أمام ضعف تمثيلية المرأة في المجالس التشريعية والمحلية؛ ابتدعت العديد من الدول منذ عقود تقنية الحصص أو «الكوطا» كتدبير مرحلي لتحسين مشاركة النساء؛ وفي ظل التطورات التي شهدتها الساحة الدولية على مستوى تعزيز حقوق الإنسان وإقرار الممارسة الديمقراطية؛ تزايد الإقبال على هذا النظام في السنوات الأخيرة. ورغم الجهود المبذولة في هذا الشأن؛ يكاد يجمع الباحثون والمهتمون على أن تمثيلية المرأة في المجالس التشريعية ومراكز القرار الحيوية على الصعيد العالمي التي تظل في حدود 15 في المائة؛ لا توازي في تطورها ما حققته المرأة من عطاء وخدمات وما عبرت عنه من كفاءات وإمكانيات في شتى المجالات والميادين. وتؤكد الدراسات والأبحاث المرتبطة بهذا الشأن؛ أن أزيد من ثمانين دولة تعتمد هذا النظام على امتداد مناطق مختلفة من العالم. وتشير بعض الدراسات إلى أن 15 دولة فقط من بين الدول التي اختارت هذا النظام؛ هي التي استطاعت أن تتجاوز النسبة الحرجة المحددة في 30 في المائة؛ وهنالك 30 دولة فقط تجاوزت نسبة ال20 في المائة. وتوجد 45 دولة زادت مشاركة النساء فيها على 15 في المائة عن طريق قوائم الأحزاب. وإذا كانت العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية والدساتير والتشريعات الوطنية قد أكدت على حق المساواة في المشاركة السياسية؛ فإن الآراء الفقهية بصدد هذه التقنية؛ تباينت بين متحفظ ومعارض من جهة؛ وبين متحمس ومؤيد لها من جهة ثانية. فالاتجاه الأول يرى فيها وسيلة لتجاوز الحواجز والمعيقات العلني منها والخفي، باتجاه تحسين أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية؛ كمدخل للانتقال من الصيغة النظرية لتكافؤ الفرص إلى واقع ملموس ولإنعاش المشاركة السياسية بشكل عام؛ وتجاوز ضعف التمثيلية السياسية للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية بشكل خاص؛ ولا يعتبرها رواد هذا الاتجاه تمييزا ضد الرجل بل تعويضا للمرأة عن التمييز السياسي الذي يطالها؛ والذي يجسده ضعف أو انعدام حضورها في المشهد السياسي بشكل عام. فيما يركز آخرون على مبدأ العدالة الذي يحتم تمثيل نصف المجتمع في المجالس النيابية على كافة مستوياتها، ومنطق تمثيل المصالح؛ مادام النظام السياسي يضم جماعات ذات مصالح متباينة؛ واعتبارا للقيمة التي يمكن أن يضفيها هذا التمثيل بما يضمن صيانة وتعزيز كرامة المرأة؛ زيادة على كونه يقدم نموذجا للمشاركة السياسية جديرا بالاقتداء والتحفيز بالنسبة إلى النساء. وإذا كانت «الكوطا» تعد إجراء مرحليا لتصحيح ما يعتبره هذا الاتجاه بالخلل الحاصل في تمثيلية المرأة؛ فإن الاتجاه الثاني المخالف يرفض هذا الخيار؛ معتبرا إياه يتنافى مع مبدأ المساواة بين المواطنين ويتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص؛ فهو بموجب هذا الرأي تدبير غير ديمقراطي يمنح النساء حقوقا اعتمادا على اعتبار النوع لا الكفاءة؛ بل إن هناك من يعتبره حيفا في حقها؛ ويعبر عن تخوفه من أن يؤثر اعتماد هذه التقنية سلبا على نضال المرأة باتجاه التحسين الجذري لأحوالها وتعزيز مشاركتها السياسية في المستقبل. وقد اعتبره البعض تشويشا على الممارسة الديمقراطية؛ من حيث إنه يفرض على الناخبين مسبقا الاختيار بين مرشحات فقط؛ فيما أكد آخرون ضمن نفس الاتجاه؛ أن معرفة نتائج الانتخابات مسبقا ولو بشكل جزئي على مستوى تمثيلية النساء؛ يفرغ الممارسة الديمقراطية التي تقتضي خوض المنافسة بناء على برامج وكفاءات لا على قرارات وتدابير فوقية؛ تمنحها نوعا من المفاضلة في مواجهة الرجل؛ من أحد أهم عناصرها ومرتكزاتها. كما يرى الاتجاه الرافض لهذا الخيار بأن منطق العدالة والديمقراطية؛ يفرضان ولوج المرأة إلى البرلمان ومختلف المجالس المحلية؛ من خلال الخضوع للضوابط المعمول بها بالنسبة إلى الرجل أيضا؛ وإقناع الناخبين؛ بعيدا عن أي إجراءات تجانب مبدأ تكافؤ الفرص. وبغض النظر عن هذه المواقف؛ فإن المشاركة السياسية للمرأة تظل مطلبا ملحا؛ ذلك أن تعزيز الخيار الديمقراطي والتنمية الحقيقية التي تركز على الإنسان باعتباره وسيلة وهدفا؛ لا يمكن أن تتحقق دون الالتفات لنصف المجتمع الذي تشكله المرأة. والجدير بالذكر أن تعزيز مشاركة النساء وإدماجهن؛ لا يرتبط فقط بفتح باب المشاركة السياسية وولوج البرلمانات والمجالس المحلية.. بقدر ما يرتبط بتمكينها على طريق المساهمة الفعالة في اتخاذ القرارات الحيوية؛ ضمن مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. وفي الوقت الذي تضاعفت فيه نسبة المرشحات في الانتخابات المحلية خلال الفترة الفاصلة بين سنتي 1983 و2003 حوالي 16 مرة؛ لم يتضاعف في مقابل ذلك عدد المنتخبات إلا 2.5 مرة. وقبيل إجراء الانتخابات التشريعية لانتخاب أعضاء مجلس النواب؛ اعتمد المغرب نظام حصص خاص بتمثيلية المرأة في هذه الغرفة؛ كما تبنى أسلوب الاقتراع بالتمثيل النسبي عن طريق اللائحة وهي تقنية تساهم بشكل ملحوظ في الرفع من التمثيلية السياسية للنساء وتعزز التنافس بين البرامج بدل التنافس بين الأشخاص؛ وبخاصة إذا ما اقترنت بنزاهة الانتخابات. وتنص المادة الأولى من القانون التنظيمي رقم 31.97 المتعلق بمجلس النواب على أنه: «يتألف مجلس النواب من 325 عضوا ينتخبون بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة وفق الشروط التالية: - 295 عضوا ينتخبون على صعيد الدوائر الانتخابية المحدثة طبقا لأحكام المادة 2 بعده؛ - 30 عضوا ينتخبون على الصعيد الوطني..» ويلاحظ من خلال هذا النص؛ أن المشرع لم يشر بشكل صريح أو ضمني إلى اقتصار المقاعد الثلاثين على النساء؛ وذلك حرصا منه على عدم مخالفة المقتضيات الدستورية المرتبطة بالمساواة في الحقوق بين المواطنين (الفصل الثامن من الدستور المغربي). وقبيل الانتخابات التشريعية لسنة 2002؛ حدث توافق بين مختلف الفرقاء والفاعلين الحزبيين في إطار التزام سياسي؛ على تخصيص اللائحة الوطنية لفائدة النساء؛ انسجاما مع التوجهات الإصلاحية للدولة؛ ورغبة في الرفع من مستوى تواجدهن في المؤسسة البرلمانية. وتقوم اللائحة بموجب هذا التوافق على اختيار كل حزب لعدد من النساء؛ ووضعها ضمن لائحة خاصة؛ تعرض على الناخبين قصد التصويت عليها وطنيا على مستوى الدوائر؛ وبناء على النتائج التي سيحصل عليها كل حزب، سيستفيد في ضوء ذلك من النسبة التي يستحقها من مقاعد اللائحة الوطنية. وقد خلفت هذه المبادرة مجموعة من المواقف والآراء؛ تنوعت بين مثمن رأى فيها مكسبا مهما للمرأة؛ ومعارض اعتبرها بمثابة إجراء مناف للممارسة الديمقراطية ولروح الدستور. وضمن هذه الردود اعتبر البعض أن طرح اللائحة الوطنية بهذه الصورة الغامضة التي لا تتأسس على نصوص قانونية تقر بتخصيص مقاعد محددة للنساء؛ يحول دون تكريسه وتأصيله بشكل قانوني؛ بقدر ما يظل رهنا بإرادة الأحزاب التي يمكن أن تتراجع عنه في أية لحظة. بل إن هناك من استبعد نظام اللائحة بهذا الشكل عن تقنية «الكوطا» التي تقوم عادة على تخصيص حصة معينة مبنية على تمثيلية حقيقية للنساء داخل الحقل السياسي ويتم تدبيرها بناء على تخصيص مقاعد محددة في لائحة من اللوائح. فيما