المنظومة التعليمية اليوم تحتضر، وتكاد تتحول إلى جثة متعفنة مرمية في بيداء العراء، ستون سنة ونحن نحفر داخل زنازننا لنحدث نفقا يؤدي بنا إلى الحياة الحرة والمفعمة بكل معاني الكرامة الإنسانية، لنجد أنفسنا وبعد تضحيات جسام وضحايا كثر، أننا ننتقل إلى زنازين أخرى أضيق وأنكى!!!.. المدرسة العمومية يراد لها أن تباع في المزاد العلني!!!.. المدرس الرسمي الذي حضي بتكوين نظري وميداني، وراكم عبر نضالاته المريرة عدة مكتسبات مادية ومعنوية، يكاد يتواري خلف مدرس متعاقد جديد، فرضت عليه الاملاءات الجديدة، بأن يكون هجينا بدون تكوين ولا حقوق ولا هم يحزنون!!!.. صندوق التعاقد يتم اختلاسه جهارا نهارا، ويتوج الجلاد بوسام " عفا الله عما سلف"، ويحكم على الضحايا بالغرامة!!!.. المجانية يتم تفويتها إمعانا في تجهيل عموم الشعب بغرض إدامة التحكم!!!.. وكل المرجعيات اليوم يتم تبديدها تمهيدا لخلق حالة فوضى وصدمة تساعد على إنهاك الجسم الهلامي لهيئة التعليم!!!.. وفي هذا الصدد تأتي هذه السنة الدراسية مفعمة بكل التوترات الاجتماعية، لتنهي مشوارها بحركة انتقالية قرقوشية، أجهزت على ما تبقى من استحقاق وإنصاف وعدالة، ضاربة بعرض الحائط كل ما من شأنه أن يحقق الاستقرار النفسي والأسري، لقد تعمد مهندسوا هذه الحركة الانتقالية تقريب البعيد وإبعاد القريب، من أجل خلط الأوراق، وإرباك العملية التعليمية والتعلمية، وتفخيخها من الداخل، لخلق تناقضات تناحرية وسط نساء ورجال التعليم، قصد صناعة توازنات هشة تسمح للجهاز الحاكم والمتنفذ، بإنزال ضربته الأخير المجهزة التي سيعلن فيها عن موت المدرسة العمومية وسيواريها في التراب!!!.. وهذا طموح قديم جديد صاحب قوى التحكم، طيلة تاريخ ما بعد "استقلال اكس ليفان".. وتقدم لنا السردية التاريخية نوستاليجا مرضية، تجعل من هذا التاريخ تاريخا متأزما دائريا، كل سنة هو في شأن، لا يستقر على قرار مكين، ولا يستوي على الجود، في كل لحظة يتنادى قد شب حريق هيا نطفؤه، تمتد الحرائق وتتناسل خيوط ألهبتها لتصير سماؤنا ملبذة بالغيوب، و تتحول بيادرنا كهشيم تذروه الرياح. إن تاريخ منظومتنا التعليمية هو تاريخ الإصلاحات بدون أجندات إصلاحية.. منذ ستين سنة تقريبا (1957-2017) وتعليمنا يشبه "علبة سوداء"،لم نكتشف بعد مفتاح إصلاحها للأسف!.. فقد تم الشرعنة لعملية إعادة إنتاج رديئة الإخراج، تعيد إنتاج طبقاتنا الإجتماعية، وتكريس منطق هشاشة المدرسة العمومية ودونيتها، وقد حاولت أجهزت التحكم السمعية والبصرية اعتبار المدرس دفتر وسخ تمسح به خطاياها الآثمة، ولتحقيق هذا التخريب الممنهج المسمى ظلما إصلاحات أهذر رأسمالنا البشري، وقدم قربانا للإملاءات الخارجية، لتتحول منظومتنا إلى منظومة عاجزة عن تزويدنا بموارد معرفية ووجدانية ومهارية، وغير قادرة على الجواب على أزمة الهوية التي يعاني منها مجتمعنا، ومتوقفة أيضا عن توريدنا بمهارات تسمح لنا بولوج سوق الشغل بسلاسة، وراسبة كذلك في مجال تمكيننا بالوعي بجودة الحياة وما تتطلبه من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، ترعب طابور التحكم، وتحرك فيه هواجس الفوبيا من التغيير والعصف بالاستقرار الهش والرديء، ليشاع على مذبح هوى قوى التحكم بأن تعليمنا غير منتج و مهذر للثروات والجهود والزمن، وينبغي ترشيده وتفويته حسب منطق أصحاب الوجبات السريعة، ورغبات قوى الرأسمال المتوحش والسائب!!!.. وللوصول بمنظومتنا التعليمية إلى حالة الاحتضار هذه تم ممارسة عمليات عنف مادية ورمزية مخططة، تمثلت في إضعاف البنيات التحتية وتفقير الموارد وتسطيح البرامج والمناهج التعليمية وتكريس دونية المدرس، وإشاعة البلاهة والغباء وسط المتمدرسين، بتكريس نصوص قرائية متخشبة شبيهة بالمسلسلات المدبلجة، التي تحتل المجال السمعي البصري المتجمد، والتي تنطوي على نزعة استهلاكية تكرس الجهل المركب واللافكر الذي ينطوي عليه قاموس التحكم المتخشب، الذي يعلم أنه كلما ارتفع سقف المعرفة وتضاعف حجم المتعلمين كما ونوعا، ازدادت مطالبة المجتمع بجودة الحياة، وقوى التحكم لا تريد دفع هذه الفاتورة المكلفة لها، فحصيلة أي تعليم جيد هو مزيدا من طوابير المعطلين، ومزيدا من الاحتجاجات، ومزيدا من الاحتقان الاجتماعي، بالإضافة إلى زيادة عبء النفاقات على التعليم العمومي، في حين تدور سياسة الدولة دورة مغايرة وتتجه نحو تحويل أسرة التعليم إلى قطيع من الأغنام في مأذبة الللئام، ليس لهم من الأمر شيء، لا حقوق ولا مكتسبات، فهم مجرد أجراء في ضيعات أسيادهم المتحكمون!.. وقد أسند هذا الأمر لوزير قراقوشي، أتى على متن مجنجرة قدم بها من بوابة وزارة الداخلية، المسمات في لغتنا السياسية الممانعة بأم الوزارات، والتي حضيت تاريخيا بصيت سيء، وأنتجت سنوات الجمر والرصاص، وهي اليوم تنتج بامتياز سنوات كاتم الصوت وعلى نار هادئة، يأتي ليحتل وزارة التعليم ومنظومتها، ويعلن بداية زمن الحماية والانتداب، وفي ظل حالة طوارئ غير معلنة، يقوم بالدوس على كل كامل حقوقنا كأسرة تعليمية وعلى كافة مكتسباتنا، فما حصلنا عليه خلال عدة عقود، يعهد لهذا الوزير بالإجهاز عليه في لحظات.. لكن قدرنا اليوم هو أن نكون أو لا نكون، فلكل احتلال مقاومة.