منذ الإعلان عما سمي ببرنامج (انطلاقة) لدعم وتمويل المقاولات الصغرى ، بدأ كثير من الناس – وخاصة من الشباب – يسألون ،وبإلحاح، عن مدى مشروعية الاستفادة من القروض التي تقدمها الدولة لأرباب المشاريع الصغرى بفائدة يسيرة لا تتجاوز 2% في المدن و1,75 % في القرى .. وكانوا يتلقون الإجابة عن هذا السؤال مباشرة من طرف عدد من أهل العلم وطلبته المبرّزين ، إلا أن معظم تلكم الإجابات لم تذع ولم تنشر عبر مختلف الوسائط الإعلامية والتواصلية … لكن بمجرد أن صدرت الإجابة عن السؤال المذكور من طرف الفقيه المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني حفظه الله ، ورُوّج لها بشكل سريع ، تلقفتها كثير من المنابر والمواقع الإعلامية الإلكترونية ، فحرفت مضامينها ، وأعلنت في الملإ أن (الدكتور الريسوني يبيح الاقتراض بالفائدة المخفضة لأصحاب المقاولات الصغرى والمتوسطة ) أو ( يرى أن قروض برنامج “انطلاقة” مشروعة وليست ربوية ) …الخ … هكذا على الإطلاق، بدون قيد ولا شرط ‼ وهذا تحريف لإجابة فضيلة الدكتور أحمد الريسوني وتشويه لمضامينها … والغريب أن عددا من طلبة العلم الذين يفترض فيهم التحري والتثبت والتبين والإنصاف … تعجلوا وتسرعوا في الرد على (فتوى) الدكتور الريسوني ، إما بناء على ما نُشر حولها عبر مختلف الوسائط الإعلامية ، وإما بالاستماع إليها، لكن دون إمعان النظر فيها ، فتوهموا أن الدكتور الريسوني يجيز الاستفادة من القروض الربوية إذا كانت نسبة الفائدة ضئيلة بإطلاق ، ويعتبرها من القرض الحسن الذي أمر الله به ‼ ، مع أن الموقف الرشيد يقتضي التثبت والتبين وتمحيص القول المنقول والمسموع ، والتحقق من صدقه قبل إفشائه وإذاعته ، بله التعجل في الرد عليه . وقد هالني وأفزعني كثيرا تطاول وتجاسر بعض هؤلاء المستعجلين على الفقيه المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني ، واستخفافهم به ، ورميه بما هو منه براء من التهم الثقيلة الزائفة العارية عن شبهة دليل ، من قبيل : تَعَمُّد قلب الحقائق الشرعية ‼ وخيانة الأمانة ‼ وتحليل ما حرم الله ‼ …الخ … إن هي إلا افتراءات وأراجيف يكذبها الواقع … نعم، قرأت لبعض الأفاضل ردودا على الشيخ الدكتور الريسوني، اتسمت في مجملها بالعدل والإنصاف ، بصرف النظر عن كونها – في الجملة، أو في بعض مضامينها – صحيحة أو غير صحيحة … وفي المقابل ، أعلن بعض الإخوة الكرام تأييدهم المطلق لفتوى العلامة الريسوني ، ومنهم من أيدها دون إدراك لمحتواها، فراح يقول : أنا مع شيخي أحمد الريسوني فيما ذهب إليه من جواز الاقتراض من البنوك الربوية بفائدة يسيرة ‼ ومنهم من أخذته الحمية للدكتور الريسوني، فأبعد النُّجْعة في رده على المخالفين لفتواه ، واتهمهم على العموم بقلة الفهم ، والقصور، وعدم استيعاب النازلة، وعدم الإلمام بالواقع… الخ … وكلا الطرفين تنكب سبيل العدل والإنصاف … وأنا أقول للذين تعجلوا الحكم على فتوى الدكتور الريسوني، ورموه بتهم زائفة : كان عليكم أولا أن تتثبتوا وتتبينوا وتمحصوا الفتوى قبل أن تتسرعوا في الرد عليها وانتقادها .. ثم إنكم تدركون لا محالة أن فضيلة العلامة أحمد الريسوني أكبر من أن يتهم في دينه وعلمه ، فالرجل مشهود له بالغيرة على الدين، والصلاح والإصلاح والعلم والاجتهاد، وتحري الحق وتوخي اتباعه … فلا يُزَايدَنَّ عليه أحد في ذلك كله .. وفي المقابل، أذكّر الإخوة المتماهين مع كل اجتهادات الدكتور الريسوني، من غير تمحيص، بضرورة