حققت المرأة المغربية خلال السنوات العشرة الأخيرة مكتسبات هامة جدا في مجالات عدة قانونية، سياسية، والاجتماعية اعتبرها البعض بمثابة الثورة البيضاء. ويرجع الفضل في هذا التطور الملحوظ إلى: - تنامي الحركة الديمقراطية عموما والحقوقية خاصة منها الحركة النسائية الهادفة للنهوض بالحقوق الإنسانية للنساء - استجابة لأكبر هرم في الدولة للمطالب والإصلاحات التي ناضلت من أجلها الحركة الديمقراطية عموما والنسائية خصوصا حيث أكد الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش سنة 1999 التزامه بالنهوض بمكانة النساء وتحسين أوضاعهن داعما بذلك التزام الوزير الأول في حكومة التناوب و التوافق السابقة (2002-1998) الذي التزم بدوره في التصريح الحكومي أمام البرلمان بإصرار " الحكومة على ملائمة الترسانة القانونية الداخلية مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال النهوض بالحقوق الأساسية للنساء تمشيا مع الهوية والقيم الإسلامية". وفي هذا السياق انطلق ورش ملائمة القوانين خلال السنوات الأخيرة في ايطار المشروع للتحديث و الترسانة القانونية المغربية. أولا: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو). وتعد الاتفاقية من الصكوك الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، وهي تعبر بشكل جلي وواضح عن رغبة المجتمع الدولي لإقرار إجراءات جديدة من شأنها التقدم في معركة المساواة بين الرجل والمرأة وإلغاء كافة أشكال التمييز الممارس عليها. وقد صادق المغرب على اتفاقية سنة 1993 ونشرها في جريدته الرسمية. غير أنه ذيل مصادقته أنذاك بالتحفظ على العديد من موادها ( مادة2 و9 - فقرة 2 من مادة 9 مادة16 والمادة29). غير أن هذه التحفظات أفرغت المصادقة من محتواها. بيد أنه في خضم دينامية التغيير المجتمعي الذي تعرفه بلادنا، وبمناسبة الإعلان عن التعديل الذي طال قانون الجنسية، والذي بموجبه أصبحت المرأة المغربية مؤهلة لإكساب جنسيتها المغربية لأبنائها، أعلن جلالة الملك عن رفع كافة التحفظات على «السيداو» . ويعد المغرب أول بلد عربي مسلم يرفع كافة التحفظات عن الاتفاقية التي تناهض كافة أشكال التمييز ضد المرأة. غير أنه، وإلى حدود اليوم، لم تتخذ الحكومة المغربية الإجراءات الضرورية لتفعيل هدا القرار بما فيه مراسلة الهيئات الدولية المعنية بالقرار ، وكذا المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق به. إصلاح قانون الجنسية إذا كان إصلاح قانون الجنسية يعد تقدما نوعيا في مسار تحقيق المساواة بين الجنسين، فإن عدم مساواة المرأة مع الرجل في شروط إكساب الجنسية لزوجها يضل شكلا من أشكال التمييز واللامساواة بين المواطنة والمواطن. لقد شكلت هذه الانجازات الأخيرة إضافة نوعية إلى الورش الإصلاحي الذي شهدته بلادنا والتي همت مجالات قانونية واجتماعية تأطر واقع المرأة وتهيكل مكانتها في مقدمتها: إصلاح قانون الأسرة شكل إصلاح مدونة الأحوال الشخصية أحد أهم المطالب التي ميزت النضال النسائي خلال العقدين السابقين، وهو يعد بالفعل مكسبا حضاريا وإنسانيا يمكن أن نفتخر به باعتباره جاء تتويجا لتعبئة الحركة النسائية والحقوقية. أهمية هذا الإصلاح تتجلي في كونه استهدف إلغاء مبدأ التمييز باعتباره مبدأ مهيكلا لقانون الأحوال الشخصية، فهو تحول دال على مستوى المبادئ المؤسسة لهذا