أ – الغلاء ثمرة السياسة المركانتيلية للحكومة : الغلاء هو المؤشر الاقتصادي لارتفاع معدلات الاستغلال الطبقي في المجتمع الرأسمالي . فهو يعني ارتفاع أرباح الطبقة المسيطرة اقتصاديا وسياسيا ، ويعني توسعها في استغلال اكبر لفئات اجتماعية أوسع . ومن الواضح أن كل وضع سياسي واجتماعي مؤات للقوى المسيطرة يدفعها لشن هجوم اقتصادي واسع على الفئات الشعبية الفقيرة ، وذلك لتدعيم سيطرتها السياسية ، وتعزيز هجماتها القمعية والعدوانية كما حصل في فترات مختلفة من التاريخ . هكذا فان كل ارتجاج أو تراجع في ميزان القوى السياسية للحركة الرافضة ، ولقوى الممانعة الملتصقة بالجماهير ، خاصة الفقراء منهم ، يقابله هجوم اقتصادي للقوى الطبقية اليمينية المستأثرة بالحكم ، كأداة لاستغلال الطبقات والفئات الاجتماعية الأخرى التي تعيش دائما على هامش مجتمع الأسياد . "" والرأسمالية بتركبها الاستغلالي ، ليس لها في النهاية سوى دور واحد : نهب الشعب المستضعف والمغلوب على أمره ، بفعل الخيانات ، وبفعل تغيير المعطف ، والبيع والشراء في أرزاق العباد ، باسم الشعارات الفضفاضة البراقة ، حتى إذا ما تمكنوا ووصلوا ، فإنهم لا يترددون في قلب الطاولة ، والظهور بمظهر الشخص الجشع ، المكشر عن أنيابه للحفاظ على مصالح أسياده وضمنها مصالحه التي لا تتعدى تحسين الوضع الاجتماعي من حسن إلى أحسن وهكذا. إذن الرأسمالية بتركبتها الاستغلالية تسعى في الجوهر إلى استغلال واستلاب حرية الشعب الإنسانية وحقوقه الوطنية والديمقراطية . ومعادلة الرأسمالي الاحتكاري في المغرب هي : المزيد من التبعية للسياسة الاقتصادية الإمبريالية ، لأجل المزيد من الاستغلال الداخلي . ونتيجة المعادلة تفجير حركة الأسعار تفجيرا مذهلا ، لسبب سياسي واضح هو تمركز القوى الغنية في السلطة ، بالاعتماد على قدرتها القمعية ، اقتصادا وسياسة وأجهزة وبتحولها إلى أداة امتصاص في اتجاه الداخل الوطني المغربي . لهذا فان الغلاء هو ثمرة الدور الطبقي للحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية . إن ارتفاع الأسعار الذي مس بشكل مهول المواد الأساسية الاستهلاكية للفقراء ، من خضر وزيت ولحوم ودجاج وطحين و الغاز الذي تمت الزيادة في ثمنه بطريق غير مباشر كي لا يثير اهتمام الناس ، بواسطة النقص من كمية الغاز في القارورة ، إضافة إلى الزيادة المهولة المرتقبة في ثمن الخبز والحليب ومشتقاته ، ثم الارتفاع المهول في ثمن المحروقات من بنزين السيارات إلى بنزين الدرجات النارية ، ثم أثمان الأدوية الصاروخية ، وتقليص إن لم نقل انعدام الخدمات الأساسية للمواطن من تطبيب واستشفاء وتعليم ، والارتفاع الصاروخي في أثمان العقار والإيجار بفضل الاحتكار والجشع ، والتواطؤ بين المنعشين ومختلف السلطات .. الخ كل هذا يبين الدور الطبقي للحكومة وكونه المحرك السياسي ، بل المحرك الأول والأساسي لشره التجار والاحتكاريين وإقبالهم الجيد على أكل لحوم المستهلكين الفقراء في مجتمع الغلبة فيه للأقوى والويل كل الويل للمستضعفين في الأرض. وعلى ضوء ما تقدم نتساءل ما هو دور المعارضة ( الجديدة في البرلمان من حزب العدالة والتنمية ، الاتحاد الدستوري ، الحركة الشعبية ، الحزب الوطني الديمقراطي ... ) وقواعد المعارضة البرلمانية القديمة ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، حزب التقدم والاشتراكية ) والمعارضة الراديكالية التي تحولت إلى حمل بفعل التغيرات التي حصلت منذ وفاة الحسن الثاني رحمه الله وعلى رأسها ( اليسار الاشتراكي الموحد ، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ) حيث اندمجت هذه المكونات في قواعد اللعبة الديمقراطية التي فرضت عليها فرضا فشاركت وبدون شروط في الانتخابات الأخيرة ، أو المعارضة التي بقيت ملتزمة لمبادئها ، متشبثة بخطابها حول الارتباط بالجماهير والدفاع عنها ، وعلى راس هذه المعارضة نذكر ( جماعة العدل والإحسان ، وحركة النهج الديمقراطي )، كذلك لا ننسى معارضة ( الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ) وان كان تحركها يكون تكرار لما يحصل داخل الأحزاب التي تشترك في السيطرة على الجمعية ، بخصوص ارتفاع الأسعار ومستوى معيشة المواطن ، وفي هذا الصدد فقد سبق للجمعية أن تبنت أحداث مدينة صفرو ، كما نظمت وقفات احتجاجية ضد غلاء المعيشة وضد الارتفاع المهول في الأسعار . وبالمناسبة نذكر بان تنسيقيات محاربة ارتفاع الأسعار ، وهي في اغلبها تتكون من أعضاء نشطين في أحزاب المعارضة الراديكالية وإسلاميين ، قد نظمت العديد من الاحتجاجات المناهضة للغلاء ولارتفاع الأسعار في العديد من المدن . وإذا كانت قد تمكنت من تنظيم بعض الوقفات في العاصمة ، فان تدخل قوات الأمن والسلطات حالت في العديد من المرات دون تنظيم الوقفات ، وأخرها الوقفة التي كان مزمع تنظيمها في الرباط . ونشير إلى أن النقابات خاصة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل التي دعت إلى اضرابات في الثمانينات ضد الزيادة فقط في أثمان الخبز ، قد لزمت الصمت أمام الزيادات الأخيرة والتي حصلت أكثر من مرة وشملت جميع المواد وبدون استثناء ، وهو ما يطرح مصداقية المنظمة وعلى رأسها السيد نبير الأموي الذي لا يزال يتصرف في النقابة كأنها ملك شخصي له ، وكلنا يعلم أن السيد الاموي قد تقاعد عن العمل منذ مدة طويلة ، ومع ذلك لا يزال يتصرف في النقابة بعقلية القطيع ، بل انه لعب دورا أساسيا في ضرب وتكسير العمل النقابي الجاد ، وإجهاض الحركات الاحتجاجية العمالية في أكثر من مرفق وورش. ومما لاشك فيه أن جدلية الصراع بين الحكومة الطبقية وبين المجتمع المتعدد الطبقات والفئات ستبقى قائمة ومتواصلة بفعل التناقض التركيبي ذاته ، ولكن المسالة ، سياسيا ، تتحدد في معرفة نتائج هذا الصراع ، وفي توضيح كيفية جعل قوى الصراع ترجح إلى جانب الفقراء والمظلومين والمستلبين بقدر ما تنفصل القوى المضطهدة عن مضطهديها لتستغل سياسيا ، وتكافح ببسالة وتواصل لإسقاط منظومة الاحتكاريين الرأسماليين الذين لا يتوانون لحظة واحدة في نهبها اقتصاديا ، جامعين بين عنف المال وعنف السلطة . إن الرد السياسي الوحيد على وضع الغلاء والفقر وارتفاع الأسعار في المغرب ، لا يخرج عن نطاق تغيير منظومة الرأسماليين الاحتكاريين ، أي الطبقة المركانتيلية التي لا يهمها إلا الربح على حساب الأمن القومي للدولة . فإذا كانت المعارضة الراديكالية بمختلف أنواعها خاصة تلك المهتمة بمشكل الفقر وغلاء المعيشة ورفض ارتفاع الأسعار، تقف عند حدود فضح الغلاء وكشف أسبابه ونتائجه ، فإنها مطالبة بمقاومته . فالغلاء عنف اقتصادي وسياسي ، والعنف لا يقاوم بالتظاهر وترديد الشعارات وقراءة الأشعار على الناس وهي تتذوق جوعا ومرضا ، بل لا بد من تحرك ضاغط يلزم الدولة بالتدخل في الإنتاج والاستيراد والتصدير لمصلحة الشعب لا لمصلحة الأقلية المركانتيلية التي لا يهمها إلا مصالحها . إن هذا التحول لا يمكن أن يحصل إلا بتصادم مع قوى النهب والاستغلال والاغتيال الشعبي ،وهذا وحده الأسلوب القادر على إحداث التوازن الأخلاقي والاجتماعي داخل المجتمع . المشكلة البنيوية للغلاء إن مشكلة الغلاء في المغرب لا تختلف في الواقع عن باقي المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي أخذت تطرح نفسها بحدة خلال السنوات الأخيرة وبالضبط منذ أحداث الدارالبيضاء في سنة 1981، بمعنى انه لا يجب النظر إليها كمشكلة طارئة يمكن