حظيت مسألة إدماج وتمكين المرأة باهتمام محلي وعالمي واسع، بعدما اقتنع المجتمع الدولي بحجم التمييز والتهميش الذي يطالها؛ ومدى الانعكاس السلبي لذلك على تطور المجتمعات. وإذا كانت مقتضيات الدساتير المحلية تؤكد على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، فإن واقع الممارسة الدولية يبرز أن حضور المرأة في مختلف مراكز القرار الحيوية؛ يظل محدودا «حوالي 15 بالمائة» ولا يعكس كفاءتها وإمكانياتها في مختلف المجالات.. وقد جاءت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لتترجم الاهتمام المتزايد بتمكين المرأة؛ من قبيل الاتفاقية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة؛ وبرنامج عمل «بكين» الصادر عن المؤتمر العالمي حول المرأة المنعقد بالصين سنة 1995 والذي صادقت عليه 189 دولة. كما أن تقرير الأمين العام الأممي لسنة 2003 حول تنفيذ إعلان الألفية التابع للأمم المتحدة؛ أكد من جانبه على ضرورة تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. وفي السنوات الأخيرة؛ أضحى تمكين المرأة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. أحد أبرز المؤشرات لتقييم مستوى تقدم وتطور الدول ضمن تقارير التنمية البشرية. وإذا كان الواقع الاجتماعي بموروثه الثقافي وتراكماته التاريخية.. إضافة إلى ضعف اهتمام المرأة بالعمل السياسي إجمالا؛ لا يسمح للمرأة بتحقيق المساواة الفعلية؛ رغم عطائها في مختلف المجالات العلمية والعملية؛ ورغم الضوابط القانونية التي تؤكد على حقوقها في هذا الشأن؛ فإن عددا من الدول ابتدعت سبلا وشروطا قانونية مرحلية؛ حاولت من خلالها تجاوز هذه الإكراهات والمعيقات للانتقال من المساواة القانونية الشكلية إلى المساواة الواقعية الفعلية؛ ومن تكافؤ الفرص إلى تكافؤ النتائج. ويندرج نظام الحصص أو «الكوتا» ضمن هذا الإطار؛ وهي تقنية مرحلية تنحو إلى توفير فرص لعدد من الفئات الأقل حظا داخل المجتمعات «النساء والسود والأقليات وذوي الاحتياجات الخاصة..». وفي علاقتها بالنساء تتنوع «الكوتا» بين نظام محدث دستوريا؛ ونظام حصص محدث بمقتضى قانون انتخابي؛ وهما معا يسمحان بتنافس النساء على عدد أو نسبة من المقاعد المخصصة؛ ثم نظام حصص حزبي يقضي بترشيح نسب محددة من النساء في اللوائح الانتخابية المحلية و/أو البرلمانية؛ ويمكن لهذا الأخير أن يكون اختياريا في سياق توافقي؛ أو إجباريا بموجب نص قانوني. لقد استأثرت هذه التقنية التي تنحو إلى تحسين مشاركة النساء؛ باهتمام ملفت داخل مختلف الأقطار المتقدمة منها والنامية التي ضمنتها في دساتيرها أو قوانينها الانتخابية أو الحزبية؛ وتشير الدراسات والتقارير المرتبطة بهذا الشأن إلى تنامي اللجوء إليها في ظل التطورات التي طالت حقل الديمقراطية وحقوق الإنسان في العقدين الأخيرين؛ على عكس المناصفة الذي يكاد يقتصر تطبيقه على النموذج الفرنسي والقوانين الداخلية لبعض الأحزاب اليسارية في أوربا الغربية، والذي يقضي بالمساواة في التمثيل داخل مختلف المؤسسات ومراكز اتخاذ القرارات بين الجنسين؛ ويعود السبب في ذلك إلى مرونة نظام الحصص»الكوتا» وإلى مراعاته للواقع السوسيو ثقافي للدول التي تعتمده. وتؤكد الدراسات والأبحاث المرتبطة بهذا الشأن؛ أن أزيد من ثمانين دولة تعتمد هذا النظام على امتداد مناطق مختلفة من العالم؛ في كل من إفريقيا «جنوب إفريقيا؛ إريتريا؛ غانا؛ السنغال؛ رواندا، بوركينا فاسو..» وأمريكا اللاتينية «الأرجنتين؛ البرازيل؛ المكسيك..» وأوربا»إسبانيا؛ بريطانيا؛ بلجيكا..» وآسيا «بنغلادش، باكستان؛ سريلانكا؛ الفيلبين؛ أندونيسيا..» وبعض الدول العربية «الأردن؛المغرب، فلسطين؛ العراق، موريتانيا؛ السودان؛ الإمارات العربية..». وبحسب بعض الإحصاءات فإن 15 دولة فقط من بين الدول التي اختارت هذا النظام؛ هي التي استطاعت أن تتجاوز النسبة الحرجة المحددة في 30 بالمائة؛ وهنالك 30 دولة فقط تجاوزت نسبة ال20 بالمائة. وتوجد 45 دولة زادت مشاركة النساء فيها علي 15 بالمائة عن طريق قوائم الأحزاب. وقد تباينت المواقف الفقهية بصدد هذه التقنية «الكوتا»؛ بين متحفظ ومعارض من جهة؛ وبين متحمس ومؤيد لها من جهة ثانية؛ فالاتجاه الأول يرى فيها وسيلة لتجاوز مختلف الحواجز والمعيقات العلني منها والخفي، باتجاه تحسين أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية..؛ والانتقال من الصيغة النظرية لتكافؤ الفرص إلى واقع ملموس وتجاوز ضعف التمثيلية السياسية للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية بشكل خاص؛ ولا يعتبرها رواد هذا الاتجاه تمييزا ضد الرجل بل تعويضا للمرأة عن التمييز السياسي الذي يطالها.. ويركز آخرون على مبدأ العدالة الذي يحتم تمثيل نصف المجتمع في المجالس النيابية على كافة مستوياتها، ومنطق تمثيل المصالح؛ ويعتقد جانب مهم داخل نفس الاتجاه أن المقومات الثقافية والسياسية في عدد من البلدان النامية التي تندرج الدول العربية ضمنها؛ لا تسمح بتكريس مشاركة فعالة للنساء من خلال مدخل الممارسة الديمقراطية المبنية على تكافؤ الفرص والتباري بصفة مباشرة مع الرجل؛ مما تظل معه العديد من الفعاليات النسائية الكفأة في مختلف الميادين والمجالات؛ مبعدة ومقصية من المساهمة في تعزيز المشهد السياسي والتأثير في القرارات الحيوية لبلدانها. وإذا كانت «الكوتا» تعد إجراء تحفيزيا ودعما قانونيا يسمح بتطوير الثقافة السياسية وتذليل العقبات أمام المرأة لتصحيح ما يعتبره هذا الاتجاه خللا حاصلا في تمثيليتها في أفق توفير الأجواء النفسية والسياسية التي تسمح بانخراطها في تنافس ندي مبني على الكفاءة إلى جانب الرجل مستقبلا، فإن الاتجاه الثاني يرفض هذا الخيار؛ معتبرا إياه يتنافى مع مبدأ المساواة بين المواطنين ويتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص؛ فهو بموجب هذا الرأي تدبير غير ديموقراطي يمنح النساء حقوقا اعتمادا على اعتبار النوع لا الكفاءة؛ بل إن هناك من يعتبره حيفا في حقها؛ ويعبر عن تخوفه من أن يؤثر اعتماد هذه التقنية سلبا على نضال المرأة باتجاه التحسين الجذري لأحوالها وتعزيز مشاركتها السياسية في المستقبل. وقد اعتبره البعض تشويشا على الممارسة الديمقراطية؛ من حيث أنه يفرض على الناخبين مسبقا الاختيار بين مرشحات فقط؛ كما يرى رواد هذا الاتجاه بأن منطق العدالة والديمقراطية؛ يفرضان ولوج المرأة إلى البرلمان ومختلف المجالس المحلية؛ من خلال الخضوع للضوابط المعمول بها بالنسبة للرجل أيضا؛ وإقناع الناخبين؛ بعيدا عن أي إجراءات تجانب مبدأ تكافؤ الفرص. وبغض النظر عن هذه المواقف؛ فإن المشاركة السياسية للمرأة تظل مطلبا ملحا؛ ذلك أن تعزيز الخيار الديمقراطي والتنمية الحقيقية التي تركز على الإنسان باعتباره وسيلة وهدفا؛ لا يمكن أن تتحقق دون الالتفات لنصف المجتمع الذي تشكله المرأة. وإذا كانت المرأة تتحمل قسطا من المسؤولية في ضعف مشاركتها في هذا الصدد؛ نتيجة عدم مبالاتها بالشأن السياسي.. فإن هنالك أسبابا أخرى تتحملها الدولة والمجتمع وتسهم في تفشي هذه الظاهرة؛ من قبيل تعرضها للعنف بجميع مظاهره والفقر والأمية.. كما أن الأحزاب لا تتيح فرصا كافية لتعزيز مكانتها في الحقل السياسي بشكل عام وفي التمثيل البرلماني على وجه الخصوص.. إن تحقيق مبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وشروط التنمية الحقيقية لا يتم دون فتح المجال لمشاركة المرأة وإدماجها داخل المجتمع؛ وهي مهمة لا تقتصر على فتح باب المشاركة السياسية وولوج البرلمانات والمجالس المحلية.. أمامها فقط؛ بقدر ما ترتبط بتمكينها من المساهمة الفعالة في اتخاذ القرارات الحيوية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. بتصرف