القانون وتعويضه بقانون يرتكز على مبدأ المساواة بين الزوجين . هذا التحول وجد له انعكاسا مباشرا في مجموعة من المقتضيات التي تهم المرأة والرجل والطفل كمكونات للبنية نجملها فيما يلي : - جعل الأسرة تحت الرعاية المشتركة للزوجين والمساواة في الحقوق والواجبات المتبادلة بينهما. - جعل الطلاق تحت مراقبة القضاء. - إقرار شكل جديد في الطلاق (الطلاق للشقاق). - المساواة في سن الزواج 18 سنة. وفي الأهلية القانونية لإبرامه... وقد شكل إقرار هدا القانون الجديد منعطفا هاما في السياسة التشريعية المغربية في القضاء في الحيف والتمييز الممارس على النساء مع تعزيز الحفاظ على مصلحة الطفل وتكريس قيم المساواة بين الزوجين على المسؤولية السرية وعلى مستوى الحقوق والواجبات. وإذا كان قانون الأسرة قد استجاب للعديد من انتظارت النساء فان تفعيله يظل دون انتظاراتهن و طموحهن . لقد كشف مرور 5 سنوات من التطبيق العملي لمقتضيات هذا القانون عن الإشكالات الجوهرية التي تحول وتعيق تطبيق فلسفة المساواة المؤسسة لهدا المشروع المجتمعي وتتجلى أهم مظاهر القصور والخلل التي شابت تفعيل المدونة: أولا في : - الترخيص لزواج القاصرة - الترخيص للتعدد - توزيع الممتلكات المحصل عليها أثناء الزواج عند انفصال الرابطة الزوجية، وخاصة بالنسبة للأملاك المحفظة التي ساهمت الزوجة في شرائها. - عدم تفعيل صندوق النفقة. -الخبرة الطبية لإثبات النسب خارج مؤسسة الخطبة. حماية النساء من العنف لقد ظل العنف الممارس على النساء إحدى أهم طابوهات والممارسات المسكوت عنها، بل ومقبولة اجتماعيا ومبررة. غير أنه بفعل ضغط الجمعيات النسائية، والتزامات حكومة التناوب في هدا المجال نظمت كتابة الدولة بتنسيق مع المجتمع المدني أول حملة وطنية واسعة لمحاربة العنف ضد النساء وفضح المسكوت عنه باعتبار محاربته مسؤولية الدولة والمجتمع. كما تم إعداد الاستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء التي كان من ضمن أهدافها دعم وتوسيع مراكز الاستماع المستحدثة من طرف جمعيات المجتمع المدني. كما استحدثت كذلك خلايا للنساء ضحايا العنف سواء في المحاكم أو مراكز الشرطة أو المستشفيات. وبهدف تفعيل مقتضيات الإستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء تمت صياغة وانجاز المخطط التنفيذي لها كما تمت مأسسة اللجنة التي ستشرف على تنفيذ هذا المخطط، وذلك بتشكيل للجنة القيادة سنة 2006 ممثلين عن القطاعات الحكومية المعنية وممثلين عن جمعيات المجتمع المدني بالإضافة إلى ممثلين عن قطاع البحث العلمي الجامعي. ومنذ تأسيسها باشرت للجنة القيادة تفعيل المخطط التنفيذي إلا أنه لوحظ أنه مند وصول الوزيرة المكلفة حاليا بالقطاع تم تجميد أشغال هذه اللجنة. كما يلاحظ كذلك، أنه ولحد الآن، لم يتم إصدار قانون محاربة العنف ضد النساء الذي ساهمت في وضعه العديد من الجمعيات فضلا عن ضعف الدعم المادي والمعنوي لمراكز الإيواء. إصلاح القانون الجنائي كما تم إعداد مشروع إصلاح القانون الجنائي، وذلك من أجل تقوية حماية النساء والأطفال: - المساواة فيما يخص المتابعة من طرف النيابة العامة في حالة إقامة الزوجين علاقة غير شرعية - تحريم التحرش الجنسي والعنف ضد النساء - المساواة بين الزوجين في التمتع بنفس ظروف التخفيف في حالة الخيانة الزوجية - رفع السرية عن التقارير الطبية في حالة العنف بين الزوجين أو العنف ضد المرأة - تشديد العقوبات في حالة الضرب والجرح قانون الشغل كما أقر قانون الشغل مجموعة من الأحكام تتعلق بمنع التمييز في العمل وحماية المرأة العاملة والأمومة من ضمنها: - حق المرأة في إبرام عقد الشغل. - منع التمييز في الأجر بين الجنسين بالنسبة للعمل المتساوي - اعتبار التحرش الجنسي والتحريض على الفساد الممارس من طرف المشغل بمثابة خطأ مشاركة النساء في مواقع صنع القرار لقد ظل حضور النساء في مواقع صنع القرار، وخاصة منها في المجال السياسي أحد أهم المجالات والفضاءات الأكبر مقاومة لإدماج النساء. فبالرغم من كون أول دستور لبلادنا المغرب قد أقر حق المرأة كمواطنة في حق الانتخاب والترشح، فإلى غاية 2002 لم يتعد تواجد المرأة خلال هذه الفترة في المؤسسة البرلمانية، أي ما يقارب نصف قرن، نسبة 0.66 في المئة كما لم يتعد حضورهن في مختلف الاستحقاقات الانتخابية الجماعية حدود 0.53 في المئة سنة 2003 . غير أنه وبفعل التعبئة الواسعة التي شنتها الحركة النسائية بمختلف مكوناتها (قطاعات نسائية للأحزاب .جمعيات نسائية .جمعيات حقوقية...) بعد الإخفاقات المسجلة غداة انتخابات 1997، والتي شملت العديد من حملات التحسيس والترافع أمام صناع القرار (قيادات حزبية، وزراء..)من أجل إقرار آلية لضمان تمثيلية نسائية مشرفة تمثلت في المطالبة بإقرار مبدأ التمييز الايجابي وتخصيص كوطة نسائية في المؤسسات المنتخبة. وقد مكنت هذه التعبئة بمناسبة انتخابات 2002 من انتزاع كوطا خصص بمقتضاها 10 في المئة من مقاعد مجلس النواب، أي30مقعدا، وهو الأمر الذي تكرر بمناسبة انتخابات 2007 كما سجلت الولاية التشريعية لسنة 2007 دخول 7 نساء في الحكومة الحالية كما تم تعيين سبع سفيرات. غير أن هذه المكاسب تظل مكاسب هشة اعتبارا لكون التقدم الحاصل وخاصة في مجال الانتخابات هو نتيجة لتفعيل آلية التمييز الايجابي من خلال تخصيص كوطة. غير أن هذا الإجراء باعتباره غير مقنن وغير ممأسس، حيث لاينص عليه الدستور، بل هو فقط عبارة عن ميثاق شرف موقع من طرف الأحزاب السياسية بمناسبة انتخابات مجلس النواب. هدا السيناريو هو نفسه الذي تكرر بمناسبة الانتخابات الجماعية للسنة الحالية حيث اعتمدت نفس مسطرة التوافق بين الأحزاب يخصص كوطا 12 في المئة من المقاعد للنساء ودلك من خلال إحداث دائرة انتخابية إضافية على مستوى كل جماعة يخصص لنساء. لقد أسفرت الانتخابات الجماعية الأخيرة عن نتائج مهمة تمثلت في فوز 3428 منتخبة، إلا أن هدا التطور لم ينعكس على مستوى انتخاب مكاتب المقاطعات ومجالس العمالات والأقاليم مجالس الجهات وكدا انتخابات الغرف المهنية وممثلي النقابات. ففي ظل غياب رؤية استراتيجية واضحة في موضوع المشاركة السياسية للنساء، وكذا عدم مأسسة التدابير الإيجابية وإقرارها بكيفية تصبح ملزمة لكافة الفاعلين في جميع المجالات السياسية والاقتصادية..... فإن هذه المكاسب ستظل مكاسب هشة وعرضة للتراجع عنها في أي لحظة تختل فيها موازن القوى. غير أن ظاهرة مقاومة ولوج النساء لمواقع صنع القرار لا تنحصر فقط في مجال القرار السياسي، بل إن المقاومة تمتد لتطال كافة الفضاءات الأخرى، سواء منها مجال صنع القرار الاقتصادي أو الإداري، حيث أن نسبة النساء مديرات أو رئيسات أو العضوات في المجالس الإدارية لاتتعدى في أحسن الأحوال 10 في المئة.