القضاء عليها أو على الأقل التغلب عليها إلى فترة طويلة نسبيا ببعض الإجراءات السطحية أو التدابير الجزئية . فجميع هذه المشاكل كل مترابط بعضه ببعض الآخر، تتطلب مواجهتها مواجهة للأرضية نفسها التي تنمو عليها ، أي البنية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب وسياسة الحكومات التي تكرس هذه البنية ، وبعبارة أخرى ، لا يمكن لتلك المشاكل ، والفقر والغلاء منها ، أن تجد حلولا صحيحة إلا داخل إطار سياسة اقتصادية اجتماعية شاملة ومتكاملة تستهدف إحداث التغييرات اللازمة والممكنة في تلك البنية ، وما عدا ذلك فهو من قبيل المسكنات التي وان تركت بعض الآثار فذلك إلى أمد قصير لا تلبث بعده هذه المشاكل أن تطل برأسها ثانية بنفس الأشكال و بأشكال أخرى مختلفة ، آخذة في الغالب طابعا أكثر حدة من السابق . صحيح إن المعالجة الجدية لمشكلة الغلاء لا تسقط من حسابها أكثر التفسيرات رواجا هذه الأيام للأسباب التي أدت إليها . فهي تأخذ بعين الاعتبار ، بل تنطلق من ارتفاع الأسعار في الخارج هو أساس مشكلة الغلاء في بلدنا ، كما عليها أن تأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر ثانية التي تؤكد على الأسباب الداخلية والتي تحصرها عموما في وجود الاحتكار وتعدد السماسرة والوسطاء التجاريين الجشعين . لكن هذه التفسيرات كما يروج لها حاليا ، إما أنها تأتي لتغطية مواقف محض تبريرية ( رد الغلاء إلى أسباب خارجية ) ، وإما أنها تبقى سطحية وجزئية لا تذهب إلى جذور المشكلة ( الاحتكار وكثرة السماسرة والوسطاء ). وفي الحالتين تقود إلى حلول تطفو على سطح المشكلة وتبقى قاصرة عن معالجتها بصورة فعالة. إن مواجهة مشكلة الغلاء تضعنا في الواقع ، عبر الأسباب المذكورة وغيرها من الأسباب ، وجها لوجه أمام المشكلة الاقتصادية والاجتماعية بتكاملها في المغرب . وعلى وجه التحديد أمام المسالة المركزية في هذه المشكلة التي تكمن في هيمنة إنتاج الخدمات داخل الاقتصاد الوطني ، وما يتفرع عن هذه المسالة المركزية من مسائل أساسية أخرى : ضعف مجالات الإنتاج السلعي : الزراعة والصناعة والحاقهما بمجال إنتاج الخدمات نفسه ، تم إلحاق الاقتصاد المغربي بمجمله بحاجات الخارج والتقلبات التي تحدث فيه ،هذا دون أن ننسى انعدام التوازن في مجالات توزيع الدخل والاستفادة من شتى الخدمات الاجتماعية . إن العلاقة العضوية بين مشكلة الغلاء في المغرب والبنى الاقتصادية والاجتماعية تبرز بشكل واضح عند الإجابة على السؤال ذي الشقين التالي : -1لماذا على المغرب أن يستورد ارتفاع الأسعار الذي يحصل في الأسواق العالمية ؟. 2-ولماذا على ارتفاع الأسعار عندما يعبر الحدود المغربية آتيا من الخارج أن يخضع لعملية تضخيم في الداخل تزيد في حدته أفقيا وعموديا بنسبة كبيرة ؟. amplification بشكل واضح إذا كان من المؤكد أن ارتفاع الأسعار يشكل هذه الأيام ظاهرة تعاني منها جميع البلدان الرأسمالية المتقدمة ، وان هذا الارتفاع جاء نتيجة لتضافر عوامل عدة ، منها ارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة للجفاف وسوء الظروف الطبيعية على العموم في البلدان المصدرة لهذه المواد من جهة ، ومن جهة ثانية للسياسة الزراعية المتبعة في البلدان الرأسمالية المتقدمة ذاتها ( بلدان السوق الاروبية المشتركة على الخصوص )، ثم تقليص حجم ومساحة الأراضي الزراعية بفعل الهجوم الكاسح للاسمنت المسلح ( العمران ) حيث ينتعش المضاربون والاحتكاريون المؤيدون من طرف السلطة ، وتحويل المساحات الخضراء إلى تجزئات تحت غطاء التعاونيات ، إضافة إلى امتداد ما يطلقون عليه المناطق الصناعية ، على حساب الأراضي الزراعية .. بالإضافة إلى السياسات النقدية والمالية المتبعة في نفس هذه البلدان وعلاقة تلك السياسات بأزمة النقد الدولي ... إذا كان كل ذلك صحيحا فلا يترتب على ذلك بديهيا أن يتبع المغرب تلك البلدان من ناحية المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها بشكل عام ، وارتفاع الأسعار والظواهر التضخمية بشكل خاص . ثم كيف نفسر إن ارتفاع الأسعار في المغرب على الرغم من عدم توفر الإحصاءات والأرقام الدقيقة في هذا المجال قد تناول وبنفس المعدل ، إن لم يكن أكثر ، المنتجات المحلية ( زيت الزيتون ، زيت المائدة ، اللحوم ، الدجاج ، السمك ، الدقيق بمختلف أنواعه ، الحبوب من قمع صلب وطري ، الخضروات ، الفواكه ، النقل ، إضافة إلى العديد من الخدمات والمنتجات الصناعية ..) ، وان الارتفاع الذي يحصل في أسعار المنتجات المستوردة يزيد عموما عن ارتفاع أسعار المنتجات ذاتها سواء في بلدان المصدر أو في البلدان المستوردة الأخرى . بعبارة موجزة لماذا كانت وطأة ارتفاع الأسعار في المغرب اشد منها في أي بلد آخر ( التذمر الصارخ والواضح لفئات اجتماعية واسعة جدا بسبب تدني الدخل وجمود الأجور ، وتفاقم البطالة التي أصبحت مستشرية بين الدكاترة والأطباء والمهندسين ، تم الاضرابات الأخيرة التي شهدتها المملكة بسبب هذا الغول المسمى بارتفاع الأسعار) . القنوات الأفقية والعمودية لتضخيم ارتفاع الأسعار : 1-القنوات الأفقية لتضخيم ارتفاع الأسعار: إن انتقال ارتفاع الأسعار إلى المغرب لا يبقى في حدود السلع المستوردة فقط بل يطال مجمل الإنتاج المحلي من السلع والخدمات وذلك لجملة من الأسباب أهمها : -- طبيعة الإنتاج السلعي المحلي : فهو يعتمد في جزئه الأكبر على مواد أولية ومواد وسيطة تأتي من الخارج . وهذه الملاحظة تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للإنتاج الصناعي الذي ليس هو في الواقع بمعظمه سوى عبارة عن تخصص في آخر عمليات الإنتاج الفعلي ( صناعة تركيبية ، قولبة ، تغليف ...)التي تدخل بعض التحويلات على منتجات منتهية أو شبه منتهية مستوردة من الخارج . -- إن لجوء المغرب إلى استيراد الجزء الأكبر من حاجاته الضرورية ، خصوصا الحبوب والزيوت ومشتقاتها ،مشتقات الحليب .. من شانه أن يؤدي كلما ارتفعت أسعار هذه المواد في الخارج أن ترتفع وبشكل أكثر في المغرب ، بفعل الرسوم الضريبية وبفعل تكاليف النقل وتعدد الوسطاء حتى تصل السلعة إلى السوق الوطنية ،حيث يتحمل المستهلك تبعات جميع هذه الزيادات التي تطلبها استيراد المنتوج . -- إذا كان بالامكان رد جميع العوامل السابقة لتسرب ارتفاع الأسعار ولانتشار هذا الارتفاع حيث يشمل الإنتاج المحلي إلى الجانب الاقتصادي البحت من البنية الاقتصادية العامة ، أي جانب التوازن بين القطاعات الإنتاجية ، يأتي بالإضافة إلى ذلك الجانب المالي من هذه البنية ، أي نوع وطبيعة السوق المالي والجهاز المصرفي المغربي ( ارتفاع فوائد القروض بشكل أكثر بكثير عما يجري به العمل في اروبة ، خاصة السلفات الموجهة للاستهلاك والسلفات الموجهة للسكن ، حيث يشكل هذا بدوره قناة أساسية ينفذ منها ارتفاع الأسعار إلى الإنتاج المحلي وخصوصا القسم الذي يتعلق منه بإنتاج الخدمات . فكما هو معروف ، إن السوق المالي الوطني التي تتميز بكونها سوقا لتجميع كميات هائلة نسبيا من الودائع التي تبقى عموما تحت الطلب أو إلى اجل قصير وإعادة توزيعها إما في قطاع التجارة والقطاع الثالثي بشكل عام وإما في قطاع البناء ، وما تبقى يوظف في الأسواق النقدية والمالية العالمية وذلك دون أن تعود تلك السوق بفائدة تستحق الذكر على قطاعي الإنتاج السلعي . إن وضعا شبيها بوضعنا الحالي حيث يعاني النظام النقدي الدولي من أزمة حادة ، وحيث تطغى الظواهر التضخمية ، من شانه أن يؤدي