صرف المغرب موقفه من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز بأسلوبين: - أسلوب الإعلان وهو الذي سجل فيه المبادئ التوجيهية التي يعتمدها في فهم طبيعة المساواة بين الرجل والمرأة الذي يتبناها المغرب، فحسب الحكومة المغربية، فإن المغرب يعرب عن استعداده لتطبيق المادة 2 من الاتفاقية، غير أنه يشترط لذلك ألا تمس متطلبات الدستور المغربي التي تنظم قواعد وراثة العرش في المملكة المغربية، وألا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تعطي حقوقا للمرأة تختلف عن الحقوق الممنوحة للرجل في إطار نظام المساواة المتوازن الذي تقره الشريعة الإسلامية، والذي يقصد الحفاظ على تماسك العائلة، كما اشترط في الفقرة الرابعة من المادة 15 المتعلقة بحقوق المرأة في اختيار مكان الإقامة ومحل السكن عدم تعارضها مع أحكام المادة 34 التي تنص على أن من الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين المساكنة الشرعية، وهو ما يعني في حالة المرأة المتزوجة أنه ليس لها حق اختيار مكان الإقامة ومقر الإقامة خارج بيت الزوجية، كما كانت تتعارض مع المادة ,36 والتي عدلت في مدونة الأسرة المعتمدة حاليا بعد حذفها لحق الرجل في طاعة زوجته له بالمعروف، والذي كان يلزم الزوجة بالرجوع إلى بيت الزوجية بقوة القانون في حالة النشوز. - أسلوب التحفظ: إذ سجل المغرب ثلاث تحفظات، وتتعلق بالفقرة 2 من المادة ,9وتهم الحصول على الجنسية، لأن قانون الجنسية في المغرب لا يسمح للطفل بحمل جنسية أمه إلا إذا ولد لوالد مجهول، بصرف النظر عن مكان الولادة، أو لوالد عديم الجنسية، حين يولد في المغرب ، وتحفظ على فقرات من المادة 16 لتنافيها مع أحكام الشريعة الإسلامية، واعتبر أنه غير ملزم بالفقرة 1 من المادة ,29 وعلل ذلك بكون الخلاف في تفسير مواد الاتفاقية بين الأطراف لا يمكن أن يحال إلى التحكيم إلا باتفاق جميع أطراف الخلاف. كان هذا هو الإطار الذي حكم موقف المغرب وهو يعلن انضمامه إلى الاتفاقية سنة ,1993 لكن هذا الموقف ومع الرسالة الملكية بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان سيأخذ منحى آخر بعد إعلان الملك عن سحبه لجميع التحفظات عن هذه الاتفاقية. في مفهوم سحب التحفظات في الرسالة الملكية وإذا كانت الرسالة الملكية واضحة في تعليل هذا الموقف بالتقدم الذي حصل على المستوى التشريعي في المغرب بعد المصادقة على قانون الجنسية الذي صودق عليه بالإجماع في 26 فبراير 2007 ، و مدونة الأسرة التي تمت الموافقة عليها في الجلسة العامة لـ16 يناير 2004 بالإجماع، فإن نقاط التباس كثيرة تحوم حول طبيعة هذا الموقف، وهل رفع التحفظات سيمنع المغرب من تصريف موقفه في شكل إعلان بخصوص ما تبقى من القضايا الإشكالية التي لم تطلها التشريعات التي أقرها المغرب، والتي نوه بها الملك واعتبرها رائدة في بابها، كما هو الحال في مدونة الأسرة؟ أم أن رفع هذه التحفظات يعني بالمطلق قبول هذه الاتفاقية بجميع فقراتها وموادها من غير إعلان؟ ولعل نقاط الالتباس هذه هي التي تفسر طبيعة الاختلاف والاصطفاف الذي أملاه نوع القراءة لمثل هذا القرار، ففي الوقت الذي رأت فيها بعض الجهات النسائية والحقوقية أن هذا القرار يعني التزام المغرب بكل فقرات الاتفاقية وبنودها من غير أي إعلان أو بيان تفسيري، توقف جهات كثيرة على مدلول هذا القرار، ورأت أنه لا يحمل هذه الدلالات والخلفيات التي تريد هذه الجهات أن تلبسها إياه، لأن مقتضى ذلك الفهم أن يقدم المغرب على تعديل مدونة الأسرة بشكل كامل، وهو ما لا يمكن أن يحمله نص رسالة الملك الذي كان واضحا في ربط رفع هذه التحفظات بالتشريعات الجديدة التي أقرها