كان من الضروري أن نفتح هذا الملف بعد الجدل الذي ثار بسحب المغرب لتحفظاته على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. فقد كان للفاعلين الحقوقيين وللجمعيات النسائية وبعض مكونات المجتمع المدني ردود فعل مختلفة من هذا القرار، ويرجع ذلك بالأساس إلى طبيعة الفهم الذي تمثلت به هذه المكونات هذا القرار، فمن جهة أكد فيه المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح في اجتماعه ليوم 13 دجنبر 2008 تمسكه بالمرجعية الإسلامية للمغرب واعتبارها فوق المرجعيات الأخرى بما فيها المواثيق الدولية، بما يعني أن الحركة ترى أن سحب التحفظات عن هذه الاتفاقية لا يمكن بحال من الأحوال أن يترتب عنه مس بالأحكام الشرعية القطعية للدين الإسلامي، ومن جهة أخرى اعتبرت بعض الجمعيات الحقوقية هذا القرار جزءا من الانتظارات التي كانت تتطلع إليها لمواءمة كل التشريعات الوطنية مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ولذلك، من المنتظر أن يستثمر قرار سحب التحفظات من قبلها للمطالبة بتعديل العديد من المواد التي تتعارض مع مقتضيات هذه الاتفاقية خاصة ما يتعلق منها بأحكام مدونة الأسرة، ولقد كانت هذه الجمعيات واضحة في مطالبتها بالمساواة في أحكام الإرث بين الرجال والنساء ومنع التعدد نهائيا. ومن جهة ثالثة، فضل موقف ثالث أن يتريث في الموضوع إلى أن يظهر من خلال رسالة الحكومة المغربية الموجهة إلى اللجنة الأممية حقيقة الموقف المغربي. وهذا وقبل أن يتحول هذا الجدل إلى معركة فكرية واصطفاف سياسي بين الذين يفهمون قرار سحب التحفظات من زاوية أن المغرب لا يمكن بحال أن يتنازل عن المرجعية الإسلامية وأحكامها وبين الذين يرتبون معركة طويلة الفصول من أجل المطالبة بحذف العديد من الأحكام الشرعية التي يعتبرونها مخالفة لمقتضيات الاتفاقيات الدولية، قبل أن يتحول هذا الجدل إلى حراك فكري وسياسي تدخل المجلس العلمي الأعلى ليؤكد أن قرار المغرب سحب تحفظاته عن الاتفاقية لم يثر لدى العلماء ولا يجوز أن يثير لدى المجتمع أي تساؤل حول تمسك المغرب، وأن الثوابت الدينية وأحكام الشرع لا مجال للاجتهاد فيها مثل أحكام الإرث وغيرها من الأحكام القطعية، وأن الالتزام بأحكام الشرع هو فوق كل التزام، لقول الله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم) صدق الله العظيموهو البلاغ الذي يفسر بوضوح موقف المغرب بخصوص ما يتعارض مع مواد وفقرات الاتفاقية مما هو مبسوط في مدونة الأسرة من أحكام الشرع. وقد ارتأينا في هذا الملف أن نحيط بالقضايا موضع الاتفاقية وأهم المواد والفقرات إثارة للإعلانات والتحفظات، كما كان القصد متجها لتوضيح تحفظات الدول العربية والإسلامية من مواد هذه الاتفاقية، وكذا تحفظات بعض الدول الأوربية.