استحضار ما يوقنون به من أن فضيلته ، وكغيره من أهل العلم، معرض للخطإ والزلل بحكم بشريته ، وما قد يصدر عنه من هفوة أو خطإ عن اجتهاد يغمر في بحر علمه وفضله ، لكن لا يُقَرّ عليه ، بل يناقَش فيه ويُرَدّ عليه بأدب واحترام وتقدير ، وهو مأجور على كل حال في اجتهاده … – هذا، وإذا عدنا إلى (الفتوى) التي أثير جدل كبير حولها، وأمعنا النظر فيها، يتبين لنا ما يلي : أولا : أن فضيلة العلامة الدكتور أحمد الريسوني لم يَجْزٍم أن القروض المقدمة لذوي المشاريع الصغرى بالنسبة المخفّضة المذكورة سلفا لا يُقصد منها الربح ، بل استظهر ذلك ، بناء على انخفاض نسبة الفائدة المترتبة عليها ، وكذا لاحتمال أن تكون تلك النسبة في مقابل تغطية مصاريف دراسة الملفات والخسائر المحتملة … كما لم يَجزم أنها من قبيل (القرض الحسن) ، بل اعتبر أنها تشبه القرض الحسن أو تقترب منه ، إلا إذا تمّ التحقق من كون الزيادة الضئيلة على القروض هي فعلا في مقابل تغطية المصاريف والخسائر المحتملة ، فتكون حينئذ من القرض الحسن بدليل قوله : « فإذا فرضنا أن هذه النسبة هي فقط لتغطية هذه التكاليف والمصاريف والخسائر … ففي هذه الحال يكون هذا القرض حسنا خالصا اجتماعيا إنسانيا إحسانيا وليس قرضا ربويا أصلا » . وكم كنت أود أن تصدر فتوى الدكتور الريسوني مكتوبة محررة لتكون أكثر دقة وتعبيرا عن المراد … – وعلى كل حال ، فإن استظهاره لعدم التربّح في هذا القرض ، واعتباره شبيها أو قريبا من القرض الحسن فيه نظر ؛ لأن قصد التربّح أو عدمه لا يؤسَّس على الاحتمال والافتراض ، بل ينبغي أن يتأكد منه بسؤال أهل الخبرة في هذا المجال .. وقد أكد لنا بعضهم أن قصد الربح عند الأبناك التقليدية واردٌ في هذه النازلة وفي غيرها، سواء كانت النسبة 2% أو أقل ، مع العلم أن نسبة الفائدة في المغرب حاليا لا تتعدى 4.7% وليس 7% ، وفي أوربا وأمريكا بين 2% و 1% ، وأن كثيرا من البنوك الأوربية تقرض حاليا ب 1% فقط ، ومع ذلك فإنها تربح لا محالة ؛ لأنها عندما تخفض الفائدة إلى هذا الحد ، فإنها تغري عددا جمّا من المواطنين ، فيقبلون بكثافة على الاقتراض منها ، وكلما زاد عددهم ارتفعت نسبة الربح . وعليه، فإن الفوائد اليسيرة لا تلغي صفة الربح ؛ لأنها فوائد مركبة ، قد تكون بالملايين ، بحسب عدد المقترضين ، ومبلغ القرض ومدته . فإذا افترضنا في نازلتنا أن شخصا ما اقترض مبلغ 1000000 درهم ، لمدة عشرين سنة ، فإنه سيسدد في النهاية 1223120 درهما ، بمعنى أن البنك سيربح 22,3 % وليس 2 % .. إذن ، فالبنك في كل الأحوال رابح بصرف النظر عن نسبة الفائدة، لكنها كلما ارتفعت يكون الربح أكثر، كما سلف . ثم من المعلوم من الاقتصاد الوضعي بالضرورة أن العلاقة بين البنك الربوي وبين المتعاملين معه جميعا هي علاقة الدائن بالمدين . فالمهمة الرئيسية والعمل الأصلي للبنك الربوي هو الاتجار في الديون والقروض ، إضافة إلى الائتمان ، فهو يأخذ القروض من أناس بفائدة محددة ، ويعطيها لآخرين بفائدة أكبر ، ويكون الفرق ما بين الفائدتين هو ربحه .. – وأما اعتبار القرض بفائدة يسيرة لا تتجاوز 2% في المدن و 1,75 % في القرى شبيها بالقرض الحسن أو قريبا منه ، فهذا أيضا يناقش فيه فضيلة الدكتور الريسوني ؛ ذلك أن القرض إما أن يكون حسنا، وهو القرض بدون فائدة ، وإما أن يكون غير حسن ، وهو القرض بفائدة، قلّت أو كثرت .. فالقرض الحسن ،سواء كان استهلاكيا أو إنتاجيا، إنما يقدَّم للمحتاج إليه