لا يمكن للواحد منا عندما يتذكر مباريات المنتخب الوطني خلال العقود الثلاثة الماضية أن ينسى صوتًا قويًا كان يصرخ بأعلى قوة: "هادااااف.. هادااااف جميل"، وأحيانا يغيّر كلمة الهدف ب"إيصااااببة".. صوت يستعيده المغاربة مع أهداف خيري وكريمو في مرمى البرتغال عام 1986، وهدف لغريسي الذي أهلنا لمونديال 1994، وهدف الشاوش في مرمى السعودية، وهدف رغيب الذي أهلنا لمونديال 1998، وأهداف حجي وكماتشو وبصير. كما لو أن إبعاده من القناة الأولى عام 2006 كان لعنة أصابت المنتخب الوطني، توالت إخفاقات هذا المنتخب لدرجة أن صار التأهل إلى الدور الثاني في كأس إفريقيا حلمًا بعيد المنال، وكما لو أن القدر كان رحيمًا به، فلم يجعله يعلّق على مباريات خلّفت مرض السكري عند الكثيرين. سعيد زدوق، أشهر المعلقين الرياضيين في التاريخ المغربي، وابن حي تواركة بالرباط عام 1954، يتحدث لهسبريس عن أشياء كثيرة لم يلفها غبار النسيان بعد، وعن حكاية خروجه من القناة الأولى، وعن نظرته لمعلقين يقول إن الإنشاء استعمر طبائعهم. الجزء الأوّل بداية، كيف ولج سعيد زدوق عالم الإعلام الرياضي؟ لم أفكر يومًا في الاشتغال في المجال الإعلامي الرياضي، صحيح أنني كنت من المتابعين لكرة القدم، إلّا أنني ولجت عالم الصحافة عن طريق الصدفة. عندما كنت أدرس في مستوى البكالوريا، دفعت ترشيحي لمدرسة تكوين المعلمين وفي الوقت نفسه تقدمت لمباراة العمل كتقني في التلفزة المغربية. قبلت فيهما معًا لأختار التلفزيون لسبب واحد هو قربه دار البريهي من بيت الأسرة، وبالتالي توفير مصروف التنقل. دخلت التلفزة المغربية تقنيًا عام 1975، وبعد حصولي على البكالوريا، بعد ذلك بعام، كان ضروريًا لي البحث عن مصلحة أخرى تتيح لي التوفيق بين عملي ودراستي الجامعية، فلم أجد غير المصلحة الرياضية، وصراحة يرجع الفضل لاختياري هذه المصلحة إلى المرحوم عبد المجيد زهيد، الذي كان من القلائل الذين شجعوني على دخول مجال لم أفكر فيه سابقًا. وبفضل دعم رئيس مصلحة الرياضة آنذاك، الأستاذ الحسين الحياني، تمكنت من التوفيق بين العمل والدراسة، لأحصل على الإجازة في الحقوق عام 1979. ما هي أوّل مباراة قمت بالتعليق عليها؟ يجب أوّلًا أن أشير إلى أن أخذ المايكروفون والتعليق بشكل مباشر كان مسؤولية كبيرة لا يجب تحميلها بالكامل لمبتدئ، إذ يجب أن تسمح للناس بالاستئناس بصوتك عوض فرض نفسك عليهم منذ اللحظة الأولى، لذلك بدأت التعليق لمدة لا تتجاوز خمسة دقائق لكل شوط. أوّل مباراة علقت عليها كانت في ملعب الفتح، لكنني صراحة لا أتذكر الفريقين. أما أوّل مباراة علقت عليها بالكامل، فكانت في خارج أرض الوطن، وجمعت بين المغرب ومصر في إقصائيات كأس العالم لعام 1982. إلّا أنه ورغم تعليقي، لم أبدِ أيّ ملاحظات على طريقة اللعب، فقد كنت أؤمن بالتدرج في عملي، بدل قول كل شيء انطلاقًا من الأيام الأولى. صراحة أعتبر نفسي منتميًا لجيل محظوظ، فقد كنا قلة قليلة في مصلحة الرياضة، وأتيحت لي فرصة التمرين على التعليق بشكل أكبر خلال كأس فلسطين التي نظمت بالمغرب عام 1981، وبعدها دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط عام 1983. وقد كان لهذه الألعاب دور كبير في تطوير الرياضة ببلادنا وعلى الإعلام المرئي، إذ بفضلها انتقلنا من التغطية العادية إلى التغطية الاستثنائية. كنت من المرافقين للمنتخب المغربي الذي شارك في نهائيات كأس العالم بالمكسيك عام 1986، كيف كانت رحلتك مع منتخب حقق للمرة الأولى والأخيرة التأهل إلى الدور الثاني من هذه النهائيات؟ هذا الجيل من اللاعبين شارك في الألعاب الأولمبية والألعاب العربية، لذلك كان المغاربة يحفظون أسماء اللاعبين. كصحافيين، كنا نعتبر أنفسنا عنصرًا مكملًا للمنتخب، لم تكن هناك حواجز بيننا وبين اللاعبين، إذ لم نكن نبحث عن هفواتهم أو المشاكل الصغيرة، بل كنا نرى فيهم ممثلين للمغرب، وكان هاجسنا أن يصل المنتخب إلى ذروة عطائه، لذلك كان عاديًا أن نتقاسم الفندق، وأن نعانق بعضنا البعض في الانتصار، وعكسه المواساة عند الهزيمة، دون أن يؤثر ذلك على علاقة الاحترام بيننا. سعيد زدوق مع مجموعة من لاعبي المنتخب الوطني المشارك في كأس العالم 1986 لم أنسَ تلك الأيام التي علقت فيها على مباريات المنتخب رفقة محمد العزاوي، كانت بصدق فترة ذهبية في تاريخ المنتخب. فضلًا عن التعليق، عُرفت لدى المشاهد المغربي ببرنامج "العالم الرياضي"، كيف كانت بدايتك في هذا البرنامج؟ بدأت هذا البرنامج عام 1979 رفقة الزميل محمد لحمر. الفكرة أتت بعدما بدأنا التصوير بالفيديو، إذ كنا نستخدم سابقًا الفيلم، اكتشفنا أن هذه التقنية الجديدة تتيح لنا تجميع اللقطات بشكل أكبر، لذلك بدأنا البرنامج الذي كان يغطي مبارتين في الأسبوع فقط، قبل أن يتطور ليشمل كل مباريات البطولة. ضحينا بوقتنا من أجل هذا البرنامج، ونظرًا إلى أنه لم يكن لدينا منافس في ذلك الوقت، فقد كنا نجتهد وفق تصوّراتنا الخاصة. نجحنا في رهان الإبقاء على البرنامج إلى يومنا هذا، وهذا المسار من أكبر النجاحات التي حققتها في حياتي، رغم أنني كنت أقضي أحيانًا 18 ساعة من العمل يوميًا لأجل إنجازه، قبل أن أجبر على توديعه عام 2006 لماذا ودعت العالم الرياضي؟ تعرضت لوعكة صحية قبل تقديم إحدى حلقات هذا البرنامج قبل ذلك بعام، نقلت على إثرها إلى المصحة، بسبب تعاظم المسؤولية الملقاة على عاتقي خصوصًا أن فيصل العرايشي، المدير العام للقناة الأولى، رجل ملم بالرياضة عكس سابقه محمد إيساري، دون أن تكون ظروف الاشتغال داخل البرنامج مساعدة على تحقيق ما نصبو إليه. فكان قراري بتقديم طلب إعفائي من مسؤوليتي الإدارية على رأس مصلحة الرياضة دون أن أتخلى عن مسؤوليتي كصحافي في تقديم خدمة إعلامية جيدة للمشاهد المغربي، إلا أن بعض "أصحاب النوايا الحسنة" أوّلوا هذا القرار بأنه رغبة مني في عدم مواكبة التحوّلات التي كانت تباشرها الإدارة، لأرّد على هذه المزاعم بإطلاق برنامج "سمر رياضي" كمساهمة مني في إغناء خريطة البرامج الرياضية، زيادة على "العالم الرياضي". غير أنه بمجرّد ما تم تعيين رئيس مصلحة جديد خلفًا لي، لم تتم المناداة عليّ بعد ذلك لتقديم برنامج "العالم الرياضي" الذي كنا نتناوب عليه في الآونة الأخيرة، لأفهم أنه لم يعد مرّحبًا بي في البرنامج. ألم تتحدث معك إدارة مصلحة الرياضة عن سبب عدم المناداة عليك لتقديم "العالم الرياضي" من جديد؟ لا، لم تتحدث معي أبدًا في هذا الموضوع، لكن الأسباب الحقيقية لأي تغيير كما أعرف هو أن استبدال مقدم ما يتم عندما تجد أفضل منه، والحكم للمشاهد في أن يقول هل من خلفني كان أفضل مني أو لا. بقيت أقدم برنامج "سمر رياضي" الذي كان يستضيف نجوم الرياضة القدماء كل أسبوع، وفاز بمجموعة من الجوائز في مجاله، إلى أن توقف عام 2012 بمجرّد خروجي إلى المغادرة الطوعية، رغم أن العرايشي، كان قد أكد لي بأنه يمكنني الاستمرار في تقديمه حتى مع خروجي من المؤسسة. وبالتالي فأنا أجهل الأسباب الحقيقية لإنهاء هذا البرنامج.