المغرب، وفي اعتبار مدونة الأسرة إحدى المعالم البارزة في مسيرة تعزيز المغرب لحقوق الإنسان، والتجسيد الرائد في بابه لمبدأ مساواة الرجل بالمرأة. وبين هذين الموقفين، فضل موقف ثالث التريث في فهم مضمون الرسالة الملكية وانتظار نص الرسالة التي ستوجه إلى اللجنة الأممية للوقوف على حقيقة موقف المغرب وما إذا كان سيصرف موقفه بخصوص ما تتضمنه الاتفاقية في فقراتها وموادها من قضايا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية في شكل إعلان كما هو الأسلوب الأول الذي صرف به الموقف في سنة .1993 في حقيقة الموقف المغربي الجديد من الضروري أن نشير أن سحب جميع التحفظات الوارد في نص الرسالة الملكية يطال فقط التحفظات التي أعرب عنها سنة ,1993 والتي تتعلق بالفقرة 2 من المادة 9 بحكم تغير تم في الفصل التاسع من قانون الجنسية، فقد صار من حق كل ولد مولود في المغرب من أبوين أجنبيين مولودين الحق في اكتساب الجنسية المغربية؛ بشرط أن تكون له إقامة اعتيادية ومنتظمة بالمغرب، وأن يصرح داخل السنتين السابقتين لبلوغه سن الرشد برغبته في اكتساب هذه الجنسية ما لم يعارض في ذلك وزير العدل طبقا للفصلين 26 و27 من ظهيرنا الشريف هذا، كما أنه أصبح من حق كل شخص مولود في المغرب من أبوين أجنبيين وله إقامة اعتيادية ومنتظمة في المغرب، وكان الأب قد ولد هو أيضا اكتساب الجنسية المغربية بتصريح يعبر فيه عن اختياره لها؛ فيما إذا كان هذا الأب ينتسب إلى بلد تتألف أكثرية سكانه من جماعة لغتها العربية أو دينها الإسلام، وكان ينتمي إلى تلك الجماعة ، وذلك مع مراعاة حق وزير العدل في المعارضة طبقا لمقتضيات الفصلين 26 و.27 أما تحفظها على المادة ,16 وخاصة الفقرات المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات لما في ذلك من تعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تعطي للزوجة حق المهر والنفقة عليها وحق المتعة والنفقة حسب الشروط المقررة شرعا، فمن الوارد أن تتحول إلى الإعلان ما دامت تتعلق بتفسير الاتفاقية، إذ إن كثيرا من الدول خاصة منها الدول الأوربية أوردت في إعلاناتها تفسيرها الخاص لهذه المادة بما لا يتعارض مع قوانينها التي تعتبرها تعطي حقوقا أكثر من الرجل، ولا تعتبر بأي حال تمييزا ضد المرأة، فبريطانيا العظمى مثلا في نص إعلاناتها وتحفظاتها تفهم المقصد الرئيس من الاتفاقية، في ضوء التعريف الوارد في المادة,1 على أنه يتمثل، وفقا لأحكامها، في التقليل من التمييز ضد المرأة، وبناء على ذلك لا تعتبر أن الاتفاقية تفرض أي مطلب بإلغاء أو تعديل لأي من القوانين أو اللوائح، أو الأعراف أو الممارسات الموجودة، والتي تقضي بمعاملة المرأة بأفضل مما يعامل به الرجل؛ سواء بصفة مؤقتة أو على المدى الأبعد، ويتعين أن تفسر وفقا لذلك تعهدات المملكة المتحدة بموجب الفقرة1 من المادة ,4 والأحكام الأخرى من الاتفاقية، وهو نفس التفسير الذي التزمت به فرنسا، إذ أعلنت حكومة الجمهورية الفرنسية أنه ينبغي عدم تفسير أي من أحكام الاتفاقية على أن له الغلبة على ما في القانون الفرنسي من أحكام هي في صالح المرأة أ كثر منها في صالح الرجل. أما الفقرة 1 من المادة 29 والتي تحفظت عليها إثيوبيا، الأرجنتين ، الإمارات العربية المتحدة، إندونيسيا، باكستان، البرازيل، تايلند، تركيا، ترينيداد وتوباغو، تونس، جامايكا، الجزائر، جزر البهاما، الجمهورية العربية السورية، جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، السلفادور، سنغافورة، الصين، العراق، عمان، فرنسا، فترويلا، فييت نام، كوبا، الكويت، لبنان، مصر، المغرب، المملكة العربية السعودية، موريشيوس، موناكو، ميانمار، ولايات