تعد الجماعات الترابية القاطرة الأساسية للتنمية الوطنية، و الوسيلة الإدارية لتجسيد التوجه الديمقراطي المبني على التعددية الحزبية و العدالة الاجتماعية، و القائم على الدستور الضامن لحقوق المواطنة و المساواة بين مكونات الأمة المغربية أفرادا و جماعات، و الذي سطرته المملكة المغربية منذ فجر الاستقلال حتى يومنا هذا، و لعل هذا النهج هو الذي تبلور في العهد الجديد ليعطي مفهوما جديدا شاملا واضحا للسلطة تطبيقا وممارسة في ظل الهندسة الجديدة لسياسة الدولة المغربية في تنزيلها و تفعيلها لمفهوم الجهوية، المشروطة بالحكامة و التدبير الجيد، القائمة على التشاركية، و المحكومة بصرامة المراقبة و المحاسبة التي سطر خطاب العرش المجيد إلزامية تنزيلها و شموليتها بالنفاذ. وتماشيا مع هذا السياق، و للنهوض بقطاع الجماعات الترابية، أصدرت الدولة جملة من القوانين التنظيمية، الهادفة إلى تحسين و تجويد هذا القطاع، باعتباره فاعلا في التنمية من جهة، و من ناحية أخرى باعتباره واجهة إدارية تعكس التوجه الديمقراطي المنشود في ظل الشفافية و الانفتاح. فبناءا على هذا الطرح، نتساءل ما موقع الجماعات الترابية لإقليم طاطا عموما و جماعة فم الحصن بوجه خاص، في هذا التصور الذي رسمت معالمه الهندسة الجديدة للدولة المغربية ؟، وبالتالي ما هو دور السلطات الإقليمية في تقويم الاختلالات الإدارية التي تعرفها بعض الجماعات، و التي يمثل الشطط و سوء استعمال السلطة بعضا من أوجهها كما هي الحالة بالجماعة الترابية لفم الحصن؟.و لمناقشة الموضوع الذي جاء في العنوان أعلاه، لا بد من لفت الانتباه للمعطيات التالية: أولا المعطى المجالي المحلي: قصد التعريف بالمجال، فالجماعة الترابية لفم الحصن تقدر مساحتها بحوالي 5250 كلم مربع، تقطنها ساكنة لا تتعدى السبعة آلاف نسمة أي 6553 نسمة بعدد 1300 عائلة حسب إحصاء 2014. و تابعة إداريا لعمالة طاطا التي تبعد عنها ب 140 كلم شرقا. ثانيا معطى الإصلاح الوطني العام: من المعلوم أن وزارة الداخلية عمدت إلى إصدار مجموعة من النصوص التنظيمية من بينها المنشور رقم :51 بتاريخ:31 دجنبر 2015 الموجه إلى ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، تطلب منهم بموجبه إخبار رؤساء المجالس بإحداث منصب "المدير العام للمصالح"بالجهات والعمالات والأقاليم ومنصب "مدير المصالح" بالجماعات والمقاطعات، وأنه بإمكانهم تعيين المديرين العامين للمصالح ومديري المصالح ومديري المقاطعات بصفة مؤقتة، مع موافاة مصالح هذه الوزارة بنسخ من قرارات التعيين المؤقت. و عملا بما جاء به المنشور أسندت مهام التكليف المؤقت بإدارة مصالح كثير من بلديات إقليم طاطا لموظفين من غير المتصرفين المؤهلين كالتقنيين و غيرهم، رغم توفرها على متصرفين مجازين في الحقوق، و العلوم الاجتماعية و الإنسانية، كما هو الحال بالجماعة الترابية لفم الحصن، مما يعني تغييب شرطي الكفاءة و الاستحقاق خلافا لمضمون المادة 118 من القانون التنظيمي 112.14. من جهة، و من ناحية أخرى أعطي فرصة للارتجال في اتخاذ القرارات الإدارية من قبل مؤسسة منتخبة غير مؤهلة لا تمتلك مقومات التسيير-حتى لا نقول التدبير- الإداري مما يعني ضرب مبدأي الكفاءة والاستحقاق عرض الحائط في تعيين مديري