تعتبر المرجعية الديمقراطية دعامة أساسية لبناء دولة المؤسسات على أسس صحيحة ومتينة، ويبقى احترام هذا المبدأ الدستوري المتعارف عليه في مختلف الدول الديموقراطية شرطا من شروط اللعبة الديموقراطية والسير العادي والمنظم لآليات المسار الديمقراطي كما هو الامر لدى الديمقراطيات الغربية التي يعتبر فيها التناوب على السلطة بناء على المرجعية الديمقراطية أساس قوتها ومناعتها ومصداقيتها وثقة الشعوب فيها. ولقد ظل هذا المبدأ الحلقة المفقودة في المسيرة الديمقراطية المغربية منذ أول حكومة عرفتها البلاد في ظل الحياة السياسية كما أقرها دستور 1962 عندما هيمنت عليها ظاهرة الحكومات التقنوقراطية لتفقد بذلك اللعبة الديمقراطية مصداقيتها ويصبح فيها العمل السياسي دون جدوى. وجاء الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لهذه السنة ليضع حدا لهذا التعامل السلبي مع المرجعية الديمقراطية ويؤكد التوجه الجديد على احترام هذا المبدأ الديمقراطي عندما عين جلالته الوزير الأول الاستاذ عباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال الذي تصدر المشهد السياسي خلال الانتخابات التشريعية الاخيرة والتي شكلت نقلة نوعية في الحياة السياسية المغربية، كما اجمع على ذلك مختلف المراقبين على الصعيد الوطني والدولي. بهذا الخطاب السامي يكون جلالة الملك قد اعطى للمرجعية الديمقراطية مدلولها الحقيقي انسجاما مع مقتضيات الفصل 24 من الدستور عندما اعتبر جلالته «أنه مهما تكن شمولية وأهمية أي إصلاح تنموي عميق، فإنه سيظل محدود الأثر إذا لم يعزز بمواصلة التأهل السياسي الشامل والمشاركة المواطنة في إنجازه الجماعي، وهو ما يجعلنا أكثر وثوقا في تعميق الديمقراطية، بانتظام الاستحقاقات الانتخابية وتكريس شفافيتها ونزاهتها من قبل كل الفاعلين وتشكيل الحكومة على أساس نتائج الاقتراع». فإذا كان الفصل الأول من الدستور قد خول لجلالة الملك الحق في تعيين الوزير الأول والوزراء دون قيد أو شرط، فإن التوجه الجديد الذي جاء به الخطاب الملكي قد أعطى تفسيرا وتأويلا يستجيبان لمتطلبات المرجعية الديمقراطية لتجاوز أي لبس أو غموض في المستقبل وسد ثغرة دستورية شكلت على الدوام موضوع تأويلات متباينة في كل استحقاق تشريعي. إن هذه القراءة الجديدة لمقتضيات الفصل 24 من الدستور كما جاء بها الخطاب الملكي تشكل تحولا عميقا في الحياة السياسية المغربية ومسيرتها الديمقراطية سواء من حيث اعتماد المرجعية الديمقراطية كأساس لاختيار الحكومة، وبالتالي وضع حد لظاهرة الحكومات التقنوقراطية وتكريس مفهوم الحكومات السياسية المنبثقة من صناديق الاقتراع أو من حيث تعزيز الاستقرار الحكومي مادامت الحكومة مكونة على أساس الاختيار الديمقراطي وتحظى بثقة جلالة الملك وتساندها الاغلبية النيابية التي وافقت على برنامجها، أو من حيث دعم التأهيل السياسي وإعادة الاعتبار للأحزاب السياسية وتقوية دورها الدستوري في التأطير والتنظيم والتمثيل وخلق جو وظروف وشروط المنافسة الشريفة بين مكونات المشهد السياسي، من حيث تخليق الحياة السياسية بما يضمن إقرار حكامة سياسية قوامها المنافسة الحرة والشفافية والنزاهة في العمل السياسي النظيف والجاد والمسؤول، عندما أكد جلالته على ضرورة المساهمة الفعالة للهيئات السياسية الجادة في حمل مشعل الاصلاح والتحديث وانبثاق مشهد سياسي معقلن، تنهض فيه بدورها الدستوري في التأطير الناجع والتمثيل الملتزم والتنافس الانتخابي الحر على حسن تدبير الشأن العام. وهذا يعني أن عهد الخرائط السياسية المصنوعة مسبقا وما تفرزه من أغلبية نيابية مزيفة لاتعكس بحق إرادة الشعب المغربي وما ينبثق عنها من حكومة هشة لامصداقية لها ولاتحظى بثقة المواطنين قد انتهى بدون رجعة مادام تشكيل الحكومة يتم على أساس صناديق الاقتراع بناء على استحقاقات انتخابية حرة ونزيهة بما يعني تكريس المرجعية الديمقراطية التي تشكل بحق دعامة توجه للانتقال الديمقراطي الذي حرص جلالة الملك على دعم متطلباته السياسية والاجتماعية والاقتصادية لما فيه ضمان ترسيخ البناء الديمقراطي القويم بالبلاد. ذ. لحسن بنساسي