ميكرونيزيا الموحدة، النيجر، الهند، اليمن، ودولة الكيان الصهيوني، فلا يعرف ما إذا كان المغرب سيحتفظ بموقفه السابق وينقل تحفظه إلى إعلان كما فعلت كثير من الدول لما تتضمنه الفقرة 2 من نفس المادة من إمكانية لتفسير المادة، وهو ما اختارته تونس التي أعلنت حكومتها وفقا لمقتضيات الفقرة 2 من المادة 29 من هذه الاتفاقية عدم التزامها بالفقرة 1 من المادة ,29 وهو نفس الاختيار الذي ذهبت إليه دولة الكيان الصهيوني . دلالات الفهم الإطلاقي لسحب التحفظات من حيث نص الرسالة الملكية، فرفع التحفظات معلل بسبب وهو حصول تغير في التشريعات التي أقرها المغرب حديثا، ويتعلق الأمر بمدونة الأسرة وقانون الجنسية، ومن حيث مفهوم الرسالة الملكية، فمن التناقض أن تكون دلالاتها تقتضي إعادة النظر في كثير من مواد المدونة التي تقدر بعض الجهات الحقوقية والنسائية أنها تتعارض مع الاتفاقية، ذلك أن المادة الثانية من الاتفاقية خ أورد عليها المغرب إعلانا- تتحدث عن ضرورة إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، وهي تعني دستوريا إعادة النظر في ما يتعلق بولاية العهد واشتراط الذكورة فيه، كما تعني قانونيا وتشريعيا إعادة النظر في كل الأحكام الشرعية التي تمايز بين المرأة والرجل لاعتبار وظيفي؛ كما هي الحالة في الصداق والنفقة والقوامة، أو لاعتبار يتعلق بنسق النظام التشريعي وتكامله وبنائه الذي يحقق العدالة كما هي الحالة في أحكام الإرث، وهو الفهم الذي يصعب قبوله لأنه من غير المتصور أن يتم الاحتفاء بالمدونة؟ ويتم اعتبارها رائدة في بابها ولا زالت تؤتي ثمارها، بل ويتم اعتبارها تجسيدا لمبدأ المساواة، وفي نفس الوقت يفهم سحب التحفظات على أساس أنه يقتضي ضرورة تعديل كثير من بنودها وموادها. عينات من الفهم المتطرف لقرار سحب التحفظات قبل أن يسحب المغرب تحفظاته عن هذه الاتفاقية لم تتوان بعض الجمعيات الحقوقية والنسائية في المطالبة بملاءمة التشريعات الوطنية لمقتضيات هذه الاتفاقية، وقد عبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان واتحاد العمل النسائي عن مطلب المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة؛ بناء على تقديرها أن ما ورد في المدونة من أحكام في الميراث تعتبر تمييزا ضد المرأة وتناقضا صريحا مع مواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز، غير أن النضال النسائي على هذا المستوى سرعان ما اصطدم بجدار الخصوصية الدينية المغربية، فاضطر إلى أن يعدل أولوياته ويسحب هذا المطلب سنة ,1993 ويتفرغ لمعركة الزواج والطلاق والحضانة والنفقة، وقد هدأ هذا المطلب لمدة قاربت 15 سنة، لكن هذه المرة ستخرج الرابطة الديمقراطية لحقوق النساء بما يسمى مسألة التعصيب، أي أنها صارت تطالب بأن يكون للمرأة نفس درجة الابن في التعصيب حتى تحجب العم وابنه، والأخ وابنه، وهي مطالبة لا تخفي بعض القيادات النسائية (نزهة جسوس في حوار مع الأيام) أنها لا تعني التنازل عن المطلب العام بالمساواة في الإرث، وإنما تعني ترتيب المعركة بحسب الظرفية السياسية والثقافية، فلكل مقام مقال، وقد عبر الأستاذ عبد السلام أديب أحد رموز الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في مقال نقدي لمدونة الأسرة في صيغتها الجديدة عن أهم المواد التي يلزمها التغيير والتعديل؛ لتكون متلائمة مع مقتضيات مواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وحصرها فيما يلي: فبعد تأكيده على أن القوانين الدولية لحقوق الإنسان تسمو على التشريعات الداخلية لأي بلد، فقد اعتبر أن من واجب كل حكومة ملاءمة قوانينها الداخلية مع ما التزمت به وصادقت عليه الدولة من تشريعات دولية. وما دام المغرب خ حسب الأستاذ عبد السلام أديب- قد نص الدستور المغربي في هذا الإطار في ديباجته، على احترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، فإن ذلك يقتضي منه تعديل مجموعة من مواد المدونة، والتي عرضها القيادي الحقوقي كما يلي: - مسألة التعبير عن الإرادة الحرة عند الزواج أو عند الرغبة في إنهائه، إذ يرى الأستاذ أديب أن انتظارات الحقوقيين تتطلع إلى حذف مبدأ الولاية الاختيارية الذي احتفظت به مدونة الأسرة في الزواج في المادة 13 التي تشترط في عقد الزواج مجموعة من الشروط من بينها ولي الزواج عند الاقتضاء والمادة 24 التي تعتبر الولاية حقا للمرأة، تمارسه الرشيدة حسب اختيارها ومصلحتها، والمادة 25 التي تعطي للرشيدة أن تعقد زواجها بنفسها، أو تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها. ويرى الأستاذ أديب أن مبدأ حرية الإرادة يجب أن يسري في حالة حصول أمور تكره الزوجين على إنهاء علاقة الزواج بينهما، إذ يتطلب لجوء الطرفان إلى القضاء لإشهار قرار الطلاق، حسب ما تنص عليه المواثيق الدولية، إذ يرى أنه في إطار مدونة الأسرة فإن الطلاق ظل حقا بيد الزوج بالرغم من التنصيص على ضرورة الحصول على مجرد إذن بذلك من القاضي، وهو ما يعني تعديل المادة 70 و 71 من مدونة الأسرة وما يندرج ضمن إطارهما من المواد. - المطالبة بحذف تعدد الزوجات: على الرغم من التقييدات والاشتراطات التي وضعتها مدونة الأسرة على مسألة التعدد، وعلى الرغم من فعالية هذه التقييدات على مستوى التقليل من نسبة الترخيص للتعدد، إذ لم يتجاوز في إحصائيات 2007 أكثر من 28,0 بالمائة؛ إلا أن الأستاذ عبد السلام أديب ومن سايره من الحقوقيين يرى أن التعدد بشروطه المنصوص عليها في المدونة يمثل مظهرا من المظاهر الصارخة التي تعبر عن تناقض التشريع الجديد لمدونة الأسرة مع ما تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في مسألة تعدد الزوجات، ولذلك فهو يطالب بمنع التعدد مطلقا. المطالبة بالمساواة في أحكام الإرث: يرى الأستاذ أديب أن المدونة لا زالت تحتفظ بما أسماه بمظاهر الحيف ضد المرأة في أحكام الإرث، وهي تنتمي حسب زعمه إلى العهود البائدة، ولذلك يطالب بأن تأخذ البنات نفس نصيب البنين، والأخوات نفس نصيب الإخوة، والزوجات نفس نصيب الأزواج خلافا لأحكام الشريعة الإسلامية. وهكذا وبعد تقييم لجنة المرأة التابعة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان (2004) للتشريعات الجديدة التي أقرتها مدونة الأسرة؛ خلصت إلى أنها تافهة وشكلية، وأنها لا تشكل أي تقدم في اتجاه إقرار المساواة بين الرجل والمرأة، ودعت في المقابل كافة الحقوقيين والديمقراطيين إلى التشبث بمبادئ حقوق الإنسان كما أقرتها مجمل المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب في هذا المجال، والتي تدعو إلى إقرار مختلف التدابير الكفيلة بتحقيق المساواة التامة، ونبذ كافة أشكال التمييز التي تطال حقوق المرأة في المغرب. على سبيل الخلاصة واضح من خلال هذه العينة، أن مفهوم هذه الجهات الحقوقية أو النسائية لمفهوم رفع التحفظات يذهب إلى حد المطالبة بتغيير الكثير من مواد مدونة الأسرة كما رأينا، وهو الفهم الذي لا ينسجم مطلقا مع ما تضمنته الرسالة الملكية من احتفاء بالمدونة، ومن اعتبارها رائدة في بابها، وتجسيدا وتعزيزا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وهو الأمر الذي يرجح أن لا يكون موقف المغرب خاليا من أي إعلان يتضمن تفسير المغرب لمفهوم القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، ويحصن التشريعات المتقدمة التي أقرها بالإجماع مؤخرا.