يقترب موعد الانتخابات التشريعية في المغرب، وتكثر معه التكهنات والاحتمالات والمآلات في ما يخص نتائج هاته الاستحقاقات المصيرية بالنسبة لمجموعة من الأحزاب السياسية وبالنسبة للدولة أيضا. فعكس الانتخابات السابقة سنة 2011 التي تلت الحراك الفبرايري المغربي حيث كانت كل المؤشرات تدل على ان حزب العدالة والتنمية هو الذي سيظفر بالمرتبة الأولى وبالتالي قيادة الحكومة في ظل ظروف إقليمية مضطربة وصعود أسهم تيار الإسلام السياسي في المنطقة، أقول عكس 2011، تتسم هذه الانتخابات بحالة من التشويق وصعوبة التكهن بالحزب الذي سيقود الحكومة المقبلة رغم أن المؤشرات تدل على ان التنافس سيقتصر على الثنائي المتمثل في حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة. ومن خلال الأجواء التي تسبق فترة تقديم الترشيحات وكذا فترة الحملة الانتخابية، يمكن للمتتبع أن يستنتج بأن توجه الدولة هو منح رئاسة الحكومة لحزب الدولة المتمثل في حزب الأصالة والمعاصرة. فما هي الأسباب التي تدفع الدولة لتفضيل "البام" على "البيجيدي"، وما هي دوافعها لإزاحة بنكيران وحرمانه من ولاية حكومية ثانية؟ أولا: الشرعية الانتخابية تنازع شرعية الملك رغم الخدمة الجليلة التي قدمها بنكيران وحزبه للدولة إبان حراك عشرين فبراير والتي جعلت المغرب يبدو استثناء في المنطقة ويجعل المتتبعين ينظرون بأن الملك تجاوب مع الحراك عبر تغيير الدستور أولا وعبر تمكين حزب ذي مرجعية إسلامية من رئاسة الحكومة دون الإنقلاب عليه كما وقع في دول أخرى رغم ان بنكيران قد تبرأ من تيار "الإخوان المسلمين"، اقول رغم ذلك، فالدولة تتوجس خيفة في وصول بنكيران إلى رئاسة الحكومة لولاية ثانية، مما سيزيد من شعبيته ومن شرعيته الإنتخابية. فأن يظل شخص رئيسا للحكومة عشر سنوات متتالية سيمنحه ثقة كبيرة وسيتقوى حزب العدالة والتنمية بشكل كبير ويفند بذلك القول بان وصوله إلى الحكومة سنة 2011كان مجرد صدفة أو كان منة من النظام. الشيء الذي سيجعل شرعية ومكانة بنكيران وحزبه تشوش على شرعية الملك ومحورية المؤسسة الملكية في ظل ملكية تنفيذية. وهذا هو الهاجس الأول للدولة في الاستحقاقات القادمة. ثانيا: التخوف من "أخونة الدولة" يمكن اعتبار هذا الهاجس الثاني نتيجة للهاجس الأول. فوصول بنكيران وحزبه إلى رئاسة الحكومة لعشر سنوات متتالية سيجعل الحزب خبيرا بدهاليز المؤسسات وأسرارها خاصة وان كل الأحزاب التي تصل لرئاسة الحكومة، تحاول ان "تزرع" أعضاءها والمتعاطفين معها في مؤسسات الدولة وما قد نسميه استعارة من الإخوة المصريين ب "أخونة الدولة". وهو الشيء الذي يتخوف منه "المخزن" الذي يسعى دائما إلى فرض مبدأ "لي زار يخفف" ولا يسمح للأحزاب بالتغول ليظل الطرف الاقوى والأدرى بشعابه. المستفيد الآخر من وصول البيجيدي إلى رئاسة الحكومة هو جناحها الدعوي المتمثل في حركة التوحيد والإصلاح التي تشكل خزانا انتخابيا للحزب الملتحي والتي، أي الحركة، اشتغلت بأريحية بعد سنة 2011 وبدون مضايقات وتحرشات الدولة. ولا شك بأن توسع الحركة سيشكل إزعاجا للدولة ويجعلها تحسب لها ألف حساب. ثالثا: إغلاق قوس حراك عشرين فبراير قبل الحراك المغربي سنة 2011، كان الجميع يتوقع أن يسيطر حزب "البام" على الحياة الانتخابية والسياسية في المغرب، حيث كان صديق الملك فؤاد علي الهمة يستعد للسطو على الحكومة وعلى تسيير المدن والقرى، إلى أن شباب عشرين فبراير رفعوا الورقة الحمراء في وجه حزب الدولة الجديد وطالبوا برحيل رموزه ومحاكمتهم. تحاول الدولة إذن من خلال انتخابات السابع من أكتوبر ان تغلق قوس حراك عشرين فبراير وان تعيد الأمور إلى نصابها وتحت سيطرتها خاصة وأن الملك قد عبر للسفير الأمريكي حسب وثائق ويكيليكس بأن الإسلاميين متطرفيهم ومعتدليهم متشابهون. فالدولة إذن لن تغامر بمستقبلها من جديد ولمدة خمس سنوات أخرى وتضعه في " كف عفريت". فالأجدر ان يسير الدولة حزب سياسي تحت أعين الدولة لتجنب المفاجاة والخوض في التوافقات والترضيات مع بنكيران وحزبه. رابعا: إبعاد البيجيدي فرصة سانحة لكسب حكام الخليج لا شك بأن العلاقة المتشنجة بين سكان الخليج وتيار الإسلام السياسي ستؤثر على هواجس واختيارات الدولة المغربية خلال الإنتخابات القادمة. فمعاداة أنظمة الخليج لهذا التيار كانت جلية في كل البلدان التي عرفت انتفاضات وثورات شعبية. وقد حاولت هذه الأنظمة بكل ما أوتيت من بترودولار لمحاربته والإنقلاب عليه. في المغرب الذي تحكمه ملكية تنفيذية، ربما اطمأن الخليجيون على مصالحهم رغم وصول الحزب الإسلامي إلى رئاسة الحكومة لعلمهم بأن كل شيء بيد الملك. تعويض البام بالبيجيدي سيكون له وقع جيد في نفوس الخليجيين وسيزيد من ثقتهم في النظام المغربي كشريك استرتيجي في المنطقة. ومن غير المستبعد ان يغدق هؤلاء على المغرب استثمارات جديدة بعد وصول البام لتحريك جانب من الركود الاقتصادي كما فعلت في مصر. خامسا: بنكيران استنفذ مهامه بنجاح .. فماذا سنفعل به؟ للدولة أيضا حساباتها، فحكومة بنكيران أبلت البلاء الحسن في تنفيذ سياسة المؤسسات الدولية الدائنة من خلال صندوق المقاصة و الصندوق المغربي للتقاعد اللذان كانا يشكلان قنبلة موقوتة في يد الدولة فجاء الانتحاري بنكيران فقام بتمرير ما سماها إصلاحات مؤلمة على حساب الطبقة المتوسطة. لا شك بأن الدولة راضية عنه جدا وحان الوقت لتشكره. ونتوقع أن يقوم حزب البام بمعية رجال الأعمال و مساعدات الخليج بتحريك الركود الاقتصادي وتخفيض نسبي للبطالة ليحس المواطنون بأن الامور تحسنت وبأن ذهاب بنكيران غير مؤسوف عليه. تلكم خمس هواجس، أو لنقل خمسة عصافير، تحاول الدولة أن تضربها بانتخابات واحدة، لكن المهمة لن تكون بالسهلة خاصة في ظل القاعدة الشعبية لبنكيران وتوفره على خزان انتخابي مهم في المدن الكبرى وصعوبة إقناع سكان البوادي بالتوجه إلى صناديق الإقتراع للتصويت لصالح الپام. فهل تستعين الدولة بالنقابات لحسم الأمور لفائدة حزب إلياس العماري؟