يعتبر موضوع الحضانة من أهم المواضيع على الإطلاق سواء على مسوى التشريع المقارن أو التشريع المغربي، وهذا الموضوع يهم خلية ونواة المجتمع وهي الأسرة، ويهم بشكل أكثر الطفل. وقد عرف لنا المشرع المغربي الحضانة من خلال المادة 163 من مدونة الاسرة بأنها :”الحضانة حفظ الولد مما قد يضره، والقيام بتربيته ومصالحه…” ونظم لنا المشرع المغربي موضوع الحضانة في مدونة الأسرة، بالتحديد في القسم الثاني (من المادة 163 الى 186) من الكتاب الثالث المعنون بالولادة ونتائجها. لكنني سوف أسلط الضوء على موضوع له من الأهمية بما فيه، سواء على المستوى النظري، حيث نلاحظ بأن المشرع المغربي يحث على مراعاة مصلحة المحضون، وهذا ما أكدته المادة 186 من نفس المدونة، حيث نصت على ما يلي :”تراعي المحكمة مصلحة المحضون في تطبيق مواد هذا الباب”، بالإضافة إلى ذلك، له أهمية بالغة على المستوى العملي، وتبرز هذه الأهمية من خلال دور العمل القضائي في حماية المحضون من تعرضه لأي ضرر. وعلى هذا الأساس، إرتأيت تناول هذا الموضوع من خلال مقتضيات المادة 179 من مدونة الأسرة التي تتعلق بأحكام الإنتقال بالمحضون خارج التراب الوطني، دون التركيز على أحكام الانتقال بالمحضون داخل التراب الوطني. وبالرجوع الى المادة 179 التي تهمنا، نجدها تنص على ما يلي: “يمكن للمحكمة بناء على طلب من النيابة العامة، أو النائب الشرعي للمحضون، أن تتضمن في قرار إسناد الحضانة، او في قرار لاحق، منع السفر بالمحضون إلى خارج المغرب، دون موافقة نائبه الشرعي. تتولى النيابة العامة تبليغ الجهات المختصة مقرر المنع، قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ ذلك. في حالة رفض الموافقة على السفر بالمحضون خارج المغرب، يمكن اللجوء إلى قاضي المستعجلات لاستصدار إذن بذلك. لا يستجاب لهذا الطلب، إلا بعد التأكد من الصفة العرضية للسفر، ومن عودة المحضون الى البلد.” والبين من خلال هذا النص أعلاه أنه يتضمن قيدا على الحضانة، حيث يحق لكل من النيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا في المادة الأسرية (راجع المادة 3 من نفس المدونة)، أو النائب الشرعي للمحضون، التقدم بطلب إالى رئيس المحكمة من أجل ضم قيد على الحضانة المتمثل أساسا بمنع السفر بالمحضون خارج التراب الوطني، دون الحصول على موافقة صريحة من النائب الشرعي. وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى ما يلي : “… لكن حيث ان الطالبة لما أسندت إليها الحضانة على الابن المذكور كانت تقيم في المغرب، وبالتالي لا يجوز لها أن تسافر بالمحضونة خارج المغرب الا بموافقة والده المطلوب، أو الحصول على إذن من المحكمة بذلك طبقا للمادتين 178 و 179 والا سقط حقها في الحضانة ، وإذ هي أكدت بأنها أرسلت المحضون إلى اسبانيا مع والدتها ودون موافقة والده ، ولا يوجد بالملف ما يفيد حصوله على اذن المحكمة المذكور ، فإن المحكمة لما قضت بإسقاط حضانتها استنادا على ما ذكر، وباعتبار أن وضعية المحضون في اسبانيا غير قانونية كما جاء في تعليل الحكم الابتدائي الذي أيدته المحكمة ، فإن قرارها جاء معللا بما به الكفاية، ومبنيا على أساس، ويبقى ما أثير لا أساس له”1 . علاوة على ذلك، وبموجب الفقرة الثانية من المادة أعلاه، فإن النيابة العامة هي من تتولى تبليغ الجهات المختصة مقرر المنع الصادر عن المحكمة، من أجل إتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ ذلك. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: حالة رفض النائب الشرعي الموافقة على السفر بالمحضون؟ ففي هذه الحالة، ما هي الإجراءات التي يتوجب اللجوء إليها ؟ والحالة هذه، يمكن للطرف الذي يرغب باصطحاب المحضون معه خارج التراب الوطني،أن يلجأ إلى قاضي المستعجلات لاستصدار أمر بذلك، وكما هو معلوم فقاضي المستعجلات لكي يكون مختصا للبت في الطلبات المعروضة عليه، فإنه يتوجب توفر شرطين،الشرط الأول يتمثل في عنصر الإستعجال، أما الشرط الثاني فيتمثل في ضرورة عدم المساس بالموضوع. لكن لا يستجاب لهذا الطلب إلا بعد التأكد من الصفة العرضية للسفر، ومن عودة المحضون إلى المغرب. ورغم ما قيل فإن قاضي المستعجلات كلما تبين له بأن السفر بالمحضون خارج التراب الوطني واجب قبوله، كالسفر بالمحضون من أجل متابعة الدراسة أو من أجل العلاج أو من أجل السياحة لمدة وجيزة ثم العودة الى المغرب، فإن قاضي المستعجلات والحالة هذه، يأذن بالسفر بعد تأكده من عودة المحضون، وفي ذلك تكريس لمقتضيات المادة 186 المشار إليها أعلاه. وفي ظل ما تعيشه الإنسانية جمعاء إثر إنتشار فيروس كورنا كوفيد 19، حيث إنقلب العالم بأسره ٍرأسا على عقب، بل دخل في حرب ضد عدو خفي لا يمكن رؤيته، وهذا الأخير حصد العديد من الأرواح سواء على المستوى الدولى بصفة عامة، أو داخل التراب الوطني بصفة خاصة. ونتساءل هل يحق للحاضنة بعد تقدمها بطلب لقاضي الستعجلات، أن يأذن لها هذا الأخير بالسفر بالمحضون في ظل ما يعيشه العالم؟ يجيب على هذا التساؤل الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإبتدائية بالرباط بإعتباره قاضيا للمستعجلات “…وحيث أنه ولئن كان يحق للحاضنة وعملا بمقتضيات المادة 179 من مدونة الاسرة اللجوء الى رئيس المحكمة باعتباره قاضيا للمستعجلات من اجل الاذن بالسفر العرضي بمحضونها خارج التراب الوطني عند امتناع نائبه الشرعي الا ان مناط كل ذلك هو مراعاة المصلحة الفضلى للمحضون التي أوكل للقضاء مسؤولية حمايتها والحرص على ضمانها. ….وحيث إنه بإجماع ما ذكر على الوضع الراهن للعالم الذي يشهد تفشي فيروس كورونا كوفيد 19 بالعديد من دول المعمور وباعتبار الحق في الحياة والحق في الصحة من الحقوق الاساسية لاي طفل وخشية ما قد ينجم عن الاذن بالسماح للمحضون بالسفر في الظروف الحالية ……..ولكون منح الاذن بالسفر من عدمه يدور مع مصلحة المحضون وجودا وعدما ، وباعتبار الاذن له بالسفر في ظل الظروف الحالية فيه اهدار لتلك المصلحة التي تبقى هي الاولى بالحماية ، فإنه ولمجمل ما ذكر يكون طلب الاذن للحاضنة في الوقت الراهن بالسفر بمحضونها خارج ارض الوطن على ضوء ما فصل غير مبرر يكون مآله الرفض “2. والبين من خلال هذا الأمر الصادر عن قاضي المستعجلات، رفض طلب الحاضنة، وفي ذلك تكريس لما جاء في المادة 186 التي تؤكد بأنه يجب على المحكمة مراعاة المصلحة الفضلى للمحضون، والسفر به في ظل هذه الظريفية الحرجة قد تتمخض عنه العديد من السلبيات ولعل من أبرزها إمكانية إصابة المحضون بفيروس كورونا، بل حتى وفاته، حيث أن الدول الأوربية تعرف إنتشارا هائلا في اليوم الواحد لهذا الفيروس، وبالتالي فهذا الأمر مبني على أساس إحترام الحق في الحياة الذي تحميه التشريعات السماوية، بإعتباره حقا مقدسا، وكذلك بموجب الدستور بإعتباره أسمى قانون خاصة الفصل 20 منه الذي ينص على أن :”الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق.” وكذلك ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948. وختاما، نؤكد على ضرورة مراعاة المصلحة الفضلى للمحضون أثناء تطبيق مواد مدونة الاسرة المتعلقة بالحضانة، وفي ذلك تكريس لمبتغى المشرع المغربي من حماية المحضون. وكذلك نلاحظ بأن القضاء يلعب دورا محوريا في موضوع الحضانة ككل، وأحكام الانتقال بالمحضون خارج التراب الوطني على وجه الخصوص، ونقصد القضاء الاستعجالي. * طالب باحث بسلك ماستر المهن القانونية والقضائية / كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية تطوان