* من إعداد الأستاذ محمد المو المحام بهيئة الرباط أولا: لماذا ضرورة تعديل الفصل 49 من مدونة الأسرة -التشريع حسب الفصل الثاني من الدستور وحسب ديباجة مدونة الاسرة هو تجسيد للارادة العامة للامة وهو من مهام البرلمان الامر الذي يتيح لهذا الاخير امكانية مراجعة الاحكام القانونية حسب المصلحة الانية والمستقبلية للمجتمع. وبالتالي فان اصلاح مدونة الاسرة خاصة الفصل 49 منها كجزء من اصلاح المنظومة التشريعة المغربية يبقى مقبولا كانتاج بشري مفتوح على المراجعة لاحقا وهو ما يعطي ضمنيا امكانية مراجعة المدونة من جديد. -المشرع المغربي اعتبر المدونة بعد اصلاحها "معلمة حقوقية ومجتمعية ونصا قانونيا يؤسس لمجتمع ديمقراطي وحداثي " فكيف يمكن القبول بهذا الوصف والجزء المتعلق بالحقوق المالية للمرأة في الاموال المكتسبة اثناء الحياة الزوجية لم يتم ضمان الحصول على هذا الحق لمحدودية الفصل 49 في ذلك . – عدم تمكين المرأة من الحصول على الاموال المنشأة اثناء الحياة الزوجية ساهم في تعميق الفوارق بين الجنسين وتحد من امكانية وصول النساء الى التمكن من الارض وسائل الانتاج وبالتالي تؤدي الى زيادة نسبة الهشاشة والفقر وعدم قدرة النساء من الخروج من دائرتها. – توجه الاسرة المغربية نحو نموذج "الاسرة الزوجية" التي اصبحت وحدة اقتصادية مستقلة مبنية على التضامن بفعل الصعوبات الاقتصادية والتحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع المغربي الامر الذي يجعل الزوجات يساهمن بقسط وافر في رعاية افراد الاسرة وتلبية مصاريفهم من خلال العمل المؤدى عنه او غير المؤدى عنه مما يساهم بالمقابل في التلاحم والترابط الاسري والاجتماعي بحيث: *تبلغ نسبة العمالة النسائية 25.3 بالمائة وقد ترتفع نسبة النساء المشتغلات في بعض القطاعات والاوساط الى اكثر من ذلك بكثير كما هو الحال مثلا في المجال القروي حيث تصل هذه النسبة الى 36.9 بالمائة *تمارس مئات الالاف من النساء انشطة اقتصادية منتجة لكنها غير مؤدى عنها (70 بالمائة من اليد العاملة النسائية القروية) *فقط 4.4 في المائة من النساء القرويات هن مستغلات فلاحيات و 6 في المائة من النساء الحضريات مقابل 12 في المائة من النساء القرويات صاحبات نشاط اقتصادي او يمكن اصولا انتاجية *تساهم النساء بقسط وافر في العمل المنزلي وخدمات الرعاية بدون مقابل وقد اظهرت النتائج الاولية للبحث الوطني الخاص باستعمال الوقت ( المندوبية السامية للتخطيط 2012) بان اكثر من 23 مليار ساعة تخصص للعمل المنزلي, 92 بالمائة منها تقوم بها النساء. *تتراوح مساهمة النساء في الناتج الداخلي الخام حينما يتم توسيعه ليشمل الخدمات الاسرية غير السلعية بين 39.7 في المائة و 49.3 في المائة حسب تقديرات المندوبية السامية للتخطيط. رغم هذه المساهمة المهمة للزوجات سواء من خلال العمل المؤدى عنه وغير المؤدى عنه للاسف لا تأخذ بعين الاعتبار اذ تصبح غير مرئية عند البث في الدعاوي الرامية الى اقتسام الممتلكات اذ يتم التقليل من قيمة هذه المساهمات في تنمية اموال الاسرة هذا المعطى يساهم في تعميق الخلفية الذكورية التميزية التي تقول "بان النساء عيال" ويوجدون تحت كنف الرجال وتحت رعايتهم "بل الاكثر من ذلك ذهبت بعض الاحكام القضائية الى اعتبار العمل المنزلي ورعاية الابناء واجب ملقى على عاتق الزوجة ولا يدخل ضمن العمل المؤسس لاستحقاقها لنصيبها في الاموال المنشأة اثناء الحياة الزوجية " قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة. ثانيا: المرتكزات الحقوقية والدستورية 1- على مستوى روح ونص الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل المغرب وهي ملزمة له بصفته طرفا فيها وخاصة منها: *اتفاقية رفع كافة اشكال التمييز ضد المراة المصادق عليها من طرف المغرب بظهير 2-93-4 بتاريخ 14 نونبر 1993 والتي تنص في المادة 1 من الفقرة ج على ضرورة الحماية القانونية لحقوق المراة على قدم المساواة مع الرجل واضافت المادة 13 الفقرة الاولى من نفس الاتفاقية الحق في الحصول على الاستحقاقات العاشلية كما تقر المادة 16 في فقرتها ج للزوجين نفس الحقوق فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات والاشراف عليها وادارتها والتمتع بها والتصرف فيها.. وحيث ان المغرب اعلن مؤخرا على رفع كافة تحفظاته على الاتفاقية اعلاه بما فيها المواد المذكورة. *اعلان القضاء على التمييز ضد المراة خاصة المادة 6 منه التي تنص في فقرتها الاولى على ضرورة ضمان حق المراة في التملك وادارة الممتلكات والتمتع بها بما في ذلك الاموال التي حازتها اثناء العلاقة الزوجية . *ملاحظات وتوصيات مجلس حقوق الانسان والهيئات المنشأة بموجب المعاهدات الدولية لحقوق الانسان والمكلفة برصد امتثال الدول الاطراف للالتزاماتها التعاقدية. 2- على مستوى روح ومقتضيات الوثيقة الدستورية -التنصيص في ديباجة الدستورعلى مسعى الدولة لارساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالامن والحرية والكرامة والمساواة وتكافئ الفرص والعدالة الاجتماعية – اعلان المغرب في ديباجة الدستور على التزامه بمرجعية حقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا مع الالنزام ايضا بالعمل على حمايتها والنهوض بها. – التنصيص على سمو المواثيق الدولية لحقوق الانسان المصادق عليها من طرف المغرب على التشريعات الوطنية ووجوب ملائمة هذه الاخيرة معها – حظر ومكافحة كافة اشكال التمييز بين الجنسين او اللون او المعتقد او الثقافة او الانتماء الاجتماعي او الجهوي او اعاقة او اي وضع شخص مهما كان – التنصيص بشكل مباشر على مبدأ المساواة بين الرجل والمراة في الفصل 19 وذلك في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية . – التأكيد على استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة في الحقوق الاساسية التي يضمنها الدستور. ثالثا: قصور مقتضيات الفصل 49 من المدونة في ضمان حقوق النساء في الاموال المنشأة اثناء الحياة الزوجية ومن تم الانحراف على مبادئ وفلسفة نظام "تمازالت" (حق الكد والسعاية ) -يعتبر الفصل 49 من المدونة من المستجدات التي جاء بها التعديل الذي طرأ على قانون الاحوال الشخصية سابقا ولعل هذا المعطى القانوني يجد مرجعه بالاساس في نظام "تمازالت" الموجود في القانوني العرفي الامازيغي والذي يقوم على اقرار حق الزوجة في المطالبة بالحصول على نصيبها من الاموال المكتسبة خلال الحياة الزوجية باعتبارها شريكة اصليا في تلك الاموال استنتادا لما قدمته من سعاية وجراية (ثازلا) في تكوينها وانمائها والحفاظ عليها. وحسب نظام تمزالت فالاصل في الاموال المنشأة اثناء قيام العلاقة الزوجية هي اموال مشتركة بين الزوجين وعلى من يدعي العكس نفي نظام الكد والسعاية (تمازالت) ولا يضير في ذلك استئثار الزوج بالمشتريات والممتلكات وجعل سنداتها باسمه الخاص. وفيما يلي بعض القواعد الفقهية المغربية المؤسسة لنظام تمازالت : *قول الفقيه عبد الواحد المزوري: " وبين اهل الكد نصفا اقتسما —— كل بقدر كده لتكرما" "واذا استفادا اهل البيت من ذمتهم وكدهم فانهم يقسمونه انصافا.." ( العمل السوسي في الميدان القضائي نظم ابي زيد عبد الرحمان عبد الله الجشتيمي, شرح ومقارنة عبد الرحمان بن محمد الجشتيمي الطبعة الاولى 1984 مكتبة المعاريف للنشر والتوزيع 1/284 و 1/285. *قول الفقيه ابراهيم الشهيد الركني ما نصه" …والمنصوص عن العلماء خلفا وسلفا ان الزوجين اذا استفاد من سعيها وكدها يشتركان بقدر عملهما.. فتختص الزوجة بسعيها وكدها.. ( المجموعة الفقهية في الفتاوي السوسية جمع وترتيب محمد المختار السوسي اعداد عبد الله الدرقاوي تقديم محمد المنوني الطبعة الاولى 1995 مطبعة النجاح الجديدةالدارالبيضاء ص 260-261). *وجاء في احدى الفتاوي ايضا: " والسلام على مصامدة وجزولة ان الزوجة شريكة لزوجها فيما افاداه مالا بتعبها وكلفتها مدة انضمامها ومعاونتها ولا يستبد بما كتبه على نفسه بل هي شريكة له فيه بالاجتهاد والشركة (العمل السوسي في الميدان القضائي نظم ابي زيد عبد الرحمان بن عبد الله الجشتيمي شرح ومقارنة الرحماني عبد الله بن محمد الجشتيمي الطبعة الاولى 1984 م مكتب المعاريف للنشر والتوزيع 1/284. على ضوء هذه القواعد المؤسسة لنظام "تمازالت" وتطبيقاتها العملية على النوازل المعروضة على القضاء في الجنوب المغربي سيتضح ان مقتضيات الفصل 49 من المدونة وان اخذت مرجعيا بهذا النظام فان صياغة هذا النص خرجت عن فلسفة ومبادئ هذا النظام بل قلبت قواعدها بشكل عكسي الامر الذي ساهم في تضارب التطبيق القضائي للدعاوى الرامية الى تطبيقه بالشكل الذي ادى الى بلورة توجه عام في اغلب المحاكم يروم التشديد على حرمان النساء من الحصول على نصيبهن من الاموال والممتلكات المنشأة اثناء الحياة الزوجية بالتشديد على ضرورة اثبات المساهمة المباشرة في انشاء وتنمية الممتلكات ويتجلى ذلك فيما يلي: -التنصيص على استقلال الذمة المالية للزوجين بينما في نظام "تمازالت" يفترض اتحاد الذمة المالية للزوجين وان الاصل هو الاشتراك في الاموال والممتلكات المنشأة اثناء الحياة الزوجية . -تأكيد الفصل 49 على هذه الاستقلالية للذمة المالية بالتنصيص استثناءا على امكانية ( غير الزامية طبعا) الاتفاق الاختياري على استثمار وتوزيع هذه الاموال من خلال وثيقة مستقلة عن عقد الزواج مع الزام العدول باخبار الزوجين بهذه المقتضيات . -اثبت الواقع العملي ان هذا المقتضى الاخير لا يرقى الى مستوى قاعدة قانونية ملزمة ومؤسسة للحق وضامنة له بقدر ماهي سوى قاعدة قانونية غير امرة ترقى لمجرد نصيحة من المشرع. -وقد كان واضعي مدونة الاسرة يسعون من خلال هذا المقتضى الى تحقيق تجاوب اختياري ايجابي من قبل الزوجين ووضع هذه الوثيقة عند ابرام عقد الزواج الا ان هذا الرهان خاسر منذ البداية وذلك راجع للثقافات السلبية السائدة اتجاه المراة والتي تعتبر تمسكها بهذا الحق اشارة سيئة على نيتها الغير الحسنة في الارتباط الزوجي الامر الذي ادى الى عدم وجود مثل هذه الاتفاقات في عقود الزواج المبرمة بعد دخول مدونة الاسرة حيز التنفيذ. -وامام هذا الفراغ تبقى الفقرة الاخيرة من الفصل 49 من المدونة هي المؤطرة قانونا للدعاوى الرامية الى اقتسام الممتلكات المكتسبة اثناء الحياة الزوجية والتي تلقي بعبئ الاثبات على الزوجة هذه الاخيرة يصعب عليها امام التشديد المتبع من طرف القضاء الاتيان بوسائل اثبات قاطعة على مساهمتها اذ لا يشفع لها العمل المنزلي ولا توفرها على مهنة او حرفة مدرة للدخل للقول بافتراض المساهمة بل تكون ملزمة باثبات المساهمة المباشرة في هذه الاموال ( تحويلات بنكية – فواتير شراء – اداء مباشر لاجرة عمال البناء..) وهي وسائل اثبات مندثرة بحكم الزمن وبحكم حسن النية الذي يجعل اغلب الزوجات لا يحتفظن بما يرصد هذه الاثباتات. رابعا: مقترحاتنا لتعديل الفصل 49 من المدونة انطلاقا من: * محدودية الفصل 49 من المدونة وقصوره في ضمان الحماية المالية لحقوق المرأة في الاموال المنشأة اثناء الحياة الزوجية. * التضارب في العمل القضائي والناتج عن صياغة الفصل 49 من المدونة التي يفتح المجال لقراءات متعددة ومتناقضة. * ضرورة استحضار التعديل المرتقب للاختلالات التي افرزها التطبيق القضائي لمقتضيات المادة 49 من المدونة * عدم الاستجابة للامكانية الاختيارية بخصوص ابرام عقد الاتفاق المنصوص عليه في الفصل 49 من المدونة * الحاجة في الاستعاب المرجعي لقواعد نظام تمازالت بما يمنح للنص القانوني فعالية في ضمان حقوق النساء في الاموال المنشأة اثناء العلاقة الزوجية فاننا نقترح ان يكون تعديل الفصل 49 باعتماد مايلي: * التنصيص على اعتبار الاموال االمنشأة اثناء العلاقة الزوجية عند غياب الاتفاق المشار اليه ادناه مشتركة بين الزوجين بغض النظر عن من استأثر بتسجيلها في اسمه الخاص وعلى من يدعي العكس اثبات ذلك وفقا للقواعد العامة للاثبات. * الزامية ابرام وثيقة الاتفاق على استثمار الاموال المكتسبة اثناء الحياة الزوجية وتوزيعها مع ضرورة تحديد نصيب كل واحد من الزوجين على ان لا تقل نسبة هذا النصيب عن الربع من مجموع ما سيتم اكتسابه من اموال وممتلكات والكل تفاديا لاي تحايل محتمل كالاتفاق مثلا على اسقاط حق احد الزوجين او تحديد نسب ضئيلة من نصيبه المحتمل في هذه الاموال (0.005 /100). * جعل وثيقة الاتفاق جزء من الوثائق المكونة للملف الاداري الذي تتوقف عليه عملية ابرام عقد الزواج وتوثيقه. * في حالة وفاة احد الزوجين لا تخضع التركة للقسمة من طرف الورثة الا بعد فرز نصيب مساهمة الزوج المتبقى على قيد الحياة في اطار الكد والسعاية .