على سبيل القربة ، عونا له في الشدة أو دعما له في عمل مشروع ، فهو وسيلة لتحقيق التعاون على الخير ، وتطبيق عملي للتكافل الاجتماعي . لذلك، ورد الحث عليه في نصوص شرعية كثيرة، منها : قول الله تعالى : ﴿ إن المصّدّقين والمصّدّقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم﴾ [الحديد : 18] ، وقوله سبحانه : ﴿ إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم ﴾ [التغابن : 17] والقرض الحسن بهذا المعنى يختلف جذريا عن القرض الربوي الذي يقصد منه تحقيق الربحية . ويجدر التنبيه إلى أن كل قرض شرط فيه زيادة ،قلّت أو كثرت، على رأس المال، فهو قرض ربوي محرم ، بدليل قول الله تعالى : ﴿ وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون﴾ [البقرة: 279] . فدلت الآية على أن ما زاد على (رأس المال) يعد ربا قلّ أو كثر . ومما يدل أيضا على أن قليل الربا وكثيره حرام عموم النصوص المحرمة له ، كقوله تعالى : ﴿وأحل الله البيع وحرم الربا﴾ [ البقرة: 275 ] فإن حرف التعريف (أل) في كلمة (الربا) ،سواء كان لاستغراق الجنس أو للعهد، يدل على تحريم الربا كلّه قليله وكثيره .. وروى مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه وغيرهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُرّ بالبرّ والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء » . وأما حديث « كل قرض جر نفعا فهو حرام» ، فإنه ضعيف الإسناد ، لكن معناه صحيح، مع تقييد النفع بكونه مشروطا، فيقال : (كل قرض جر نفعا مشروطا فهو حرام) . ويشهد لصحة معنى الحديث جملة من الآثار، منها : ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن سيرين قال : « أقرض رجل رجلا خمسمائة درهم، واشترط عليه ظهر فرسه، فقال ابن مسعود : “ما أصاب من ظهر فرسه فهو ربا” ». وقال ابن قدامة في المغني : 9/ 104 : « وكل قرض شَرَط فيه أن يزيده، فهو حرام بغير خلاف . قال ابن المنذر ” أجمعوا على أن المسَلّف إذا شَرط على المسْتسلِف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أنّ أخْذ الزيادة على ذلك رباً . وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة ؛ ولأنه عقد إرفاق وقربة، فإذا شَرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه » . وأما القرض الذي جر نفْعا غير مشروط في العقد ، بل دفعه المقترض إلى المقرض اعترافا بالجميل ، فهذا جائز ، لما رواه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « فإن خيركم أحسنكم قضاء» ، ولحديث جابر عند مسلم في صحيحه وأبي داود في سننه وأحمد في مسنده : « كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ ، فقضاني وزادني » . – وثمّة شبهة يستند إليها البعض لتحليل الربا بفائدة يسيرة – ولا يوافق عليها فضيلة الدكتور الريسوني – ، وهي : أن الربا المحرم في القرآن هو (الربا الفاحش) بدليل قوله تعالى : ﴿ ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة﴾ [ آل عمران : 130] . قلت : لا حجة لهم في الآية ؛ لأن قوله تعالى (أضعافا مضاعفة) إنما سيق لبيان الواقع الذي كان عليه المشركون في الجاهلية، وتبشيعه ، حيث كان الرجل منهم إذا أقرض آخر مائة درهم مثلا ، وحل الأجل ، ولم يجد المديون مالا، قال له : زدني في المال حتى أزيدك في الأجل ، فربما جعل القرض مائتين ، ثم إذا دخل الأجل الثاني فعل مثل ذلك ، ثم إلى آجال كثيرة ، فيأخذ بسبب تلك المائة أضعافها .. فنهى