إلى عهد قريب، كانت الفضائح تأتي على قادة حزب العدالة والتنمية منفردة، وعبر فترات متباعدة في توقيتها الزمني، حتى شاءت لها الأقدار أن تأتي مجتمعة، وتسقط على رؤوسهم في أوقات متزامنة، كما حصل هذه الأيام مع وزيري الحزب في الحكومة، مصطفى الرميد ومحمد أمكراز، اللذين تورطا بكيفية صادمة في عدم التصريح بمستخدميهما، لدى إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مع ما ينتج عن ذلك من حرمانهم من حقوقهم في الرعاية الصحية والاجتماعية والتعويضات العائلية، وحقوقهم في التقاعد، بل إن الضرر الكبير لا يقف عندهم، وإنما يمتد إلى أطفالهم وإلى ذوي الحقوق، سواء أثناء فترة العمل، أو بعد التقاعد أو عند الوفاة. ويا لغرابة الصدف وفظاعتها، أن يكون بطلا هذه الخروقات المضرة لصورة المغرب في الخارج، بقدر إضرارها بحقوق الضحايا، هما وزيران بارزان من حزب العدالة والتنمية، الذي يدعي ظلما وبهتانا، أنه جاء لتخليق الحياة العامة، وعقلنة التدبير، وتعزيز أنظمة الحكامة الرشيدة، بل وأكثر من ذلك، يدعي الحزب في أدبياته وتصريحات قيادييه، أنه جاء إلى الساحة لضخ حقنة من الأخلاق في دماء السياسة بالمغرب، كما قال يوما عبد الإله بن كيران. وقالت الحركة الدعوية مرضعة الحزب، إنها تعمل من أجل ترشيد تدين المغاربة، وهدايتهم إلى النموذج الديني الذي تقترحه عليهم، بعد أن استوردته من التنظيمات الدينية المتشددة في المشرق، كبديل عن النموذج، الذي آمن به المغاربة، وتشبعوا بقيمه الوسطية التي تأسست على التسامح والاعتدال والرحمة. وها هي الأحداث المتوالية، مسنودة بالحجج والدلائل القطعية، تظهر مجددا لمن كان يعرف ولمن كان غافلا، مساوئ وخطايا قادة الحزب الذي يدعي الإصلاح، ويسبغ على نفسه وعلى أتباعه كل صفات الفضيلة، وأوصاف التقوى والورع، ويزايد على الجميع بالنزاهة والدفاع عن الحقوق وعن المستضعفين، وهم ليس لهم منها إلا أصفار على أصفار، إلا من رحم ربك منهم، وهم قلة مهمشون لا رأي لهم، ولا حظ لهم ولا نصيب في وزيعة المناصب بوزارات الحزب، والبلديات التي استولى عليها بالانتخابات، واعتبر وصوله إليها «تمكينا إلاهيا» يمنحه الحق الكامل للتصرف في الممتلكات العمومية، وحياة الناس ومعتقداتهم. هناك أكثر من درس قاس، يمكن استخلاصه من مصيبة الوزيرين مصطفى الرميد ومحمد أمكراز، وأول الدروس أنهما تنكرا لمجموعة قليلة من المستخدمين لديهما، ظلوا يتفانون في العمل بمكتبيهما للمحاماة، ساهرين ومواظبين على رعاية المصالح المهنية والمالية للوزيرين، فكيف لمن لم يستطيعا الوفاء بحقوق ثلة صغيرة جدا من مستخدميهما، أن يقوما برعاية أمانة عموم المواطنين، والحرص على إيتاء الحقوق لمستحقيها. وثاني الدروس أنهما من الناحية الدينية أو من حيث الشرع كما يسمونه، كان الرجلان يقولان ما لا يفعلان، والجواب على ذلك واضح في القرآن الكريم وليس في أساطيرهم، حين يقول الله تعالى في محكم كتابه: «كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون»، وحين يقول عز وجل: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم، وأنتم تتلون الكتاب، أفلا تعقلون؟». لذلك نسأل الوزيرين الرميد وأمكراز، ومعهما لجنة الكذب على النزاهة والشفافية في حزبهما، التي لم يسبق لها أن أدانت مقترفا منهم لذنب أو خطيئة، لسبب بسيط، وهو أن هذا التنظيم السرطاني لا يفرط في أتباعه، لأنهم هم حطبه الانتخابي، وهم زاده ووقوده في نهجه الدعوي، المروج للأراجيف، أقول نسأل الوزير مصطفى الرميد المكلف بالسهر على الحقوق والإنصاف لعموم المواطنين، والوزير الأعجوبة محمد أمكراز المسؤول عن حقوق المستخدمين والعاملين في مجموع الوطن: بأي وجه ستلقيان ربكما يوم تقفان بين يديه، بعد أن كنتما تتاجران بكتابه العزيز، وبسنة نبيه الأمين، كي تصلا إلى نعيم السلطة ومغانمها، بينما أنتما أقل الناس إيمانا بمتطلبات الفضيلة والتقوى والورع، لأن من أبسط تلك المتطلبات، إعطاء الحقوق لذويها المستحقين لها؟ وكيف ستكون توبتكما؟ وبأي ثمن ستكون؟ وكيف يقبلها الله منكما، والأمر في جوهره، لا يتعلق فقط بعلاقتهما بربكما مما قد يغفره، ولكنه يتعلق بحقوق ثلة من عباده الصالحين، الصابرين على ما أصابهم منكما، فبأي وجه ستلقيان ربكما في الآخرة، هذا إذا لم يصبكما عقابه في دار الدنيا الفانية، التي تعلق بها قلب كل منكما، فنسيتم ما كنتم إليه تدعون، فصدق عليكما قول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم: «أولئك الذين نسوا الله، فأنساهم أنفسهم». أما ثاني الدروس المستخلصة من استقواء وزيري العدالة والتنمية، مصطفى الرميد ومحمد أمكراز، فهو إعطاء دليل إضافي على ما فيهما من صفات الجحود والتنكر، وهي صفة متأصلة في سلوك كبار قياديي العدالة والتنمية، الذين لم يكونوا يجدون من يصافحهم حين كانوا يفترشون الأرض ويسكنون في البيوت البسيطة، وحين وصلوا إلى نعيم السلطة وخيراتها، محمولين على ظهر الانتخابات الموؤودة والمفترى عليها بحكم نسبة المشاركة الضائقة، مسحوا ماضيهم من ذاكرتهم وتنكروا لكل من عمل فيهم معروفا، فاستقدموا كتائبهم إلى المناصب، ومعهم فلول من منعدمي الشخصية والكفاءة كي يوقعوا لهم على صرف الميزانيات، دون تمحيص أو مجادلة أو تدقيق، وتقارير المجلس الأعلى للحسابات فضحتهم بما يكفي. وأما الدرس الثالث، الذي توحي به فضيحة الرميد البرطال، وأمكراز الذي تفنن في الألبسة والنظارات الباذخة منذ نعمة الاستوزار، بعد أن كان يتفنن في غلظة الكلام، واللعب على أوتار الشباب المراهق لاستقطابه إلى حزبه، وهذا الدرس الثالث مهم جدا، لأنه ينسف الأسس التربوية المزعومة لمدرسة حزب العدالة والتنمية، ويؤكد أنها لا تقوم على بناء القدوة والمثال، وإنما تمارس الخداع فقط، وهاكم الدليل يا صحاب، تلخصه عبارة واحدة فقط لا مزيد عليها، إلا إذا شئتم بعض الاستطراد. وهذه العبارة تقول إن أمكراز في ما أقدم عليه من فعل شنيع قانونيا وأخلاقيا، لا يعدو أن يكون قد سار على نهج القائد الحزبي الكبير مصطفى الرميد، فاقتدى به في الموبقات وأكل الحقوق، والناس على دين كبار قادتها كما يقال، وهو ما يعني أن مدرسة العدالة والتنمية التي تفتقر إلى القدوة الصالحة، إلا من رحم ربك من المهمشين المغمورين بينهم، قد أصبحت متخصصة في إنتاج قدوة السوء، ممن يقلدون كبارهم من الجيل المؤسس للعدالة والتنمية، في المساوئ والإثم والغرور والادعاء. بيد أن حالة الوزير محمد أمكراز، فيها من تنطع وفساد الشباب، ما يتجاوز بكثير مصيبة ومظلمة مصطفى الرميد، التي طالت المرحومة بشرى، ذلك أن وزير الشغل الشاب لهف حقوق أكثر من مستخدم، وهو زعيم شبيبة الحزب، الذي كان وإلى غاية الليلة السابقة على استوزاره، يتطرف في المزايدة على المسؤولين العموميين في التجمعات والفايسبوك، ولا يتورع عن انتقاد مؤسسات الدولة التي لا يسيرها قادة حزبه، ويرسم للبلد صورة سوداء. وإذا كان القناع قد سقط عن القناع، فإن مسألة صناعة القدوة قد تحطمت في بيت العدالة والتنمية. لقد وجد الحبيب الشوباني قدوته في قصة العشق عند الشيخ المتصابي عمر بنحماد، مع إضافة لقب «مولاي» رعاكم الله، ووجدت الحسناء سمية بنخلدون ضالتها وقدوتها في عطش السيدة الظمآنة فاطمة النجار، وهي تدرب الشيخ المدلل على تقنيات الانعاض والانهاض وحتى الإنعاش، تماما كما وجد محمد يتيم، منظر الحركة الدعوية والحزب العتيد، قدوته لدى من يعرفهم من سدنة الحزب والحركة. لكن الرابط بين كل هذه القدوات، هو السير وفق أهواء اللذة والمال وحب الدنيا، ولو على حساب القيم وحقوق الغير. وها قد دقت ساعة الحقيقة، لتوقظ بصيرة من بقيت لديه ذرة من الثقة في قياديي حزب العدالة والتنمية، ولتفتح أعينهم على ما لا يصدقه عقل، فعلم الناس بالحجة والدليل، أن هؤلاء الذين ظلوا يزايدون على خصومهم السياسيين وعلى المسؤولين العموميين، بشعارات ومبادئ الحكامة والنزاهة ومواثيق الأخلاقيات، هم أبعد الناس عن التحلي بهذه المبادئ، وهم أول من يدوس على حرمة القانون، إذا كان ذلك يخدم مصالحهم الشخصية أو السياسية، لتتكاثر الأمثلة على هذا السلوك منهم، في عدد غير قليل من القطاعات التي يشرف عليها وزراؤهم، في حين خرجت إلى العلن، حالات أخرى أكثر فظاعة، تتعلق بالخروقات القانونية التي ارتكبها بصفة شخصية، عدد من عمداء البلديات المنتسبين إلى حزب العدالة والتنمية، علاوة على بطل الخروقات في مجلس جهة تافيلالت. وهلم جرا...