تستطع منح المرأة مكانتها الحقيقة داخل المجتمع. إن المتتبع للشأن السياسي العربي يلاحظ بجلاء مجموعة من التناقضات التي تعرفها مسألة مشاركة المرأة في الحياة السياسية خصوصا والعامة عموما، أول هذه التناقضات هو أن المرأة رغم قوتها بالأرقام إذ تشكل نصف المجتمع العربي أي حوالي 50 بالمئة، فإن المنطقة العربية ظلت عاجزة عن تسطير سياسة عمومية واضحة المعالم لصالح المرأة، سياسة تهدف إلى النهوض بأوضاعها والدفع بها إلى الإسهام في عجلة التنمية وتحريك الاقتصادات الوطنية. ويتعلق ثاني هذه التناقضات بكون رغم وجود مساواة بين النساء والرجال في الولوج إلى العديد من المهن والوظائف بل أحيانا نجد أن عدد النساء بمجموعة من المجالات يفوق بكثير الرجال؛ نتحدث هنا عن الأطباء والمهندسين والوظيفة العمومية والمحامون والقضاة والممرضين …فإن هذه المساواة لم تصل بعد إلى المناصب السياسية التي كانت وما زالت تعرف هيمنة الرجال. فيما يخص ثالث هذه التناقضات أنه رغم المكانة التي حظيت بها المرأة في دساتير أغلب البلدان العربية التي أنصفتها نسبيا من خلال مجموعة من الفصول التي تمنحها حقوقا وواجبات على حد سواء مع أخيها الرجل، فإن الواقع يشهد على استمرار أزمة النساء العربيات في جميع المجالات على رأسها السياسة. ولأن الموضوع متشعب وشائك فمن الصعب تحديد السبب أو الأسباب الرئيسية وراء هذا التنافر الحاصل بين السياسة والنساء في العالم العربي، لكن رغم ذلك فهناك العديد من العناصر التي قد تقربنا بشكل كبير من تحديد المسؤوليات: 1: بالرجوع إلى التاريخ السياسي العربي، يتضح بجلاء أن الدول تتحمل جزء من المسؤولية في خلق هذا الشرخ بين السياسة والمواطن العربي بشكل عام والمرأة بشكل خاص، فإذا كنا اليوم نتحدث على أن المتابعات والاعتقالات التي تعرض لها رواد الأحزاب السياسية في فترة معينة من التاريخ هي السبب في خلق شرخ كبير بين الرجال والسياسة فماذا عسانا أن نقول عن المرأة، فلا يمكن للأسرة العربية نهائيا قبول ممارسة السياسة من طرف بناتها كنتيجة طبيعية للترهيب والعنف الذي مارسته الدول على السياسيين والذي توارث الأجيال اللاحقة أثاره السلبية. 2: تعتبر منظومة التربية والتعليم الوسيلة الوحيدة لإنتاج مواطنة واعية بواجباتها وبحقوقها، مواطنة قادرة على التقرير في اختياراتها الاستراتيجية، مواطنة متشبعة بكل القيم الانسانية السامية، مواطنة مستقلة فكريا وثقافيا، واعتبارا لهذا الدور المحوري للتعليم في بناء شخصية المرأة يجب القول أنه ظل عاجزا عن تخريج جيل من النساء العربيات قادر على خرق جدار العزل بينهن والسياسة، جيل قادر على صنع التاريخ وتحقيق التنمية للبلدان العربية التي طال انتظارها. اليوم الأنظمة التعليمية والتربوية العربية غير قادر على تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في مناهجه وفي صوره ونصوصه، نظام يفتخر بالمساواة العددية بين التلميذات والتلاميذ وبين الطالبات والطلبة في تجاهل تام لما يلزم هذه المساواة من مواكبة على المستوى التربوي والثقافي حتى يتشبع الشاب وتتشبع الشابة بثقافة المساواة، وحينها لن نكون بحاجة للتمييز الايجابي للمرأة في الانتخابات ولن نكون بحاجة لاختراع مصطلحات مثل الكوطا أو التناصف لنرى النساء في البرلمان مثلما هو الحال بالجزائر وتونس والمغرب والأردن… 3: باعتبارها الفضاءات التي تمارس فيها المرأة والرجل السياسة فإن الأحزاب السياسية تتحمل جزءا غير يسير من مسؤولية هذه الأزمة الحاصلة بين السياسة والمرأة، فالأحزاب السياسية ظلت وعلى مر التاريخ غير قادرة على استقطاب النساء إلى صفوفها ولم تمتلك الشجاعة الكافية في الكثير من المحطات لترشيح النساء للعديد من المسؤوليات بالعدد المرغوب ولم تمنحها المكانة اللازمة داخل مؤسساتها وتنظيماتها، حيث تفيد الدراسات الصادرة عن المنظمات الدولية أن النساء لا يشغلن إلاّ 10 بالمئة من المناصب القيادية داخل الأحزاب السياسية العربية في وقت تتجاوز فيه هذه النسبة 40 بالمئة في بعض الدول الغربية كأستراليا وألمانيا. مع ذلك لا يمكن تحميل الأحزاب السياسية أكثر مما تستحق من مسؤولية في هذا الباب على اعتبار أنها لا تمتلك الآليات والوسائل الكفيلة بتحفيز النساء على الانخراط في الحياة السياسية بشكل كثيف، وأن الدول هي التي تمتلك أدوات الاختراق التقنية والقانونية والمالية من أجل تسهيل هذه المأمورية على الأحزاب السياسية. 4: لقد أصبح الاعلام يلعب دورا مهما في حياة الافراد والمجتمعات، لما للصورة والصوت من تأثير على قناعات وسلوكات الأشخاص لذلك يتم اللجوء إليه من أجل حشد الشعوب حول قضية معينة أو من أجل دعم توجه معين وفي أوقات قياسية وبدون مجهود. بالبلدان العربية يبقى حضور قضايا المرأة بالإعلام الوطني وخصوصا تلك المرتبطة بعلاقتها بالسياسة، موسميا وظرفيا، حيث لا يتم تخصيص برامج لهذا الموضوع إلا مع اقتراب موعد الانتخابات، على اعتبار أن المرأة هي فقط بضاعة سياسية يتم اللجوء إليها لتأثيث بعض مقاعد المؤسسات المنتخبة تلبية لرغبة المؤسسات الدولية مقابل الحصول على هبات ومساعدات مجانية أو قروض بفوائد مناسبة. فعوض أن يقوم الاعلام بكل أصنافه المرئي والمسموع والمكتوب والالكتروني بدوره الحقيقي في التحسيس بالأهمية الاستراتيجية لمشاركة المرأة في تدبير الشؤون العامة للبلاد، ومحاولة خلق إجماع عربي حول مشروع واقعي لإخراج المرأة من عزلتها عن السياسة وإيجاد أوجه التقاطع بين حياتها الاجتماعية الخاصة والحياة والسياسية، نرى أن معظم هذه المنابر يقوم بالعكس وتدعوا بشكل ضمني النساء والرجال على حد سواء إلى مقاطعة السياسة. اليوم ليس مقبولا نهائيا من الإعلام العمومي المساهمة في “تأزيم” الأزمة وإبعاد المرأة العربية عن السياسة عبر تقديم الأحزاب السياسية في صورة غير لائقة وجلدها في البرامج التلفزية والإذاعية والمقالات الصحفية من طرف بعض (المثقفين) وتقزيم الأدوار التي تقوم بها، الإعلام العمومي العربي مطالب اليوم بالانخراط في مسلسل جديد يهدف إلى خلق مساواة عددية ونوعية في المسؤوليات داخل الحقل السياسي العربي بين النساء والرجال. ويمكن القول أن الجدار السميك الحائل بين المرأة العربية والسياسة يحتاج إلى كل الفاعلين من دولة وأحزاب سياسية ومجتمع مدني وإعلام عمومي ومدرسة وجامعة…من أجل تكسيره وتحطيمه لأنه لا يمكن تصور وطن متقدم بدون نسائه ورجاله، ولا يمكن الحديث عن الديمقراطية بالبلدان العربية دون مشاركة نصف السكان في تدبير الحياة السياسية والعامة. ثالثا: المرأة