لقد وفر المغرب العديد من المقتضيات القانونية والتشريعية، بهدف تمكين المرأة من لعب أدوار فعالة في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما صادق على العديد من المواثيق الدولية، التي تهدف إلى رفع الحيف عن المرأة، مع رفع التحفظ على بعض هذه المواثيق في السنوات الأخيرة. حيث إن الدولة المغربية، تسعى من خلال هذه القوانين والتشريعات، إلى تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة. من أجل تسليط المزيد من الضوء على هذا الموضوع تستضيف جريدة العلم الباحث عبد الرحيم عنبي أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن زهربأكادير. يتناول الحوار مختلف المنجزات التي تحققت للمرأة في مغرب التحولات وكذا المعيقات التي لازالت تعيق تحقيق مساواة عادلة بينها وبين الرجل. في مايلي نص الحوار : س .في نظركم أين تمركزت المرأة المغربية ضمن أجندة سياسة الدولة المغربية؟ ج لقد ظلت مسألة النهوض بأوضاع المرأة بشكل عام حاضرة في سياسات الدولة، ويتبين ذلك من خلال العديد من القوانين والتشريعات، التي سنتها الدولة من أجل ضمان مشاركة أساسية ومهمة للمرأة، في المجال التنموي بشكل عام، جنبا إلى جنب الرجل؛ بدءاً بالدستور المغربي، الذي لم يميز بين الرجل والمرأة ، ثم قانون الوظيفة العمومية، وبرز هذا التوجه واضحا في إصلاح مدونة الأسرة، التي تعتبر ثورة فعلية في مجال التشريع الخاص بالأسرة المغربية، التي في ظلها يمكن تنشئة الأجيال القادمة على قيم المساواة. أضف إلى ذلك، تمكين أبناء المرأة المغربية من أب أجنبي من الحصول على الجنسية المغربية. كما لا ننسى نضال الحركة النسائية بالمغرب، التي أخرجت العديد من القضايا النسائية إلى الضوء. س أين تتجلى مساهمة المرأة المغربية في المجال الأسري؟ ج - ظلت المرأة المغربية دائماً حاضرة على مستوى تنمية اقتصاد الأسرة، وخاصة في المجال القروي، بحيث نجدها تلعب أدوارا أساسية في بناء المجتمع. كما أنها، تلعب أدوارا أكثر من الأب في بناء الخلية الأسرية أو العائلية. أيضا، تتوفر على خاصيات ومؤهلات تفوق في أحيان كثيرة خاصيات ومؤهلات الرجل. لكن، في غياب هذه القوانين كان المجتمع يتعامل معها على أنها مجرد «ولية» تابعة للرجل على جميع الأصعدة؛ بمعنى أنها، تأتي في المرتبة الثانية بعد الرجل. س هل مكنت التشريعات الوضعية من أن تحقق للمرأة المغربية مساواة عادلة مع الرجل؟ ج- لقد ساعدت هذه التشريعات المرأة، على أن تتواجد في المجال العام، وأن تشارك في تدبير الحياة الاقتصادية والسياسية للمجتمع. إن التشريع القانوني المتقدم، الذي عرفه المغرب في السنوات الأخيرة، ساعد المرأة على رفع جزء كبير من الحيف والظلم والإقصاء، الذي ظلت تتعرض له منذ عقود طويلة من الزمن، هذه التشريعات جعلت المرأة، تتواجد في العديد من المجالات والتي كانت إلى عهد قريب؛ يتم إقصاؤها منها، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر، المجال السياسي، حيث أصبحت المرأة حاضرة بشكل بارز في المؤسسة البرلمانية. كما مكنها إصلاح القوانين، من أن تشارك في الانتخابات الأخيرة، في تسيير مجالس الجماعات المحلية، بل الحصول على عمودية بعض المدن. إذن، التشريع المغربي وإصلاح المنظومة القانونية، ساعد المرأة المغربية ومكنها من المشاركة في تدبير الشأن السياسي، ولعل هذا، سوف يمكننا من بناء نموذج سياسي متميز في المنطقة المغاربية والعربية بشكل عام، من حيث مشاركة المرأة في التسيير المحلي. س ما هي انعكاسات تلك الاصلاحات على مستوى المشاركة السياسية للمرأة في بلادنا؟ ج - كما سبق أن قلت: إن الإصلاحات القانونية، التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة، جعلت مشاركة المرأة السياسية، بالمغرب تبقى مهمة، بالمقارنة مع العديد من الدول العربية والإسلامية، التي لا زالت تعترض وتتحفظ على العديد من التشريعات والمواثيق الدولية، التي من شأنها أن تمكن المرأة من تحقيق مساواة كاملة مع الرجل. س أين تتجلى خصوصية الاصلاحات التي دشنها المغرب سعيا وراء النهوض بمسألة المرأة عموما؟ ج- يمكن القول بأن الإصلاحات القانونية، التي وضعها المغرب لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، تبقى متميزة، فالمغرب له السبق في المنطقة المغاربية والافريقية، إلى اللجوء إلى مسألة الكوطا في التمثيلية البرلمانية للمرأة. كما أن له السبق في إحداث صندوق الدعم مؤخرا، لكي يقدم للمرأة وضعيات مريحة، حتى يتسنى لها أن تشارك في اتخاذ القرار ، على مستوى الجماعات المحلية. إضافة إلى العديد من القوانين، التي تضمن للمرأة المساواة بالرجل، سواء داخل الأسرة أو في باقي مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، والتي تعد قوانين لا نظير لها عربيا وافريقيا. لقد كان لهذه الإصلاحات القانونية، التي عرفتها المملكة، العديد من الايجابيات، ولعل أول معطى على إيجابية هذه الإصلاحات؛ هو تواجد المرأة في مجالات عديدة، واعتبارها ركيزة أساسية داخل الأسرة المغربية بعدما كانت مدونة الأحوال الشخصية، تقصي مساهمتها البناءة في الوحدة الأسرية. أيضا، ساعد هذا الإصلاح القانوني على حضور صورة المرأة في مواقع، كانت حكرا على الرجل، نأخذ على سبيل المثال؛ مؤسسة البرلمان، وزيرات، كاتبات الدولة، بحيث أن هذه المؤسسات وإلى عهد قريب ، كانت تتواجد فيها المرأة بنسبة ضئيلة جدا أو تغيب بشكل نهائي . س هل استطاعت في نظركم هذه الإصلاحات أن تكسر الصورة النمطية التي ظلت ترافق المرأة المغربية؟ ج - إن الإصلاحات القانونية، التي عرفها المغرب بهدف تمكين المرأة من حقها في ممارسة حقوقها بشكل كامل مثلها مثل الرجل، كسرت من الناحية السوسيولوجية، تلك الصورة النمطية، التي كانت تظهر فيها المرأة بنسب قليلة جدا، حتى لا تسجل لها حضورا على مستوى المخيالي الاجتماعي لأفراد المجتمع. لكن ؛ مسألة الكوطا، مدونة الأسرة، حق الجنسية لأبناء المغربية من أب أجنبي، الاعتراف بالأمهات العازبات وتسجيل أبنائهن في دفتر الحالة المدنية، كل هذه الإصلاحات المتعلقة بالمرأة أحدثت ثورة هادئة داخل المجتمع المغربي ، بحيث ساهمت في رفع عدد النساء في المجال العام؛ لذلك، فإن الإصلاح القانوني شكل معطى إيجابيا مهما جدا، أولا تجلى في حضور المرأة داخل العديد من المؤسسات، ثانيا أعطاها فرصة، لكي تثبت ومن خلال بعض النماذج، أن المرأة المغربية لديها من الكفاءة، ما يؤهلها أن تكون، قائدة سياسية، مسيرة وفاعلة في المجال الجمعوي والسياسي والتشريعي. س هل يمكن أن نتحدث اليوم عن مساواة كاملة للمرأة المغربية مع الرجل؟ ج- ما يمكن الإشارة إليه في هذا الباب، هو أن تواجد النساء في هذه المواقع، ووجود رقم مهم من البرلمانيات في البرلمان المغربي نتيجة الإصلاحات القانونية، لا يعتبر مؤشرا على أن المرأة المغربية حققت مساواة كاملة وفعلية مع الرجل. كما أنه لا يعني أنها، تجد المكان المناسب، لكي تمارس فيه كل حقوقها بشكل مريح. أيضا، لا يمكن اعتماد تواجد المرأة في مناصب القرار، كمؤشر لقياس مستوى التنمية الاجتماعية وقياس مدى تحقيق المرأة المغربية لمساواة كاملة مع الرجل. كما أنه، لا يعني لنا ذلك، بأن وضعية المرأة في المجتمع بشكل عام هي وضعية مريحة. س ما هو تفسيركم لهذا الوضع غير المستقيم؟ ج - لابد من القول بأن الإصلاحات القانونية والتشريعية، تصطدم بعقليات ذكورية، تقليدية تحد من مساهمة المرأة، وذلك عبر تجاوز الأهداف النبيلة لهذه القوانين، بل وفي كثير من الأحيان يتم خلق عدة عراقيل تحط من كرامة المرأة، في مجتمع ذكوري يسعى إلى إقصائها من المجال العام. مما يجعلها تنسحب أو تواجه صعوبات عديدة، أثناء أداء مهامها ولعل المجال السياسي خير دليل على ذلك. س في نظركم ما هي المعيقات الاجتماعية أمام تحقيق مساواة عادلة بين الرجل والمرأة في المغرب؟ ج - بالنسبة لمعيقات المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، فإنها لا تعود إلى هذه الإصلاحات القانونية، بقدر ما ترتبط؛ بغياب انفتاح للعقليات، بحيث نجد أن هناك تأقلما شكليا مع واقع جديد تفرضه التحولات الدولية والإقليمية، فأصبحت المرأة ، تعد فيه فاعلا مهما وأساسيا، ويمكن أن أسوق هنا العديد من الأمثلة لفاعلات في مجالات متعددة، تم تنصيبهن على رأس مصالح معين . لقد تأقلم المرؤوسون مع الواقع الجديد ومع الموضة. لكن المشاكل، التي تعانيها هذه العينة من النساء، هي مشاكل تنم عن عقلية ذكورية، بحيث يتم وضع العديد من العراقيل أمامهن. ونلاحظ إعادة إنتاج خطاب يقلل من قدرتهن، ومن قدرة المرأة بصفة عامة، على تحقيق مساواة فعلية وكاملة، بل هو خطاب يسعى إلى تكريس تبعية المرأة للرجل في كل القطاعات، أسرية كانت أم سياسية أم اجتماعية، هذا الخطاب هو في الحقيقة خطاب تقليدي، كان يقوم على إلصاق كل الصفات السلبية بالمرأة . س هل من توضيح إضافي في هذا الجانب، كيف ذلك؟ ج- أحيانا كثيرا، ومن أجل دعم المساواة بين الرجل والمرأة، يتم وضع نساء على رأس بعض المصالح، ليست لهن كفاءة معينة أو ليست لهن تجربة مهمة في الميدان، بحيث تتخذ في ذلك، بعض الاعتبارات العائلية أو التعاطف المجاني مع قضية المرأة، وفي هذا الإطار، يمكن القول أن بعض الممارسات، التي يتم اتخاذها من أجل تفعيل بعض القوانين المتعلقة، بتحقيق مساواة فعالة بين الرجل والمرأة في كافة المجالات، تصدم بموروث ثقافي، يعمل على الحد من فعالية هذه القوانين، بل يسيء استخدامها. هناك إذن ؛ ثقافة ذكورية معيقة لمساواة كاملة وفعالة بين الرجل والمرأة، ولمساهمتها بشكل فعال في ممارسة كامل حقوقها، ومشاركتها إلى جانب الرجل في تدبير الشأن المحلي، وهذا يؤسس لتناقض صارخ بين الواقع الاجتماعي والمنحى القانوني. قد أعطي نموذجا لما يحدث اليوم في الأراضي السلالية، فالإصلاحات القانونية تمتع المرأة بحق المساواة في الإرث وتملك الثروة والأرض مثلها في ذلك مثل الرجل. لكن، العرف يقصيها، ويجعلها أقل مرتبة من الرجل، بل يحرمها من التمتع بكل حقوقها في الميراث. س هناك من الباحثين من قال بأن الثقافة السائدة تبقى من أكثر المعيقات للرقي بوضعية المرأة المغربية، ما تعليقكم على ذلك؟ ج- إن القانون ينطلق من وضعية معينة، لفتح آفاق جديدة للمرأة. لكن الثقافة، تعيق هذا التحول في التعاطي مع قضية المرأة. كما أنه، لا يمكن معالجة هذه الوضعية؛ لأن هناك ثقافة معينة هي المسيطرة. فالقانون وحده ، لا يمكنه أن يفتح آفاقا جديدة أكثر من هذه التي فتح. هناك، أيضا، تصور خاطئ بشكل مزدوج لدى النساء والرجال، الذين يناضلون من أجل تحقيق مساواة كاملة بين الرجل والمرأة، بحيث يمكنني من خلال هذا التناقض، أن أميز بين قطبين أساسين في هذا الإطار . س ما هي طبيعة هذين القطبين، وماهي منطلقاتهما الفكرية؟ ج- القطب الأول، ينكر على المرأة خصوصياتها النسائية، ويريد أن يجعل منها نسخة طبقا الأصل للرجل، وهذا في حد ذاته سوف يكون عائقا لتحقيق هذه المساواة، لأن المرأة لها خصوصيات، وأنها لن تتمكن من أن تصبح مسؤولة، لأنها ليست رجلا. كما أنها لا تريد أن تكون رجلا، لأنها تريد أن تكون امرأة وأن تمارس عملها كما هي، انطلاقا من هويتها الجنسية ومن كفاءتها ومن تجربتها وخبرتها في الحياة العامة. فالمساواة، هي مساواة على مستوى الحقوق والواجبات، أن تتمتع المرأة، بقدر كافي من التعليم، وولوج الخدمات؛ خاصة في المجال القروي، تحقيق مساواة على مستوى الأجور بين النساء والرجال في القطاع الفلاحي وفي القطاعات الإنتاجية الخاصة بالنسيج، أن تتمتع بالمساواة في الشارع، بحيث تصبح لها كل الحقوق، التي يتمتع بها الرجل، فالمرأة لا تجد كامل حريتها في الشارع العام. كما أنها لا تتمتع بمساواة بينها وبين الرجل داخل الأحزاب السياسية والعديد من المؤسسات. إن عدم المساواة بين الرجل والمرأة داخل الأحزاب السياسية أنتج لنا، نساء لهن عقلية ذكورية، بحيث أصبحت المرأة، تقصي المرأة فقط، لأنها تختلف معها على المستوى الفكري أو على مستوى الاختيارات، إذ ، نجد اليوم العديد من النساء، يعانين من التهميش والإقصاء فقط لاختلاف مواقفهن مع نساء أخريات في مراكز القرار داخل مؤسسة الحزب أو مقربات من دائرة الذكور، الذين يتحكمون في مصادر القرار داخل المؤسسة الحزبية. لكن المطلوب من المرأة اليوم، هو أن تستشعر نتائج هذا الإقصاء وأن لا تمارسه، فهي تعيد إنتاج نفس السلوك الذكوري، الذي مارسه في حقها الرجل. كما أنني أشير في هذا الاتجاه، بأن المرأة استفادت من المناخ الديموقراطي الذي عرفه المغرب في السنوات الأخيرة، لهذا فهي مطالبة أكثر من الرجل، بأن تساهم في تنميته و الحفاظ عليه وفي بناء نموذج كامل لمساواة كاملة وعادلة. أما القطب الثاني فإنه، ينكر جانب الأهلية، ويرى أن عليها أن تكون تابعة للرجل، وأن المساواة بين الرجل والمرأة تعد ضربا من ضروب المستحيل، لأن الأمر يتعلق «بالقوامة» ووبناء إجتماعي تقليدي لا ينبغي أن يهدم، وفي تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة تهديم لهذا البناء. س وهل هناك نقط التقاء بين القطبين ؟ ج- في تقديرنا، أن الفريقين، يلتقيان في النقطة، التي لا تأخذ بعين الاعتبار، وخصوصية المرأة، في إطار تمكينها من القيام بعملها السياسي والاجتماعي والاقتصادي بشكل مريح، وهذا هو الإشكال الجوهري. فالمرأة، ينبغي أن تكون لها كينونتها. إن هذا التناقض الحاصل على مستوى القطبين يغيب مسألة أساسية، والتي تتجلى أساسا في أخذ الاحتياطات، التي من شأنها أن تساعد المرأة على ممارسة كامل حقوقها دون التخلص من خصوصيتها. س هل المرأة المغربية قادرة على تجاوز الضغط الأسري من أجل فرض ذاتها ككيان فاعل داخل المجتمع يتجاوز الدور التقليدي الذي ظل يلاحقها لعقود من الزمن؟ ج- هناك معيق ثقافي، يتعلق بالأسرة وبالمجتمع ويتعلق بالضغط، الذي يمارس على المرأة داخل المنزل وبحكم المحافظة، التي أصبحت سائدة في المجتمع، فقد تم تكريس دور المرأة بشكل أكبر داخل المنزل، الشيء ، الذي جعلها تبذل جهدا كبيرا ما بين العمل وما بين المنزل. فعلى مستوى اليومي؛ فالنساء لا زلن يتكلف بالأعمال المنزلية، أكثر من أي وقت مضى، ففي الماضي كان هناك تقاسم الأعباء المنزلية بين العديد من النساء. لكن في سياق التحولات الكبرى، التي عرفها المجتمع المغربي وظهور الأسرة النووية، حصل هناك تراجع ، وصارت كل الأعباء المنزلية ملقاة على عاتق المرأة . مما يعني أنه ليست هناك مساواة بين الرجل والمرأة على تقسيم الأعمال المنزلية، فالمرأة تجدها في المؤسسة الإدارية أو في المقاولة تمارس أدوارها جنبا إلى جنب الرجل. لكن؛ بمجرد العودة إلى البيت تعيد إنتاج دورها التقليدي الذي ألصقه بها المجتمع. إن هذه الأعباء اليومية، لم تعد تترك لها الوقت ولا الجهد، لكي تشارك في أنشطة أخرى، مثلها مثل الرجل. كما أنه من الصعب ، مثلا ، على الرجل أن يجلس في البيت ويرعى الأبناء، لكي تذهب هي إلى بعض الاجتماعات أو اللقاءات، خاصة تلك، التي تتطلب منها أن تتنقل من مدينة إلى أخرى، أو تتأخر بالليل. س ألا تلاحظون أن المغرب نجح في الإصلاحات القانونية، التي تضمن المساواة للمرأة، ولكنه عجز في خلق هياكل مؤسساتية تتلاءم مع إكراهات النساء؟. ج - إن المجتمع المغربي متردد في الانخراط في الحداثة، هذا التردد جعله، يجاوز بين التقليدي والحداثي. لكن، تبقى علاقة الرجل بالمرأة، حتى وإن كانت قد عرفت تحولا مهما. منجزة إلى ما هو تقليدي، بحيث لم نصل بعد، إلى مستوى تقسيم الأعمال المنزلية بين الرجل والمرأة. مما جعل كل الأعباء المنزلية ملقاة على عاتقها وهذا يحد من تحقيق مساواة بشكل موسع، فالرجل / الزوج ، لا زال يحد من مساهمة المرأة داخل المجتمع. إلى جانب هذه الثقافة الذكورية ، نجد عدم ثقة المرأة في قدرتها على تحمل المسؤولية، وأعتقد أن هذا الموقف مرتبط بالتربية والتنشئة الاجتماعية، على الرغم من أن المرأة متفانية في العمل داخل المجتمع . لكن يبقى هناك العديد من المعوقات الداخلية. س ما هي الانعكاسات السوسيولوجية لمطلب المساواة بين الرجل والمرأة على المجتمع المغربي ككل؟ ج- من أهم الانعكاسات لمطلب المساواة بين الرجل والمرأة، أنها ستجعل الرجل المغربي، وخاصة الفاعل، يقبل بإمكانية مشاركة المرأة له، حتى وإن كان ذلك شكليا بهدف ترويج صورة ديموقراطية وحداثية لمشروعه. كما أن هذا المطلب سيجعل من المرأة تشكل بالنسبة إليه ، أداة مهمة على المستوى الرقابي، بحيث ستتاح له فرصة المقارنة بينه وبينها، وهذا كان مستبعدا في ما مضى. المساواة بين الرجل والمرأة في المجتمع المغربي، ستكون له انعكاسات على مستوى الأسرة، بحيث سوف تمكن من غرس قيم جديدة في الناشئة، قيم المساواة، بين الجنسين، وبالتالي سوف يكون لهذا انعكاسات على مستوى المدرسة والشارع وعلى مستوى كل المجالات التي توجد فيها المرأة. سوف يساهم تحقيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، في تقدير المرأة وتقدير ما تقوم به