أصرت بعض الفعاليات السياسية على ضرورة اختيار المرأة لسبيل واحد لولوج البرلمان؛ إما من خلال الاقتراع العام المباشر أو من خلال اللوائح. وقد تمكنت النساء خلال الانتخابات التشريعية الخاصة بمجلس النواب لسنة 2002؛ من حصد ثلاثين مقعدا بفضل اللائحة الوطنية؛ فيما فازت 5 مرشحات أخريات في اللوائح المحلية؛ ليصبح العدد الإجمالي 35 مقعدا بنسبة 10.8 في المائة؛ وهو ما مكن المغرب في حينه من احتلال الرتبة 71 على الصعيد العالمي من حيث تمثيل النساء في البرلمان. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن نظام «الكوطا» أو أي إجراء مماثل يهدف إلى تحسين التمثيلية السياسية للمرأة في علاقتها بولوج البرلمان؛ يحتاج إلى تدابير وإجراءات موازية تسمح بتفعيله؛ فيلاحظ أن هذا الأمر لم يتحقق بشكل ملموس في التجربة المغربية؛ فقانون الأحزاب الصادر في 14 فبراير 2004؛ والذي وجهت له العديد من الانتقادات لعدم طرحه للنقاش أمام الحركات النسائية؛ لم ينص على مسألة «الكوطا» النسائية داخل الأحزاب. ولذلك فقد ثبت عدم كفاية التدابير والإجراءات الموازية لاعتماد اللائحة الوطنية في عدد من المناسبات والمحطات؛ ففي الانتخابات التشريعية لسنة 2002؛ لم يبلغ عدد المرشحات سوى 266 من ضمن 5865 مرشحا لغرفة مجلس النواب، وعلى مستوى الانتخابات المحلية؛ ففي سنة 2003 لم يفق ترشيح النساء نسبة 4.91 في المائة من مجموع المرشحين الذين بلغ عددهم 122658 مرشحا؛ وقد تم انتخاب 127 امرأة من مجموع 23689 منتخبا أي بنسبة 0.54 في المائة؛ وعند تجديد ثلث مجلس المستشارين (الغرفة التشريعية الثانية التي تتكون من 270 عضوا) في 8 شتنبر 2008؛ لم تتمكن سوى امرأة واحدة من الفوز من بين تسعين عضوا فائزا لتنضاف إلى عضوتين؛ مما يجعل نسبة النساء في هذا المجلس لا تتجاوز 1.1 في المائة؛ وهو ما يجعل التمثيلية الحالية للمرأة في البرلمان المغربي بغرفتيه لا تتجاوز الستة (6) في المائة؛ وهي نسبة تظل هزيلة مقارنة مع عدد من الدول العربية كتونس وموريتانيا والعراق وفلسطين.. وعلى الرغم من تكثيف الحركة النسائية المغربية لتحركاتها في السنوات الأخيرة لتوسيع وتطوير هذه المشاركة بشكل أكثر أهمية من خلال توسيع اللائحة الوطنية من 10 في المائة التي حددت في انتخابات 2002، إلى 33 في المائة (بالطبع داخل مجلس النواب)، فقد شهدت الانتخابات التشريعية في شتنبر 2007 فوز 34 امرأة من مجموع 325؛ مسجلة بذلك تراجعا طفيفا مقارنة مع الانتخابات التشريعية السابقة. وقد أبدت العديد من الفعاليات النسائية استياءها من تهاون عدد من الأحزاب إزاء المشاركة السياسية للنساء؛ لكونها ورغم الشعارات التي ترفعها في حملاتها الانتخابية؛ لا تتيح للمرأة الفرصة والشروط اللازمة لوصولها إلى البرلمان؛ فالعديد من النساء لم يحظين بترؤس اللوائح الانتخابية؛ وهو ما لا ينسجم مع ما حققته المرأة من تطور في عدة مجالات سياسية وعلمية وعملية.. وإذا كانت بعض التقارير تختزل الإكراهات التي تعوق النهوض بالمرأة وبمشاركتها السياسية في ضعف المستوى التعليمي لدى النساء؛ فإن بعض الدراسات والتقارير؛ تفيد بأن المسؤولية الرئيسية في دعم التمثيل السياسي للمرأة في البرلمان تتحملها الأحزاب بشكل حاسم. ومما لا شك فيه أن تحرك الأحزاب في هذا الاتجاه هو مؤشر يترجم مدى جدية المحاولات الرامية إلى تأهيل المرأة سياسيا في المغرب؛ ويقنع الحركات النسائية والمجتمع بشكل عام بمدى توافر إرادة حقيقية في هذا الإطار؛ أو أن الأمر لا يعدو أن يكون إجراء للتسويق الخارجي.