القروية بين التهميش والرغبة في الانعتاق رغم الصورة المرتبطة بالمرأة العربية على أنها مناضلة وصبورة وتحب العمل الاجتماعي…، ورغم المكانة المتميزة التي تمنحها لها النصوص القانونية بالعديد من الدول، فإن وضعيتها ازدادت سوءا بعد الحراك المجتمعي العربي لسنة 2011، وأضحت تناضل من أجل صون مكتسباتها عوض النضال والكفاح من أجل المزيد من المكتسبات والحقوق وتنزيل المضامين الدستورية بأغلبية البلدان العربية. اليوم لن يختلف إثنان على أن المرأة العربية عموما تعاني من مشاكل كبيرة ومعقدة سواء كانت تعيش بالمدينة أو بالقرية، وعلى أن الحديث بشكل عام عن وضعيتها، يجعلنا نغفل خصوصية المشاكل التي تعانيها نساء العالم القروي، فبالرغم من أن المرأة بالحواضر تعيش بشكل عام أزمة حقيقية، فإنه لا يمكن في أي حال من الأحوال مقارنة وضعيتها بتلك التي تسكن بالقرى بقمم جبال وبالصحاري. إن المرأة القروية تعتبر المحرك الأساسي للحياة الاقتصادية في البادية، حيث توكل إليها معظم المهام الشاقة التي هي من اختصاص الرجل في غالب الأحيان، خصوصا تلك المرتبطة بالزراعة وجني الفواكه والخضروات ونقل الماء والحطب وتربية الماشية والطهي، ورغم كل هذا المجهود فإنها تعاني من تهميش كبير منذ طفولتها، وحرمان من حقوقها المتعارف عليها دوليا. فإذا كانت المرأة بالمدن العربية قد استطاعت نسبيا أن تتجاوز قيود العادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية المسيئة لصورة المرأة ولإنسانيتها، فإن أختها بالعالم القروي ما زالت مقيدة بأغلال هذه الممارسات والسلوكات التي تزيد من حدة الأزمة التي يفرضها عليها طبيعة الوسط الذي تعيش فيه. إضافة إلى الجانب الثقافي، فإن معظم الأسر القروية تعاني من آفة الفقر، مما ينعكس بشكل سلبي ومباشر على الفتاة القروية، التي تحرم بسبب هذا المشكل من أبسط حقوقها كإنسان، بحيث لا يمكنها متابعة دراستها ومحاربة الأمية وتكون غير قادرة على الحركة خارج قريتها، مما يجعلها في عزلة تامة عن العالم وغير قادرة على الانخراط في الحياة الاجتماعية الحديثة. إن اجتماع الفقر المادي والعلمي لدى المرأة القروية العربية يجعلها تعيش وضعية نستحيي أن نتحدث عنها في عهد المساواة والمناصفة وحقوق المرأة…إن هذه الوضعية تجعل من المرأة آلة للعمل فقط… آلة داخل المنزل خارجه…هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن المسؤول عن هذا الوضع هو الرجل، بل المسؤولية هي جماعية وتتحمل فيها الدول النصيب الأوفر لأنها هي من تمتلك مفاتيح حل مشاكل المرأة القروية. إن الفتاة القروية ما إن تصل سن المراهقة حتى تواجهها أسرتها بقرار الزواج المبكر، بالرغم من جهلها لأبجديات الحياة الزوجية والحياة الجنسية، مما يجعلها عرضة مرة أخرى للاستغلال ببيت الزوجية وتكون مجبرة على القيام بالأعمال الشاقة إلى جانب زوجها أو مكانه، كما تكون مجبرة على الانجاب في سنتها الأولى بعد الزواج، وما يزيد الوضع تأزيما هو غياب الوعي بتنظيم النسل بحيث تكثر من الولادة، مما يعرض الأطفال للتهميش والحرمان من الرعاية والتربية السليمة. بالإضافة لكل هذا فإن المرأة القروية تفتقد مقارنة بأختها بالمدينة لكل البنيات التحتية الأساسية من مدارس ومستوصفات تتابع بالخصوص حالة