المصالح خلافا لمنطوق المادة 118 من القانون التنظيمي السالف ذكره والمتعلق بمجلس العمالة والإقليم. ثالثا- معطى اختلالات الإدارة المحلية و سوء استعمال السلطة: أ- سوء التسيير و ارتجالية القرار: ليس من الغريب أن يجد هذا ما يفسره في تلك الحالات الشاذة التي عرفتها جماعة فم الحصن، و لا تزال، فيما يتعلق بالعبث بمساطر القانون الإداري سواء تعلق الأمر بتدبير اختصاص المصالح الإدارية للجماعة الترابية أو بالتنقيط و الترقية، و غيرها من التجاوزات التي لا تكاد تنتهي، و هذا ما تجسده اليوم حالة الأعوان الخمسة المعتصمين بداخل البلدية منذ العشرين من شهر أبريل الجاري،و لعل ما يزكي هذا الطرح هو طبيعة الاستفسارات الصادرة من إدارة مصالح الجماعة الترابية لفم الحصن المليئة بالأخطاء بأسلوب ظاهره الركاكة و الأخطاء، و باطنه من قبله الوعيد و التأديب، فإذا كانت هذه حالة النص لغة فما بالك بالفهم و التنزيل السليم للقانون الإداري؟. وللإشارة فقد تلقى أعوان النظافة بهذه الجماعة النائية استفسارات بالجملة تظهر أرقام ترتيب إحداها أنها وصلت الرقم 76 خلال هذه السنة، أي ما معدله 19 استفسارا في الشهر، أو استفسارين لكل موظف إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مجموع موظفي هذه البلدية لا يتعدى 38 موظفا، لتكون بذلك إدارة مصالح هذه الجماعة الأولى وطنيا في استصدار هذا النوع من الوثائق الإدارية ، فهل سنرى يوما مصلحة تحمل اسم مصلحة الاستفسار و الإنذار بهذه الجماعة النائية؟. أمام هذا الطرح لابد من إعادة التساؤل للمرة الثانية عن موقع الجماعات الترابية لإقليم طاطا عامة، و جماعة فم الحصن خاصة في التصور العام و الجديد للإصلاح الإداري الذي أنخرط فيه عموم الوطن؟، و هو ما يستوجب كذلك، التساؤل عن دورا لسلطات الوصية في تفعيل منشور وزير الداخلية عدد 356 بتاريخ 17 أغسطس 2016، خاصة إذا ما استحضرنا ما تعرفه جماعة فم الحصن من انتقامات واهية من بعض موظفيها، كما هو حالها في السنة الماضية، و كما تجسده اليوم حالة أعوان النظافة المغلوبين على أمرهم؟ و هنا نعيد طرح السؤال ذاته الذي جاء في مقالة سابقة، عنوانها:" الإصلاح في المغرب بين الإرادة السياسية و المطالب الشعبية" حول البدائل المطروحة الكفيلة بالتسيير الجيد للجماعات الترابية بعيدا عن المصالح السياسية الحزبية و الشخصية؟ ب- حالة أعوان النظافة كنموذج للتجاوز و سوء استعمال السلطة : إن حالة أعوان النظافة بالجماعة الترابية لفم الحصن تمثل تجسيدا صريحا واضحا لسوء استعمال السلطة، و فهما خاطئا لمفهوم التسيير الإداري، و كسرا للقواعد الإدارية المبنية على أساس الديمقراطية و العدالة و القيم الإنسانية، قبل تنزيل الفصول القانونية و بنودها، وهذا القول يجد تزكيته في كثرة الاستفسارات و الإنذارات بهذا المرفق الفريد، وهو ما تفسره المعطيات التي توفرها هذه النازلة الجديدة المجسدة في اعتصام أعوان النظافة، التي يمكن تدوينها كالتالي: أولا: إن الأعوان الخمسة هم المكلفون دون غيرهم بأعمال النظافة والحراسة الليلة و أعمال الغرس و الكنس داخل و خارج مرفق الجماعة. ثانيا: إن مطالب هذه الفئة مطالب عادية و مشروعة، كما سطروها في ملفهم المطلبي، و الذي وجهوا منه نسخا على شاكلة مراسلات