واحد من أبناء الإعلام الوطني الذين تألقوا في الخارج، وها هو محمد عمور مديرا لقناة "بي إن سبورت" الإخبارية، وعندما يحكي عن مساره من معهد الصحافة بالرباط إلى القسم الرياضي بالتلفزيون المغربي قبل الهجرة، نستخلص الدرس مرة أخرى بأن البيئة العامة التي يشتغل فيها الصحافيون المغاربة هي التي تحكم على مردودهم، فقد كان يعمل تحت وطأة وزارة الداخلية ويقول إنهم كانوا مجبرين على تغطية رياضة الكولف بشكل سخيف، والمقابل هو أربعة ألاف درهم شهريا. ماذا لو كانت ظروف الجزيرة متوفرة في المغرب؟ كم من عمور سيكون عندنا؟ هذه حكاية نجاح نابعة من المعاناة والإصرار يرويها عمور باختصار وافتخار.
هل كانت لديك ميولات صحافية دفعتك لاختيار إتمام دراستك العليا في المعهد العالي للصحافة؟
بدون شك كانت لي ميولات للإعلام، إنما لم أكن متأكدا من أي مسار سأتخذه في الصحافة هل الرياضة أم شي آخر. الميول للصحافة والإعلام والتلفزة انطلق معي في سن مبكرة حيث كنت من المحررين الرئيسيين في مجلة الإعدادية التي كنت أتابع فيها دراستي، بعد البكالوريا لحسن حظي رسبت في امتحان المدرسة الإدارية، التي اكتشفت فيما بعد أن الدخول إليها لا يحتاج دائما إلى اجتياز المباراة كما هو حال طالبة التقيتها آنذاك.
أين كانت بداية مسارك المهني، وهل كانت الرياضة اختيارا أم صدفة ؟
لم يكن الأمر صدفة، إنما كنت مترددا بين الرياضة والسياسة الدولية، كنت منذ صغري وإلى اليوم مولعا بالتاريخ والدراسات والسياسية وتاريخ الفكر السياسي، ولما استشرت زملاء سبقوني في التخرج من المعهد العالي للصحافة، أشاروا علي بأفضلية الاشتغال في القسم الرياضي، لأنه القسم الأنشط في التلفزيون وفيه يصنع الصحافي الخبر وينجز الربورتاجات على عكس القسم الدولي في قسم الأخبار الذي كان المنتمي إليه بمثابة موظف يشتغل عددا من الساعات ويغادر مقر دار البريهي..واخترت القسم الرياضي بقصد الاستمتاع لأني كنت متابعا جيدا للرياضة منذ الطفولة، ولم أندم على هذا الاختيار والحمد لله.
ماذا تتذكر عن هذا العقد من الزمن؟
إلى حدود السنوات الأخيرة كان جو العمل جيدا، كان الفريق الصحافي الذي أشتغل بمعيته فريقا شابا إلى جانب المخضرمين الأستاذ سعيد زدوق والأخ محمد الأحمر كنا نتنافس بشكل شريف لتقديم الأفضل، الأجواء لم تعد كذلك فيما بعد لأسباب لا مجال لذكرها، وأحتفظ لفترة عملي بالتلفزيون المغربي بذكريات جميلة جدا.
و السبب الرئيسي لمغادرتي للمغرب كان ماديا بالأساس وفيما بعد لم أندم على إقدامي على هذه الخطوة حين اكتشفت أن الاستفادة لم تكن فقط بل كانت مهنية واجتماعية.
في السنوات التي قضيتها بدار البريهي ما هي الذكريات التي لا تنسى؟
أعتقد أني منذ البداية كنت أتوفر على أسلوب مختلف وطريقة خاصة في رؤية المواضيع والتعليق على الصورة والكتابة التلفزيونية للرياضة، والحمد لله تلقيت تشجيعا لكن كذلك مشاكل وعراقيل لا تخفى على المنتمين للجسم الصحافي .. كنت صبورا ولست من النوع المتسرع أعتقد أنني لم أنل فرصتي في التلفزيون المغربي بما يكفي، رغم أني صرت أعلق على مباريات المنتخب الوطني وأقدم برنامج "العالم الرياضي".
ما هو أسوأ ما تتذكر عن فترة عملك بالتلفزيون المغربي الذي كانت تديره آنذاك شخصيات من وزارة الداخلية؟
كنت دائما أضحك على نفسي عندما أتذكر التغطيات الصحفية لجائزة الحسن الثاني للغولف، مسابقة رياضية جميلة جدا يشارك فيها كبار المصنفين عالميا في هذه الرياضة رغم أنها بطولة ودية، والشيء الذي لم يكن جميلا بل كان بشعا، هو الضغط الذي كان يمارس علينا من طرف الإدارة أثناء تغطية أطوار الجائزة، كان لزاما أن ندخل وسط عقل المدير، ونستبق الأشياء التي يمكن أن يطلبها .. كنا نحس ب"الحكرة" بل بالاستعباد..
لماذا تقول بوجود استعباد في نقل أطوار رياضة الغولف؟
كانوا يتعاملون بغلظة شديدة، والأكيد أن المسؤولون أيضا كانوا يعيشون تحت الضغط لأن رئيس الجامعة الملكية المغربية للغولف آنذاك كان هو ادريس البصري، وزير الداخلية والرجل القوي، إدارة التلفزيون كانت مكونة من أطر وزارة الداخلية الذين كانوا ينقلون لنا الضغط الذي يتعرضون له بأسلوب مبالغ فيه.
وأتذكر الأسطورة "الجميلة" التي كنا نروج لها رغما عنا، والقائلة بأن الغولف سيصبح جزءا من المواد المدرسية في المؤسسات التعليمية العمومية، والله أخجل من نفسي عندما أتذكر هذا الكلام.
ما هي أسباب مغادرتك لدار البريهي؟
السبب الأساسي مادي.
كم كنت تتقاضى سنة 1999 عندما غادرت المغرب؟
آخر راتب تحصلته بما فيه التعويضات الاجتماعية العظيمة كان 4700 درهم، إنما كانت هناك تعويضات عن الأعمال الإضافية والتي أعترف أنها تحسنت كثيرا في السنوات الأخيرة، وأعلى ما كسبته من التلفزيون المغربي في شهر واحد لم يتجاوز7000 درهم، وهو أجر لم يكن مناسبا لرب أسرة وأب لطفلين، وبعد أن عشت طفولة سعيدة ومدللة، واجهت الفقر بكل صراحة في التلفزيون المغربي، كان من الصعب تقبل العيش في هذا المستوى وأن أعيش على مساعدات عائلية، وقررت إنهاء هذا الوضع، قرار تزامن مع إطلاق الفضائيات العربية.
أين كانت الوجهة بعدما غادرت التلفزيون المغربي ؟
كان المفروض أن تكون قناة أبو ظبي فقد ربطت اتصالات بمسؤولين منذ بداية تأسيس مركز الأخبار في أبو ظبي، كانت الأمور تتأخر بشكل غريب لم أفهمه لحد اليوم، رغم أنه تم استدعائي إلى أبو ظبي سنة1999، حيث قضيت أسبوعا في غرفة الأخبار.
الزميل محمد مقروف ربط الاتصال بالمعلق المعروف يعقوب السعدي وبفضلهما التحقت بدبي الرياضية، أمضيت سنة بدبي الرياضية، ولم يكن الوضع مناسبا على المستوى الأسري حيث لم أجد مدارس مناسبة لأبنائي كما أن الأجر لم يكن يستحق العناء.
فور التحاقي بدبي تلقيت اتصالا يرحب بي في قناة أبو ظبي الرياضية، من الناحية الأخلاقية ارتأيت أن لا أغادر "دبي الرياضية" إلا بعد أن أمضي سنة على الأقل، وعندما تأكدت أن الإقامة في دبي لا تناسبني قبلت عرض أبو ظبي واتصلت بالأخ محمد مقروف استجابة للعرض الذي تلقيته وأنا أزاول عملي في دبي الرياضية.
كيف التحقت ب"الجزيرة الرياضية" (بي إن سبورت حاليا)؟
كان من المفروض أن ألتحق بالجزيرة الرياضية قبل انطلاقها، وأكون واحدا من مؤسسيها ولو أنني أعتبر نفسي بكل تواضع أحد مؤسسيها على أكثر من صعيد، وعندما تواصل معي مسؤولو الجزيرة الرياضية، طلبت إرجاء التحاقي بالقناة الرياضية القطرية لسنة 2004، والتحقت بها، ومنحت فرصة التعليق على مباريات كرة القدم وتقديم البرامج وتغطية محافل رياضية كثيرة ومتعددة، وظل الأمر كذلك إلى أن تولى إدارة مجموعة القنوات ناصر لخليفي الذي اختارني لإدارة الأخبار في القناة.