الله عز وجل عن ذلك ، وحرم أصل الربا ومضاعفته . وعليه، فإن هذا الوصف للربا في الآية (أضعافا مضاعفة) ليس قيدا في المنع، بحيث يجوز ما لم يكن أضعافا مضاعفة ، فليُتأمل . ثم إننا نسأل هؤلاء الذين يجيزون الربا القليل دون الكثير : ما هو المعيار الذي تحتكمون إليه في تحديد القليل والكثير ؟! هذا باقتضاب ما يتعلق بمناقشة العلامة الدكتور أحمد الريسوني حفظه الله في استظهاره لعدم التربّح في القروض المقدمة لذوي المشاريع الصغرى بنسبة 2% أو1,75 % ، وكذا في اعتبار تلكم القروض شبيهة أو قريبة من القروض الحسنة . أما ما نسبه إليه البعض من إباحة الربا القليل جدا بإطلاق، فإنه –كما سلف- غير صحيح ، بدليل قوله في فتواه : « فالربح القليل … أقل إثما من الزيادات الربوية المعهودة » فقوله (أقل إثما) لا ينفى عنه صفة الإثم بإطلاق . ثانيا : لم يُجِز العلامة الدكتور الريسوني الاستقراض بالفائدة المخفضة لكل ذوي المشاريع الصغرى من الشباب بإطلاق ، كما روّجت له مختلف المنابر والمواقع الإعلامية وخاصة الإلكترونية ، وكما فهمه خطأ كثير ممن تسرعوا في الرد فتواه ، وإنما رخّص في ذلك لفئة خاصة من الشباب ، وهم : ذوو الأعذار من ضرورة وضائقة ، وبشرط عدم وجود البديل . وإليكم نص كلامه . قال حفظه الله : « … هذا يكون أقرب إلى أن يرخّص فيه لذوي الأعذار والحاجات الشديدة والضرورة ، عملا بقاعدة “الحاجات تنزل منزلة الضرورات” ». وأضاف : « وإذا كان فيه ربح قليل لهذه المؤسسات المقرضة، فهذا يرخّص فيه لذوي الأعذار من ضرورة وضائقة، وإذا كان ليس عندهم حل آخر … فهذا يكون على سبيل الترخيص لا على أساس أنه حلال ومستحب ، كما في الحالة الأولى » أي عند التحقق من كون النسبة الضئيلة من الفائدة هي فقط لتغطية المصاريف والخسائر المحتملة . إذن ، فترخيصه لذوي المشاريع الصغرى من الشباب بالاقتراض بالربا القليل جدا مبني على أساس الضرورة والحاجة التي تنزل منزلتها . وتعليقا على رأيه هذا أقول : 1 – يجدر التنبيه على أن العلماء اتفقوا على عدم جواز (الإقراض) بالربا مطلقا . أما (الاقتراض) بالربا للضرورة، فقد اختلفوا فيه ، فمنهم من منعه ، ورأوا أنه ، بسبب تغليظ الشارع في تحريمه، لا يندرج ضمن القاعدة الفقهية الأصولية المشهورة (الضرورات تبيح المحظورات) . ومنهم من قال : إنه كسائر المحرمات تبيحه الضرورة ، ويكون الإثم على المقرض وحده ، وهذا هو الأقرب للصواب من حيث النظر الفقهي ، وهو الذي رجحه فضيلة الدكتور أحمد الريسوني . والضرورة الشرعية المبيحة للقرض الربوي هي : ما يلحق الإنسان بتركه ضرر متعلق بإحدى الكليات الخمس : الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال ، ولا يقوم غيره مقامه . وينبغي أن يكون حصول الضرر قطعيا أو ظنا غالبا ، لا وهما وظنا بعيدا . أما الحاجة فلا تبيح الاقتراض بالربا ، وإنما تبيح ما كان محرما تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد ، أو بعبارة أخرى : ما كان محرما لغيره . قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى : 32/236 : « قد أباح الشارع أنواعا من الغرر للحاجة … وأما الربا فلم يبح منه » . 