للسلطات الوصية سواء المحلية أو الإقليمية أو الجهوية، و التي يمكن إجمالها فيما يلي: – صحيا: الاستفادة من التلقيح الخاص بأعوان شاحنة النظافة، المتمثل في اللقاح ضد فيروس الالتهاب الكبدي "ب"، بحيث كان آخر عهد لهم به هو شهر أكتوبر 2015. توفير وسائل الوقاية الصحية ووسائل السلامة و الحماية الفردية من قبيل الكمامات و القفازات و خوذات و بذل العمل الخاصة بهذا النوع من الأعمال الشاقة و الملوثة، و ذلك بشكل دوري مرتين في السنة، مع العلم أنهم لا يستفيدون سوى من بذلة عادية واحدة مرة واحدة كل سنة. – ماديا: الاستفادة من التعويضات المادية أيام العطل و الأعياد. الاستفادة من التعويضات عن الأعمال الشاقة و الملوثة من قبيل أعمال الكنس و جمع النفايات و غيرها، خلال أيام العمل داخل مقر الجماعة. – قانونا: التراجع عن الإنذار الموجه إليهم و الذي اعتبروه ظلما و دون سند قانوني، خاصة و أنه يحمل في نصه تهديدا باللجوء إلى تطبيق الفصل الخامس و السبعون المكرر من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، و هو إنذار يحمل نفس تاريخ صدور الاستفسارات يومه 23 أبريل 2018، و للتذكير فالمعنيين يوقعون بشكل يومي على محاضر الحضور، حسب ما جاء في ردهم على الإنذار الموجه إليهم عبر البريد المضمون بتاريخ 24 أبريل 2018. و هنا نسجل تذكيرا مقرونا بمطلب لفقهاء القانون على التفصيل التالي: أ – : إن ما يستوجب التذكير به هي الفصول – و ليس المواد كما جاء في إنذار إدارة مصالح جماعتنا الموقرة- المقننة للعقوبات التأديبية في الباب الخامس من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، التي تبدأ من الفصل الخامس و الستون، و ما بعده حتى الفصل الخامس و السبعون المكرر، الذي هو غاية تذكيرنا، و الذي أضيف بالفصل الفريد من المرسوم الملكي بمثابة قانون رقم 68-710 بتاريخ 26 رمضان 1388 الموافق 17 ديسمبر عام 1968 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 2930 بتاريخ 5 شوال 1388 الموافق 25 ديسمبر عام 1968، الصفحة 3068، بحيث غير وتمم بالمادة الأولى من القانون رقم 97-10 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 165-97-1 بتاريخ 27 ربيع الأول 1408 الموافق 2 غشت عام 1997الصادر بالجريدة الرسمية عدد 4518 بتاريخ 15 جمادى الأولى 1418 الموافق 18 سبتمبر 1997الصفحة 3742، و الذي جاء ضمنه أنه إذا انصرم أجل سبعة أيام عن تاريخ تسلم الإنذار ولم يستأنف المعني بالأمر عمله، فلرئيس الإدارة صلاحية إصدار عقوبة العزل من غير توقيف الحق في المعاش أو العزل المصحوب بتوقيف حق المعاش وذلك مباشرة وبدون سابق استشارة المجلس التأديبي. ب: إن هذا التذكير و ما جاء في نص الرسالة الجوابية للأعوان، ليدفع بالتالي إلى التساؤل عن مدى ملائمة و انسجام الإجراء الإداري المتخذ في حق تلك الفئة مع ما نص عليه الفصل الخامس و السبعون المكرر الذي وضعوا تحت طائلة شموليته؟ ثالثا: إن اللغة المستعملة في الاستفسار، بعيدة كل البعد عن أشكال المراسلات الإدارية الراقية، بحيث لجأت إلى التهديد و الوعيد، و التذكير به مرتين بأسلوب ركيك لا يرقى إلى مستوى الآمال المعقودة على الإصلاح الإداري الذي انخرط فيه الوطن، و هو ما يطرح أكثر من تساؤل حول هذا النموذج الإداري الفريد، و بالتالي الاستفسار عن فتاوى فقهاء القانون في هذا النوع من نوازل التسيير الإداري الذي لم نجد له؛ لا في العلوم السياسية و لا في علوم القانون الإداري؛ تشخيصا، و لربما تعلق الأمر بحالة جديدة في التسيير و التدبير الإداري، لم يوفق الباحث في فهمهما بالشكل المطلوب، و بالتالي وجب التساؤل عن تعميمها و تدريسها ؟. رابعا: إن الحديث عن هذا الموضوع يفرض في هذا الصدد إعادة التذكير بما عرفه هذا المرفق من شطط وسوء استعمال السلطة في حق مجموعة من الموظفين إبان السنة الماضية، من قبل من انتدب لتدبير الشأن العام و تنميته، بحيث خفض معدل تنقيطهم بست نقط دون سند ولا مبرر قانوني، و دون احترام للمعايير المنصوص عليها في المساطر الإدارية، و هو ما يتكرر اليوم، و بشكل يدعو للخجل، في حق أعوان يشتغلون في جمع النفايات دون توفير أبسط وسائل العمل و السلامة الصحية و الحماية الفردية اللازمة، فما دور السلطات الوصية الإقليمية في تقويم مثل هكذا تصرفات؟، بل ما الذي يمنعها من إصلاح مثل هذا الخلل الإداري المتمثل في إسناد إدارة المصالح لغير المتصرفين ، حتى ترقى الإدارة الترابية لمستوى الأمل الذي ينشده مغرب القرن الواحد و العشرين؟ . أما على الصعيد المركزي فلا بد من التساؤل عن طبيعة الإجراء الذي ستقدم عليه السلطات الوصية لإصلاح مثل هكذا اختلال إداري بتكليف من تتوفر فيه شروط تدبير الخدمات الإدارية و تجويدها، تماشيا مع الرؤية الوطنية لتحسين صورة الإدارة المغربية بتجويد خدماتها، وهو الأمر الذي ما فتئت تؤكده الخطب الملكية السامية، وتحث عليه الدوريات و المنشورات الوزارية للسيد وزير الداخلية؟ إن الوضع الذي تجسده هذه الجماعة الترابية ،لا يجد تفسيرا له إلا في قاموس الو لاءات الانتخابية الضيقة، فما يعرفه هذا المرفق اليوم ليس وليد اللحظة، بل إنه سنة نهجها السلف من المجالس المتعاقبة كسنة مؤكدة يتبعها الخلف، و يكون ضحيتها موظفو الجماعة، إما بحكم انتمائهم العرقي أو السياسي، مما يطرح أكثر من تساؤل حول مفهوم الممارسة الديمقراطية للسلطة في إطار الانتداب؟، و لعل ما يفسر هذا ما تعرض له العديد من المستخدمين في العهود السابقة من مضايقات و اقتطاعات في الأجر و استفسارات متوالية، لا لشيء سوى لكونهم ينتمون لتلوين سياسي معارض، فمتى سترقى الممارسة السياسية في الوطن إلى المستوى المنشود، و إلى متى ستظل الممارسة السياسية في هذا البلد السعيد مرتبطة بالولاء و العرق و القبيلة و كأننا في أيام بكر و تغلب؟ و ختاما ووفقا لهذا التصور نعيد طرح التساؤل عن موقع الجماعات الترابية لإقليم طاطا عامة ، و جماعة فم الحصن كنموذج فريد، في التصور الوطني الجديد لمفهوم الإصلاح الشامل للإدارة الترابية، استشرافا لمستقبل تنموي واعد لمغرب صاعد يناشد تنمية مستدامة عنوانها الحكامة الجيدة، أساسها جودة الخدمات الإدارية، وهدفها الرقي بالوطن و الأمة، وهو ما يتماشى و التنبيه الذي جاء به الخطاب الملكي السامي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله: "إن من بين المشاكل التي تعيق تقدم المغرب، هو ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة، أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين".