منذ اندلاع أولى شرارات الاحتجاج في الريف عقب مقتل الشهيد محسن فكري طحنا في شاحنة نفايات، ظهر نشطاء الحراك بوعي تنظيمي أبانوا من خلاله عن روح نضالية سلمية وعن تحليهم بالأخلاق و المسؤولية. إذ أنه و عبر كل المحطات ابتداء من أولى الخطوات الاحتجاجية التي تلت استشهاد محسن فكري، ثم مرورا بكل المحطات النضالية التي حجت إليها الجماهير من مختلف بلدات و مداشر الريف المنسي ، لاسيما أربعينية الشهيد التي شهدت فيها مدينة الحسيمة مسيرة مليونية وقف لها العالم وقفة انبهار احتراما لما تحلى به أبناء وبنات الريف من روح نضالية سلمية و حضارية. وطيلة هذا المسلسل الاحتجاجي الراقي، أبانوا رجالا ونساء، صغارا و شيوخا، أن مساعيهم خلافا لما يُرَوِّجُ له المغرضون، لا تعدو أن تكون مطالبا ديمقراطية يصبوا من خلالها المحتجون إلى رفع الظلم و الحكرة عن المنطقة، و توفير كل الشروط من أجل أن يعيش المواطن الريفي بحرية و كرامة. و هذا لن يتأتى إلا بإرادة سياسية حقيقية تفتح عبرها أوراش تنمية حقيقية من شأنها أن ترفع التهميش الممنهج عن الريف المغضوب عليه، ولن يتأتى أيضا إلا بالاستجابة لمطالب المحتجين الذين سئموا أمام السياسات الفاشلة التي تيسر لمناطق مغربية أن يستفيد أبناؤها من اقتناء حاجياتهم بنصف ما يدفعه مواطنوا المناطق الأخرى لشرائها (المواد الغذائية، الكازوال، ...) أضف إلى ذلك تركيز الاستثمارات في مثلث "المغرب النافع" دون النظر إلى الريف الذي يهاجر شبابه بحرا و برا من أجل البحث عن فرص للشغل، ومن أجل البحث كذلك عن ما وفرته دولتهم في مناطق أخرى ولم توفره في منطقتهم. إلا أن اللافت للانتباه هو أن الطابع السلمي و الحضاري للحراك تبين بالملموس أنه أضحى يزعج السلطات، خصوصا بعد أن أخذت رقعة الاحتجاج تكبر في كل الاتجاهات وفي كل ربوع الريف، خصوصا عقب الحملات التوعوية للنشطاء في المقاهي و الأسواق الأسبوعية و المنازل، و التي كانت تجد آذانا صاغية من لدن السكان الذين لمسوا في مطالب الحراك ما يدل على عدالتها و مشروعيتها. لذلك، ظهرت بعض المناورات من أجل جر الحراك إلى مستنقع العنف و الغموض، بغية زرع أولى بذور التشكيك في سلمية الحراك، ومن أجل تخويف و ترهيب الساكنة لإضعاف الاحتجاج وللحد من تدفق الجماهير والتفافها على مطالبهم. وقد استعان المخزن بأقلام مأجورة وبمواقع إلكترونية تحاول أن تزين وجه الغول لتقدمه للقارئ و المشاهد على أنه بمظهر وديع و لطيف يسر الناظرين ! ولهذا الغرض، تم شن حملة إعلامية مسعورة تستهدف نشطاء الحراك بغية شيطنتهم، وتقديمهم أمام الرأي العام كفؤوس التمزيق و الفتنة و الانفصال تهوى على شجرة الاستقرار و الوطنية ، ناسين أنها في حقيقة الأمر هي الشجرة ذاتها التي تخفي وراءها غابة الاستبداد والتسلط و الفساد ونهب الثروات، كما تخفي أدغالا من الحقد و الكراهية و أحكام معلبة حول ريف تمت شيطنته كي يملؤوا جهنمهم بكل من رفض الركوع مع الراكعين ! لهذا ارتأيت الوقوف عند بعض المحطات علني أساهم في نفض الغبار عن تعنت الدولة وعدم الاستجابة لمطالب الريفيين، ثم أعرج على تحليل مسار الحراك وما يدور حوله من ردود الفعل و تسخير أساليب القمع و الإكراه والإجبار المادي و المعنوي، وبخلق أسس واهية عبر التضليل و التلفيق بغية إدخال المحتجين قائمة الأعداء "المارقين" و الخارجين عن القانون. راجيا أن أتوفق في محاولة إصلاح عقارب بعض البوصلات التائهة. • أيث عبد الله؛ هاذي البداية مازال مازال... ابتدأت ربما أولى بوادر جس النبض و محاولة جر الحراك إلى مستنقع العنف من بلدة أيث عبد الله عندما حل هناك بعض النشطاء في إطار توعية الساكنة بمطالبهم، وإذا بهم يتفاجأون بوجود قائد الجماعة وبعض الوجوه الغريبة عن المنطقة، والتي تم استقدامها قصد استفزاز النشطاء و التشويش عليهم ومحاولة الاصطدام معم. وقد تبين ذلك بالملموس عندما تجرأوا على خطف الهواتف المحمولة من أصحابها الذين كانوا يوثقون بالصوت و الصورة ما يحدث. • بلطجية الناظور في موقعة الخنجر... بعد فشل البلطجية في آيث عبد الله، واستمرار انتشار حملات التعبئة في مختلف المداشر و البلدات في الريف، ستتضح جليا مساعي المخزن لتكسير شوكة الحراك. هذه المرة في ساحة التحرير بمدينة الناظور، والتي كانت على موعد مع مناضلي مدينتين ريفيتين أريد لهما أن تسبح كل منهما مع همومها في واد. هذه الإرادة التي أراد المناضلون تكسيرها بتضامن نضالي من شأنه أن يشكل لبنة لحراك ريفي ضاغط. الشيء الذي يفسره الهجوم الغير متوقع على الحراك، بتسخير أناس يبدو من خلال ملامحهم و الندوب البادية على وجوههم و أذرعهم، أنهم من ممتهني الشجار و مدمني المخدرات، وذلك لنسف الوقفة الاحتجاجية السلمية التي نظمها النشطاء في ساحة التحرير يوم 25 دجنبر 2016. وكان من وراء هؤلاء البلطجية أشخاص معروفون في الناظور بأساليبهم الخسيسة واحترافهم للابتزاز و البلطجة. بعد بداية وقفة نشطاء الحراك بدقائق، سيفاجأ الجميع بهجوم جبان من أناس يحمل بعضهم الأعلام الوطنية و صور الملك، ويلوح آخرون بسيوفهم وخناجرهم وعصيهم على المحتجين في ساحة عمومية و في واضحة النهار وأمام عدسات الكاميرا التي وثقت الجريمة بالصوت و الصورة. بعد الهجوم الشرس و الغادر، سيصاب ناشطان من نشطاء الحراك بجروح بليغة. وعوض ان يتم القبض على الجناة و المجرمين، تم تحريك "المقدمين" ليدقوا أبواب بيوت المصابين في الحراك بغية زرع الخوف في أوساطهم العائلية. • آ هشام آ هشام.. "أو نتنسيحيب شي" ! انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، تسجيل صوتي أزاح الستار عن سياسة تسخير الأيادي الخفية التي تسعى من خلالها السلطات للقضاء على الحراك الشعبي. ومن خلال هذا التسجيل المنسوب لفاعلة جمعوية تابعة لتوجه حزبي معروف وهي تتكلم مع زميل لها يدعى هشام، محاولة إقناعه بعدم العدول عن قرار المشاركة في المعرض الذي كان من المزمع أن ينظَّم بغية كبح الحراك و الحد منه. وهذا ما يظهر بشكل واضح في التسجيل الصوتي الذي فضح دسائسهم و مساعيهم لإطفاء صوت الشارع بكل السبل. هذه المكالمة المسربة، مرغت وجه المسترزقين في أوحال الذل و العار، وأبانت عن الوجه الحقيقي لمجتمع مدني عبارة عن ذراع من أذرع الدولة التسلطية التي تسعى إلى تحقيق الاحتكار الفعال لمصادر السلطة و القوة في المجتمع لكبح الاحتجاج و محاولة بناء عقليات تساير التسلط وتصنع من الفشل و العبث مجدا وافتخارا عن طريق التطبيل تارة، وشيطنة الآخر تارة أخرى، كي يظهر في صورة فوضوي خارج عن "الطاعة"، ومهدد للاستقرار و الوحدة. هكذا إذن يتم استعمال المجتمع المدني ليصير ومعه الحقل السياسي، مجرد تأثيث للتسلط و التحكم بعدما تفنن المتحكمون في اختيار ألوان الهذيان و التملق ليصنعوا من المفعول بهم مجتمعيا و سياسيا لوحات تسعى إلى خداع العين التي تحاول مواكبة ما يحصل. • معرض "مُعارض".. بعدما أصبحت ساحة الشهداء تعج بشكل يومي بالأصوات الحرة، ارتأى المسؤولون إبداع المعرض/الشوهة من أجل احتلال الساحة التي كانت تأوي المحتجين وقطع الطريق أمامهم لوضعهم في صورة تعكس غير ما ترسّخَ في أذهان الرأي العام حول سلمية الحراك. إذ ستبدو أولى محاولات التحاق المحتجين بالساحة بمثابة هجوم على معرض "مرخّص له". وبرجوعنا إلى تصريح المدعو عبد المنعم شوقي لإحدى المنابر الالكترونية إبان الهجوم على نشطاء الحراك بالسيوف، وهو المعروف بتملقه ولعبه لعبة "السرباي" المطيع في مهمة إخماد الاحتجاجات عن طريق تجنيد الأطفال القاصرين ومدمني المخدرات وذوي السوابق العدلية، وشحنهم بأفكار مغلوطة على المحتجين من قبيل الالحاد و خدمة أجندات خارجية و الانفصال...؛ هكذا إذن صرح بأن الوقفة المناوئة للحراك تتوفر على ترخيص من السلطات، عكس وقفة نشطاء الحراك. هذا التصريح إن دل على شيء فإنما يدل على نفس مساعي ومخططات الدولة لشيطنة الحراك وتلطيخ صورته في الحسيمة بإقامة معرض قيل انه للصناعة التقليدية. وتنكشف معه لعبة استغلال التراخيص و القوانين لخدمة رغبات المتحكمين. الترخيص لشمكارة الناظور الذين حلو إلى ساحة التحرير بالناظور بصور الملك و الأعلام الوطنية وكلهم حماس للهجوم على "أعداء" هُيِّئوا نفسيا عبر التحفيز و الإغراء لتنفيذ ذلك، والترخيص لمعرض الخيام الفارغة على أنغام موسيقى الصنهاجي ونانسي عجرم، هما وجهان لعملة واحدة عنوانها العبث السياسي و شرعنة التسلط. فهذه الخيام التي ظلت فارغة تتطاير أحيانا مع هبوب الرياح، والتي غابت أيام الزلزال حينما كان المواطنون في أمس الحاجة إليها، لم يكن من ورائها هدف إلا فرملة المد الاحتجاجي. (يتبع)...