من أعمال. كما سيفسح أمامها المجال لتقلد العديد من المناصب والوصول إلى مراكز القرار. إضافة إلى ذلك، سيعمل هذا المبدأ على محو كل الصفات السلبية، التي يلصقها المجتمع بالمرأة. إن تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، سوف يساعدنا على محو الأمية، التي تعد ظاهرة نسوية بالدرجة الأولى خاصة في المجال القروي. كما سوف يساعد على التغلب على محاربة الفقر وآثاره والتي تمس المرأة أكثر من الرجل، وذلك؛ عن طريق ولوج المرأة للعمل ومساواتها مع الرجل على مستوى الأجور. أيضا، سوف يقلل من ظاهرة العنف الأسري ضد المرأة، التي ترتبط في جزء كبير منها بصورة المرأة المنحطة في الثقافة الذكورية. إن ترسيخ مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، ستكون له انعكاسات إيجابية على مستوى الشارع العام، بحيث سيصبح من حق المرأة، أن تتمتع هي الأخرى بحقها في التنزه لوحدها، دون أن يزعجها أحد، مثلما يحدث اليوم في مدننا المغربية. س ألا ترون أن هذا المطلب سوف تكون له مجموعة من الانعكاسات على مسألة السلطة الاجتماعية داخل المجتمع المغربي؟ ج - أكيد طبعا، خصوصا وأن مسألة السلطة الاجتماعية، احتكرها الرجل لعقود طوال، عبر التاريخ على مستويات مختلفة، من الرئاسة إلى تسيير شؤون الأسرة والتحكم في المرأة ولا شك أن هذه المسألة ستعوق تحقيق المطلب المذكور، ويأثر على تحققه. حيث أن الرجل، سوف يشعر بأن هناك مزاحمة ومنافسة حول السلطة، مما سوف ينتج رجالا لا يرغبون في مطلب المساواة بين الرجل والمرأة، لأن هناك منافسة. أيضا، هذه المساواة سوف تهدد السلطة الذكورية، لأنها سوف تقتسم بين الرجل والمرأة ، لهذا فهو لا يرى فيها منافسا مشروعا كالرجل؛ بمعنى أن الرجل هو منافس مشروع. لكن المرأة هي منافس إضافي، سوف يزاحم أكثر ، إضافة إلى أن وجود المرأة كفاعل يتمتع بمساواة كاملة، يعني خروجها من الفضاء الخاص، الذي قد تضيع فيه بعض مكاسب الرجل داخل البيت، وقد يعني ذلك بروز التقليدي والتوجه نحو المحافظة؟. س ما هي الخطوات التي يمكن للمرأة أن تتخذها من أجل الرقي بمكانتها داخل المجتمع؟ ج- أعتقد، أن المرأة مطالبة بتحقيق القوة في كل شيء، تحقيق القوة في تحصيل العلم، تحقيق القوة على مستوى الشخصية، تحقيق القوة على مستوى المهارات والمؤهلات الخاصة. كما أنها مطالبة باقتحام المجالات وبكل جرأة؛ بمعنى أن تكون هناك جرأة كافية لاقتحام كل العوالم، اقتحام يخوله لها القانون، الذي من خلاله، سوف تمارس المساواة الفعلية، ومن خلاله تكتسب الأهلية والكفاءة. أما إذا انتظرت أن تدفع بها الرجل إلى هذه المساواة؛ فإن مشاركتها، تبقى دائما ضعيفة ومرهونة بالرجل، الذي يقترح عليها ما تفعله، وهذا ما يمارس اليوم، فالرجل هو الذي يقترح عليها الأدوار، التي يمكن أن تمارسها. لكن، إذا ما اتخذت المرأة بنفسها المبادرة، في ممارسة المساواة، فإنها سوف تتعلم من خلال هذا العمل كيف تدافع عن نفسها وعن الآخرين. أيضا، لا بد من مواكبة اجتماعية داخل الأسر المغربية، داخل المؤسسات التعليمية والمؤسسات الصناعية والمقاولات، من أجل التحسيس، بأهمية دور المرأة في المجتمع، وتحسيسها بالقوانين، التي تسمح لها بالدفاع عن حقوقها، وأنها فاعل أساسي في المجتمع مثلها مثل الرجل، وليست مجرد «ولية» مثلما صورتها الثقافة الذكورية من أجل إقصائها والإجهاز على حقوقها.