كتبت جريدة الأحداث المغربية مقالا يوم 15 دجنبر الماضي بالصفحة الثامنة عنونته: "صفعة على وجه المتطرفين والمتاجرين في الدين... وأخيرا فوائد الأبناك حلال! وقد استندت الجريدة إلى الفتوى الأخيرة التي أصدرها مجمع البحوث الإسلامية في مصر حول تحديد الربح مقدما للأموال المودعة في البنوك أحلال هو أم حرام؟ وسنحاول أن نناقش هذا الأمر مستندين إلى ما يقع بالنسيج البنكي المغربي خصوصا، ومعتمدين على ما قدمه بعض علماء المسلمين من فتاوى، وخصوصا منهم ذوي التجربة في مجال المعاملات البنكية، كما سنركز بالدرس والتحليل على ما كتبته الجريدة إن كان صحيحا ومنقولا بأمانة، أما إذا كان فيه تعديل أو بتر، فهذا يبعدنا كل البعد عن الأمانة الصحفية. أولا: ماهي حقيقة الموضوع المطروح للنقاش؟ تقول الجريدة إن الفتوى قد أحلت الفوائد البنكية المتعامل بها قديما أي الربا بالمصطلح الفقهي ونحن نقول بأن النقاش دائر حول قضية تحديد الربح مقدما كما طرح السؤال الشيخ طنطاوي على الحاضرين بالهيئة. هل تحديد الربح مقدما له علاقة بالحل والحرمة؟ وهل البنوك التي تحدد الأرباح هي التي تتعامل بالحلال وغيرها يتعامل بالحرام؟ إذن لماذا هذا العنوان العريض المقصود به تضليل الناس عن جادة الصواب وإرباكهم عن الطريق الصحيح؟ قضية الرضى بين الطرفين (البنك والزبون) إن هذه القضية تم الرد عليها قديما من خلال البيان الصادر عن علماء الأزهر بمكة المكرمة عن حرمة معاملات البنوك الربوية (1411ه موافق 1981م) وهذا البيان جاء ردا على فضيلة الشيخ طنطاوي حيث قال هذا الأخير "ليست مسألة تحديد الربح وعدمه من العقائد والعبادات التي لا يجوز التغيير فيها وإنما هي من المعاملات الاقتصادية التي تتوقف على تراضي الطرفين" يقول علماء الأزهر "إن التفرقة في تعاليم الإسلام بين العقيدة والعبادة والمعاملة مرفوضة من الأساس، فكل نص ورد في الكتاب والسنة وجب على كل مسلم أن يلتزم به مهما كان مجاله وفي هذا الالتزام معنى العبودية لله تعالى، فإقامة الحد على السارق والزاني عبادة، وإعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث عبادة والتزام العدل في المعاملات عبادة، وما قسم الفقهاء أحكام الدين إلى عقائد وأخلاق وعبادات ومعاملات إلا ليسهل على الدارس استيعابها وإلا فهل لأي مسلم أن يغير في غير العقائد والعبادات؟ أليست هذه العبادة تحمل في طياتها تفريغ الشريعة من مضمونها في حكم حركة الحياة الاجتماعية والاقتصادية بحجة أنها ليست من العقائد ولا العبادات؟!! ثم إن مسألة التراضي بين الطرفين ليست هي الأساس في أحكام الشرع فهل إذا تراضى رجل وامرأة على الزنى يحول الزنى إلى مباح؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى في الصحيح عن تلقي الركبان ومعنى هذا أن أهل الحضر كانوا يتلقون أصحاب السلع قبل أن يصلوا إلى السوق فيشتروا منهم بالتراضي وبسعر يجهله صاحب السلعة فهل كان التراضي هنا مبيحا للمعاملة أم نهى الرسول عنه بالرغم من التراضي؟! (انتهى كلام الهيئة). هذا عن الجانب الشرعي في التراضي، أما الجانب التقني (الفني) في المسألة فيجرنا إلى إعادة طرح بعد أبجديات الاقتصاد البنكي والتحدث عن عمليات البنك التقليدي (الربوي) إن البنك التقليدي يقتصر على دور الوساطة المالية حيث تجتذب المؤسسة المصرفية فوائض الأموال المتواجدة لتعيد إقراضها إلى من يرغب في استعمالها (ليس بالضرورة الاستثمار) وتفرض هذه المؤسسة واجبا ثابتا على المقترض (وهي الفائدة المدينة) ومنح حصة معلومة القدر للمودع أو المدخر (الفائدة الدائنة)، بحيث تكون الفائدة المدينة أكبر من الفائدة الدائنة ويستحوذ البنك على الفرق دون اعتبار لمشروعية استثمار هذه الأموال. وفي هذه الصيغة يدفع المستفيد من القرض حق المال مهما كان ناتج استثماره وفي الطرف الآخر نجد أن صاحب المال يحصل على عائد ماله سواء أتم استعمال هذا المال في عملية مربحة أم خاسرة، إذن فهو عائد منفصل عن جوهر العملية الانتاجية التي استعملت ذلك المال كأحد عناصرها، وقد يكون هذا العائد وهميا لاحقيقة له إذا كانت العملية الإنتاجية خاسرة، بحيث يحصل المال ربحا لا يتولد عن أي زيادة في الثروة القومية. وفي هذا الإطار، أين ترك علماؤنا الأجلاء القاعدة الشرعية "الغنم بالغرم" وهذا هو جوهر المعاملات المصرفية الإسلامية وتميزها المعتمد على مبدإ المشاركة في الربح والخسارة، فإن صاحب المال لا يستحق عائدا على الأموال إلا بقدر الربح الحقيقي الذي يتولد على الاستعمال النهائي للمال قليلا كان أم كثيرا. إضافة إلى ذلك، وكما ذكر الدكتور حسن عباس عضو الهيئة، أن الناس يضعون أموالهم حماية لها من السرقة وهذه حجة على الهيئة في قضية الرضى، حيث إن الخوف من السرقة لا يعني بالضرورة الرضى على المعاملات الموجودة بالبنوك الربوية وإنما هو من قبيل الحماية الاضطرارية وخصوصا مع غياب البديل الشرعي للمعاملات، وفي معرض حديثه قال الدكتور حسن عباس إن الشريعة الإسلامية نهتعن الاكتناز ولكن لم توجب وضع الأموال في البنوك، ونحن نقول بأن الشريعة نهت فعلا عن الاكتناز ولكن لم توجب وضع الأموال في البنوك وإنما أوجبت الإنفاق في سبيل الله وإعطاء حق الفقير والمسكين لأن الله عز وجل يقول (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) وهذا الأمر بالإنفاق هو المحفز عن الاستثمار حتى لا تأكل الصدقة الأموال، واستثمار الأموال ليس هو إيداعها بالبنوك إن هناك فرقا بين الاستثمار والإدخار والكنز. ونحن نسائل فضيلة الدكتور عن مدى علمه بوجهة هذه الأموال، ما أدرى فضيلة الدكتور أن هذه الأموال المودعة بالبنوك الربوية ستوجه حتما إلى المشروعات التنموية التي ذكر. واسترسل الدكتور حسن عباس زكي وقال: "...فكان للبنك أن يتفق مع صاحب المال المودع على نظام استخدامه، وإذا كان للاستثمار وهذه تكون بعائد يتغير من وقت لآخر حسب احتياجات الأسواق" نقول: إن ما نعرفه عن التعاملات البنكية مع الزبناء لا ينطبق مع ما ذكر الدكتور حيث إن الزبون يتقدم بمبلغ من المال ويودعه بالبنك على حالتين: حساب جاري هي وديعة قابلة للسحب في أي وقت (DEPORT ث UNE) وهي بدون زيادة، ووديعة قابلة للسحب إلى أجل مسمى (DEPORTà terme) وفيها