"أستقبل يوميا حوالي 5 أشخاص يأتون لتقديم طلبات بشأن الحصول على قروض بفوائد ربوية لأجل السكن".. "" هذا التصريح لموظف بأحد البنوك وسط العاصمة المغربية الرباط يأتي كاشفا عن أزمة ارتفاع أسعار المساكن بالمغرب، وهو ما يدفع الكثير من المواطنين إلى الاقتراض من البنوك لهذا الغرض بفوائد ربوية، وهو ما أدخلهم في حيرة بسبب الجدل الشرعي حول هذه القروض التي تحلها بعض الآراء الفقهية وتحرمها آراء أخرى. الموظف المغربي -الذي طلب عدم نشر اسمه- أكد ل"إسلام أون لاين.نت" أن "ارتفاع نسب الإقبال على القروض البنكية لأجل شراء المساكن ترافقت مع ارتفاع أسعار العقارات بشكل عام". وأوضح أن "نسبة الارتفاع في أسعار المساكن والعقارات يمكن تقديرها خلال الستة أشهر الأولى من عام 2008 ب18%، مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية". وبحسب تقارير رسمية، فإن عام 2007 شهد ارتفاعا قدرت نسبته ب 30% بالنسبة للقروض العقارية مقارنة بعام 2006. ويوضح الموظف أن "المعدل العام لنسبة الفائدة التي تقرض البنوك على أساسها تتراوح ما بين 5 و 6%، ويتم تسديد إجمالي المبلغ على مدى 25 سنة غالبا، وتجتهد البنوك في تقديم عروض أقل؛ لاستقطاب طلبات أكثر على الاقتراض". سليمان بليزيد، الخبير الاقتصادي المغربي من جهته أكد على أن "الارتفاع القياسي في أسعار العقارات بالمغرب لاسيما في المدن الكبرى، مع الإقبال الكبير على القروض البنكية أثار قلق عائلات مغربية باتت تخشى من احتمال عدم حصولها على سكن بسبب انعدام التوازن بين الأجور وأسعار العقارات". ولفت بليزيد في تصريح ل"إسلام أون لاين.نت" إلى أن الإحصائيات تثبت أن 40% من المقترضين في المغرب لأجل شراء مسكن تقل دخولهم عن 400 دولار شهريا. وأكد أن "القرض يلتهم حوالي 200 دولار شهريا من الراتب، وهو ما يوازي أجرة الإيجار الذي شهد بدوره ارتفاعا ملحوظا". ونوه الخبير الاقتصادي إلى أن "تنافس البنوك في تقديم عروضها ساهم في تشجيع المواطنين على الاقتراض الربوي". انقسام فقهي اللجوء للاقتراض من البنوك بفوائد ربوية لشراء مسكن، انقسمت العائلات المغربية حياله ما بين مؤيدين استندوا إلى فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث الذي يترأسه العلامة الدكتور يوسف القرضاوي والتي أباحت الاقتراض بغرض شراء مسكن؛ باعتباره "ضرورة ملحة" إذا ما استنفدت البدائل، وبين معارضين للتعامل مع البنوك الربوية باعتبار أن "الربا حرام قطعا"؛ ولذلك قررت الصبر على السكنى بالإيجار وعدم اللجوء إلى الربا. وساعد صمت علماء المغرب بشأن القروض الربوية لأجل السكن في إحداث ارتباك كبير في صفوف عائلات مغربية، بحسب مراقبين. وفي هذا السياق قال عبد رب النبي الهواري، موظف بالقطاع الخاص ورب أسرة مكونة من زوجة وثلاثة أبناء: "انتظرت 8 سنوات تحسن الأوضاع كي لا ألجأ إلى القرض الربوي؛ لأني أعلم حرمته وآثاره البعدية السيئة على راتب الموظف". وأضاف الهواري ل"إسلام أون لاين.نت" بالقول: "ولما راج الحديث أواسط عام 2007 عن القروض البديلة المنسجمة مع الشريعة الإسلامية انتظرتها كباقي المغاربة بلهفة قبل أن أصطدم بالشروط التعجيزية التي تضمنتها والتي تجعلها أقسى من الربا". وبحسرة مضى يقول: "إن سعر المنزل قبل ثمان سنوات كان يقارب ال15 ألف دولار، أما الآن فقد صار ثمنه يتجاوز ال40 ألف دولار". ولجأ الهواري إلى أحد البنوك حيث اقترض حوالي 30 ألف دولار واشترى منزلا بأحد أحياء مدينة سلا. وفي المقابل أعلن سعيد بن عياد، موظف بالقطاع الخاص ورب أسرة، أنه "لن يلجأ إلى القروض الربوية مهما علا سعر المنازل؛ لأن الربا إعلان للحرب على الله ورسوله، وأن فتوى بعض العلماء بإباحته للضرورة لا تجيزه". وتابع بن عياد في تصريح ل"إسلام أون لاين.نت" قائلا: "ارتفع ثمن المساكن بشكل مهول ومخيف، ولكن الضرورة تقدر بقدرها وقد حددها العلماء بمعايير دقيقة؛ كأن يضطر المرء لشرب قطرات من الخمر ليتفادى الموت عطشا، أو يأكل لحم الخنزير لكي لا يموت جوعا". تردد هيئة الإفتاء المغربية وأمام هذا الجدل الفقهي انتقد مراقبون تردد هيئة الإفتاء المغربية التابعة للمجلس العلمي الأعلى (رسمي) في إصدار فتوى تنهي الجدل بشأن القروض الربوية لأجل السكن. وبحسب تقارير إعلامية محلية، فإن تردد الهيئة في إصدار فتواها راجع إلى حرج كبير وقعت فيه على إثر فتوى الدكتور القرضاوي الذي أجاز لمواطنين مغاربة الاقتراض لأجل السكن في حالة الضرورة فقط. وفي هذا السياق يقول سليمان بليزيد: "العلماء يعلمون أن الربا حرام بنصوص قطعية، وبالتالي لا يستطيعون إباحته، لكن كذلك بعضهم متردد في إصدار الفتوى؛ لأنه في هذه الحالة ستتم إدانة الاقتصاد المحلي ككل؛ لأنه مبني على نظام بنكي ربوي، فما البديل الذي يطرحونه؟!". ويوضح الخبير الاقتصادي المغربي أنه "إلى جانب قروض السكن، تلجأ نسبة كبيرة من المغاربة إلى القروض الاستهلاكية، حيث قدر مبلغ هذه القروض عام 2007 بحوالي 4 مليارات و145 مليون دولار". ويوضح بليزيد أن هذه "قروض بغرض كماليات الحياة.. لكن في غياب حسم فقهي وبدائل شرعية سيبقى المواطنون رهينة للنظام البنكي القائم المعتمد على التعاملات الربوية". وعرفت السنوات الأخيرة نشاطا كبيرا لمؤسسات السلف الصغرى والقروض الاستهلاكية؛ حيث تقدم خدماتها في كل المناسبات (عطلة صيفية- عيد أضحى- دخول مدرسي...إلخ)، غير أن المحاكم تعج بقضايا رفعتها هذه المؤسسات ضد مواطنين عجزوا عن تسديد ديونهم. عن إسلام أونلاين.نت