أجمع متدخلون في الندوة الدولية حول العدالة الانتقالية بإفريقيا، التي نظمت بالرباط، أن هذه الآلية المعتمدة لتسوية النزاعات وإرساء دولة الحق, ارتقت في بعض بلدان القارة إلى مستوى ورش وطني كبير. وأثار خبراء من (معهد الدراسات الإفريقية) و(جمعية المؤرخين الأفارقة) و(الجمعية المغربية للبحث التاريخي)، الهيئات الثلاث التي كانت وراء تنظيم هذه الندوة الدولية, الانتباه إلى أن الهدف الأساسي للعدالة الانتقالية هو «تطهير بعض جروح الماضي المرتبطة بالمراحل الصعبة وانتهاكات حقوق الانسان والحيلولة دون وقوع نزاعات داخلية جديدة مستقبلا». وأشاروا, في هذا الإطار، إلى أن القارة تتوفر على نماذج مهمة لتجارب المصالحات الوطنية، خاصة تجربة المغرب متمثلة في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئة الانصاف والمصالحة اللذين أحدثا بغرض القيام بعمليات «تشريح لسنوات الرصاص». وأكد السيد عبد الرزاق روان رئيس التعاون والعلاقات الخارجية بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أن العدالة الانتقالية في المغرب تم تنفيذها في سياق مسلسل الإصلاحات الشاملة السياسية والقضائية والمؤسساتية. وشدد على أن التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية جد غنية ومتنوعة سواء على مستوى إرساء الحقيقة أو جبر الضرر الفردي أو الجماعي، مذكرا بأن هيئة الانصاف والمصالحة تم إحداثها في المغرب في إطار الاستمرارية في حين تميز الأمر لدى تجارب أخرى بالانفصال الصارم والتام ما بين الحاضر والماضي. ومن جهته, اعتبر السيد دولاي كوناتي رئيس (جمعية المؤرخين الأفارقة) أن العدالة الانتقالية ثيمة ذات فائدة مجزية لإفريقيا في هذه المرحلة المطبوعة بتحولات كبيرة. وقال إن مجموعة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء شهدت مرحلة نزاعات قبل أن تنخرط في العدالة الانتقالية التي ساهمت جزئيا في تجاوز بعض فترات الماضي وهيأت للدخول في مرحلة المصالحة, مشيرا إلى أن التجربة المغربية التي توجد في الطليعة تستأثر ومن مستوى عال باهتمام (جمعية المؤرخين الأفارقة). ومن جهته, أكد مدير (معهد الدراسات الإفريقية) السيد يحيى أبو الفرح أن إفريقيا تشهد تحولات عميقة على المستويات الاقتصادية والسياسية والسوسيو-ثقافية، مؤكدا أن العدالة الانتقالية شكل من أشكال مصالحة الأفارقة مع ماضيهم المؤلم أحيانا، إلى جانب كونها تشكل شرطا أساسيا للتنمية وتأسيس دولة الحق بناء على قواعد صلبة. ومن جانبه, أشار رئيس (الجمعية المغربية للبحث التاريخي) السيد عبد الرحمان المودن إلى أن إمكانية فهم أي واقع اجتماعي لن تتم على نحو أعمق إلا بوضعه في بعده وعمقه التاريخي, لتساهم من ثمة في تعزيز الوعي بالمواطنة الذي يمثل أحد ضمانات نجاح العدالة الانتقالية. للإشارة من المقرر أن تتمحور أشغال هذه الندوة الدولية, التي ستتواصل على مدى يومين, حول بحث التجربة والسياق التاريخي لهيئة الإنصاف والمصالحة، والمقارنة بين هذه التجربة وتجربة جنوب إفريقيا, وأيضا حول استراتيجيات المصالحة بجمهورية بنين وتجارب أخرى داخل القارة.