عرفت القروض الاستهلاكية بالمغرب منذ بدايتها قبل ثلاثين سنة ارتفاعا واضحا خلال العشرية الأخيرة، وشملت مختلف حاجيات المواطن المغربي، ومما زاد في ارتفاع قيمة هذه القروض الاستهلاكية التي أثقلت كاهل الموظفين ضعيفي ومتوسطي الدخل ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وهو ما أدى إلى عجز كثير من الأسر عن تسديد قيمة هذه القروض؛ على الرغم من انخراط كل من الزوج والزوجة في عمليات القروض هاته. وتفيد تقارير رسمية أن القيمة الإجمالية للقروض الشخصية في المغرب ارتفعت من خمسة مليارات درهم (644 مليون دولار) في العام 1995 إلى 30 مليار درهم في .2007 2,97 مليار درهم في 2004 إلى 4,2 مليار درهم في .2006 عجز أمام عجز لم تكن أسرة الموظف البسيط (ع. ر) بوزارة التجهيز بالرباط تظن أن عجزها عن توفير حاجاتها المنزلية سيستمر؛ بالرغم من لجوئها إلى قروض الاستهلاك، فقد شكل عجز هذه الأسرة المكونة من أب وأم ربة بيت وأربعة أطفال متمدرسين دافعا رئيسيا إلى اللجوء إلى الاقتراض من البنك؛ من أجل توفير التجهيزات الأساسية للبيت، وكان رب الأسرة يظن أن القروض الاستهلاكية بكل بساطة ستهسل عيشه كما عودته على ذلك الإشهارات والإعلانات في الطرقات وفي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، لكنه لم يظن يوما بأن ارتفاع قيمة هذه التجهيزات وارتفاع قيمة الفوائد المترتبة عن القروض ستستنزف أجرته الهزيلة، علما بأن متطلبات التغذية والاستشفاء وفواتير الماء والكهرباء ستأخذ هي الأخرى نصيبها من تلك الأجرة؛ ليجد هذا المقترض نفسه عاجزا أمام تسديد مستحقات المؤسسات التي اقترض منها 40 ألف درهم. وليست حالة (ع. ر) سوى نقطة في واد ممن أنهكتهم القروض الاستهلاكية، ودخلوا في دوامة التسديد بلا حدود. سكن بلا سكينة اضطر الموظف بمصالح وزارة الداخلية رفقة زوجته إلى اللجوء إلى البنك من أجل الاقتراض؛ لأجل توفير سكن يؤويه وأسرته بما قيمته 250 ألف درهم، وظن الزوجان أن أجرتيهما كفيلتان بتسديد مستحقات البنك، لكن ارتفاع الأسعار وتوالي متطلبات الأبناء جعلت هذين الزوجين يعيشان كل شهر في دوامة الاقتراض، لأن المتطلبات أكثر من قيمة أجرتيهما، وهو ما جعل مستوى معيشتهما يعرف انخفاضا بارزا أثر بشكل سلبي على علاقتهما مع أبنائهما الثلاثة، ولم يعد لحياتهما طعم بسبب قهر القروض الاستهلاكية. وعوض أن يستمر الزوجان في تدريس أبنائهما في مدارس خاصة؛ اضطرا إلى اللجوء إلى المدرسة العمومية، ثمنا لسكنهما الذي لم يعودا يشعران فيه بالسكينة. وأفاد تقرير سابق لبنك المغرب أن القروض الاستهلاكية المقدمة من البنوك ارتفعت بنسبة 43 في المئة بين عامي 2006 و2007 لتصل إلى أكثر من 49 مليار درهم، أي بما يعادل 11 في المئة من مجموع القروض المصرفية، في حين بلغت قروض شركات القروض الاستهلاكية أكثر من 33 مليار درهم، مسجلة زيادة قدرها 17 في المئة. وكشف التقريرعن استمرار تضخم ديون الأسر، بحيث بلغت مديونيتها الناجمة عن قروض الاستهلاك والقروض الخاصة بالسكن ما مجموعه 120 مليار درهم، أي 28 في المئة من مجموع القروض المقدمة والتي بلغت 422 مليار درهم. ارتفاع الأسعار وثبات الأجور أرجع محللون عجز الأسر عن تسديد ما عليهم من قروض استهلاكية إلى ارتفاع الأسعار دون ارتفاع في الأجور، وهو ما جعل الملفات المطلبية لمختلف النقابات مشددة على مطلب رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 10 في المائة، لكن آذان الحكومة ما تزال صماء تجاه هذا المطلب الملح. ويرى البعض الآخر أن الحل في تشجيع النظام البنكي الإسلامي. ويرى لحسن الداودي بهذا الخصوص أن +شريحة كبيرة من المغاربة يمكن أن تدخل في السوق وتزيد من الطلب؛، وتقوم هذه الأدوات المالية على منتجات الإجارة وعقود المرابحة والمشاركة، لكنها شهدت تعثرا مع انطلاقها؛ بسبب ارتفاع أسعارها مقارنة بالمنتجات التقليدية، وهو ما أسماه البعض إفشالا لها وليس فشلا، على اعتبار أن ظروف التمكين للنظام البنكي الإسلامي لم تكن متوفرة، من قبيل تفعيل نظام الزكاة والوقف، كما أن لوبيات الأبناط وأصحاب رؤوس الأموال شكلت ضغطا للسير في اتجاه إفشال هذه المحاولة التي إن نجحت، فإن كثيرا من الأسر المغربية ستقبل عليها دون تردد، لأن فئة عريضة بالرغم من حاجتها فإنها تفضل عدم اللجوء إلى القروض الاستهلاكية؛ على اعتبار أنها معاملات ربوية محرمة شرعا. ضرر أكثر من نفع يعتبر الدكتور عمر الكتاني أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس أن هذا النمط من الثقافة الاستهلاكية (ويقصد القروض الاستهلاكية) يضر أكثر مما ينفع،ويستغرب الكتاني كيف تترك الدولة المجال للشركات لممارسة نوع من السلوكات غير الشرعية، فالعيب ليس في الفقراء وحدهم (الذين فقدوا المعرفة بالدين)؛ ولا في الشركات، لكن العيب في الدولة. ويستغرب أيضا لسكوت العلماء عن هذه الظاهرة، والذي يدل على تردي المعرفة الدينية بالمغرب، لأنهم لا يجرؤن على وضع فتاوى جريئة تحذر من هذه المعاملات. وبالرغم من أن هذه القروض، يقول الكتاني، تشكل متنفسا للفقير، لكنها تبقى على حساب المديونية، والتي قد تنعكس على المستوى الاجتماعي للأسرة، حيث نجد: حالات طلاق وصراعات أسرية وتشريد أطفال بسبب المديونية، ويمكن أن نجد هذا أيضا في بعض التجارب الغربية مثل أمريكا، حيث شكل لجوء العديد من الأسر الأمريكية إلى شراء بيوت بالقروض، مما شكل أزمة مديونية بعد ذلك أدت إلى تشريد العديد منهم في الشوارع. المخرج من الأزمة يرى عمر الكتاني أن هناك عدة مخارج من هذه المشكلة؛ تتجلى في تغيير الفكر لدى المسئولين في الدولة، وذلك بالشعور بمعاناة الأسر الفقيرة بالمغرب، وتحمل المسؤولية اتجاههم، وهو احتمال ضعيف جدا في الوقت الراهن، وإعادة النظر في مجموعة من مؤسسات الدولة، وأولها القضاء والأبناك التي تمتص دماء الفقراء عبر مختلف المؤسسات. إضافة إلى مراجعة سياسية وتنظيمية وتقنية لما يجري عبر هذه المؤسسات. وأخيرا امتلاك رؤية مستقبلية وتصور واضح لمستقبل المغرب.