زهرة لعميرات جولة في الاسواق الشعبية والجوطيات في العاصمة يمكن اعتمادها «تيرمومتراً» لتقييم واقع الأسر المغربية الفقيرة ومحدودة الدخل،، وحتى تلك التي تصنفها لغة الاقتصاديين بالطبقة المتوسطة. غلاء الأسعار وارتفاعها بسرعة جنونية.. وعدم استقرارها يجعل مرتاد مثل هذه الأسواق يكلم نفسه وهو يجوبها عرضا وطولا بحثا عن مبتغى يستعصي أن يقول «هيت لك » رغم كل التحايل «والتلاعب مع الزمان» كما تقول المغربيات. جولة في الاسواق ورصد التوهان الذي ينتاب المتسوق الذي غالبا ما يعود بخفي حنين يتأبط قفة عاد بها كما خرج من بيته.. نساء يجبن السوق بحثا عن سلعة بخسة أو خضر أو مواد أخرى حتى ولو كانت في طريقها للتعفن، او الفساد قد يكتفين بما تبقى صالحا منها مادام يستجيب لقدراتهن المادية. يقول بائع بإحدى الاسواق الشعبية: الغلاء طال كل الشرائح في الظروف الاخيرة.. الكل يشتكي ويتأفف من لهيب الاسعار الحارقة، وبديهي أن ينعكس ذلك على المستوى والقيمة الغذائية للقفة.. أحيانا تجد السوق يعج بالناس.. يجوبون «الجوطية» طولا وعرضا من غير أن يقتنوا شيئاً.. بعض النساء يسألن عن ثمن الخضر والفواكه أكثر من مرة... والفرق الشاسع بين ما هو متوفر في جيوبهم والثمن المعروض على المادة او السلعة لايسمح لهم حتى بالتفاوض حول الثمن أو «المساومة» كما نقول بلغتنا الدارجة. الناس اعتادوا اقتناء السلع والخضر والفواكه بأسعار معقولة تستجيب لقدراتهم المادية، لكن حين يتضاعف او قد يصل ثمن السلع إلى ثلاث أضعاف ما تعودوا عليه، فإن الوضع يميل لصالح «كم حاجة قضيناها بتركها»... أي أن المتسوق بصفة عامة «يحنزز» في السلع ثم يتركها ويذهب إلى حال سبيله وملاذه فضلات الخضر التي تبقى معروضة في السوق ليومين او ثلاثة والتي كان البعض يقتنيها علفا للحيوانات. في ظل غلاء فاحش... وصعوبات في التعايش مع التقلبات المباغتة للأسعار تعيش أكثر الأسر تحولات تقصم الظهر... والنتيجة أن القفة اليومية لم تعد تجد طريقها للملء إلا ما ندر. وليس أمام الأسر بعد ارتفاع الأسعار بعد الظروف المناخية الأخيرة ولا أمام ربات البيوت إلا أن يخرجن للسوق ليأتين بأشياء وسلع ومواد لا يمكن أن نقول معها إلا... أن أغلب الأسر في مثل هذه الظروف تأكل ولا تتغذى... بل إن بعض ربات البيوت كما قالت إحداهن،، أصبحن يكتفين بالتسوق في الأكياس البلاستيكية السوداء لضآلة ما يقتنينه... ولأن القفة هي لأيام الخير والرفاه... وعليه إذا كانت الإحصائيات الرسمية تفيد أن أزيد من نصف الأسر المغربية تعيلها نساء، فإن هؤلاء النساء هن المرجع التقريري الحقيقي لواقع الحال، فربة البيت التي كانت تذهب للسوق بمصروف لا يتعدى في أحسن الأحوال 50 درهما لاقتناء متطلبات وجبة يومية، لا يهم إن كانت خالية من السعرات الحرارية، تجد اليوم أن 50 درهما هي فقط للعيش على الكفاف.. والكفاف عند المغاربة هي «الخبز وأتاي»... وهذا ما يجعل تقرير ربة البيت هو المرجع أو المؤشر، إن صح هذا القول، لقياس مستوى المعيشة، وليس النشرات الدورية إياها... بل هي «الترمومتر» لواقع الحال المعيشي لأغلب الأسر...