النساء الحوامل وتستقبلهن عند الولادة، مما يجبرها على الوضع في ظروف غير صحية وبدون إسعاف، ويعرض حياتها وحياة من في بطنها للخطر، كما تفتقر القرى العربية للطرق والمسالك وكل المؤسسات الاجتماعية والثقافية الأخرى التي نجدها بالمدن، وهو ما يساهم في تعقيد أزمة المرأة القروية. إن المساواة بين المرأة القروية والمرأة بالمدن يعتبر المدخل الاساسي لتحقيق إجماع عربي للحديث عن المساواة مع الرجل، لأن هناك شرخ كبير بين النساء بالمجالين، بحيث أن أساسيات المرأة القروية تعتبر كماليات بالنسبة للمرأة بالحواضر، وبعض كماليات هذه الأخيرة تعتبر حلما بالنسبة للنساء القرويات، وبالتالي فإن موضوع المساواة مع الرجل أمر لا يعني في شيء المرأة القروية لأن معركتها هي معركة البقاء ومعركة الحصول على القوت اليومي لها ولأسرتها. إن الحديث عن الديمقراطية بجل البلدان العربية لا يستقيم في ظل وجود مثل هذه المشاكل التي لا نجد لها أي أثر بمجتمعات أخرى لها أقل من المقومات التي تمتلكها المجتمعات العربية، إن الديمقراطية تقتضي التقسيم العادل للثروات بين كل فئات المجتمع، كما تقتضي أن يعيش كل العرب في نفس الظروف وأن يتمتع كل المواطنون بنفس الحقوق ووسائل العيش، لا أن تكون هناك هوة كبيرة بين فئة وأخرى من نفس الجنس وبين مجال وآخر داخل نفس الوطن. المؤسف اليوم هو أنه رغم الطابع الاستعجالي الذي تكتسيه معالجة وضعية المرأة القروية العربية، إلا أن الحكومات بجل الدول العربية لم تعطيها أي اهتمام وتركتها خارج سياساتها وكأنها مواطنة من الدرجة الثانية أو الثالثة، كما أنها لا تمتلك إرادة حقيقية للنهوض بالعالم القروي وانتشال رجاله ونسائه من بؤرة التهميش والإقصاء. إن معركة المرأة بشكل عام والقروية بشكل خاص هي تنزيل مضامين النصوص القانونية المتعلقة بالحقوق الأساسية للمرأة، هذه النصوص التي تؤكد بشكل صريح على ضرورة تمتيع النساء عموما بحقوقهن المتمثلة في العيش الكريم، إن تنزيل النصوص القانونية يعتبر المدخل الاساسي لتغيير واقع النساء القرويات بالإضافة إلى مداخل أخرى لا تقل أهمية كالتعليم وجمعيات المجتمع المدني. إن المرأة العربية كانت تحلم بعد الربيع العربي لسنة 2011، وبعد كل تلك المطالب التي رفعت خلال هذا الحراك العربي، أن يصبح موعد 8 مارس يوما للاحتفال وعيدا نسائيا بامتياز، لكن سرعان ما أثبتت الوقائع لكل النساء العربيات أن اتجاه معركتهن ستتحول من المطالبة بالمزيد من الحقوق الى الدفاع عن المكتسبات التي تحققت في عهود سابقة، وبالتالي تقويض حلمهن بالاحتفال خلال يوم 8 مارس الذي تحول إلى موعد للتظاهر والتنديد بأغلب البلدان العربية. خلاصة: إن النساء العربيات لهن القدرة على تأكيد وتوطيد وظيفة المجتمع، لهن القدرة على الانخراط بقوة في العمل السياسي والعمل المدني والنقابي وإدارة الأعمال…، ولقد أثبتت البحوث والدراسات أن مشاركة المرأة تساعد على بناء مجتمع قوي ومتماسك. والمنطقة العربية بحاجة إلى المزيد من النساء في الحياة السياسية للتأكد من أن تأخ قرارات أفضل فيما يخص السياسات لكي تستطيع الدول العربية بناء مجتمعات مستقرة وشفافة. إنصاف الشراط: باحثة في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط ومهتمة بقضايا المرأة المغربية والعربية لائحة المراجع: حفيظة شقير ومحمد شفيق صرصار، “النساء والمشاركة السياسية: تجربة الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات المهنية”، منشورات المعهد العربي لحقوق الانسان، ماي 2014. لعجال أعجال محمد لمين، “إشكالية المشاركة السياسية وثقافة السلم”، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة محمد خضير بسكرة، العدد 12، نونبر 2007. المشروع الاقليمي لتمكين المرأة اقتصاديا، “كوثر” و “أوكسفام كيبيك”، “التشريعات والسياسات والاليات الوطنية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة في المنطقة العربية: الاردنولبنان وفلسطين وتونس”، 2013. سمير بلمليح: “حقوق المرأة والمسألة الديمقراطية في البلدان الإسلامية راهنا” مجلة مسالك، عدد مزدوج 23-24، 2013. مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث كوثر، “الإعلام العربي من منظور النوع الاجتماعي: اتجاهات وأدوات تفعيل”، تونس، 2009. العبارات المسكوكة والتصورات النمطية للنساء في الوسط القروي والحضري، مطبعة النجاح الجديدةالدارالبيضاء، يونيو 2008. صالحة سهيل العامري، دور المرأة الإمارتية في المشاركة السياسية، رسالة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية٬ جامعة الشرق الأوسط٬ كلية الآداب والعلوم، قسم العلوم السياسية٬ السنة الجامعية 2012/2013. بدرية صالح عبد الله٬ الدور السياسي للمرأة في العراق بعد عام 2003 ٬ مقال منشور في مجلة العلوم القانونية والسياسية٬ المجلد الرابع/العدد الثاني سنة 2015 ايعيش العربي ، عمل الحركة النسائية من أجل المساواة بين الجنسين في المغرب 2006/2010٬ دراسة سوسيو سياسية “الحركة من أجل ثلث المقاعد المنتخبة للنساء في أفق المناصفة” نموذجا٬ ٬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام جامعة محمد الخامس أكدال –الرباط-٬ كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، السنة الجامعية 2010/2011. فتنت مسيكة بر، حقوق المرأة بين الشرع الإسلامي والشرعة العالمية لحقوق الإنسان، مؤسسة المعارِف، بيروت، الطبعة الأولى 1992 تقرير تنمية المرأة العربية الثالث، “المرأة العربية والاعلام: دراسة تحليلية للبحوث الصادرة بين 1995 و 2005″، مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث وصندوق الأممالمتحدة الإنمائي للمرأة، 2006. مشاركة المرأة في الحياة العامة، بحث إجرائي أنجز من طرف الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب ومنظمة فتيات الانبعاث وجمعية شبكة النساء الرائدات تحت إشراف المجلس الثقافي البريطاني، المغرب 2014. – NDI-PNUD. Promouvoir le rôle des femmes pour renforcer les partis politiques (guide des bonnes pratiques pour encourager la participation politique des femmes (. http://www.ndi.org/files. – La démocratie mutilée : femmes et pouvoir politique au Maroc, publication d'ADFM, 2001. – Chebel Malek, L'imaginaire arabo-musulman, édition Quadrig PUF, 2002. – Signs : Journal of Women in Culture and Socity, published by the University Of Chicago Press, Journals Division, volume 28, Number 2, Winter 2003.