زيادة، وتكون هذه الزيادة محددة وليس فيها اختيار نحو الرفع أو التخفيض، بحيث يصبح الزبون مجبرا على اختيار أمرين: أن يقبل بالشروط أو يغادر العملية، هذامن جهة، ومن جهة أخرى وهذا هو الأهم فمودع المال يحصل مقابله على وصل للإيداع دون معرفة اتجاه هذه الأموال هل هي الاستثمار أم إعادة الإقراض وهو الغالب بحيث أنه ليس هناك اتفاق ولا وجود لعقد أصلا حتى نتحدث عن فساده أو صحته. ونضيف إلى علم الدكتور حسن عباس أن البنوك تستخدم نسبة من الإيداعات الجارية المتفق على سحبها في أي وقت، وتوجه أساسا إلى إعادة إقراضها للآخرين بفائدة رغم طبيعتها الجارية، ويستعمل خبراء هذه البنوك مبادئ الاحتمالات لتسييرها إذن فهناك استفادة خفية لا يطلع عليها صاحب رأس المال. خلاصة القول إن الاتفاق والتراضي بين البنك الربوي والزبون غير وارد بتاتا. بيان بخصوص شبهة أما عن مثال الجزار الذي ساقه فضيلة شيخ الأزهر فعندنا فيه ملاحظتان إن هذا التعامل مع الجزار يعتبر مباشرا، فأنت تقدم له المال وهو يساهم بجهده، فتحديد نسبة تقسيم الأرباح ضرورية وفي حالة الخسارة فمن المفروض أن يتحملها الطرفان. أما التعامل مع البنك زيادة فأمر مشبوه لأن هذا الأخير يلعب دور الوسيط بين صاحب المال والموظف لهذا المال وبالتالي لا ندري أين وجه صرف هذا المال. وللمزيد من التوضيح نقول لفضيلة الدكتور إذا أنتم سلمتم هذا المال إلى شخص آخر بزيادة ثم هذا الشخص سلم إلى الجزار بزيادة أخرى، فما قولكم في هذه العملية الثلاثية؟ لأن ما يقوم به البنك الربوي هو عين ما يقوم به الوسيط بينك وبين الجزار. ثانيا: ما ذنب هذا الجزار إذا اجتهد في العمل وحرص على مالك ومع ذلك خسر دون تقصير منه، وهل هو ملزم بدفع قسط الأرباح المتفق عليه؟ بل الأحرى أن يتحمل صاحب المال الخسارة مع من بيده التصرف فيه، هنا أشير إلى أن نص الفتوى لم يذكر قضية الخسارة التي هي شرط ملازم لشرط الربح في النظام البنكي الإسلامي لأن الاعتراف بالربح دون الخسارة لا يعتبر استثمارا وإنما هو قرض بربا. إن القضية المختلف فيها في نظري لا تتعلق بحل أوحرمة تحديد الربح مقدما وإنما هي قضية تتعلق بضرورة التحديد المزدوج لنسبة الربح والخسارة وضرورة اطلاع صاحب المال على المشروع الموجه إليه هذا المال عن طريق دراسة الجدوى والتي يقوم بها خبراء في هذا المجال. ومما زادنا غرابة أن الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري وعضو الهيئة، وافق موافقة تامة على تحديد الربح مقدما من قبل البنك مسترشدا بما قاله الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عندما جاءه شاب قائلا إني أمتلك مبلغا من المال وأحتفظ به في المنزل لأنني لا أحسن التجارة وأخشى عليه من السرقة والضياع وأريد أن أودعه أحد البنوك، لكني سمعت أن هذا حرام فقال له الشيخ الغزالي اذهب وضعه في البنك بصفة وديعة وتوكل على الله وليس في هذا حرام. إن وجه الغرابة هو في علاقة المشكل بما قاله الشيخ الغزالي للشاب، أعيد وأكرر إن الشيخ الغزالي قال (ضعه بصفة وديعة) والوديعة كما قلنا ليس فيها فائدة ولا زيادة، ومع غياب البديل الإسلامي يبقى هذا هو الحل الأوحد لمن يرغب في المحافظة على ماله ودينه وبالتالي ما وجه الاستدلال بهذا القول؟ بين التوكيل والإقراض وقد حاول سيادة الوزير تعريف القرض بطريقة يسوغ بها حل الربا في التعامل حيث إن القرض بالنسبة له يحتم ذهاب المقترض إلى صاحب المال ويطلب منه اقتراض مبلغ من المال ابتغاء مرضاة الله والبنك لم يطلب ذلك من الأفراد وبالتالي فهذا ليس قرضا أساسا. ماهذا؟ وماهذه التبريرات القاصرة التي اعتمدما فضيلة الوزير؟ ألم يعلم أن أية صفة لعملية القرض هي من قبيل التلاعب بالمصطلحات وإيجاد التبريرات والمسوغات لتحليل شيء محرم بنص من القرآن؟ إضافة إلى ذلك، وإذا اعتبرنا الحاجة كمعيار لتسميته قرضا فماذا يقول علماؤنا الأجلاء في عكس العملية حينما تقرض البنك للزبون بفائدة، أليس هذا قرضا بحاجة؟ ألم يتحرك هذا الزبون إلى البنك ليطلب القرض؟ ومن الغريب أن الفتوى لم تتحدث عن هذه العملية العكسية، فإن كان علماؤنا الأجلاء يخصصون هذه الفتوى حول اتجاه واحد للعملية (من الزبون إلى البنك) فلماذا عممت جريدة الأحداث الحكم في عنوانها العريض وقالت إن الفوائد حلال وهذا ما ألفناه من جريدة تعمم الحكم بمجرد الاختلاف في جزء منه وخصوصا مع التوجهات الإسلامية. ولو افترضنا ما قاله الدكتور النجار عضو الهيئة أن هذه عملية استثمارية وليس قرضا فلابد من تفاهم الطرفين على كيفية اقتسام الربح والخسارة معا وتحديد نسبها وهذا ما تقوم به البنوك الإسلامية وخصوصا أن الدكتور عبد الرحمان العدوي عضو الهيئة قال بالحرف "كيف نقول إنه عندما يتحدد نصيب كل من الطرفين يكون العقد فاسدا وعندما يجهل الأمر ويصير الربح شائعا يصبح العقد صحيحا؟" إذن فتحديد النصيب يكون من الطرفين وليس من طرف واحد الذي هو البنك حيث يفرض ما يسميه سعر الفائدة أما الوكالة التي تحدث عنها الدكتور رأفت عثمان، واعتبر البنك وكيلا لصاحب المال. نقول لأستاذنا الجليل إن الوكالة هدفها توكيل شخص لإدارة واستثمار الأموال وليس لإعادة إقراضها بفائدة أكبر كما يفعل البنك الربوي لأنه بإمكاني إقراضه مباشرة دون وكيل لأن العملية لا تتطلب دراية كبيرة كتوظيف الأموال بالتجارة. أما الدكتور عبد المعطي بيومي عضو الهيئة فقد قاس عملية تأجير المال بعملية تأجير الأرض وبهذا جوز عملية الإقراض، نقول إن النظرية الاقتصادية تفصل رأسمال إلى قسمين: رأسمال عيني (كالأرض) ورأسمال نقدي ويؤجر رأسمال العيني لأنه يستعمل مباشرة في الإنتاج كحرث الأرض واستعمال الحافلة إلى غير ذلك أما رأسمال النقدي فلا يجوز تأجيره نظرا لإمكانية استعماله في بعض العمليات غير المنتجة (أهمها إعادة الإقراض) أما باقي المداخلات فلا مجال لمناقشتها لأنه ليس فيها ما يناقش مثل كلمة الدكتور أحمد الطيب مفتي الجمهورية الذي أجاز العملية دون أن نجد أي تبريرلقوله. إن إثارة هذا الموضوع ماهو إلا فتح لباب الفتنة من جديد وتكريس لإفشاء اللبس لدى المسلمين وماهو إلا باطل وسيزهقه الله تعالي: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله( زهير لخيار باحث في الاقتصاد