التطهير Katharsis مفهوم أرسطي Aristote (384 ق.م – 322 ق.م) بلاغي، ونقدي إنساني يعني به تنقية النفس من المآسي العالقة بها والشوائب التي واجهتها في الحياة والحروب التي شهدتها بلاد اليونان قبل الميلاد، وقد تجلى هذا في ملحمة الألياذة والأوديسة بمفهوم التراجيديا التي كتبهما الشاعر هوميروس، كما يتجلى متضحا أكثرعلى خشبة المسرح والدراما الفنية التعبيرية التي يتخذها الإنسان متنفسا له وهروبا من الواقع إلى حياة أفضل بعيدا عن أنظار الآخر ومعاناته. وقد جاء في كتاب لسان العرب لابن منظور (630ه – 711 ه ) في مادة – طهر- ” الطُهْرُ نقيض النجاسة والجمع أَطْهار، وطَهَرَ يَطْهُر وطَهَرَ طُهْراً وطَهارةً: المصدران عن سيبويه، وفي الصحاح : طَهَر طَهُر، بالضم، طَهارةً فيهما، وطَهرْته أنا تَطْهيرًا وتَطَهَرْتُ بالماء، ورجل طاهِرٌ وطَهِرٌ ” . وهذا أيضا إن دل على شيء فإنما يدل على النظافة والتنقية بالمفهوم الأرسطي للتطهير. وقد عرف أرسطو المأساة بقوله: ” هي محاكاة فعل نبيل، لها طول معلوم، بلغة مزوّدة بألوان من التزيين تختلف وفقا لاختلاف الأجزاء، وهذه المحاكاة تتم بواسطة أشخاص يفعلون، لا بواسطة الحكاية، وتثير الرحمة والخوف فتؤدي إلى التطهير من هذه الانفعالات” . وغالبا ما نجد هذا على خشبة المسرح ممثلا ومعبرا عن الحياة والواقع، طالما يحمل المعاناة والأسى مرفوقا بنشيد / الموسيقى التي تطفي عليه طابع الحزن والقلق والخوف الذي يعاني منهم الانسان. و” التطهير ينشأ عن اللذة الصادرة عن الخلاصة من الانفعالات الأليمة ” ، التي شاهدها المتفرج / المتلقي على خشبة المسرح. وهناك علاقة بين ما هو روحي في الإنسان وسعيه إلى التطهير الذي يمكننا أن نعتبر شيء فطري فيه، و الذي يسعى بدوره إلى فرض وجوده وسعيه إلى الخلاص والحرية والتعبير منذ ولادته وبشتى أشكال التعبير من البكاء والصراخ إلى الحزن والقلق وتغير قسمات الوجه. وما يزيد هذا إلا تطورا وتفاعلا مع تغيرات الحياة التي سيعيشها الإنسان على كوكب الأرض، و” يرى أرسطو أن المأساة يجب أن تكون كاملة، لا مجموعة من الأحداث العارضة ” . وهذا ما نجده بعد الولادة والخروج إلى الحياة، حيث يتعرض الإنسان إلى بثر حبله السري، ووضع عليه ضمادة قد توهمه في البداية بالعلاج والتخلص من شيء زائد قد يحزنه مدى الحياة إن بقي فيه. ونجد هذا أيضا في الحروب والإبادة الجماعية التي قد يتعرض لها أهل قرية ما، ويكون الذي قام بالفعل جد مسرور وسعيد بتخلصه من قلق وحزن ومآسي قد تكون له وعليه وللإنسانية أيضا مثل: ( هتلير الذي حاول تطهير العالم من اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، لكن اليوم قد نجدهم أكثر جنسا وعملا وتحركا وحكما على كوكب الأرض أينما رحلت وإرتحلت). ويبقى التطهير من أهم النظريات المسرحية التي جاء بها أرسطو، والتي تهدف إلى خلق توازن نفسي للمشاهدين / المتلقي / المتفرج-الذي يعاني من المآسي والقلق والحزن.. وبتفاعله مع الممثل المسرحي يتخلص من هذه المآسي والحزن والقلق، وخلق مكانها الشفقة والرحمة وتنقيته من كل النوازع الشريرة، بهذا تعتبر المأساة وسيلة علاجية لا شعورية للإنسان. فما أحوجنا اليوم إلى تطهير النفوس !