المخبر والعميل ينظر إلى كل شيء من حوله بعقلية المخبر والعميل حتى ولو صار رئيس دولة، ذلك هو حال الرئيس الجزائري عبد العزيز تبون، الذي لم يرتق بعد إلى مستوى رؤساء الدول، واختار أن يبقى مكلفا بمهمة عسكرية في منصب رئاسة الجمهورية. حماقات تبون مع المغرب كثيرة وآخر قصصها ما نقلته صحيفة «الشروق» التي نقلت عن مصادرها «الخاصة والمطلعة» أن «السلطات العليا في البلاد قررت هي الأخرى، طبقا لمبدأ المعاملة بالمثل، بناء قاعدة عسكرية استراتيجية في موقع قريب من القاعدة المغربية، وذلك لحماية حدودها وأمنها القومي من المخاطر والتهديدات المباشرة، التي يشكلها التواجد المخزني، وبتشييد إسرائيلي». وتفيد «الشروق» أن الجزائر ستبدأ في تشييد قاعدة عسكرية «استراتيجية وهامة على الحدود الغربية للبلاد، قبالة القاعدة العسكرية المغربية، التي شيدها نظام المخزن مؤخرا، على بعد 38 كيلومترا عن الأراضي الجزائرية، في توجه استفزازي صريح، ينم برأي المراقبين عن مخطط عدائي واضح تجاه الجارة الشرقية، حيث لا شيء يبرر على الإطلاق مثل هذا الخيار الخاطئ، سوى تنفيذ الأجندات الدولية العدائية ضد استقرار المنطقة، واستهداف عمادها الإقليمي». ما تجتره الرئاسة الجزائرية وخلفها الجيش الذي يحركها ينطوي على كثير من المبالغة والنصب، لأن كل ما في الأمر هو مرسوم لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني صدر منتصف شهر ماي الماضي ينص على تخصيص أرض بمساحة 23 هكتارا، في إقليمجرادة، لبناء قاعدة عسكرية خاصة بالقوات المسلحة الملكية في سياق الجهود الوطنية لمراقبة الحدود. لكن تبون يريد أن يضيف التوابل المغرية إلى القصة كي تكون أكثر رواجا، فأضاف إليها إسرائيل والخبراء الإسرائيليين، تماما كما فعلت أمنستي وهي تتهم المغرب بأنه طلب من إسرائيل التجسس على أحد مواطنيه قبل أن أن يظهر أن القصة كلها أضحوكة سخر منها الناس. والظاهر أن الجزائر تريد تصفية حساباتها مع إسرائيل على حساب المغرب، ولذلك نقرأ في تسريبات «الشروق» أن الجزائر غاضبة من عدم وقوف إسرائيل ضد احتجاجات الشارع الجزائري، فجاء في المقال أن «كثيرا من العسكريين والسياسيين الإسرائيليين هم من أصول مغربية، ولعل أبرزهم إيدي كوهين، المستشار في مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والذي تناول الوضع في الجزائر عبر الكثير من تغريداته، محرضا وداعما للفوضى». ولا تهم كل هذه التخاريف التي لن تنطلي على أحد، بقدر ما يهم أن «الشروق» ونقلا عن مصادرها المقربة من الرئيس تكشف عن أصل الإشكال في المنطقة المغاربية، وعن طبيعة نظرة الجزائر لنفسها باعتبارها «الدولة المركزية المحور... بكل ثقلها السياسي والدبلوماسي والعسكري في الفضاء المغاربي، والقارة الإفريقية بشكل عام». هذا هو مبتدأ الحكاية ومنتهاها، ذاك الهوس الجزائري بأن يكون نظامها العسكري هو الممسك بمصير المنطقة المغاربية، وقيادتها نحو المجهول. وقادت الجزائر المنطقة إلى المجهول حين تلاعبت بورقة التنسيق العسكري مع دول الساحل والصحراء ووظفتها في الحرب على المغرب، بينما كانت القاعدة وتنظيماتها الإرهابية المتفرعة تحصد المساحات الفارغة في الساخل والجنوب الجزائري. وبسبب العدوان الجزائري يرى الجميع كيف انهار الاتحاد المغاربي، وكيف أبرمت الجزائر صفقات مع تركيا على حساب السيادة الليبية، وبسبب نزوعات الهيمنة الإقليمية يتم تفقير الجزائريين لضخ أموالهم في حسابات شركات التسليح الروسية، وبسبب نزوعات الهيمنة يستهلك تجار الانفصال في تندوف ما يفترض أن يكون من نصيب شعب الجزائر. لكن تبون مغلوب على أمره، وهو مجرد ملحق عسكري في قصر رئاسة الجمهورية. ولذلك وحين أثيرت قضية القنصل المغربي في وهران، لم يجد وزراء تبون مفردات يستعملونها غير القاموس العسكري، فنجدهم يصفون القنصل بأنه «عميل للمخابرات المغربية»، وبجرة قلم يتحول الرجل، الذي قضى قرابة أكثر من عقدين في العمل الديبلوماسي إلى «عميل مفضوح»، فقط لأن تبون ومن معه لا يستطيعون إنتاج مفاهيم مدنية، فيلجؤون إلى قاموس سادتهم في الجيش. ومشكلة تبون أنه لا يجد في الجزائر هامشا لممارسة صلاحياته الرئاسية بعد أن تم السطو عليها من طرف الجيش الذي يدير مؤسسة الرئاسة عبر الملحق العسكري عبد المجيد تبون، ولذلك نجد الرجل يبحث في المغرب وقضايا المغرب عن متنفس للاشتغال يبعد عنه البطالة القسرية التي فرضها عليه جنرالات الجيش. لكن تبون إن كان قد صار أحمقا، فإن عقل الجزائريين والمغاربة هو أسلم من أن تنطلي عليه قصص خيالية تنقصها الحبكة السينمائية فبالأحري أن يصدقها العقلاء في الواقع.