انتفض الريفيون وقادوا حراكا سلميا احتجاجا على أوضاعهم التي لا تسر عدوا ،واحتجاجا على المقاربة الأمنية التي تنهجها الدولة في حق أبناء الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، وهذا من حقّهم وليس هناك في انتفاضتهم ما يمس بهيبة الدولة أو يثير الفتنة داخل الوطن كما يروج لذلك في إعلام المخزن، الذي يحاول شيطنة هذا الحراك بكلّ الوسائل ولعلّنا نسمع يوميا ونشاهد في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحات الجرائد حملات التخوين لهؤلاء الشباب الذين يطالبون فقط بقليل من الكرامة وقليل من الحرية . من يريد الفتنة ليسوا أولئك الذين يرفعون شعار الكرامة، وليسوا أولئك الذين يطالبون بالعيش الكريم، وإنما من يريد الفتنة هم أولئك الذين يشنون حملات إعلامية مغرضة لتشويه الريف وإلصاق تهم الانفصال بهؤلاء الشرفاء. من يريد الفتنة هم أولئك الذين التزموا الصمت في قضية محسن فكري الذي تم طحنه في شاحنة الأزبال، ودون استحياء حكموا على قتلته ب8 أشهر حبسا في مشهد مأساوي يندى له الجبين .
من يريد الفتنة هم أولئك الذين أرسلوا أرتالا من العسكر لمواجهة الحراك في الريف، ولقمع هؤلاء الذين خرجوا للمطالبة بحقوقهم.
من يريد الفتنة هو من أرسل البلطجية واشتراهم بالمال مقابل نسف الحراك الشعبي، ولعلنا شاهدنا هؤلاء البلطجية كيف تراجعوا عن أفعالهم وانضموا إلى الحراك بعدما تيقّنوا أنّ من اشتراهم بالمال قادر على أن يبيعهم في سوق النخاسة .
من يريد الفتنة هم أولئك الذين يسعون إلى تنفيذ عمليات اغتيال في حق النشطاء الذين يقودون الحراك، في مشهد يعود بنا إلى سنوات الجمر التي ارتكبت فيها المجازر ظلما
وعدوانا . من يريد الفتنة هم أولئك الذين أحرقوا خمسة شبان في الحسيمة مع انطلاق الحراك الشعبي سنة 2011، ولم يفتح في ذلك تحقيق ،ولم يتوصل أهالي هؤلاء بأي شيء، كما هو الشأن مع جميع التحقيقات التي تفتح في بلدنا، والتي لا تكون نهايتها سوى لصالح التحكم . من يريد الفتنة ليسوا أبناء الريف الذين يؤكدون أنّ مطالبهم اجتماعية صرفة، وإنّما أولئك الذين يوجّهون الإهانات إلى الريف وإلى أبنائه، عبر حملة الاعتقالات التي تشنها قوات الأمن. من يريد الفتنة هو ذاك الذي يدوس بأحذيته على العلم الأمازيغي الذي لا يعبر لا عن دولة ولا عن انفصال كما يروج لذلك في إعلامهم.
أبناء الريف عانوا من الإقصاء خلال سنوات الرصاص، وهاهم يعانون منه الآن ،لذلك من الطبيعي أن يخرجوا إلى الشارع للاحتجاج والمطالبة برفع الظلم الذي مورس عليهم منذ سنين . الإعلام المأجور منذ انطلاق الحراك وهو يمطرنا بالأكاذيب عن الريف وعن أهله ،ويشيطن كل المناضلين كما لم يكلف نفسه عناء الوقوف على حقيقة ما يجري في الريف، ولا حتى أن يسأل ليحصل على الحقيقة، بل كل ما في الأمر أن هذا الإعلام يخدم أجندات من أجرموا في حق الريف وفي حق الشعب المغربي، ويتلقّى الأوامر من أصحاب التعويضات الخيالية، الذين يجلسون في مكاتبهم المكيفة ، فالإعلام الذي شيطن حراك 20 فبراير واتّهم ووصف الشباب بأبشع الأوصاف ،هو نفسه الذي يقف الآن في طريق حراك الريف من أجل إسكات هؤلاء وثنيهم عن مواصلة النضال من أجل الكرامة . معركة الريف هي معركة من أجل الكرامة، ومعركة من أجل العدالة الاجتماعية، ومعركة ضد الظلم الممارس علينا كمغاربة جميعا .
معركة الريف معركة لم تلطخها أيدي اللّصوص ولم يتم الركوب عليها من طرف الأحزاب الممخزنة، كما فعلت مع الكثير من الحراكات الشعبية ، بل لم تأت هذه المعركة تحت لواء أي من الجمعيات التي دأبت الاسترزاق على آلام الشعب ومآسيه. إنّها معركة الكرامة التي قادها الشباب والتي يسعون من خلالها إلى لفت أنظار الدولة التي سلكت طريق الإقصاء في حقهم.
الريف كغيره من المناطق المغربية عانى الويلات وأبناؤه أبوا إلاّ أن يدافعوا عن كرامتهم عبر الاحتجاجات السلمية التي يضمنها الدستور المغربي وتضمنها كل المواثيق الدولية . أبناء الريف لم يحملوا السلاح، ولم يعلنوا عن الإمارة ولم يلجأوا إلى العنف، بل على العكس من ذلك تماما، فهؤلاء أظهروا حرصهم على السلمية بالرغم من وجود بعض المندسين الذين يحاولون دائما الدفع بالحراك إلى ما لا تحمد عقباه.
من حق الريف أن ينتفض ضد الظلم ومن حق أبنائه أن يخرجوا دفاعا عن حقوقهم المشروعة، كما من حقهم أيضا الضغط على صناع القرار والدفع بهم إلى إيجاد حلول لمعاناتهم. فإذا كانت العديد من مناطق المغرب المهمشة لا تستطيع أن تتحرك للدفاع عن حقوقها، فإنّ منطقة الريف تختلف كل الاختلاف عن تلك المناطق، وأيّ تعامل لا يراعي خصوصية المنطقة ولا يسعى إلى رفع الظلم عن أبنائها، فإنّ ذلك سيؤدي إلى مزيد من التعقيد، فالنّار إذا اشتعلت في الريف فلن يكون إخمادها بالأمر السهل