شعيب الفريخ شهد المركب الثقافي محمد زفزاف أخيراً لقاء من تنظيم طلبة المعهد العالي للصحافة، حيث تمت استضافة الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب وعمدة مدينة فاس السيد حميد شباط. وفي مداخلته حول موضوع «تقاطعات العمل النقابي والعمل السياسي» ،استهل حميد شباط عرضه بالتذكير بالأهمية التي يضطلع بها الإعلام في الوقت الراهن حيث يحتل مكانة مرموقة في سائر المجتمعات ومنزلة محترمة بين السلط حيث أصبح سلطة يخشى جانبها ويُتقى غضبها بل استطاع اختراق الأسوار وتجاوز الحواجز والوصول الى أعماق البيوت وتوجيه الأطفال، متسائلا عن كيفية تحصين النفس ضد العواصف الإعلامية التي تعمل على اقتلاع الجذور وطمس وتقويض الهوية الحضارية بطريقة ذكية تشبه مفعول القنابل النظيفة. ودعا في هذا الإطار المشتغلين في الحقل الإعلامي إلى التحلي بالمصداقية والأمانة وجعل الإعلام في خدمة قضايا الوطن والمجتمع ثراتا وتاريخا وحضارة وهو الشيء الذي يستلزم دعم الإعلام والعمل على مساندته وتمكينه من الوسائل الكفيلة بتحسين أدائه وتطوير خدماته. وبخصوص موضوع تقاطعات العمل السياسي والنقابي أوضح الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب أنه يصعب على المرء أن يكون محايدا في تطرقه للموضوع الذي أصبح يكتسي طابعا حادا وأهمية قصوى نظرا لما يجري على الساحة الوطنية ،خاصة عندما يتعلق الأمر بالحوار الاجتماعي والجدل المحتدم حول الإضراب وغير ذلك. وقال في هذا المضمار أن غياب التنظيمات النقابية عن ساحة النضال السياسي يؤدي حتما إلى إضعاف الحركة العمالية وتشتيت صفوفها وضياع الكثير من مكتسباتها. وقال إن إشكالية النقابي والسياسي أصبحت بالنسبة للبعض البوابة التي يتم ولوجها للمس بالعمل النقابي ومصداقيته وهو ما يؤدي إلى العزوف النقابي بحيث أن نسبة المنتقبين وصلت الى حوالي 8 في المائة من مجمل المشغلين بالمغرب. هذا في الوقت الذي لم يعرف فيه المغرب تاريخيا قبل وبعد الاستقلال أي تصادم بين الحقلين بل تكامل، غير أن بعض الأحداث السياسية التي عرفها المغرب المستقل مثل عملية الانشقاق التي عرفها جسم الحركة الوطنية سنة 1959 أشرت بشكل كبير على المسار النضالي واعتبرت نقطة تحول خطير في مسار المنظومة المجتمعية المغربية بل هزة عنيفة في المسار الذي عرفته البلاد. فالأمر هنا لم يكن يعني تعددية بالمعنى الإيجابي الذي آمن به رواد الحركة الوطنية من حيث تباين المنظومات الاجتماعية وبين الانشقاق الداخلي الذي أعطى الضوء الأخضر الى سلسلة من الانشقاقات المفضية الى البلقنة السياسية والميوعة النقابية ،مع استخدام الورقة الملائمة بحسب ما تقتضيه الظروف العابرة حيث يتم استعمال نفس الورقة للشيء وضده في نفس الوقت. وذكر حميد شباط بأن الحركة الوطنية سبق أن تنبهت الى ذلك حيث صاغت مشروعا مجتمعيا واضحا ومتكاملا تم تضمينه وثيقة الاستقلال سنة 1944 ضمن البند المتعلق بمستقبل المغرب السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وفي هذا الباب استدل على ذلك بكلام المرحوم الأستاذ علال الفاسي في مؤلفه النقد الذاتي الذي يقول فيه: «إن الغاية النقابية هي تنظيم العمال وتربيتهم وإشعارهم بالحقوق التي لهم وهذا ما يجعل الحاجة للنقابة دائمة حتى بعد التمتع بكامل الحقوق لأن المحافظة على روح الكفاح هي الضمان الضروري للاستمرار في التمتع بالحقوق ولكننا لا نؤمن أبدا بأن غاية النقابة أن تصل إلى عمل شديد يرمي لقلب الأنظمة عن طريق الثورة مثلا». فمبدأ النقابة حسب المرحوم علال الفاسي هو تحقيق الحرية والاحتفاظ بها وبطبيب حياة العمال مواطنين وأجانب كيفما كان لونهم السياسي، وكذا الحفاظ على كرامة العامل، وضمن تفسيره لنظرة الزعيم علال الفاسي لدور الحزب والنقابة أوضح بأن رأيه كان دائما أن الحزب يجب عليه أن يقوم بتحزيب الأفراد وليس النقابة وهذا هو قمة الوضوح والتكامل. واعتبر الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب أن العمل النقابي الحديث هو عمل مطلبي اقتصادي يهدف الى تحسين الأوضاع العامة للمنخرطين ويؤدي في حالة الاستجابة الى إعادة ترتيب البيت الاقتصادي لما له من تأثير على توزيع الثروات وإعادة تشكيل التوازنات وعلى الاستثمار وهو ما يجعل الأمر في نهاية المطاف في علاقة جدلية بين الطابع الاقتصادي والطابع السياسي. وذكر الكاتب العام بأن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب جاء تأسيسه كثورة عارمة ضد الدكتاتورية النقابية التي تتنافى وعنصر الحرية التي تعتبر من أهم أهداف العمل النقابي. وعلى أساس ذلك كان الاتحاد هو السباق إلى هيكلة الحقل النقابي بالمغرب وذلك بمأسسة النقابة ،معتمدا الجهوية الموسعة نموذجا متطورا لتدبير شؤون المنخرطين مع التركيز على التكوين والثقافة العمالية، جاعلا الأبحاث والدراسات من الأولويات مع إحداث جمعية للشؤون الاجتماعية تعنى بقضايا الطبقة العاملة وأبنائها والتركيز على الحكامة الجيدة في التدبير المالي ،وذلك بإعطاء الصلاحية للمجلس العام الذي يتكون من الكتاب الوطنيين وكتاب الجامعات والكتاب الاقليميين وأمنائهم لدراسة ميزانية الاتحاد العام والمصادقة عليها. وبهذه الإجراءات التي صادق عليها المؤتمر التاسع للاتحاد يضيف حميد شباط سيتم إعادة النضج الى العمل النقابي وكذا قدسيته وللعمل السياسي النظيف قوته. ومن جهة أخرى ردَّ حميد شباط على عدد من أسئلة الطلبة الصحفيين المتعلقة بتسيير مدينة فاس وبالعمل النقابي والسياسي؛ حيث أوضح أن النقابة تهدف الى تبني المفهوم الألماني عوض الفرنسي المعمول به حاليا وذلك فيما يتعلق بالعلاقة بين الأجراء والمشغلين وبين الدولة والنقابات.