2 – إن إباحة الاقتراض بالربا للضرورة – عند من رخّص في ذلك – مقيد بمجموعة من القيود والضوابط ، أهمها : أ – أن تكون الضرورة حقيقية وحالّة، وليست متوهمة أو متوقعة . وعليه ، فينبغي التحقق من كون المقبل على الاقتراض يعيش فعلا حالة الضرورة، وليس مدعيا لها ، لاستحلال الحرام الصريح ، والذي يقدّر حالته هم الثقات من أهل العلم والاجتهاد، ومن الخبراء في شؤون المال والاقتصاد . ب – أن تكون الضرورة ملجئة ، بأن لا يجد المضطر بديلا شرعيا ، يمكنه الاستفادة منه ، كتوافر البنك الإسلامي القادر على هذه التمويلات وغيرها . وقد نص على هذا الشرط فضيلة الدكتور الريسوني في فتواه ، كما مر معنا . – واستنادا إلى ما ذكر وغيره، أقول ملخصا رأيي المتواضع في النازلة : لا يسوغ الاقتراض من البنوك الربوية لتمويل المشاريع الصغرى وغيرها بغض النظر عن نسبة الفائدة ، قلّت أو كثرت ، إذ قليل الربا وكثيره حرام كما تبين لنا من قبل ، إلا إن وجدت ضرورة شرعية حقيقية ملجئة ، وأغلقت كل أبواب الحلال أمام المضطر ، ولم يوجد بديل شرعي ، أما إن فتح ولو باب واحد من أبواب الحلال ووجد البديل الشرعي ، فلا يجوز اللجوء إلى الاقتراض الربوي أبدا بحال . وأرى أن البديل الشرعي قد وجد في بلادنا ممثلا في البنوك التشاركية، التي انطلق العمل بها جزئيا في بلادنا، ونرجو أن يتم إطلاق جميع عقودها في القريب العاجل، وألا يُقتصر على التمويل بالمرابحة للآمر بالشراء ، بل يتجاوز إلى الصيغ التمويلية والاستثمارية الأخرى التي تستجيب لمطالب العملاء باختلاف مجالاتهم وتنوع احتياجاتهم، كالمضاربة، والمشاركة، والسَّلَم، والاستصناع ، إضافة إلى بعض الخدمات الاجتماعية التي تسهم في تحقيق التنمية الاجتماعية والتكافل بين أفراد الأمة، كالقرض الحسن، وصندوق الزكاة … ومما يؤسف له أن هذه البنوك التشاركية التي هي أقدر على تمويل المشاريع الصغرى من البنوك التقليدية الربوية ، لم يتم إشراكها في توقيع الاتفاقية الخاصة ببرنامج (انطلاقة) لدعم وتمويل المقاولات، ولو بالصيغة الاستثمارية الوحيدة المعمول بها حاليا، ريثما ينطلق العمل ببقية الصيغ التمويلية الأخرى ، والخدمات الاجتماعية … وقبل الختام، أود التنبيه على وجوب الاحتياط الشديد في باب الربا ؛ والتذكير ببعض ما ورد من وعيد شديد على السقوط في أوحال رجس هذه الآفة الخبيثة .. ومن ذلك : أن رب العزة جل جلاله آذن المرابين بحرب منه ومن رسوله ﴿ فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ‼﴾ ، كما آذنهم بالمحق والهلاك ﴿ يمحق الله الربا﴾ ، وأنذرهم بسوء المنقلب، وصوّرهم بأنهم ﴿لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ﴾ وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم « لعن آكل الربا ومؤكله وشاهده وكاتبيه» ، وعدّ الربا من السبع الموبقات المهلكات … كما أود التنبيه على ضرورة تحري الحلال البيّن، واجتناب الحرام البيّن، واتقاء الشبهات ، « فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه … » كما قال من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم . وقال في حديث آخر « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » … وبعد، فهذه شآبيب من القول بخصوص نازلتنا ، فما كان فيه من صواب فمن الله ، وما انتظمه من خطإ فمني ومن الشيطان ، وإني لألتمس العذر لمن اجتهد في المسألة من أهل العلم والاجتهاد والتُّقى ، فأخطأ التقدير وجانب الصواب ، وأضرب لِخَطَئِه ألف (لعلّ) ، وأعتقد أنه مأجور لاجتهاده على كل حال … والله نسأل أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه . والحمد الله في البدء والختام . * الدكتور عبد المنعم التمسماني جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة