حتى العقود الأخيرة، أضحى التصور السائد تقليديا في جميع المجتمعات هو كون الدبلوماسية شأن رجالي وأن الدبلوماسي النموذجي يكون قبل أي شيء رجل وفي سن متقدم. كما أن التركيبة الذكورية للسلطة قليلا ما تسمح للمرأة بلعب دورها الريادي في هذا المجال و في أجزاء مختلفة من العالم، بشكل متساوي وفي إطار مناصفة كاملة و متوازنة. رغم أنه تاريخيا، القائدات السياسيات الشهيرات مثل كليوباترا ، إيزابيلا، إليزابيث الأولى والكاهنة كان لهن دور قوي ومؤثر جدا في تاريخ العلاقات الدبلوماسية لبلادهن. إن حق المرأة في تمثيل حكومتها على المستوى الدولي على قدم المساواة مع الرجال مكرس في الاتفاقية الدولية سيداو من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء، خصوصا في المادة 7 التي تنص على أهمية تمثيل المرأة في الحياة السياسية لبلدها، إذ يمكن عن طريق التمثيل الديمقراطي تمثيل مصالح المرأة وسماع صوتها. وتم كذلك تأكيد دور المرأة في العمليات الديمقراطية في القرار الأممي 66-130 الذي اتخذته الجمعية العامة في عام 2011 بشأن المرأة والمشاركة في الحياة السياسية، الذي أكد أيضا “أن المشاركة الفعالة للمرأة على قدم المساواة مع الرجل في صنع القرار على جميع المستويات أمر أساسي لتحقيق المساواة والتنمية المستدامة والسلام والديمقراطية”. فعلى العموم، القدرة على التفاوض والتوصل الى الحلول هو سمة فطرية للمرأة، حيث أن عملية الدخول في مفاوضات تتطلب الصبر والتعاون والاستماع الجيد والتفاهم المتبادل. ولا شك أنه بإمكان المرأة أن تكون من الدبلوماسيين المتميزين باعتبار قدرتها على الوصول والتواصل مع جميع فئات المجتمع و ليس فقط 50 في المائة من السكان كما هو الحال للرجال، وهو جزء مهم في العمل الديبلوماسي الوقائي من أجل التحليل السوسيو ثقافي للمجتمعات وتوقع التهديدات المستقبلية في المناطق المعرضة للخطر. وتكون بالتالي، وتحديدا في المجتمعات المحافظة، قادرة على ضمان إسماع صوت المرأة و تفادي تجاهل اهتماماتها. المرأة لديها الصوت والقوة اللازمة لتكون أداة للتغيير ولبناء السلام. المرأة لديها امكانات تحويلية تمكنها من خلق جدولة الأمن و السلام، والانتقال من الصراع والعنف إلى السلام، ومن التهميش و العزوف إلى صنع القرار الديمقراطي، ومن عدم المساواة بين الجنسين إلى العدالة الإجتماعية والمناصفة، بحيث أن تعزيز مشاركة المرأة في الحوارات المحلية والمفاوضات الدولية يعد ضروريا لسن سياسات عمومية أفضل واتفاقات السلام أكثر إنصافا. ومع ذلك فإن النضال من أجل المساواة لا يزال يصطدم بتحديات كبرى وتمكين المرأة من الولوج إلى مراكز القرار يظل غير متكافئ. وينطبق الحال أيضا بالنسبة للمرأة في عالم الدبلوماسية الذي لا يخرج عن هاته القاعدة. فإشراك المرأة في الدبلوماسية هو رمز للأمل وتحديدا في القرن 21، حيث هناك فجوات على جميع المستويات في تحدي الأسباب الجذرية للعنف، بما في ذلك العسكرة وانتشار الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة. وبالتالي يجب على النساء المشاركة بفاعلية في تصميم وتنفيذ استراتيجيات نزع السلاح و ردع النزاعات و محاربة جميع أشكال التطرف و العنف في المجتمع. على المستوى الوطني والمحلي، يمكن استعمال نظم الإنذار المبكر كقنوات الاتصال لمنع العنف، كما يجب ربط هذه الأنظمة بأنظمة اليقظة الإستراتيجية، بما في ذلك استخدام آليات وهياكل المجتمع المدني القائمة و النشيطة. وفيما لا يزال هناك إفلات من العقاب على انتهاكات القانون الدولي والعنف الجنسي، تبقى الجهود المبذولة لمنع التعنيف والترهيب غير مكتملة وغير كافية. فمسلسلات السلام وبناء الأمن الإجتماعي مرتبطة بوضعية النساء، ومدى إشراكهن في الرفع من التحديات الموجودة والمتضاعفة مع التحولات التي يشهدها العالم. لقد حان الوقت للانتقال من الالتزامات إلى الإنجازات مع ضمان مقاربة شاملة للنوع الاجتماعي، ومشاركة المرأة وحماية حقوقها أمر بالغ الأهمية، بما في ذلك الديبلوماسية الوقائية وصنع السياسات الخارجية. وقد حققت المرأة قفزات كبيرة في معظم المجتمعات كما اتخذت أدوارا قيادية لاسيما في الميادين الإجتماعية والإقتصادية، ولكن لا يزال النقص ملموسا في المجال السياسي على العموم و الديبلوماسي على وجه الخصوص. وهذا أمر مؤسف، لأن العالم يحتاج إلى المنظور النسائي ومواهبهن الخاصة وبصبتهن في المناصب العليا. في المغرب، مثل غيره من البلدان، تمكنت النساء المغربيات على فرض وجودهن تدريجيا في السنوات الأخيرة في المجال الدبلوماسي، حتى أن اليوم المغرب يتصدر الدول العربية والإسلامية من حيث التمثيل النسائي في الدبلوماسية، بفضل الإرادة السياسية لقائد البلاد و الإنفتاح الديمقراطي و الإصلاح الدستوري الذي يضمن حقوق المرأة و وجودها في المجال العام و يحث بشكل واضح على مبدأ المناصفة في جميع مناحي الحياة العامة. رغم أن هذا التوجه ليس جديدا بالمغرب، بل يعود إلى السنوات الأولى بعد الاستقلال، حيث كانت الأميرة للا عائشة أول سفيرة من العالم العربي في عام 1965 إلى المملكة المتحدة. إن توزيع القوة العالمية يتطور بسرعة، مما يعجل و يعقد التغيرات الاقتصادية والسياسية بعيدة المدى التي تؤثر على الدول بكل أحجامها ومكانتها، حيث أن القوة الاقتصادية والسياسية تتحول تدريجيا من الغرب إلى الشرق. وفي الوقت نفسه، فإن الثورة الرقمية تسرع من نشر القوة كما أصبحت الساحة العالمية أكثر ازدحاما. يجب على الحكومات الآن أن تكيف نهجها في السياسة الخارجية وفقا لذلك. فالدبلوماسية العامة والرقمية و الوقائية والتعاون وبناء المعايير الدولية هي أكثر الأدوات فعالية لدفع بعجلة التغيير العالمي وحل المشاكل الدولية. في هذا السياق الجديد والمتطور، فإن القوة الناعمة، أي القدرة على تحقيق الأهداف من خلال الجذب والإقناع، هي من أي وقت مضى في غاية الأهمية لضبط سلوكات و تحركات السياسة الخارجية وتشكيل في نهاية المطاف الأحداث العالمية وتحقيق الأهداف الإستراتيجية، علما أن استخدام السلطة الناعمة يكون مستحيلا دون فهم واضح للموارد التي تقوم عليها، على وجه الخصوص الموارد البشرية. لبنى أمحير، مهندسة دولة ونائبة برلمانية.