لم نسع للقاء الصحافي والمعلق الرياضي سعيد زدوق قصد استطلاع محطات في مسيرته الطويلة في العمل في حقل الصحافة الرياضية خاصة بالتلفزة المغربية، فأغلبها معروف. هدفنا الأول من لقاء سعيد زدوق باعتباره شاهدا على تحولات كبيرة في حقل الإعلام الرياضي التلفزيوني هو استعادة أهم مفاصل هذا التحول وتسليط الضوء عليه دون أن نحرم أنفسنا من الوقوف عند تقاطعات شخصية لسعيد زدوق مع هذه التحولات. س: ما هو حجم الاهتمام الذي كان للرياضة في التلفزيون المغربي في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي في وقت كان فيه النشاط السياسي الرسمي بالخصوص يستحوذ على المشهد بشكل كبير؟ المشهد الرياضي في التلفزيون تحكمت فيه مجموعة من العوامل، أولها دخول تقنية "الفيديو" فتغطية النشاط الرياضي كانت تتم عن طريق "الفيلم" الذي لم يكن يستوفي الشروط الموضوعية لنقل الأنشطة الرياضية بالكيفية المطلوبة. كنت تحتاج إلى أن تأخذ معك أمتارا طويلة من الفيلم لتصوير لقطات أو مباراة في كرة القدم أو كرة السلة أو غيرهما من الألعاب. "الفيديو" دخل على مراحل، واقتصر الأمر بداية على الأحداث الرياضية في الرباط و الدارالبيضاء، فبدأت محاولات لإنتاج برامج رياضية. يمكن أن أقول إن ثمانينيات القرن الماضي كانت مرحلة تأسيس البرامج الرياضية في التلفزيون المغربي في صيغتها الحالية. برنامج "العالم الرياضي" مثلا ظهر نتيجة توفر إمكانية تصوير أربعة أحداث رياضية. إنها فترة مهمة والجمهور كان يقتنع ويقنع بأي شيء، فالنافذة الوحيدة المتاحة هي التلفزة المغربية، ولم تكن هناك مقارنة مع الخارج، كل ما نقدمه هو أحسن الموجود. المقارنة بدأت مع دخول "راي أونو" ( rai uno) وتي في 5 ( tv5). س: حتى نبقى في المستوى التقني، أذكر أن النقل المباشر لمباريات المنتخب الوطني لكرة القدم من بلدان إفريقية كان سيئا جدا ومثيرا لأعصابنا كجمهور. ماذا عنكم؟ كانت المباريات المنقولة محدودة في السبعينيات، أغلب الدول الإفريقية لم تنل استقلالها إلا في أواخر الستينيات وبداية السبعينات، وبالتالي لم تكن تتوفر على إمكانيات لنقل المباريات التي تجري على أراضيها. كان نقل مباريات من إفريقيا جنوب الصحراء أمرا نادرا في في هذه الفترة. أما مع بلدان شمال إفريقيا (الجزائرتونس ومصر مثلا) فكان هناك ما يسمى بالتبادل أي "صور المقابلة التي تجري في بلادك وأصور أنا المقابلة التي تجري في بلادي". في الثمانينيات تحسنت الأمور وأصبحنا ننقل مباريات من بلدان إفريقية، لم تكن هناك ملكية للحقوق وكان التلفزيون ينقل المباراة وكأنه صاحب الحقوق، والاتصال يتم مع تلفزيون البلد الآخر، ولم يكن هناك اتصال مع الجامعة أو جهة أخرى. س: لا يمكن الحديث عن ثمانينيات القرن الماضي دون التوقف عند محطة ألعاب البحر الأبيض المتوسط 1983، كان الصحافيون الرياضيون آنذاك، كما أتصور، مطالبين بتغطية المنافسات في أنواع رياضية لم تكن موضوع اهتمام حتى تلك اللحظة. كيف تعاملتم مع هذه التظاهرة الأولى حيث حجمها التي تنظم بالمملكة؟ أولا.. ألعاب البحر الأبيض المتوسط، أعتبرها مرحلة أساسية في التطور الرياضي بالمغرب، وفي تطور الإعلام الرياضي. كنا جميعا مجبرين على الانتقال من مرحلة الاعتماد على تقديم برنامج أسبوعي بلقطات عن مباريات إلى إنتاج ملخص يومي يوزع على الدول المتوسطية. لقد تم توظيف تقنيات كبيرة جدا في ذلك الوقت، مع أنها قد لا تمثل شيئا مقارنة مع المتوفر اليوم. اشتغل معنا زملاء من قسم الأخبار بالتحرير العربي في تغطية الألعاب، حيث يتم البحث عن الصحافي الأقرب لهذا النوع الرياضي أو ذاك ليعلق عليه.. ليس لدينا متخصصون في كل الأنواع.. الألعاب المتوسطية هي المسايفة ورفع الأثقال والجمباز والريكبي وغيرها. كنا نستعين أيضا ببعض المدربين وخبراء الجامعات الرياضية المغربية، وقد ساعدونا مشكورين في تبسيط بعض الأمور للمشاهد، ومعرفة أخرى تغيب عنا. نحن لدينا خبرة في الألعاب الجماعية، لكن في بعض الألعاب كانت لدينا معرفة بسيطة والمعلق عندما يريد التعليق على نوع رياضي يفترض فيه أن يكون متمكنا منه. الألعاب كانت مرحلة مهمة بالنسبة للجانب التقني أيضا التقنيون استفادوا من تغطية هذا الكم الهائل من المنافسات الرياضية، وأصبحوا يتقنون أشياء جديدة. المصورون أيضا ومصورونا كانوا أصلا يصورون الأنشطة السياسية والمسرحيات والأحداث الرياضية، وقد كانت الألعاب مناسبة خبروا فيها تصوير أنواع رياضية مختلفة، واكتسبوا ثقافة هذا النوع الرياضي وذاك. بعدها جاءت الألعاب العربية وتم تثمين مكسب ألعاب المتوسط. س: تحدثنا عن دور العامل التقني في تحديد مكانة الصحافة الرياضية في التلفزيون في الثمانينيات و التسعينيات بالخصوص، ماذا عن سقف الاشتغال في هذه المؤسسة آنذاك.. أفترض أنه كانت هناك أشياء ممكنة وأخرى غير ممكنة لأسباب غير تقنية هذه المرة؟ الإنسان عندما يشتغل في مؤسسة يكون على علم بخطها التحريري ومؤسستنا (الإذاعة والتلفزة المغربية، سابقا) تؤدي خدمة عمومية. لم يكن لدينا مجال لخلق نقاش فيه تصادم مع الفاعلين الرياضيين. كنا ننقل الخبر فقط وعلى هذا الصعيد لم يثبت أن تدخل مسؤول في أي شيء لكن بطبيعة الحال كانت هناك ملاحظات بما في ذلك من طرف الصحافة والجمهور. عموما كنا اثنين فقط أنا والسي لحمر (الصحافي والمعلق الرياضي محمد لحمر). أحيانا تكون هناك ملاحظات حول كلمة في مباراة أو موقف، لكن لم نصل إلى درجة أن يكون هناك بحث أو ما شابه. منذ البداية كنا نؤمن أن الرياضة ترفيه للمشاهد وليست موضوعا للنقاش أو الإثارة، فقد كانت علاقتنا أساسا مع المدربين والرياضيين واللاعبين، أما تصريحات المسؤولين في مجال الرياضة، فكانت نادرة، بعبارة أوضح كانت الرياضة من أجل الرياضة. س: طيب، هل كان غياب منافس يمثل وضعا مريحا لكم كصحافي رياضي في قناة هي الوحيدة المتاحة أمام الجمهور؟ وكيف كنتم في هذه الحالة تقيسون نجاح تغطية ما أو برنامج؟ عندما كنا نشتغل لم نكن نستشعر أننا كنا وحدنا في الميدان، بل كنا نعتبر أن هذا هو الوضع الطبيعي. لم يخطر ببال أحد أنه سيأتي يوم يتيح فيه "البارابول" آلاف القنوات. كنا نجتهد وكانت المنافسة داخلية. أما قياس مدى نجاح عملنا فكنا نرصده من خلال رد فعل الجمهور في الشارع وكانت هناك الصحافة أي الجرائد الوطنية. س: بالفعل، كانت الصحافة المكتوبة تقدم نقدا وافيا للنشاط الرياضي وللإعلام الرياضي أيضا. هل كان لما يكتب في الصحافة تأثير على طريقة اشتغالكم، بمعنى آخر هل كنتم تأخذون بعين الاعتبار ما يكتب؟ كانوا ينتقدون البرنامج (العالم الرياضي) والتعليق على الأحداث وخصوصا مباريات كرة القدم. أحيانا يكون النقد موضوعيا وأحيانا يكون قاسيا. كنا نتعامل مع انتقادات الزملاء في الصحف على أنهم على حق دائما، ومن ثمة نحاول ما أمكن بذل مجهود أكبر مع العلم أن لا أحد سيقول لك إنك في قمة النجاح. حقيقة، بعض الملاحظات كانت صائبة وملاحظات أخرى مصدرها كون الصحافي غابت عنه أشياء بخصوص الإمكانيات التقنية التي نشتغل بها. مثلا قد ينتقد البعض ما يعتبرونه تهميشا لمجال، بل قد يصل الأمر إلى الحديث عن تعتيم، فيما الحقيقة أننا نقوم بالتغطيات حسب إمكانياتنا. وعموما الأسبوع الذي يمر دون أن تكون هناك ملاحظة على التلفزيون نقول إن الأمور بخير. المهم لم يكن هناك "حقد" أو شيء في النفوس، فالصحافي يكتب من منطلق تطلعه لتلفزيون أفضل، ونحن نجتهد بامكانياتنا حيث لم يكن لنا مرجع نتبعه ولا برامج نشاهدها فنحاكيها. كنا نجتهد حسب معلومات تعلمناها من سابقينا، وهم لم يشتغلوا ب"الفيديو"، نحن بدأنا نستغل مثلا العرض البطيء، والحصيلة برنامج العالم الرياضي سنة 1983 أفضل منه في سنة 1982 والأخير أفضل من البرنامج الذي قدم سنة 1981. س: ماذا عن الإذاعة الوطنية؟ كيف كانت علاقتكم إبان اشتغالكم بالتلفزيون خصوصا في ثمانينيات وبداية التسعينيات بالبرامج الرياضية الإذاعية؟ العلاقة بين الإذاعة والتلفزيون كانت علاقة تكامل. كنا نشتغل أنا والزميل لحمر مع المرحوم نور الدين كديرة (صحافي ورئيس القسم الرياضي بالإذاعة الوطنية توفي في 29 دجنبر 1990) في الحصة الإذاعية "الأحد الرياضي" بدون تدخل من مدير أو مسؤول، وكنا نتعاون كل يوم أحد في جمع نتائج شطر الشمال وشطر الجنوب (بطولة كرة القدم) وهو عمل شاق لأن بعض النتائج لا نحصل عليها إلى في اليوم الموالي في حالة تهاطل أمطار على منطقة ما مثلا. المهم كان هناك تكامل وليس تنافس. س: وأنتم الآن تشتغلون في إذاعة (راديو بلوس) أصبحتم في وضع يمكنكم من رصد أوجه الاختلاف والتشابه في تغطية الحدث الرياضي عبر الأثير أو عبر الصوت والصورة. ثم هل انتشار القنوات التلفزيونية الرياضية حاليا يدفع الإذاعة إلى التركيز على المنتوج التحليلي أكثر من التغطيات التقليدية؟ كانت قوة الإذاعة في السابق تكمن في سرعة الحصول على نتائج كرة القدم بالخصوص، فكان لا بد من الاستماع ل"الأحد الرياضي" وكان الملايين ينتظرون النتائج في الثامنة والربع تقريبا، الإذاعة كانت الوسيلة الوحيدة على الإطلاق لمعرفة نتائج القسم الأول والثاني (من بطولة كرة القدم). بالنسبة للتلفزيون الملايين أيضا كانوا يتابعون برنامج الرياضة (العالم الرياضي) لمشاهدة الصور ولحسم كثير من النقاشات حول حالة هنا أو هناك في هذه المباراة أو تلك. اليوم كل مواطن هو صحافي ومصدر الخبر لم يعد وكالة أو جهازا إعلاميا، فالتنافس حاليا يتمثل في قوة التحليل والنقاش، والجمهور يعرف من يحلل بشكل جيد وبحياد ومن يقدم تحليلا ونقاشا من أجل جهة أو ضد جهة: التنافس في كيفية تقديم المنتوج. س: طيب كيف تقيمون بعد هذه التجربة الطويلة التحليل الرياضي في المغرب؟ من الصعب تقييم التحليل. هناك أولا مئات الآلاف من العروض التحليلية والكل يحلل إنها نفس الظاهرة السائدة في الغناء الكل يلحن ويغني، هذا هو الانفتاح. هناك من يعجبه الموجود أو لا يعجبه، وأنا كممارس لا يمكنني تقييم الوضع الحالي لأنني طرف أنتمي لجهة ويصعب علي بالتالي إعطاء رأي، مثلا هناك من يقول إنه سيتحدث بأسلوب راقي فيما آخر يقول إنه يتعين أن نتحدث بأسلوب رياضي أقرب للشارع، من يمكنه الفصل بين الطرفين؟ التقييم يعود للمستمع والمشاهد. س: في هذه النقطة بالضبط أريد أن أسأل: هل طغت نجومية الأبطال الرياضيين وما يتبعها من رصد لتفاصيل حياتهم على الحدث الرياضي البحت؟ هذه حقيقة. اليوم قد تتحدث عن انجاز رائع لبطل فتحقق 150 ألف من المشاهدات، وهناك من سيغطي قضية خاصة لنفس البطل تهم حياته الخاصة ولا علاقة لها بالرياضة فيتابعه 7 ملايين شخص، هل تستطيع أن تقول له إنك مخطئ؟ المعايير اختلفت كل شيء مباح وهذا هو الانفتاح الإعلامي. للأسف… أنت من يقول للأسف أنا أقول هذا هو الواقع. س: ونحن في نهاية هذا الحديث الشيق أجدني في حاجة لأن أسأل عن مباراة كرة القدم ما زالت مرارة نتيجيها في حلق السيد سعيد زدوق؟ لا أستطيع التحدث عن مباراة بعينها.عندما يخسر الفريق الوطني لكرة القدم مباراة، فأنت تشعر بالمرارة لأنك لست معلقا فحسب بل أنت محب. فحتى عندما كنا ننتقد المنتخب، فذلك من هول صدمتنا. ومع ذلك عند الهزيمة تبحث، كمعلق، عن عبارات تريح المشاهد بعض الشيء، من قبيل الحديث عن نقطة ضوء هنا أو هناك مع أن شعورك الله وحده يعلم به. (بعد لحظة صمت) لكن يمكن أن أقول إن إقصاء المغرب في تصفيات كأس العالم 2006 ترك مرارة شديدة بالنسبة لي، ليس بسبب التعادل مع تونس في رمضان بهدفين لمثلهما.. أبدا. قمت بعدها بقراءة في الإقصائيات التي خضناها واستنتجت أنه كان هناك مخطط لإقصاء المغرب من طرف منافس المغرب، كان هناك في اعتقادي مخطط ينفذ في الكواليس لنصل إلى الإقصاء. على كل أي مباراة يخسرها المغرب تبقى مرارتها في الحلق لبعض الوقت لكن المحترف ينسى لينتقل إلى شيء آخر.