في إطار سوق مالية كهذه بالأموال المصدرة إلى العودة للالتجاء في المركز الأم في المغرب والبحث عن طرق ووسائل من شانها أن تقلل قدر الامكان من الخسائر ، فيجري بالتالي استعمال هذه الأموال في التوظيف في قطاع البناء وفي المضاربات العقارية بشكل عام . من هنا يأتي الارتفاع الكبير الذي يعرفه سعر العقار في المغرب في الإيجار أو الشراء قصد التمليك ثم أسعار الأراضي المجهزة للبناء ، وهنا يلعب المضاربون والاحتكاريون الذين يجدون في السلطة عونهم وملاذهم الأخير . إن هذه السياسة الخاطئة تشجع راس المال الثابت أي غير المتحرك ، وتقتل الدورة الاقتصادية أساس التنمية والخلق والإبداع ، وتغرق سوق الشغل بالكساد والبطالة ، وما ينتج عن ذلك من تبعات كالأجرام ، الفقر، المرض ، والجوع... إن الشخص المضارب يحقق أرباحا خاصة على حساب الدولة والمجتمع وآلام الفقراء والمعوزين والمحاجين . -2القنوات العمودية لتضخيم ارتفاع الأسعار : في الواقع إن جميع القنوات التي يتسرب من خلالها ارتفاع الأسعار إلى السلع والخدمات المعروضة والمنتجة في السوق المغربي والتي سلف ذكرها تشكل في الوقت ذاته قنوات للارتفاع العمودي في الأسعار الوطنية . بمعنى أن كلا منها يسرب إلى سعر السلعة أو الخدمة المنتجة محليا وحتى المستوردة منها ارتفاعه الخاص ، بحيث يأتي الارتفاع في سعر سلعة معينة كتراكم للزيادات الجزئية التي تأتي بها كل القنوات المعنية ، وبالتالي يكون هذا الارتفاع طرديا مع عدد القنوات التي تصب في سعر هذه السلعة . وهكذا إذا كان معظم السلع والخدمات المعروضة في السوق الوطنية تراكم الارتفاع الذي يطرأ على السلع الوسيطة في الخارج والارتفاع الذي يأتي من الأجور و الارتفاع الذي يأتي من البنية المالية والنقدية كالارتفاع في الإيجارات والفوائد التي تتسرب من خلال البيع بالتقسيط مثلا ، فهي تضيف إلى هذا التراكم مساهمات أخرى في الارتفاع تنتج عن الأسباب التي يشدد عليها كثيرا الآن كأسباب للغلاء . أي احتكار رخص الاستيراد و احتكار إنتاج وتسويق السلع والخدمات المحلية من جهة ، ومن جهة أخرى تعدد السماسرة الجشعين بين المنتج أو المستورد والمستهلك . من ارتفاع الأسعار إلى مشكلة الغلاء تأتي بعد ذلك الجوانب التي تشكل الترجمة الاجتماعية للسياسة الاقتصادية المتبعة وللتركيب الاقتصادي العام في المغرب لتكون قنوات أخرى لتضخيم ارتفاع الأسعار ولتنتقل بهذا الارتفاع من مجرد ارتفاع في الأسعار إلى مشكلة غلاء حادة . هذه القنوات تتمثل بشكل خاص في الطرق المتبعة في توزيع الدخل القومي وتوزيع العبء الضريبي والاستفادة من شتى الخدمات الاجتماعية . إن توزيع الدخل القومي يتم بشكل غير عادل ، حيث تستغل الأقلية المحتكرة الجزء الأكبر من هذا الدخل ،في حين يبقى السواد الأعظم من الشعب محروما من ابسط شروط الحياة الضرورية ، بل إن الأغلبية تعيش تحت مستوى الفقر . إن الضرائب غير المباشرة التي تنال أكثر ما تنال الفئات الاجتماعية الشعبية الفقيرة تشكل أهم مصدر للجبايات التي تحصل عليها الحكومة . أما الضرائب على الدخل التي تثقل كاهل صغار الموظفين والمتقاعدين حيث تقتطع لهم من المنبع ، فإنها تزيد في تازيم الوضعية المعيشية للسواد الأعظم من الشعب المستضعف أما الضمان الاجتماعي فهو لا يزال في بدايته ولا يزال هناك جزء كبير من المواطنين خارج نطاق التغطية الصحية وهو ما يؤثر على المردودية وعلى الحق في الحياة . أما التعليم فهو في جزء منه أصبح يخضع للمضاربين في القطاع الخاص ، أي يخضع مع سائر الخدمات الاجتماعية والثقافية الأخرى للقوانين التي تتحكم بالسوق التجارية المحضة ، أي إن أسعارها تعكس مباشرة الارتفاع الذي يحدث في أسعار السلع والخدمات الأخرى تتضح من كل ذلك أن السياسة الاقتصادية والاجتماعية المتبعة ليس من شانها التخفيف من حدة ارتفاع الأسعار ،بل بالعكس تأتي لتعميقها ولتحويلها إلى أزمة اجتماعية واسعة النطاق . كيف معالجة موجة الغلاء ؟ من المؤكد أن السبب الحقيقي الكامن وراء تصاعد الغلاء يعود في الواقع إلى الأجواء الرسمية لنشاط الطبقة التجارية الاحتكارية التي تهيمن على النظام الاقتصادي المغربي . هذه الأجواء الرسمية ، لن تقف في وجه الاحتكارات ، إذ أنها على العكس تماما ، تشجعها وتتبادل معها المصالح .من منا ينسى الزيادات التي بدأت في مطلع الثمانينات وتسببت في أحداث مأساوية عانى منها المغرب فترة طويلة ، بل لا تزال مخلفاتها تخيم على الأجواء إلى الآن ، رغم أن تلك الزيادات لم تكن بالحجم الذي عرفته الزيادات التي شهدته الألفية الثالثة خاصة منذ سنة 2008؟ . هل تناسى الواقفون وراء ارتفاع الأسعار المهول الأحداث التي صاحبت ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة التي تسببت في أحداث 1984 و 1991 بفاس وبالعديد من المدن المغربية ؟. ورغم كل الذي حصل من اضرابات واضطرابات وحرق وتدمير وسقوط العديد من المتظاهرين صرعا برصاص أجهزة الأمن والجيش ، فان الزيادات بقيت على حالها والغلاء زاد بمعدلات أكثر مست القدرة الشرائية لغالبية المواطنين والشعب المستضعف . إن استمرار الوضع كما أضحى عليه بعد قرار الزيادات ، وعدم التراجع عنها رغم ما حصل ، دفع بالاحتكاريين الجشعين ، ومن يومها إلى الاعتقاد أن الحكم في المغرب لا زال طوع بنانها ، فبادرت بدون مشقة ، إلى إقرار العديد من الزيادات بشكل جد مرتفع أدى إلى التأثير المباشر والمعكوس على القدرة المعيشية للمواطنين ، خاصة وان الزيادات الأخيرة ، وبخلاف زيادة 1981،قد حظيت بصمت مطبق من طرف جميع النقابات ، خاصة نقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، الاتحاد المغربي للشغل ، بحيث إن الهيئات التي نصبت نفسها كمعارض للزيادات ورافضة للغلاء ،كانت هي التنسيقيات على المستوى الوطني ، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، وهو ما يلقي بظلاله على الدور الذي أصبحت تلعبه قيادة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، حيث أن قرار الانسحاب من مجلس المستشارين كان بهدف خلط الأوراق التي تعرت ، بسبب الدور الذي أضحت قيادة الكنفدرالية تلعبه في تكسير العمل النقابي الجاد ، وفي التواطؤ المكشوف مع الرأسماليين الاحتكاريين . إن التهديد بالإضراب العام الذي دعت إليه الكنفدرالية لاسترجاع البعض من الزخم الذي كانت تتمتع به في ثمانينات القرن الماضي ، ستكون المشاركة فيه ضئيلة ، لان هدفه سياسي مصلحي وليس نقابي اجتماعي ، كما أن اغلب القواعد والقطاعات فقدت ثقتها من الكنفدرالية ، وبدأت تتجه لتأسيس نقابات مستقلة في العديد من القطاعات كالتعليم والصحة .., الخ. يمكن القول إذن أن الحكومة الحالية سوف لن تبادر أبدا إلى اتخاذ خطوات فعالة على المدى القصير أو المتوسط أو على المدى الطويل خصوصا ،لمعالجة أسباب الغلاء ، لأنها تعرف مسبقا أنها في مركز قوة بفعل فراغ الساحة من معارضة السبعينات والثمانينات ، وبفعل غياب الطليعة التي وحدها يمكن أن تسخر العمال والجماهير للضغط على الحكومة كي تتراجع عن الزيادات التي تسببت في الغلاء . إن الاحتكار ليس شبحا كما يدعي البعض ، بل الحكومة هي الأشباح التي ترقص على أنغام المحتكرين . إن الحل الجدري لازمة الغلاء الحادة يكون بالقضاء على أسبابها الجوهرية ، أي التخلص من طبقة الرأسماليين الاحتكاريين والجشعين في تجارة الاستيراد والتصدير ، وبالتالي التخلص من تأثيرهم على النظام وأهل الحكم . وان أي معالجة لازمة الغلاء لا يكون من أركانها ضرب الاحتكارات التجارية وامتداداتها المصرفية والمالية ، ستكون عبثا لا جدوى منه . إن الادعاء بعدم وجود احتكارات وان المغرب يعيش في ظل (( نظام اقتصادي حر )) يقوم على المنافسة الحرة ، يبقى مجرد كذب تكذبه الوقائع . ونكتفي ببعض الأمثلة كدلائل : لماذا لم يؤدي سقوط سعر الدولار الأمريكي مقابل اليورو الاروبي والجنيه الإسترليني إلى انخفاض أسعار السلع المستوردة من أمريكا ؟. لماذا ارتفاع الأسعار والغلاء في جميع الأقاليم المغربية باستثناء الأقاليم الجنوبية المسترجعة من المملكة ؟ . إن الاحتكارات التجارية هي وراء ذلك ، يدعمها القطاع المصرفي الذي تنتقل ملكيته بشكل مضطرد إلى أيدي الرأسمالية المحلية والإمبريالية . ومن هذه الزاوية فان إلغاء الرخص المسبقة والقيود على الاستيراد لن تؤدي إلى نتيجة فعالة في لجم ارتفاع الأسعار ، لان تمويل العمليات التجارية ، هو أيضا ،تحت سيطرة الاحتكارات نفسها وتفرعاتها، أي المصاريف الأجنبية . أما التدابير التي تحاول الحكومة الحالية القيام بها ، كالرقع من الحد الأدنى للأجور الصغيرة ، والرقع من الرواتب ، وتقليص الضريبة على الدخل ...الخ ، فان هذا الإجراء سوف لن يؤدي إلى الحد أو إلى حل مشكلة الغلاء ، بل إلى إسكات الصيحات الشعبية و استباق نتائج تحركات طبقة العمال والطبقات الكادحة مؤقتا . إن هذا الإجراء ذو تأثير تضخمي ليس إلا ، إذ سيزيد من ارتفاع الأسعار ، مما يمتص زيادة الدخل المظهرية للذين شملتهم عملية الارتفاع في الأجر ، بينما تزداد أعباء وتكاليف المعيشة على الفئات الكادحة التي لا تشملها تلك الزيادة في الأجر . إذن ما العمل ؟ : إن الطبقات الكادحة لا تشتكي فقط من ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، بل تعاني من ارتفاع كلفة المعيشة عموما ، ومن تدني مستوى الخدمات العامة أيضا . لذلك فان السياسة المطلوبة يجب أن تستهدف مشكلة مستوى معيشة الطبقات الكادحة ومحدودة الدخل بشقيها : الحد من ارتفاع كلفة المعيشة من جهة وتقديم خدمات عامة مجانية بشكل فعال من جهة أخرى . وعلى الصعيد السياسي ، نلاحظ أن فئة التجار تنتهز كل الظروف المؤاتية لتحقيق أرباح ضخمة . ومن ابرز هذه الظروف مثلا الاعتقاد في هشاشة الحكم ، طبيعة ونوع الأحداث الداخلية ، النزاعات الحدودية ،ارتفاع الأجور نتيجة لارتفاع الأسعار لا سيما المواد الغذائية ،وانخفاض إنتاج الحبوب وشح الأرض والجفاف ، وتشديد الاتجاه نحو الاستيراد ...الخ ، أي المزيد من التبعية الاقتصادية استيرادا وتصديرا من خلال التجار المحتكرين أنفسهم . وهذا يعني سياسيا غياب الدولة كرادع يملك سلطة التوجيه والاختيار والتقرير ،وان فقدان الرقابة الإدارية الحازمة اتاح للتجار فرصا نادرة انتهزوها لكي يرفعوا الأسعار بدون حدود ، ويضعوا البلد في جو أزمة غلاء غير طبيعية قد يتسبب في ذهاب الجميع إلى الهاوية . على أن الدولة ، كسلطة مستمرة قادرة ،حتى في سياق الوضع الاقتصادي المغربي المأزوم ، على تحاشي ارتفاع بعض الأسعار ،رغم التبعية الكبيرة في الاقتصاد مثل المواد التالية : 1-تحاشي ارتفاع أسعار الزيوت سواء زيت العود أو زيت المائدة ، وذلك بتطوير وتشجيع غرس أشجار الزيتون مثل أسبانيا ، ثم تطوير الصناعة الزراعية نفسها وفصلها عن ضغوط السوق الخارجية -2انتهاج سياسة زراعية تسمح له ، بالمساحة الحالية المخصصة لزراعة الحبوب ،بان يسد حاجاته من الحبوب خاصة القمح وذلك بتطوير الري وتحديث تقنياته المستعملة ، مع مساعدة وتشجيع الفلاحين الصغار على عصرنة وسائل اشتغالهم وعملهم 3-إن الأسعار في السوق المغربية ليست كما هو الحال في السوق الرأسمالية العادية حيث تتحكم هناك العوامل الداخلية للإنتاج الوطني . إن الأسعار في المغرب تتحدد كما يلي : -- نتيجة للسعر العالمي -- تلاعب التجار والاحتكار -- فوضى الاستيراد والتصدير 4-تعزيز الرقابة على أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والخدمات وتحديد الأرباح وضرب الاحتكارات التجارية 5-تشجيع الصناعة الوطنية القادرة على المنافسة ، بحيث لا يؤدي ارتفاع الأسعار في الخارج إلى زيادة الأسعار محليا كما هو حاصل حاليا 6-حصر استيراد المواد الغذائية بالدولة ( الحبوب خاصة القمح الصلب والطري وحبوب العلف والزيوت..)منعا لتلاعب التجار المحتكرين 7-إن السلع الغذائية و الاستهلاكية الضرورية تشكل جزءا فقط من مجموع كلفة معيشة الطبقات الكادحة ، بينما يشكل إيجار السكن والصحة والتعليم والخدمات الأخرى الجزء الأكبر منها . لذلك يجب الاعتماد أيضا على : أ – تشريع قانون عادل للايجارات ، بحيث تخفض الايجارات الحالية الباهظة . ووضع اليد على الشقق التي تبقى أكثر من سنة فارغة وتأجيرها بأثمان تساوي 6 في المائة من كلفتها الأصلية ، وذلك لضرب الاحتكارات والسمسرة والجشع المضرين بالاقتصاد الوطني . ويبقى الحل السليم لازمة السكن هو قيام الدولة بالتشارك مع القطاع الخاص والجماعات والبلديات ببناء المساكن الشعبية التي تلاءم كلفتها مستوى معيشة الطبقات الكادحة . وفي هذا الصدد يجب : -- أن تخصص الدولة موازنة خاصة لبناء المساكن الشعبية مباشرة -- أن تقدم الدولة التسهيلات اللازمة لقيام تعاونيات لبناء المساكن -- أن تتحرك الابناك وعلى رأسها القرض العقاري والسياحي بتقديم تسليفات لذوي الدخل المحدود من اجل بناء أو شراء مساكن شعبية ، مع تخفيض أرباح الفائدة على اقتناء السكن كما معمول به في اروبة خاصة في فرنسا ب – ومن اجل أن تستطيع الدولة تخصيص موازنة خاصة لبناء المساكن على نطاق واسع يجب تعديل السياسة الضريبية التي يتحمل عبئها الطبقات الكادحة والفقيرة ومحدودة الدخل ، وذلك بتشريع قانون جديد للضريبة على الدخل وضريبة الأملاك المبنية يجبر الرأسماليين على دفع ضريبة تصاعدية تتكافأ مع مدا خيلهم . إن زيادة مردود الضرائب المباشرة ، الذي يجب أن يتضاعف على الأقل ،سيمكن الحكومة من أن تخصص موازنة كافية ليس فقط لبناء المساكن ،بل أيضا لتوسيع مجالات الخدمات العامة المجانية أو شبه المجانية في مجالات التعليم ، الصحة والماء والكهرباء ...الخ إن مشكلة الغلاء في المغرب هي مشكلة النظام الاقتصادي الراهن الذي يجعل الاقتصاد الوطني مرتهنا في الخارج والداخل ... مرتهنا في الخارج للسوق الرأسمالية العالمية متأثرا بشكل كامل بكل ما يجري فيها من تطورات دون أن يكون قادرا على التأثير فيها على الإطلاق ... ومرتهنا في الداخل لسيطرة الاحتكارات الجشعة المتغلغلة في كافة القطاعات والتي وصل أخيرا جشعها إلى حد التحكم بلقمة المواطن ودمائه وابسط حقوقه الإنسانية . وفي ظل نظام اقتصادي يطلق الحرية للمحتكرين ، ويفرض القيود على المبادرات الشعبية المتصدية للاحتكار ، تصبح مهمة الحاكم ، مهما كانت نواياه ، مقتصرة على الترقيع الذي سرعان ما سيؤدي إلى انفجارات بعد حين. ففي المغرب مثلا لا يمكن أن نتصور أن جلالة الملك يدشن ويشيد للتخفيف من قسوة عيش الطبقات الشعبية المسحوقة ، في حين نجد أن الاحتكاريين والرأسماليين والسماسرة الجشعين ، يخربون ما يقوم به الملك ويقفون حجرة عثرة أمام مبادراته الاجتماعية ، بالرقع من الأسعار المؤدي إلى الغلاء الذي تكتوي به الطبقات الشعبية الكادحة ومحدودي الدخل . انه تناقض صارخ لا يمكن فهمه إذا لم نضعه في السياق العام للأهداف التي تسعى الطبقة المركانتيلية تحقيقها . إن الزيادات التي عرفتها جميع السلع وبشكل مهول في الآونة الأخيرة ، وبتواطؤ النقابات والأحزاب مع الطبقة الاحتكارية والرأسمالية الهشة ، وبضغط من الابناك العالمية ، تعتبر مذبحة ومجزرة للفئات العسيرة العيش وللشعب الكادح المستضعف والمغلوب على أمره . إن عنف المال لا يختلف في شيء عن عنف السلطة . وكلاهما يؤدي ويسبب في الانزلاق نحو الهاوية التي ستكون لها مخلفات وعواقب خطيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمغرب . والرأسمالية بتركبها الاستغلالي ، ليس لها في النهاية سوى دور واحد : نهب الشعب المستضعف والمغلوب على أمره ، بفعل الخيانات ، وبفعل تغيير المعطف ، والبيع والشراء في أرزاق العباد ، باسم الشعارات الفضفاضة البراقة ، حتى إذا ما تمكنوا ووصلوا ، فإنهم لا يترددون في قلب الطاولة ، والظهور بمظهر الشخص الجشع ، المكشر عن أنيابه للحفاظ على مصالح أسياده وضمنها مصالحه التي لا تتعدى تحسين الوضع الاجتماعي من حسن إلى أحسن وهكذا. إذن الرأسمالية بتركبتها الاستغلالية تسعى في الجوهر إلى استغلال واستلاب حرية الشعب الإنسانية وحقوقه الوطنية والديمقراطية . ومعادلة الرأسمالي الاحتكاري في المغرب هي : المزيد من التبعية للسياسة الاقتصادية الإمبريالية ، لأجل المزيد من الاستغلال الداخلي . ونتيجة المعادلة تفجير حركة الأسعار تفجيرا مذهلا ، لسبب سياسي واضح هو تمركز القوى الغنية في السلطة ، بالاعتماد على قدرتها القمعية ، اقتصادا وسياسة وأجهزة وبتحولها إلى أداة امتصاص في اتجاه الداخل الوطني المغربي . لهذا فان الغلاء هو ثمرة الدور الطبقي للحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية . إن ارتفاع الأسعار الذي مس بشكل مهول المواد الأساسية الاستهلاكية للفقراء ، من خضر وزيت ولحوم ودجاج وطحين و الغاز الذي تمت الزيادة في ثمنه بطريق غير مباشر كي لا يثير اهتمام الناس ، بواسطة النقص من كمية الغاز في القارورة ، إضافة إلى الزيادة المهولة المرتقبة في ثمن الخبز والحليب ومشتقاته ، ثم الارتفاع المهول في ثمن المحروقات من بنزين السيارات إلى بنزين الدرجات النارية ، ثم أثمان الأدوية الصاروخية ، وتقليص إن لم نقل انعدام الخدمات الأساسية للمواطن من تطبيب واستشفاء وتعليم ، والارتفاع الصاروخي في أثمان العقار والإيجار بفضل الاحتكار والجشع ، والتواطؤ بين المنعشين ومختلف السلطات .. الخ كل هذا يبين الدور الطبقي للحكومة وكونه المحرك السياسي ، بل المحرك الأول والأساسي لشره التجار والاحتكاريين وإقبالهم الجيد على أكل لحوم المستهلكين الفقراء في مجتمع الغلبة فيه للأقوى والويل كل الويل للمستضعفين في الأرض. وعلى ضوء ما تقدم نتساءل ما هو دور المعارضة ( الجديدة في البرلمان من حزب العدالة والتنمية ، الاتحاد الدستوري ، الحركة الشعبية ، الحزب الوطني الديمقراطي ... ) وقواعد المعارضة البرلمانية القديمة ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، حزب التقدم والاشتراكية ) والمعارضة الراديكالية التي تحولت إلى حمل بفعل التغيرات التي حصلت منذ وفاة الحسن الثاني رحمه الله وعلى رأسها ( اليسار الاشتراكي الموحد ، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ) حيث اندمجت هذه المكونات في قواعد اللعبة الديمقراطية التي فرضت عليها فرضا فشاركت وبدون شروط في الانتخابات الأخيرة ، أو المعارضة التي بقيت ملتزمة لمبادئها ، متشبثة بخطابها حول الارتباط بالجماهير والدفاع عنها ، وعلى راس هذه المعارضة نذكر ( جماعة العدل والإحسان ، وحركة النهج الديمقراطي )، كذلك لا ننسى معارضة ( الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ) وان كان تحركها يكون تكرار لما يحصل داخل الأحزاب التي تشترك في السيطرة على الجمعية ، بخصوص ارتفاع الأسعار ومستوى معيشة المواطن ، وفي هذا الصدد فقد سبق للجمعية أن تبنت أحداث مدينة صفرو ، كما نظمت وقفات احتجاجية ضد غلاء المعيشة وضد الارتفاع المهول في الأسعار . وبالمناسبة نذكر بان تنسيقيات محاربة ارتفاع الأسعار ، وهي في اغلبها تتكون من أعضاء نشطين في أحزاب المعارضة الراديكالية وإسلاميين ، قد نظمت العديد من الاحتجاجات المناهضة للغلاء ولارتفاع الأسعار في العديد من المدن . وإذا كانت قد تمكنت من تنظيم بعض الوقفات في العاصمة ، فان تدخل قوات الأمن والسلطات حالت في العديد من المرات دون تنظيم الوقفات ، وأخرها الوقفة التي كان مزمع تنظيمها في الرباط . ونشير إلى أن النقابات خاصة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل التي دعت إلى اضرابات في الثمانينات ضد الزيادة فقط في أثمان الخبز ، قد لزمت الصمت أمام الزيادات الأخيرة والتي حصلت أكثر من مرة وشملت جميع المواد وبدون استثناء ، وهو ما يطرح مصداقية المنظمة وعلى رأسها السيد نبير الأموي الذي لا يزال يتصرف في النقابة كأنها ملك شخصي له ، وكلنا يعلم أن السيد الاموي قد تقاعد عن العمل منذ مدة طويلة ، ومع ذلك لا يزال يتصرف في النقابة بعقلية القطيع ، بل انه لعب دورا أساسيا في ضرب وتكسير العمل النقابي الجاد ، وإجهاض الحركات الاحتجاجية العمالية في أكثر من مرفق وورش. ومما لاشك فيه أن جدلية الصراع بين الحكومة الطبقية وبين المجتمع المتعدد الطبقات والفئات ستبقى قائمة ومتواصلة بفعل التناقض التركيبي ذاته ، ولكن المسالة ، سياسيا ، تتحدد في معرفة نتائج هذا الصراع ، وفي توضيح كيفية جعل قوى الصراع ترجح إلى جانب الفقراء والمظلومين والمستلبين بقدر ما تنفصل القوى المضطهدة عن مضطهديها لتستغل سياسيا ، وتكافح ببسالة وتواصل لإسقاط منظومة الاحتكاريين الرأسماليين الذين لا يتوانون لحظة واحدة في نهبها اقتصاديا ، جامعين بين عنف المال وعنف السلطة . إن الرد السياسي الوحيد على وضع الغلاء والفقر وارتفاع الأسعار في المغرب ، لا يخرج عن نطاق تغيير منظومة الرأسماليين الاحتكاريين ، أي الطبقة المركانتيلية التي لا يهمها إلا الربح على حساب الأمن القومي للدولة . فإذا كانت المعارضة الراديكالية بمختلف أنواعها خاصة تلك المهتمة بمشكل الفقر وغلاء المعيشة ورفض ارتفاع الأسعار، تقف عند حدود فضح الغلاء وكشف أسبابه ونتائجه ، فإنها مطالبة بمقاومته . فالغلاء عنف اقتصادي وسياسي ، والعنف لا يقاوم بالتظاهر وترديد الشعارات وقراءة الأشعار على الناس وهي تتذوق جوعا ومرضا ، بل لا بد من تحرك ضاغط يلزم الدولة بالتدخل في الإنتاج والاستيراد والتصدير لمصلحة الشعب لا لمصلحة الأقلية المركانتيلية التي لا يهمها إلا مصالحها . إن هذا التحول لا يمكن أن يحصل إلا بتصادم مع قوى النهب والاستغلال والاغتيال الشعبي ،وهذا وحده الأسلوب القادر على إحداث التوازن الأخلاقي والاجتماعي داخل المجتمع . المشكلة البنيوية للغلاء إن مشكلة الغلاء في المغرب لا تختلف في الواقع عن باقي المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي أخذت تطرح نفسها بحدة خلال السنوات الأخيرة وبالضبط منذ أحداث الدارالبيضاء في سنة 1981، بمعنى انه لا يجب النظر إليها كمشكلة طارئة يمكن القضاء عليها أو على الأقل التغلب عليها إلى فترة طويلة نسبيا ببعض الإجراءات السطحية أو التدابير الجزئية . فجميع هذه المشاكل كل مترابط بعضه ببعض الآخر، تتطلب مواجهتها مواجهة للأرضية نفسها التي تنمو عليها ، أي البنية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب وسياسة الحكومات التي تكرس هذه البنية ، وبعبارة أخرى ، لا يمكن لتلك المشاكل ، والفقر والغلاء منها ، أن تجد حلولا صحيحة إلا داخل إطار سياسة اقتصادية اجتماعية شاملة ومتكاملة تستهدف إحداث التغييرات اللازمة والممكنة في تلك البنية ، وما عدا ذلك فهو من قبيل المسكنات التي وان تركت بعض الآثار فذلك إلى أمد قصير لا تلبث بعده هذه المشاكل أن تطل برأسها ثانية بنفس الأشكال و بأشكال أخرى مختلفة ، آخذة في الغالب طابعا أكثر حدة من السابق . صحيح إن المعالجة الجدية لمشكلة الغلاء لا تسقط من حسابها أكثر التفسيرات رواجا هذه الأيام للأسباب التي أدت إليها . فهي تأخذ بعين الاعتبار ، بل تنطلق من ارتفاع الأسعار في الخارج هو أساس مشكلة الغلاء في بلدنا ، كما عليها أن تأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر ثانية التي تؤكد على الأسباب الداخلية والتي تحصرها عموما في وجود الاحتكار وتعدد السماسرة والوسطاء التجاريين الجشعين . لكن هذه التفسيرات كما يروج لها حاليا ، إما أنها تأتي لتغطية مواقف محض تبريرية ( رد الغلاء إلى أسباب خارجية ) ، وإما أنها تبقى سطحية وجزئية لا تذهب إلى جذور المشكلة ( الاحتكار وكثرة السماسرة والوسطاء ). وفي الحالتين تقود إلى حلول تطفو على سطح المشكلة وتبقى قاصرة عن معالجتها بصورة فعالة. إن مواجهة مشكلة الغلاء تضعنا في الواقع ، عبر الأسباب المذكورة وغيرها من الأسباب ، وجها لوجه أمام المشكلة الاقتصادية والاجتماعية بتكاملها في المغرب . وعلى وجه التحديد أمام المسالة المركزية في هذه المشكلة التي تكمن في هيمنة إنتاج الخدمات داخل الاقتصاد الوطني ، وما يتفرع عن هذه المسالة المركزية من مسائل أساسية أخرى : ضعف مجالات الإنتاج السلعي : الزراعة والصناعة والحاقهما بمجال إنتاج الخدمات نفسه ، تم إلحاق الاقتصاد المغربي بمجمله بحاجات الخارج والتقلبات التي تحدث فيه ،هذا دون أن ننسى انعدام التوازن في مجالات توزيع الدخل والاستفادة من شتى الخدمات الاجتماعية . إن العلاقة العضوية بين مشكلة الغلاء في المغرب والبنى الاقتصادية والاجتماعية تبرز بشكل واضح عند الإجابة على السؤال ذي الشقين التالي : -1لماذا على المغرب أن يستورد ارتفاع الأسعار الذي يحصل في الأسواق العالمية ؟. 2-ولماذا على ارتفاع الأسعار عندما يعبر الحدود المغربية آتيا من الخارج أن يخضع لعملية تضخيم في الداخل تزيد في حدته أفقيا وعموديا بنسبة كبيرة ؟. amplification بشكل واضح إذا كان من المؤكد أن ارتفاع الأسعار يشكل هذه الأيام ظاهرة تعاني منها جميع البلدان الرأسمالية المتقدمة ، وان هذا الارتفاع جاء نتيجة لتضافر عوامل عدة ، منها ارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة للجفاف وسوء الظروف الطبيعية على العموم في البلدان المصدرة لهذه المواد من جهة ، ومن جهة ثانية للسياسة الزراعية المتبعة في البلدان الرأسمالية المتقدمة ذاتها ( بلدان السوق الاروبية المشتركة على الخصوص )، ثم تقليص حجم ومساحة الأراضي الزراعية بفعل الهجوم الكاسح للاسمنت المسلح ( العمران ) حيث ينتعش المضاربون والاحتكاريون المؤيدون من طرف السلطة ، وتحويل المساحات الخضراء إلى تجزئات تحت غطاء التعاونيات ، إضافة إلى امتداد ما يطلقون عليه المناطق الصناعية ، على حساب الأراضي الزراعية .. بالإضافة إلى السياسات النقدية والمالية المتبعة في نفس هذه البلدان وعلاقة تلك السياسات بأزمة النقد الدولي ... إذا كان كل ذلك صحيحا فلا يترتب على ذلك بديهيا أن يتبع المغرب تلك البلدان من ناحية المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها بشكل عام ، وارتفاع الأسعار والظواهر التضخمية بشكل خاص . ثم كيف نفسر إن ارتفاع الأسعار في المغرب على الرغم من عدم توفر الإحصاءات والأرقام الدقيقة في هذا المجال قد تناول وبنفس المعدل ، إن لم يكن أكثر ، المنتجات المحلية ( زيت الزيتون ، زيت المائدة ، اللحوم ، الدجاج ، السمك ، الدقيق بمختلف أنواعه ، الحبوب من قمع صلب وطري ، الخضروات ، الفواكه ، النقل ، إضافة إلى العديد من الخدمات والمنتجات الصناعية ..) ، وان الارتفاع الذي يحصل في أسعار المنتجات المستوردة يزيد عموما عن ارتفاع أسعار المنتجات ذاتها سواء في بلدان المصدر أو في البلدان المستوردة الأخرى . بعبارة موجزة لماذا كانت وطأة ارتفاع الأسعار في المغرب اشد منها في أي بلد آخر ( التذمر الصارخ والواضح لفئات اجتماعية واسعة جدا بسبب تدني الدخل وجمود الأجور ، وتفاقم البطالة التي أصبحت مستشرية بين الدكاترة والأطباء والمهندسين ، تم الاضرابات الأخيرة التي شهدتها المملكة بسبب هذا الغول المسمى بارتفاع الأسعار) . القنوات الأفقية والعمودية لتضخيم ارتفاع الأسعار : 1-القنوات الأفقية لتضخيم ارتفاع الأسعار: إن انتقال ارتفاع الأسعار إلى المغرب لا يبقى في حدود السلع المستوردة فقط بل يطال مجمل الإنتاج المحلي من السلع والخدمات وذلك لجملة من الأسباب أهمها : -- طبيعة الإنتاج السلعي المحلي : فهو يعتمد في جزئه الأكبر على مواد أولية ومواد وسيطة تأتي من الخارج . وهذه الملاحظة تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للإنتاج الصناعي الذي ليس هو في الواقع بمعظمه سوى عبارة عن تخصص في آخر عمليات الإنتاج الفعلي ( صناعة تركيبية ، قولبة ، تغليف ...)التي تدخل بعض التحويلات على منتجات منتهية أو شبه منتهية مستوردة من الخارج . -- إن لجوء المغرب إلى استيراد الجزء الأكبر من حاجاته الضرورية ، خصوصا الحبوب والزيوت ومشتقاتها ،مشتقات الحليب .. من شانه أن يؤدي كلما ارتفعت أسعار هذه المواد في الخارج أن ترتفع وبشكل أكثر في المغرب ، بفعل الرسوم الضريبية وبفعل تكاليف النقل وتعدد الوسطاء حتى تصل السلعة إلى السوق الوطنية ،حيث يتحمل المستهلك تبعات جميع هذه الزيادات التي تطلبها استيراد المنتوج . -- إذا كان بالامكان رد جميع العوامل السابقة لتسرب ارتفاع الأسعار ولانتشار هذا الارتفاع حيث يشمل الإنتاج المحلي إلى الجانب الاقتصادي البحت من البنية الاقتصادية العامة ، أي جانب التوازن بين القطاعات الإنتاجية ، يأتي بالإضافة إلى ذلك الجانب المالي من هذه البنية ، أي نوع وطبيعة السوق المالي والجهاز المصرفي المغربي ( ارتفاع فوائد القروض بشكل أكثر بكثير عما يجري به العمل في اروبة ، خاصة السلفات الموجهة للاستهلاك والسلفات الموجهة للسكن ، حيث يشكل هذا بدوره قناة أساسية ينفذ منها ارتفاع الأسعار إلى الإنتاج المحلي وخصوصا القسم الذي يتعلق منه بإنتاج الخدمات . فكما هو معروف ، إن السوق المالي الوطني التي تتميز بكونها سوقا لتجميع كميات هائلة نسبيا من الودائع التي تبقى عموما تحت الطلب أو إلى اجل قصير وإعادة توزيعها إما في قطاع التجارة والقطاع الثالثي بشكل عام وإما في قطاع البناء ، وما تبقى يوظف في الأسواق النقدية والمالية العالمية وذلك دون أن تعود تلك السوق بفائدة تستحق الذكر على قطاعي الإنتاج السلعي . إن وضعا شبيها بوضعنا الحالي حيث يعاني النظام النقدي الدولي من أزمة حادة ، وحيث تطغى الظواهر التضخمية ، من شانه أن يؤدي في إطار سوق مالية كهذه بالأموال المصدرة إلى العودة للالتجاء في المركز الأم في المغرب والبحث عن طرق ووسائل من شانها أن تقلل قدر الامكان من الخسائر ، فيجري بالتالي استعمال هذه الأموال في التوظيف في قطاع البناء وفي المضاربات العقارية بشكل عام . من هنا يأتي الارتفاع الكبير الذي يعرفه سعر العقار في المغرب في الإيجار أو الشراء قصد التمليك ثم أسعار الأراضي المجهزة للبناء ، وهنا يلعب المضاربون والاحتكاريون الذين يجدون في السلطة عونهم وملاذهم الأخير . إن هذه السياسة الخاطئة تشجع راس المال الثابت أي غير المتحرك ، وتقتل الدورة الاقتصادية أساس التنمية والخلق والإبداع ، وتغرق سوق الشغل بالكساد والبطالة ، وما ينتج عن ذلك من تبعات كالأجرام ، الفقر، المرض ، والجوع... إن الشخص المضارب يحقق أرباحا خاصة على حساب الدولة والمجتمع وآلام الفقراء والمعوزين والمحاجين . -2القنوات العمودية لتضخيم ارتفاع الأسعار : في الواقع إن جميع القنوات التي يتسرب من خلالها ارتفاع الأسعار إلى السلع والخدمات المعروضة والمنتجة في السوق المغربي والتي سلف ذكرها تشكل في الوقت ذاته قنوات للارتفاع العمودي في الأسعار الوطنية . بمعنى أن كلا منها يسرب إلى سعر السلعة أو الخدمة المنتجة محليا وحتى المستوردة منها ارتفاعه الخاص ، بحيث يأتي الارتفاع في سعر سلعة معينة كتراكم للزيادات الجزئية التي تأتي بها كل القنوات المعنية ، وبالتالي يكون هذا الارتفاع طرديا مع عدد القنوات التي تصب في سعر هذه السلعة . وهكذا إذا كان معظم السلع والخدمات المعروضة في السوق الوطنية تراكم الارتفاع الذي يطرأ على السلع الوسيطة في الخارج والارتفاع الذي يأتي من الأجور و الارتفاع الذي يأتي من البنية المالية والنقدية كالارتفاع في الإيجارات والفوائد التي تتسرب من خلال البيع بالتقسيط مثلا ، فهي تضيف إلى هذا التراكم مساهمات أخرى في الارتفاع تنتج عن الأسباب التي يشدد عليها كثيرا الآن كأسباب للغلاء . أي احتكار رخص الاستيراد و احتكار إنتاج وتسويق السلع والخدمات المحلية من جهة ، ومن جهة أخرى تعدد السماسرة الجشعين بين المنتج أو المستورد والمستهلك . من ارتفاع الأسعار إلى مشكلة الغلاء تأتي بعد ذلك الجوانب التي تشكل الترجمة الاجتماعية للسياسة الاقتصادية المتبعة وللتركيب الاقتصادي العام في المغرب لتكون قنوات أخرى لتضخيم ارتفاع الأسعار ولتنتقل بهذا الارتفاع من مجرد ارتفاع في الأسعار إلى مشكلة غلاء حادة . هذه القنوات تتمثل بشكل خاص في الطرق المتبعة في توزيع الدخل القومي وتوزيع العبء الضريبي والاستفادة من شتى الخدمات الاجتماعية . إن توزيع الدخل القومي يتم بشكل غير عادل ، حيث تستغل الأقلية المحتكرة الجزء الأكبر من هذا الدخل ،في حين يبقى السواد الأعظم من الشعب محروما من ابسط شروط الحياة الضرورية ، بل إن الأغلبية تعيش تحت مستوى الفقر . إن الضرائب غير المباشرة التي تنال أكثر ما تنال الفئات الاجتماعية الشعبية الفقيرة تشكل أهم مصدر للجبايات التي تحصل عليها الحكومة . أما الضرائب على الدخل التي تثقل كاهل صغار الموظفين والمتقاعدين حيث تقتطع لهم من المنبع ، فإنها تزيد في تازيم الوضعية المعيشية للسواد الأعظم من الشعب المستضعف أما الضمان الاجتماعي فهو لا يزال في بدايته ولا يزال هناك جزء كبير من المواطنين خارج نطاق التغطية الصحية وهو ما يؤثر على المردودية وعلى الحق في الحياة . أما التعليم فهو في جزء منه أصبح يخضع للمضاربين في القطاع الخاص ، أي يخضع مع سائر الخدمات الاجتماعية والثقافية الأخرى للقوانين التي تتحكم بالسوق التجارية المحضة ، أي إن أسعارها تعكس مباشرة الارتفاع الذي يحدث في أسعار السلع والخدمات الأخرى تتضح من كل ذلك أن السياسة الاقتصادية والاجتماعية المتبعة ليس من شانها التخفيف من حدة ارتفاع الأسعار ،بل بالعكس تأتي لتعميقها ولتحويلها إلى أزمة اجتماعية واسعة النطاق . كيف معالجة موجة الغلاء ؟ من المؤكد أن السبب الحقيقي الكامن وراء تصاعد الغلاء يعود في الواقع إلى الأجواء الرسمية لنشاط الطبقة التجارية الاحتكارية التي تهيمن على النظام الاقتصادي المغربي . هذه الأجواء الرسمية ، لن تقف في وجه الاحتكارات ، إذ أنها على العكس تماما ، تشجعها وتتبادل معها المصالح .من منا ينسى الزيادات التي بدأت في مطلع الثمانينات وتسببت في أحداث مأساوية عانى منها المغرب فترة طويلة ، بل لا تزال مخلفاتها تخيم على الأجواء إلى الآن ، رغم أن تلك الزيادات لم تكن بالحجم الذي عرفته الزيادات التي شهدته الألفية الثالثة خاصة منذ سنة 2008؟ . هل تناسى الواقفون وراء ارتفاع الأسعار المهول الأحداث التي صاحبت ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة التي تسببت في أحداث 1984 و 1991 بفاس وبالعديد من المدن المغربية ؟. ورغم كل الذي حصل من اضرابات واضطرابات وحرق وتدمير وسقوط العديد من المتظاهرين صرعا برصاص أجهزة الأمن والجيش ، فان الزيادات بقيت على حالها والغلاء زاد بمعدلات أكثر مست القدرة الشرائية لغالبية المواطنين والشعب المستضعف . إن استمرار الوضع كما أضحى عليه بعد قرار الزيادات ، وعدم التراجع عنها رغم ما حصل ، دفع بالاحتكاريين الجشعين ، ومن يومها إلى الاعتقاد أن الحكم في المغرب لا زال طوع بنانها ، فبادرت بدون مشقة ، إلى إقرار العديد من الزيادات بشكل جد مرتفع أدى إلى التأثير المباشر والمعكوس على القدرة المعيشية للمواطنين ، خاصة وان الزيادات الأخيرة ، وبخلاف زيادة 1981،قد حظيت بصمت مطبق من طرف جميع النقابات ، خاصة نقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، الاتحاد المغربي للشغل ، بحيث إن الهيئات التي نصبت نفسها كمعارض للزيادات ورافضة للغلاء ،كانت هي التنسيقيات على المستوى الوطني ، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، وهو ما يلقي بظلاله على الدور الذي أصبحت تلعبه قيادة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، حيث أن قرار الانسحاب من مجلس المستشارين كان بهدف خلط الأوراق التي تعرت ، بسبب الدور الذي أضحت قيادة الكنفدرالية تلعبه في تكسير العمل النقابي الجاد ، وفي التواطؤ المكشوف مع الرأسماليين الاحتكاريين . إن التهديد بالإضراب العام الذي دعت إليه الكنفدرالية لاسترجاع البعض من الزخم الذي كانت تتمتع به في ثمانينات القرن الماضي ، ستكون المشاركة فيه ضئيلة ، لان هدفه سياسي مصلحي وليس نقابي اجتماعي ، كما أن اغلب القواعد والقطاعات فقدت ثقتها من الكنفدرالية ، وبدأت تتجه لتأسيس نقابات مستقلة في العديد من القطاعات كالتعليم والصحة .., الخ. يمكن القول إذن أن الحكومة الحالية سوف لن تبادر أبدا إلى اتخاذ خطوات فعالة على المدى القصير أو المتوسط أو على المدى الطويل خصوصا ،لمعالجة أسباب الغلاء ، لأنها تعرف مسبقا أنها في مركز قوة بفعل فراغ الساحة من معارضة السبعينات والثمانينات ، وبفعل غياب الطليعة التي وحدها يمكن أن تسخر العمال والجماهير للضغط على الحكومة كي تتراجع عن الزيادات التي تسببت في الغلاء . إن الاحتكار ليس شبحا كما يدعي البعض ، بل الحكومة هي الأشباح التي ترقص على أنغام المحتكرين . إن الحل الجدري لازمة الغلاء الحادة يكون بالقضاء على أسبابها الجوهرية ، أي التخلص من طبقة الرأسماليين الاحتكاريين والجشعين في تجارة الاستيراد والتصدير ، وبالتالي التخلص من تأثيرهم على النظام وأهل الحكم . وان أي معالجة لازمة الغلاء لا يكون من أركانها ضرب الاحتكارات التجارية وامتداداتها المصرفية والمالية ، ستكون عبثا لا جدوى منه . إن الادعاء بعدم وجود احتكارات وان المغرب يعيش في ظل (( نظام اقتصادي حر )) يقوم على المنافسة الحرة ، يبقى مجرد كذب تكذبه الوقائع . ونكتفي ببعض الأمثلة كدلائل : لماذا لم يؤدي سقوط سعر الدولار الأمريكي مقابل اليورو الاروبي والجنيه الإسترليني إلى انخفاض أسعار السلع المستوردة من أمريكا ؟. لماذا ارتفاع الأسعار والغلاء في جميع الأقاليم المغربية باستثناء الأقاليم الجنوبية المسترجعة من المملكة ؟ . إن الاحتكارات التجارية هي وراء ذلك ، يدعمها القطاع المصرفي الذي تنتقل ملكيته بشكل مضطرد إلى أيدي الرأسمالية المحلية والإمبريالية . ومن هذه الزاوية فان إلغاء الرخص المسبقة والقيود على الاستيراد لن تؤدي إلى نتيجة فعالة في لجم ارتفاع الأسعار ، لان تمويل العمليات التجارية ، هو أيضا ،تحت سيطرة الاحتكارات نفسها وتفرعاتها، أي المصاريف الأجنبية . أما التدابير التي تحاول الحكومة الحالية القيام بها ، كالرقع من الحد الأدنى للأجور الصغيرة ، والرقع من الرواتب ، وتقليص الضريبة على الدخل ...الخ ، فان هذا الإجراء سوف لن يؤدي إلى الحد أو إلى حل مشكلة الغلاء ، بل إلى إسكات الصيحات الشعبية و استباق نتائج تحركات طبقة العمال والطبقات الكادحة مؤقتا . إن هذا الإجراء ذو تأثير تضخمي ليس إلا ، إذ سيزيد من ارتفاع الأسعار ، مما يمتص زيادة الدخل المظهرية للذين شملتهم عملية الارتفاع في الأجر ، بينما تزداد أعباء وتكاليف المعيشة على الفئات الكادحة التي لا تشملها تلك الزيادة في الأجر . إذن ما العمل ؟ : إن الطبقات الكادحة لا تشتكي فقط من ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، بل تعاني من ارتفاع كلفة المعيشة عموما ، ومن تدني مستوى الخدمات العامة أيضا . لذلك فان السياسة المطلوبة يجب أن تستهدف مشكلة مستوى معيشة الطبقات الكادحة ومحدودة الدخل بشقيها : الحد من ارتفاع كلفة المعيشة من جهة وتقديم خدمات عامة مجانية بشكل فعال من جهة أخرى . وعلى الصعيد السياسي ، نلاحظ أن فئة التجار تنتهز كل الظروف المؤاتية لتحقيق أرباح ضخمة . ومن ابرز هذه الظروف مثلا الاعتقاد في هشاشة الحكم ، طبيعة ونوع الأحداث الداخلية ، النزاعات الحدودية ،ارتفاع الأجور نتيجة لارتفاع الأسعار لا سيما المواد الغذائية ،وانخفاض إنتاج الحبوب وشح الأرض والجفاف ، وتشديد الاتجاه نحو الاستيراد ...الخ ، أي المزيد من التبعية الاقتصادية استيرادا وتصديرا من خلال التجار المحتكرين أنفسهم . وهذا يعني سياسيا غياب الدولة كرادع يملك سلطة التوجيه والاختيار والتقرير ،وان فقدان الرقابة الإدارية الحازمة اتاح للتجار فرصا نادرة انتهزوها لكي يرفعوا الأسعار بدون حدود ، ويضعوا البلد في جو أزمة غلاء غير طبيعية قد يتسبب في ذهاب الجميع إلى الهاوية . على أن الدولة ، كسلطة مستمرة قادرة ،حتى في سياق الوضع الاقتصادي المغربي المأزوم ، على تحاشي ارتفاع بعض الأسعار ،رغم التبعية الكبيرة في الاقتصاد مثل المواد التالية : 1-تحاشي ارتفاع أسعار الزيوت سواء زيت العود أو زيت المائدة ، وذلك بتطوير وتشجيع غرس أشجار الزيتون مثل أسبانيا ، ثم تطوير الصناعة الزراعية نفسها وفصلها عن ضغوط السوق الخارجية -2انتهاج سياسة زراعية تسمح له ، بالمساحة الحالية المخصصة لزراعة الحبوب ،بان يسد حاجاته من الحبوب خاصة القمح وذلك بتطوير الري وتحديث تقنياته المستعملة ، مع مساعدة وتشجيع الفلاحين الصغار على عصرنة وسائل اشتغالهم وعملهم 3-إن الأسعار في السوق المغربية ليست كما هو الحال في السوق الرأسمالية العادية حيث تتحكم هناك العوامل الداخلية للإنتاج الوطني . إن الأسعار في المغرب تتحدد كما يلي : -- نتيجة للسعر العالمي -- تلاعب التجار والاحتكار -- فوضى الاستيراد والتصدير 4-تعزيز الرقابة على أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والخدمات وتحديد الأرباح وضرب الاحتكارات التجارية 5-تشجيع الصناعة الوطنية القادرة على المنافسة ، بحيث لا يؤدي ارتفاع الأسعار في الخارج إلى زيادة الأسعار محليا كما هو حاصل حاليا 6-حصر استيراد المواد الغذائية بالدولة ( الحبوب خاصة القمح الصلب والطري وحبوب العلف والزيوت..)منعا لتلاعب التجار المحتكرين 7-إن السلع الغذائية و الاستهلاكية الضرورية تشكل جزءا فقط من مجموع كلفة معيشة الطبقات الكادحة ، بينما يشكل إيجار السكن والصحة والتعليم والخدمات الأخرى الجزء الأكبر منها . لذلك يجب الاعتماد أيضا على : أ – تشريع قانون عادل للايجارات ، بحيث تخفض الايجارات الحالية الباهظة . ووضع اليد على الشقق التي تبقى أكثر من سنة فارغة وتأجيرها بأثمان تساوي 6 في المائة من كلفتها الأصلية ، وذلك لضرب الاحتكارات والسمسرة والجشع المضرين بالاقتصاد الوطني . ويبقى الحل السليم لازمة السكن هو قيام الدولة بالتشارك مع القطاع الخاص والجماعات والبلديات ببناء المساكن الشعبية التي تلاءم كلفتها مستوى معيشة الطبقات الكادحة . وفي هذا الصدد يجب : -- أن تخصص الدولة موازنة خاصة لبناء المساكن الشعبية مباشرة -- أن تقدم الدولة التسهيلات اللازمة لقيام تعاونيات لبناء المساكن -- أن تتحرك الابناك وعلى رأسها القرض العقاري والسياحي بتقديم تسليفات لذوي الدخل المحدود من اجل بناء أو شراء مساكن شعبية ، مع تخفيض أرباح الفائدة على اقتناء السكن كما معمول به في اروبة خاصة في فرنسا ب – ومن اجل أن تستطيع الدولة تخصيص موازنة خاصة لبناء المساكن على نطاق واسع يجب تعديل السياسة الضريبية التي يتحمل عبئها الطبقات الكادحة والفقيرة ومحدودة الدخل ، وذلك بتشريع قانون جديد للضريبة على الدخل وضريبة الأملاك المبنية يجبر الرأسماليين على دفع ضريبة تصاعدية تتكافأ مع مدا خيلهم . إن زيادة مردود الضرائب المباشرة ، الذي يجب أن يتضاعف على الأقل ،سيمكن الحكومة من أن تخصص موازنة كافية ليس فقط لبناء المساكن ،بل أيضا لتوسيع مجالات الخدمات العامة المجانية أو شبه المجانية في مجالات التعليم ، الصحة والماء والكهرباء ...الخ إن مشكلة الغلاء في المغرب هي مشكلة النظام الاقتصادي الراهن الذي يجعل الاقتصاد الوطني مرتهنا في الخارج والداخل ... مرتهنا في الخارج للسوق الرأسمالية العالمية متأثرا بشكل كامل بكل ما يجري فيها من تطورات دون أن يكون قادرا على التأثير فيها على الإطلاق ... ومرتهنا في الداخل لسيطرة الاحتكارات الجشعة المتغلغلة في كافة القطاعات والتي وصل أخيرا جشعها إلى حد التحكم بلقمة المواطن ودمائه وابسط حقوقه الإنسانية . وفي ظل نظام اقتصادي يطلق الحرية للمحتكرين ، ويفرض القيود على المبادرات الشعبية المتصدية للاحتكار ، تصبح مهمة الحاكم ، مهما كانت نواياه ، مقتصرة على الترقيع الذي سرعان ما سيؤدي إلى انفجارات بعد حين. ففي المغرب مثلا لا يمكن أن نتصور أن جلالة الملك يدشن ويشيد للتخفيف من قسوة عيش الطبقات الشعبية المسحوقة ، في حين نجد أن الاحتكاريين والرأسماليين والسماسرة الجشعين ، يخربون ما يقوم به الملك ويقفون حجرة عثرة أمام مبادراته الاجتماعية ، بالرقع من الأسعار المؤدي إلى الغلاء الذي تكتوي به الطبقات الشعبية الكادحة ومحدودي الدخل . انه تناقض صارخ لا يمكن فهمه إذا لم نضعه في السياق العام للأهداف التي تسعى الطبقة المركانتيلية تحقيقها . إن الزيادات التي عرفتها جميع السلع وبشكل مهول في الآونة الأخيرة ، وبتواطؤ النقابات والأحزاب مع الطبقة الاحتكارية والرأسمالية الهشة ، وبضغط من الابناك العالمية ، تعتبر مذبحة ومجزرة للفئات العسيرة العيش وللشعب الكادح المستضعف والمغلوب على أمره . إن عنف المال لا يختلف في شيء عن عنف السلطة . وكلاهما يؤدي ويسبب في الانزلاق نحو الهاوية التي ستكون لها مخلفات وعواقب خطيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمغرب .