سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جلالة الملك محمد السادس باني المغرب الحديث وضامن استمرارية مقومات الأمة المغربية الوزير الأول السيد عباس الفاسي في الندوة العلمية حول الفكر القانوني والدبلوماسي لجلالة الملك محمد السادس
ألقى الوزير الأول السيد عباس الفاسي كلمة في الجلسة الافتتاحية للندوة العلمية حول الفكر القانوني والدبلوماسي لجلالة الملك محمد السادس، التي نظمتها الجمعيات الثلاث رباط الفتح والمركز المغربي للدراسات القانونية والجمعية المغربية للدراسات والأبحاث الدولية، بمناسبة الذكرى العاشرة لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس، عرش أسلافه الميامين والتي نظمت يوم الأربعاء بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية. وفيما يلي نص الكلمة: بسم الله الرحمن الرحيم حضرات السيدات والسادة؛ أود في البداية أن أتوجه بتشكراتي الخالصة إلى جمعية رباط الفتح للتنمية المستدامة، والمركز المغربي للدراسات القانونية، والجمعية المغربية للدراسات والأبحاث الدولية على دعوتهم الكريمة لي لافتتاح هذه الندوة العلمية الهامة التي تنعقد حول «الفكر القانوني والدبلوماسي لجلالة الملك محمد السادس»، ونحن على مشارف الاحتفال بالذكرى العاشرة لاعتلاء جلالته عرش أسلافه الميامين. وسأركز في هذه الكلمة على المحددات والمبادرات والتوجهات الكبرى لجلالته خلال العشرية الأخيرة، مما لايترك معه المجال للتطرق بالتفصيل والتدقيق للحصيلة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتميزة خلال هذا العقد، وتثمين نتائجها ووقعها العميقين على مجتمعنا. ولي اليقين بأن المداخلات التي ستشهدها ندوتكم العلمية هاته، ستدقق في مضامين ومرامي ونتائج وانعكاسات هذه التوجهات والمرتكزات من الفكر القانوني والدبلوماسي لجلالة الملك محمد السادس، باني المغرب الحديث وضامن استمرارية مقومات الأمة المغربية. وقبل التطرق في هذه الكلمة إلى بعض الجوانب والمحطات من الأعمال البناءة لجلالته، النابعة من فكره العميق ورؤيته المستقبلية الواضحة في تدبير شؤون البلاد، أود الإشارة إلى أنه كان لي عظيم الشرف، وأنا سفير لصاحب الجلالة بباريس، أن أحظى بحضور مراسم مناقشة جلالته لأطروحة الدكتوراة في القانون العام، والتي قدمها حول موضوع ذي صلة وطيدة بندوتكم هاته، ألا وهو: «التعاون بين المجموعة الاقتصادية الأوروبية ودول المغرب العربي»، وذلك خلال شهر أكتوبر من سنة 1993 بجامعة «صوفيا أنتبوليس» بمدينة نيس الفرنسية. دراسة الفكر القانوني والدبلوماسي لجلالة الملك مسألة جوهرية في النقاش الدائر حاليا حضرات السيدات والسادة؛ إن دراسة الفكر القانوني والدبلوماسي لجلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره، مسألة جوهرية في النقاش الدائر اليوم وطنيا ودوليا حول حصيلة عشرية المشروع المجتمعي الذي يرومه جلالته لهذا الوطن، والذي أراد له حفظه الله أن يرتكز على أسس الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والحداثة، ومشاركة كافة مكونات المجتمع المغربي في إطار يطبعه التضامن والتعاضد والإنصاف، وثقافة الحقوق والواجبات، وكذا على الانفتاح على الآخر دينا وثقافة وحضارة، بناء على قيم العطاء المتبادل والتسامح والحوار. الثورة