يرى الباحثون في الترجمة إلى اللغة العربية أنها كانت أداة أساسية في بناء الدولة وتطورها منذ حكم محمد علي بمصر. لقد شكلت إحدى مفاتيح الخروج من التقليد والدخول في العصر الحديث عبر بناء دولة حديثة ووعي النخب العربية في المشرق والمغرب بدور الترجمة في التحديث. وقبل هذا الوقت بكثير، استخدم المستعمر الترجمة إلى العربية كأداة في يد الاحتلال لتشديد القبضة على البلدان العربية التي سقطت تدريجيا في شرك الاحتلال الفرنسي أو الانجليزي أو الإيطالي. ثم هناك نموذج ثالث لم يكن له ارتباط بالحاجات الوطنية أو الاستعمارية،بل جاء ليلبي أذواق القراء وحاجاتهم وانتظاراتهم. وقد ترافق هذا النموذج مع انتشار المطابع ودور النشر في المدن الكبرى. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والاستقلال التدريجي للدول العربية، أصبحت الترجمة جزءا من السياسات الثقافية واللغوية للدول العربية من خلال عمليات التعريب. كما دخلت البعثات الدبلوماسية على الخط لتجعل من الترجمة جزءا من سياسات المساعدات التنموية وأداة من أدوات الدبلوماسية الثقافية. ومع الهبة الجديدة للترجمة منذ بداية الألفية الثالثة، يسجل الباحثون والمهتمون مفارقة غريبة يلخصها الطاهر لبيب في: اتساع الترجمة إلى العربية وانحسار العربية في المؤسسات التعليمية والإدارات والفضاءات الخدماتية في البلدان العربية. من ثمة، يظهر أن «لا مستقبل للترجمة في المدى البعيد من دون حل المسالة اللغوية». لم تعد شعارات اللغة الوطنية أو القومية أو لغة القرآن والسيادة تنفع لما يحبل به الواقع من مفارقات وحقائق لا تخدم اللغة العربية أو الترجمة إليها. ولعل ما يحز في النفس أن العربية قادرة على الاستجابة لحاجات العصر التواصية، على اعتباران اللسانيات الحديثة تؤكد أن جميع اللغات قادرة على الوفاء بحاجات أهلها إلى التواصل، وبالتالي فان نهضة اللغة رهينة بنهضة أهلها، كما يوضح ذلك الأستاذ حسن حمزة (جامعة ليون الثانية). لقد استجابت العربية قديما «لحاجات المجتمع العربي الناشئ فتطورت وأصبحت لغة العلم بلا منازع على مدى قرون وقرون قبل أن تبدأ مرحلة الانحدار وينتقل مركز الحضارة والمعرفة إلى الضفة الأخرى من المتوسط». من ثمة، يظهر أن الترجمة إلى العربية اليوم هي أداة من أدوات تطوير العربية وجعلها في قلب عالمنا المعاصر. بالمقابل، لا بد للعرب أن ينهضوا حتى تتبعهم لغتهم لا العكس. يقول حسن حمزة: «حين يسهم العرب في النهضة العلمية الحديثة ويكون لهم دور فاعل فيها، فسوف يرون أن لغتهم لا تخذلهم، لان اللغة في حركتها تتبع حركة أهلها، وتتكيف للتعبير عن حاجاتهم ولن ينفع العرب اللجوء إلى هذه اللغة أو تلك في سبيل تطورهم». هذه بعض الإشكالات العميقة والمفارقات الخاصة بالعربية والترجمة. لن ينفعنا الهروب إلى اللغات الأخرى أو الانغلاق في عربية معزولة عن العالم. لا بد من حياة العربية بالترجمة. لابد من حياة العربية بين العرب حتى تحيا الترجمة إلى العربية.