الحقوقية علامة بارزة لمفهوم الدولة الاجتماعية ومن هنا، تتضح، بفضل فكر جلالته حفظه الله، معالم مشروع الدولة الاجتماعية (Etat Social) في مفهومها الشامل، والذي يربط ربطا جدليا بين الحقوق السياسية والمدنية من جهة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى؛ وبالتالي، وضع الإنسان في قلب العملية التنموية. وبفعل ذلك، تشكل الثورة الحقوقية التي تعرفها بلادنا، وكذا تصدي جلالته لمظاهر تهميش الإنسان والتراب، وتدشينه وإعطائه الانطلاقة للمشاريع الكبرى المهيكلة بمختلف مناطق المملكة، (أقول تشكل هذه الثورة الحقوقية) علامة بارزة تعطي لمفهوم الدولة الاجتماعية مدلولها الشامل. ومن هذا المنطلق، تتبين بشكل جلي المنهجية التي اعتمدها جلالة الملك؛ وهي منهجية رجل قانون يحاول دوما ضمان استمرارية ربط الحقوق السياسية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، معتمدا في هذا وقبل كل شيء على ضرورة مصالحة المغرب مع ماضيه، وذلك من أجل توطيد الثقة بين الدول والمجتمع، وكذا في مابين كافة مكونات الأمة المغربية، في إطار مؤسسي يتوخى المساواة والإنصاف بين الفئات والجهات، وبين الإنسان والتراب. حضرات السيدات والسادة؛ لقد أسس جلالة الملك حفظه الله لهذا المشروع المجتمعي الحداثي منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين، انطلاقا من بلورة ثابتة لمفهوم جديد لتدبير الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والديني، ولتموقع المغرب داخل المنظومة العالمية، عبر رسم أهداف جديدة للدبلوماسية المغربية. إن قراءة متأنية لخطب ورسائل جلالة الملك حفظه الله، وكذا تتبع أعماله ومنجزاته، توضح بجلاء، المنهجية الوجيهة لجلالته من حيث بناء الدولة الاجتماعية التي جعلت من الرقي بالإنسان ومن النهضة بالتراب الأساس في السياسات العمومية التي تنهجها بلادنا. وهكذا، ففي أول خطاب للعرش بتاريخ 30 يوليوز 1999، حدد جلالته حفظه الله فلسفته الجديدة في إدارة الشأن العام، وملامح المشروع المجتمعي المتجلية في «التشبث بنظام الملكية الدستورية، والتعددية الحزبية، والليبرالية الاقتصادية، والسياسة الجهوية واللامركزية، وإقامة دولة الحق والقانون، وصيانة حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية وصون الأمن وترسيخ الاستقرار للجميع» (انتهى قول جلالة الملك). ومنذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين، بفضل هذه الفلسفة، وبحكم تكوينه القانوني العميق، وتجاوبه الكبير مع القضايا الاجتماعية والإنسانية، وحضوره الدائم إلى جانب المواطنين، بصم جلالته العهد الجديد بالعمل، أولا وقبل كل شيء، على تحسين ممارسة السلطة والعلاقات بين الدولة والمواطنين التي تم إعادة بنائها على أساس المفهوم الجديد للسلطة كمدخل للحكامة الجيدة، يرتكز علي القرب، والثقة المتبادلة، وحماية الحريات الفردية والجماعية والحفاظ على السلم الاجتماعي. وما إحداث جلالته لمؤسسة ديوان المظالم إلا تجسيد آخر لإعطاء دفعة قوية للحقوق الإنسانية في احترام للقواعد التي تضمن سيادة القانون ومبدأ الإنصاف. كما أن إصلاح القضاء الذي يدعو إليه جلالته لتحديث المؤسسة القضائية وتقيدها بقيم النزاهة والاستقامة وضمان استقلالها، من شأنه أن يعيد ثقة المواطن في سمو القانون، وفي إشاعة الأمن القضائي داخل المجتمع، وهو مصطلح يدخل ضمن مقومات الفكر القانوني لجلالته، إيمانا منه بأن الأمن القضائي هو مكون أساسي لبناء مجتمع آمن ومستقر، وضامن لحسن المعاملات الاقتصادية. ومن هذا المنظور، يبرز جليا الدور المنوط بالمحاكم المالية، ومجلس المنافسة، والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، كدعامة للتوجهات التي رسمها جلالته في مجال الحكامة الجيدة. العمل على ترسيخ الممارسة الديمقراطية وإرساء دعائم مجتمع حداثي وديمقراطي وموازاة لحرص جلالته على صون الحقوق الأساسية للمواطن المغربي حظيت الإدارة الترابية والحكامة الجيدة المحلية بعناية خاصة من طرف جلالته، إذ كان تجذير اللامركزية خياراً راسخاً في رؤية جلالته وفكره، وأضحى توجها مجتمعيات لا رجعة فيه، ومنهجا لا محيد عنه لترسيخ الممارسة الديمقراطية المحلية، وإرساء دعائم مجتمع حداثي وديمقراطي ما فتئ جلالته ينادي به. وضمن هذا التوجه، حظي التدبير اللامتمركز للاستثمار بعناية خاصة من طرف جلالته، من خلال إحداث المراكز الجهوية للاستثمار كنموذج لا مركزي جديد لإنعاش الاستثمار ببلادنا. وفي نفس السياق، أطلق جلالته مسار جهوية متقدمة ومتدرجة تشمل كل مناطق المملكة، ووضع خارطة طريق تتضمن أهداف ومرتكزات ومقاربات لهذا المسار، باعتباره إصلاحا هيكليا يقتضي جهدا جماعيا لإنضاجه وبلورته؛ طموحه الكبير من هذا الورش هو ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة، وتعزيز القرب من المواطن، وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ويقوم هذا الإصلاح الذي ينشده جلالته، على وحدة الدولة والوطن والتراب التي لا يمكن لأي جهوية أن تتم إلا في نطاقها. ومن هذا المنظور، شكل مقترح الحكم الذاتي الذي قدمته بلادنا للمنتظم الدولي، صيغة حضارية لفض النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية المسترجعة، وهو ما تجسد في تأكيد الإقرار الأممي بجدية ومصداقية هذه المبادرة الشجاعة التي تروم التوفيق بين الوحدة الترابية والسيادة الوطنية من جهة، والحق في التعبير عن الخصوصية الجهوية من جهة أخرى. حضرات السيدات والسادة؛ إن الأفكار والمبادرات التي جاء بها جلالته من أجل نصرة الحقوق الإنسانية ومبادئ التسامح والانفتاح، والتزامه بسياسة ثقافية متشبعة بالهوية المغربية في تعددها الثقافي واللغوي والحضاري، لتجسد بحق ثورة حقوقية يقودها جلالته، لتمكين بلادنا من التوجه نحو المستقبل بثبات، وتسخير كل قواها الحية لبناء مغرب القرن الحادي والعشرين. ومن هذا المنطلق، تبلورت الحكمة السياسية والقانونية لجلالته في اعتبار مصالحة المغاربة مع ماضيهم، المدخل الأساسي لبناء الدولة الاجتماعية والمجتمع الحداثي الديمقراطي اللذين يطمح إليهما جلالته، وهو ما شكل عنوانا بارزا لعهد جلالته، وبعدا أضفاه على هذه التجربة من خلال «هيئة الإنصاف والمصالحة» التي أحدثها جلالته لمحو آثار الماضي ورد الاعتبار لشريحة من مواطنينا ضحايا الانتهاكات الجسيمة للماضي. وإذا كان اختيار جلالته لهذه التجربة الخاصة في العدالة الانتقالية من خلال إحداث هذه الهيئة التي كشفت، بدون أي صدام، عن ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وشكلت بوابة رئيسية للمصالحة مع الذاكرة ومع المتضررين وعائلاتهم ومع المجتمع ، فقد تم فتح أبواب أخرى لإعادة الاعتبار للمرأة المغربية من خلال مدونة الأسرة، وقانون الجنسية، واعتماد سياسة مقاربة النوع في إطار استراتيجية وطنية للإنصاف والمساواة بين الجنسين، وضمان مشاركة فعالة أكثر للمرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن رفع بلادنا للتحفظات حول اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء. ونفس العناية موجهة الى تقوية حقوق الطفل، إذ تم اتخاذ تدابير متعددة من أجل حمايته، كرفع سن المسؤولية الجنائية، وسن ولوج عالم الشغل، وتنفيذ مقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. وفي نفس السياق، اختار جلالته اعادة قراءة مسؤولة وواضحة لخمسين سنة من التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، ووضع رؤية تعبوية للمستقبل في هذه المجالات، مكنت من فتح نقاش واسع حول القضايا الوطنية الكبرى داخل المجتمع. تحديد إطار عمل الاحزاب السياسية وتوسيع مجال المشاركة الشعبية خاصة تجاه المرأة والشباب كما أن العناية الكبرى التي يوليها جلالة الملك للنهوض بالحقوق السياسية وتوسيع دائرتها، جعل جلالته يؤمن دوما بضرورة إعادة الاعتبار للعمل السياسي النبيل، وما يستلزمه ذلك من تحديد إطار عمل الأحزاب السياسية في إطار التعددية، وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، مع توسيع مجال المشاركة الشعبية خاصة تجاه المرأة والشباب، مجسدا بذلك الربط الجدلي القائم بين التمتيع بالحقوق الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية من جهة، وتقوية الحقوق السياسية من جهة أخرى. حضرات السيدات والسادة في ظل هذه الأبعاد الاستراتيجية والرؤية المستقبلية، تتجلى مختلف مظاهر الأجيال الجديدة للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أولا وقبل كل شيء، في التنمية البشرية المستدامة من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كورش ملكي كبير مميز لعهد جلالته، أراد له جلالته أن يبقى مفتوحا ومستمرا، وكذا في الحق في الشغل المنتج، والصحة والحماية الاجتماعية، والتعليم النافع، والسكن اللائق، والحق في بنيات اجتماعية أساسية ملائمة، وفي المبادرة المقاولاتية، والتعددية الثقافية واللغوية، والعيش في بيئة تضمن ادماج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وتصون كرامة الفئات التي توجد في وضعية الإقصاء والتهميش. وفي خضم هذه القضايا، يشكل الحق في التربية والتكوين الأولوية الثانية بعد القضية الوطنية لدى جلالته حفظه الله، باعتبار هذا الحق أسمى تعبير للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. حرص ملكي دائم على التخفيف من حدة المعضلة الاجتماعية والوقوف الميداني على أحوال الفئات والمناطق التي تعاني الفاقة والضعف وتترجم هذه المقاربة الملكية الشمولية للشأن الاجتماعي الوطني، الاهتمام الموصول لجلالته بالفئات والمناطق الأكثر خصاصة في إطار نظرة تفاعلية للانسان والتراب، وتؤكد انشغال فكره حفظه الله بأوضاعها منذ توليه عرش أسلافه المنعمين، وذلك من خلال حرصه الدائم على التخفيف من حدة المعضلة الاجتماعية ووقوفه الميداني في مختلف ربوع المملكة على أحوال الفئات والمناطق التي تعاني الفاقة والضعف. وما من شك في أن هذه الأعمال في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، والاقلاع الحقيقي الذي تعرفه حاليا مختلف مناطق المملكة، تشكل مظاهر بارزة للدولة الاجتماعية التي يبنيها جلالته على قدم وساق، وتشهد على نتائجها كل الفعاليات الوطنية مهما اختلفت حساسيتها السياسية، وتعددت مشاربها واهتماماتها. إن بلادنا تعيش اليوم اقلاعا حقوقيا واجتماعيا واقتصاديا ومؤسسيا وثقافيا مطبوعا بهدوئه وعمقه وقوة استجابته لحاجات وهموم ومطالب كافة شرائح مجتمعنا. حضرات السيدات والسادة، مثلما ينبني مذهب جلالته حفظه الله في الحكم على تلازم الديمقراطية والتنمية وعلى العلاقة الجدلية بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فإنه يقوم كذلك على تكامل السياسة الداخلية والخارجية، ذلك أن جلالته وضع منظورا جديدا للمحددات الجيو - استراتيجية عززت مكانة المغرب في العالم بفضل نهج جلالته أسلوبا حديثا ومتفاعلا مع الظرفية الجهوية والدولية، ضمن خطة مقدامة قائمة على التعريف أولا وقبل كل شيء، بعدالة قضيتنا الوطنية وبالمصالح العليا للبلاد. السياسة الخارجية لجلالة الملك تعطي مضمونا عميقا للجذور الافريقية للمغرب ولانتماء بلادنا للامة العربية والاسلامية وبفضل السياسة الخارجية الرصينة لجلالته، أعطى حفظه الله مضمونا عميقا للجذور الافريقية للمغرب ولانتماء بلادنا للأمة العربية والإسلامية، كما دعم جلالته انفتاح المملكة على الواجهة المتوسطية والأوروبية وعلى حركة دول عدم الانحياز، إذ أصبح المغرب شريكا فاعلا في الأجندة الدولية، وفي الحفاظ على السلم والأمن ومحاربة الارهاب، وتعزيز التعايش والتفاعل والحوار بين الحضارات والديانات، والالتزام بمبادئ القانون الدولي الانساني. وتحتل قضية التعاون جنوب - جنوب مركزا هاما في فكر جلالته، اقتناعا منه بما في ذلك من فائدة ومنفعة لشعوب ودول الجنوب. دعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والعمل لإقرار سلام عادل وشامل بالشرق الأوسط ولتجسيد هذه الالتزامات، حدد جلالته لبلادنا أولويات جيو سياسية واستراتيجية، إذ عمل على توطيد وشائج الأخوة المتينة والتضامن الفعال مع الدولة العربية والاسلامية. ومن هنا ما فتئ جلالته يؤكد دعمه للقضايا العادلة للأمة العربية، وفي طليعتها حق الشعب الفلسطيني الشقيق في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، في إطار رؤية الدولتين. وبصفته رئيسا للجنة القدس، ما فتئ جلالته يعمل من أجل اقرار سلام عادل ودائم وشامل بمنطقة الشرق الأوسط في إطار قرارات الشرعية الدولية، وخارطة الطرق ومبادرة السلام العربية، فضلا عن المحافظة على الوضع القانوني بمدينة القدس الشريف، والدفاع عن هويتها الروحية والحضارية. كما يشكل بناء اتحاد المغرب العربي توجها راسخا في فكر جلالته ونقطة تقاطع لأولويات السياسة الخارجية لبلادنا، ذلك أن الوقائع الاقتصادية والسياسية الدولية أكدت الجدوى من ارساء دعائم التجمعات الاقتصادية والجهوية في مواجهة تحديات العولمة والتنافسية. ولإعطاء مضمون عميق لمدى التجذر الافريقي لبلادنا، ما فتئ جلالته يعمل على مساندة ودعم شعوب القارة الافريقية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، لاسيما في بلدان الساحل وجنوب الصحراء، بمبادرات واقعية وملموسة واضعا تجربة بلادنا وخبراتها رهن خدمتها، ايمانا من جلالته بأن الاسهام في تحقيق الأمن والاستقرار بإفريقيا رهين بتنميتها البشرية وبتصديها للمعضلات الاقتصادية التي تعانيها. ويتجلى التزام بلادنا التضامني مع البلدان الافريقية، والاسهام في أوراش التنمية البشرية، وإلغاء ديون الدول الافريقية الأكثر فقرا، ورفع الحواجز الجمركية أمام منتجاتها، وتشجيع الاستيراد منها، إضافة الى المشاركة في العديد من عمليات حفظ السلام المنضوية تحت لواء منظمة الأممالمتحدة. وما الزيارات المكثفة التي قام بها جلالته حفظه الله للعديد من الدول الافريقية الا دليل على عمل جلالته بدون هوادة، على تطوير علاقات بلادنا بافريقيا على جميع المستويات، وهي علاقات ضاربة في القدم، وتتميز بأبعادها وتجلياتها المتعددة، التاريخية والانسانية والثقافية والدينية والاقتصادية. وإذا كانت جذور المغرب راسخة في عمق القارة الافريقية، فإن روابطه الجيواستراتيجية والثقافية والحضارية مع الضفة الشمالية المتوسطية تشكل الخاصية الأخرى التي ما فتئ جلالته، بفضل تبصره وبعد نظره، يعمل على ابرازها، وذلك بجعل بلادنا تنخرط في المشروع الطموح للاتحاد المتوسطي. كما أثمرت الرؤية الاستراتيجية لجلالته في الاعتراف لبلادنا بنظام متقدم مع الاتحاد الأوروبي، وهو اعتراف لا يمليه القرب الجغرافي والبعد الإستراتيجي لبلادنا فحسب، بل كذلك وبصفة خاصة، احترام بلادنا للقيم المشتركة لحقوق الإنسان والحرية والعدالة والإنصاف. وتعزيزا لهذا المسلسل الذي انخرطت فيه بلادنا وفق استراتيجية واضحة، أطلق جلالته أوراشا كبرى بشمال المملكة لرفع تنافسية اقتصاد بلادنا بالمنطقة المتوسطية وتعزيز مكانتها بالضفة الجنوبية للحوض المتوسطي وتعزيز مكانتها بالضفة الجنوبية للحوض المتوسطي، مما يدل على العمق الجيو استراتيجي في مقاربة جلالته للعلاقات الدولية والجهوية. وبفضل هذه التوجهات الجيو استراتيجية الجوهرية، توفرت لبلادنا الأسس المتينة للانفتاح على محيطها الجهوي والدولي، بإبرام اتفاقات التبادل الحر، ولإقامة حوار مثمر ومتوازن بين الشمال والجنوب، مع ما يستدعيه ذلك من تحريك لمفاوضات الدوحة، بما يسهم في التحكم بشكل أفضل في الاختلالات القائمة بين الشمال والجنوب. وأود الإشارة، قبل اختتام هذه الكلمة، إلى أن جلالته لايفوت أي مناسبة، ضمن الفضاءات البين إقليمية والمنتديات القارية والدولية، دون التطرق لمختلف جوانب العلاقات الدولية، هاجس جلالته تحقيق توازن أكبر في هذه العلاقات، وإسماع صوت الدول النامية، وإرساء قواعد منصفة ومتوازنة، بما يكفل تثبيت السلم والأمن الدوليين، وتحقيق التنمية البشرية المستدامة. هذه حضرات السيدات والسادة بعض التأملات في الفكر القانوني والدبلوماسي لجلالته. وإني لعلي يقين بأنني لم أستوف إلا جزءا منه. ومما لاشك فيه أن السيدات والسادة الأساتذة والباحثين والمختصين الموجودين معنا اليوم في هذا اللقاء، سيتناولون بالدرس والتمحيص استجلاء مختلف المرتكزات التي ينبني عليها المذهب الفقهي والقانوني والدبلوماسي النابع من فكر وعمل جلالته حفظه الله، متمنيا لأشغالكم كامل التوفيق والنجاح ومباركا لكم هذه المبادرة القيمة. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته